مرّت 60 سنة على إصدار مجلة الأحوال الشخصية، التي منحت المرأة التونسية الحقوق والضمانات الهامة والرائدة وصنعت الاستثناء التونسي في وطن عربي ما تزال فيه النساء يرضخن لعدة قيود من مجتمعات أغلبها ينتهك حقوق المرأة، ولكن هل استطاعت مجلة الأحوال الشخصية وما تحقّق من مكاسب وانجازات حماية المرأة التونسية من كل أشكال الانتهاكات والاعتداءات كالتمييز السلبي والعنف والاستغلال؟ المرأة التونسية التي حصلت على المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، ومُنحت حق التصويت منذ 1956 وحصلت على حقوقها السياسية كاملة، إلى جانب حقوقها الاجتماعية والمدنية كالحق في طلب الطلاق مع منع تعدّد الزوجات، والحق في الإنجاب من عدمه حيث أن حق الإجهاض مكفول بقانون منذ 1973 والحق في الدراسة وفي العمل وفي تولّي المناصب في الدولة وفي كل القطاعات والأسلاك مع قانون يضمن تكافؤ الفرص بين الجنسين، ولئن تحقق كل ذلك بمجهود كبير من الحركات النسوية وبنضال من أجيال متعاقبة من النساء وبإرادة سياسية قوية بعد الاستقلال وبحركة تقدمية أنصفت المرأة وقادها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، إلا أن اليوم هناك مخاطر تحدق بحقوق المرأة وهناك تنكّر من المجتمع لهذه الحقوق. اليوم يقترن عيد المرأة رمزيا وتاريخيا بتاريخ صدور مجلّة الأحوال الشخصية، التشريع الاستثناء في العالم العربي والإسلامي ولكن حزمة القوانين والتشاريع لم تحم المرأة كليا من عدة انتهاكات واعتداءات تتزايد بشكل لافت، خاصّة في المحيط الأسري. استغلال جنسي.. كشف تقرير نشرته الشبكة الأورومتوسطية في وقت سابق حول العنف ضد النساء وبالرجوع إلى إحصائيات قدّمتها وزارة الداخلية أن 46 امرأة لقيت حتفها من مجموع 7861 تعرضن للعنف في الأشهر العشرة الأولى لسنة 2013. في المقابل توفيت 34 امرأة في نفس الفترة من سنة 2012 وذلك من مجموع 7372 امرأة مورس العنف عليهن وذكر التقرير أن 90 بالمائة من حالات العنف تمت داخل الوسط العائلي و كان ضحاياها من الأزواج. التقرير المذكور أشار كذلك إلى دراسة أنجزتها المنظمة الدولية للهجرة وصنّفت تونس كبلد عبور وبلدا مصدّرا ووجهة للنساء الخاضعات للعمل القسري وللدعارة، وأكّد على أن تونسيات أمضين على عقود عمل في لبنان وعندما وصلن أجبرن على ممارسة البغاء كما أن التونسيات العاملات في العلب الليلية الأردنية هن ضحايا للدعارة القسرية. بالإضافة إلى هذا التقرير نجد الإحصائيات التي كشفها منذ مدّة مركز الإصغاء والتوجيه للنساء ضحايا العنف التابع للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والذي أكّد على أن العنف الزوجي والجنسي بلغ في الفترة الانتقالية حوالي 70 بالمائة. كما أشار إلى أن الفترة ما بين سبتمبر 2013 و فيفري 2014 شهدت تعرض 95 امرأة من جملة 144 معنفة إلى شكل من أشكال العنف الزوجي ويبلغ عدد المعنفات اللاتي لا عمل لهن 46 امرأة بينما وصل عدد المعنفات اللاتي تترواح أعمارهن بين 30 و60 سنة إلى 72 امرأة. نصف التونسيات معنّفات! منذ أسابيع تقدّمت وزارة المرأة إلى مجلس نواب الشعب بعد المصادقة عليه في مجلس وزاري في 13 جويلية الفارط، بمشروع قانون أساسي للقضاء على العنف ضدّ المرأة يتضمّن 43 فصلا، وقد دعت وزيرة المرأة سميرة مرعي إلى تعبئة شاملة لتفعيل قانون القضاء على العنف ضد المرأة. مشروع هذا القانون يأتي عقب دراسة صادمة أعدّها مركز الدراسات والبحوث والتوثيق والإعلام حول المرأة في مارس وأكّدت أن 53.5 بالمائة من النساء في تونس يتعرّضن للعنف، وشملت الدراسة التي امتدت من سنة 2011 إلى غاية 2015 أربعة آلاف امرأة. قانون ضدّ التحرّش منذ أسابيع أثار قانون ضدّ التحرّش في الأماكن العامة موجة من الجدل، وقد دافعت وزيرة المرأة ب ضراوة عن هذا المشروع الذي يقضي بالسجن لمدة عام مع غرامة مالية تصل إلى ألفي دينار لكل من يعمد إلى مضايقة امرأة في مكان عام بفعل أو قول أو إشارة من شأنها أن تنال من كرامتها أو تخدش حياءها وقالت إن مشروع هذا القانون يهدف بالأساس إلى تغيير العقليات والسلوكيات. و أكدت دراسة لمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة الكريديف بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين أن 75,4 بالمائة من النساء يتعرضن إلى العنف الجنسي على غرار التحرش ومحاولة اللمس أو الإيحاء أو المضايقات الكلامية وغيرها علما أن الدراسة شملت عينة مكونة من 3873 مستجوبا من النساء والرجال موزعة على مختلف أنحاء الجمهورية تراوحت أعمارهم بين 18 و64 سنة. بطالة النساء لم ينف وزير التشغيل في حكومة تصريف الأعمال زياد العذاري التأكيد على أن حظوظ المرأة التونسية في سوق الشغل وفي الحياة المهنية مازالت ضعيفة مقارنة بالرجل وأن 22.6 من العاطلين عن العمل في تونس من الإناث مقابل 12 بالمائة بالنسبة للذكور وأن 41 بالمائة من الإناث صاحبات الشهادات العليا عاطلات عن العمل مقابل 20 بالمائة من أصحابا الشهادات العليا ذكور وذلك على هامش منتدى التشغيل بعنوان النساء والمؤسسات الذي انتظم أواخر شهر أفريل. كما تعاني المرأة من التمييز الوظيفي في العمل رغم إنها تمثل 70% من القوى العاملة في كثير من القطاعات والمؤسسات والشركات، حيث تؤكّد دراسات ميدانية أن هناك تفضيلا للرجل في منح الترقيات والحوافز والامتيازات على حساب نساء في نفس الرتبة الوظيفية. كل هذه الإحصائيات والنسب تعكس جانبا خفيّا من واقع التونسيات اللواتي تنظر لهن نظيراتهن في العالم كنموذج ومثالا في نيل حقوقهن لكن في الحقيقة هذه الحقوق أصبحت تنتهك يوميا على مرأى ومسمع من القانون. منية العرفاوي جريدة الصباح بتاريخ 13 اوت 2016