رفع الحرج في السنوات الأخيرة عن الحديث عن عدة مواضيع تحمل في طياتها عديد الحقائق التي وقع طمسها أو كانت من بين المواضيع المحظورة سابقا لكن بعد أن هبت رياح الثورة رفع الستار عنها وبات الحديث ممكنا.. وقد تكون أبرز هذه المواضيع هي انتشار العلاقات الجنسية في الأوساط التربوية والجامعية. ورغم عديد التأكيدات بأنه لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن انتشار العلاقات الجنسية في الوسطين التربوي والجامعي ونفي الأرقام التي اعتبرت اغلبها وهمية حول هذا الموضوع إلا أن تفشي الجنس على مقاعد الدراسة وانتشار ظاهرة الزواج العرفي في الآونة الأخيرة لا يمكن لأية جهة أن تنكره وهو ما أكدته ممثلة إدارة الطب المدرسي والجامعي بوزارة الصحة حبيبة التريكي ل "الصباح". كما نفت التريكي بشدّة ما تم تداوله في السابق من أرقام ومعطيات تفيد بان ثلاثة أرباع الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و20 سنة بالوسطين المدرسي والجامعي لديهم علاقات جنسية قائلة "كل ما تم تداوله في السابق من إحصائيات هي مغلوطة ومفزعة ولا تمت للواقع بصلة وكانت سببا في حيرة الأولياء والإطار التربوي". وفي سياق حديها فسرت التريكي انتشار الأرقام التي أكدت أنها مغلوطة بقولها "الإحصائيات التي نشرت تعلقت أساسا بعينة الشباب التي تم استجوابهم حول موضوع انتشار العلاقات الجنسية في الوسطين المدرسي والجامعي"، مضيفة أن إجراء مسح وطني حول انتشار ظاهرة العلاقات الجنسية داخل الوسط المدرسي والجامعي يتطلب إمكانيات مادية كبرى. في المقابل أكدت المتحدثة أن خدمات الإصغاء والإرشاد في الصحة الإنجابية وسط المبيتات الجامعية فاقت نسبة تغطيتها 80 بالمائة إلى جانب توفر خلايا إنصات وقد اقبل على هذه الخدمات عديد الطلبة في إطار الاستفسار عن الأمور التي تتعلق بالأمراض المنقولة جنسيا وقدرت نسب الإقبال ب 60 بالمائة لدى الإناث و40 بالمائة لدى الذكور. تغيرات وانفلات وتعد الظاهرة الجنسية في الوسط المدرسي ظاهرة قديمة لكنها تعززت بمعطيات اجتماعية وثقافية جديدة تتعلق باتجاهات الشباب ومواقفهم كما تتعلق بما شهده المجتمع التونسي من تغيرات وانفلات وخاصة في السنوات الأخيرة، ما يعكس حسب الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد ارتفاع العلاقات الجنسية في الأوساط المدرسية والجامعية في العشرية الأخيرة مع تغيّر القدرة على قول الحقيقة في التقارير الرسمية وتغير قدرة الشباب وجرأتهم في الحديث عن حياتهم الجنسية. واعتبر بالحاج محمد أن الظاهرة تعكس حجم المخاطر والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر التي تهدد الشباب بما يعني أن الأزمة تربوية وثقافية واجتماعية وان المدرسة ليست وحدها المسؤولة عن التغيير في القيم الاجتماعية والثقافية لدى التلاميذ وأوليائهم لان الأجيال الجديدة أصبحت تعتبر الممارسة الجنسية حقّا في حين أن المجتمع مازال يعيش على تقديس العذرية وغيرها وهذا شرخ في الثقافة والمجتمع ليست المدرسة مسؤولة عنه. ومن وجهة نظر الباحث في علم الاجتماع فان ما دفع بعديد التلاميذ والطلبة إلى ممارسة العلاقات الجنسية لأنه "جيل منبت ومتروك ليواجه مصيره وحيدا مما أنتج ثقافة فرعية مضادة للثقافة الرسمية "مضيفا، بان الظاهرة لا تطرح جدلا تربويا لان المدرسة أحد ضحايا هذه السلوكيات غير المحمية وعوض الإدانة يجب مواجهة الحقيقية لان الضحية تلاميذ وطلبة وهم من الشريحة العمرية الهشة فكريا وثقافيا ونفسيا وجسديا. وحسب البعض من المهتمين بالشأن التربوي وانتشار الظواهر الدخيلة فان العلاقات الجنسية داخل الأوساط التعليمية أصبحت مجرد مؤشر أو عرض جانبي من أعراض عجز الأسرة والمجتمع والمدرسة على الإحاطة بأبنائهم. غياب الثقافة الجنسية وفي سياق حديثه أكد بالحاج محمد أن الثقافة الجنسية أو ما يطلق عليه بالصحة الإنجابية تكاد تكون غائبة في الأسرة والمدرسة وأن المجتمع التونسي لا يعي جيدا أهمية الثقافة والتربية الجنسية للأطفال التي من شانها أن تعلّم الشباب تجنّب خطري المرض والحمل غير المرغوب فيه، وتسعى إلى تشكيل فرد سليم جنسياً. في نفس الإطار تحدث هشام الشريف منسق إقليمي وعضو الجمعية الدولية للصحة الجنسية من خلال دعوته إدراج مادة الثقافة الأسرية والجنسية كمادة اختيارية أو ضمن أنشطة النوادي بمدارس المرحلتين الابتدائية والإعدادية، لتدرس لمدة ساعة في الأسبوع من طرف مكون معتمد في الصحة الجنسية. وأرجع الشريف شيوع العلاقات الجنسية بين الشبان وسط الحرم المدرسي والجامعي إلى ضعف التأثير العائلي وغياب الثقافة الجنسية عن المناهج التعليمية، مؤكدا على غياب أو تلاشي البعد الأخلاقي الممثل في الحياء و"الحشمة" ما أدى إلى حصول انفلات جنسي في الأوساط التعليمية. كما ارجع الشريف تفاقم الظاهرة إلى انتشار فتح المواقع الإباحية، علما وانه حسب موقع "اليكسا" لإحصائيات عدد زيارات المواقع على الانترنت من دول العالم فان تونس احتلت المرتبة الخامسة عربيا من خلال تسجيل 220 ألف زيارة للمواقع الإباحية يوميا. وفي سياق متصل أكد عضو الجمعية الدولية للصحة الإنجابية أن من يتلقون مادة الثقافة الأسرية والجنسية ضمن المناهج التعليمية لا يمارسون العلاقات الجنسية إلا في سن متأخرة. جهاد الكلبوسي (من عدد صحيفة الصباح ليوم الأحد 30 اكتوبر 2016)