تشتد أزمة النفط العاملية فصلا بعد الآخر، مع تدهور أسعاره ودون بوادر تحسن في المدى القريب، ما يدفع كبرى شركات النفط العالمية لاتخاذ إجراءات تقشفية، عن طريق إعادة النظر في استراتيجيتها، والحد من النفقات من خلال تقليل الاستثمارات وزيادة تسريح الموظفين التي باتت تطال عشرات آلاف الأشخاص. وسجلت الشركة الأمريكية "شيفرون" في أواخر جانفي الخسارة الفصلية الأولى لها منذ 13 عاما في الأشهر الثلاثة الأخيرة للعام 2015، إذ طغى تدهور أسعار النفط على الأرباح التي سجلتها في ذلك العام، أما الشركات الأخرى ليست أفضل حالا. فقد تراجعت أرباح العملاق الأميركي "إكسون موبيل" إلى النصف العام الماضي، وتدهور صافي أرباح مجموعة "شل" الهولندية البريطانية سبع مرات، بينما باتت مجموعتا "بريتش بتروليوم" البريطانية و"ستات اويل" النروجية في الاحمر، بحسب فرانس برس. "توتال" الفرنسية التي تعلن نتائجها السنوية في 11 فيفري لن تكون في منأى عن هذه الأزمة. فقد ألمح رئيس مجلس إدارتها باتريك بويانيه إلى تراجع بنسبة 20%. وعلق ديمبك بالقول «الشركة لا يمكن أن تكون منفصلة عن الشركات الأخرى". وللصمود، تلجأ كبرى شركات النفط إلى الحد من النفقات من خلال تقليل الاستثمارات وزيادة تسريح الموظفين التي باتت تطال عشرات آلاف الأشخاص. وتراجع سعر برميل النفط 47% في العام 2015 مقارنة بالعام السابق ليبلغ معدل سعره 52 دولارا، وبأكثر من 70% منذ جويلية 2014 نتيجة فائض في العرض بسبب الخلاف حول الحصص بين نفط دول أوبك وفي مقدمتها السعودية وبين النفط الصخري من الولاياتالمتحدة. كما تراجع سعر برميل النفط إلى ما دون 30 دولارا للبرميل في جانفي قبل أن يسجل تحسنا طفيفا، بحسب فرانس برس. ويختصر الخبير الاقتصادي كريستوفر ديمبك من مصرف "ساكسو بنك" الوضع قائلا: «أشك بحصول تحسن في العام 2016"، متابعا: "السعودية ليست لديها دوافع لإعادة النظر في استراتيجيتها، لذلك نحن إزاء سياسة سعر منخفض للنفط. لا أعتقد أننا بلغنا السعر الأدنى ولو أنه سيستقر حول 30 دولارا للبرميل". وأوضح ديمبك «إجراءات التقشف ساعدت في 2015 ويمكن أن تساعد في 2016، لكن تكرير النفط عامل آني أساسا ولن يكون كافيا للحد من الآثار على النتائج". ويقول معهد «اينرجي نوفيل» الفرنسي للأبحاث إن الاستثمارات في مجالات التنقيب عن النفط انهارت ب21,1% لتبلغ 539 مليارات دولار في العام 2015، ومن المتوقع أن تظل تشهد تراجعا ب10% في العام الجاري، بحسب فرانس برس. وبحسب «إينرجي نوفيل»، انهار نشاط القطاع الجيوفزيائي ب28% العام الماضي وقطاع التنقيب ب27%. ومن المتوقع أن يستمر هذا الميل هذا العام مع تراجع ب10% و6% تباعا. ويرى المراقبون أن إجراءات التقشف ضرورية خصوصا أن الأمل الضئيل الذي تولده عمليات تكرير النفط المستفيدة من تراجع أسعار البرميل للتعوض عن خسائر مجالات التنقيب والإنتاج، يمكن أن يتبدد بسبب مشكلة فائض في قدرة الإنتاج. واعتبر آندلاور أن ذلك «مثير للقلق على الصعيد الصناعي»، لأن تراجع الاستثمارات يؤثر على العائدات المستقبلية إذ يحد من إمكانات الإنتاج، مضيفا أن «الضغوط أقوى في قطاع الخدمات النفطية الذي لم تنته معاناته بعد»، حيث يبدو المستقبل قاتما لشركات مثل «سي جي جي» و»تيكنيب» و»بوربون» و»فالوريك» الفرنسية. وتتعرض هذه الشركات لضغوط من أجل خفض أسعارها من شركات النفط التي تشتري خدمات وتجهيزات منها.