من الملفت للانتباه هذه السنة حول طريقة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2017 من قبل سلطة الإشراف هو تعمد مروره مباشرة بعد المصادقة عليه في مجلس وزاري إلى مجلس الشعب دون أن تتولى وزيرة المالية عرضه للرأي العام عبر وسائل الإعلام كما جرت العادة مع الحكومات السابقة وفك طلاسمه. فبعد أن وصل المشروع بين أيدي نواب الشعب للانطلاق رسميا في مناقشة فصوله، قدمت وزيرة المالية لمياء الزريبي مؤخرا وفي أول ظهور إعلامي لها الفرضيات التي انبنى عليها المشروع وحقيقة الوضع المالي في حوار نظمته الجمعية التونسية للاقتصاديين لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2017. وأهم هذه الفرضيات تمثلت في تحديد نسبة النمو الاقتصادي ب2.5 بالمائة وب50 دولارا لسعر برميل النفط، أما عن الواقع المالي الراهن فقد كشفت الوزيرة عن قيمة عجز ميزانية الدولة الذي ناهزت ال5200 مليون دينار أي بزيادة ب1600 مليون دينار مقارنة بالسنة الماضية، مبينة أن نسبة التداين بلغت ال60 بالمائة من الناتج الإجمالي الخام مع توقعات بان تصل إلى حدود ال63 بالمائة. ومع ذلك فان الدولة مازالت تنتهج خيار التداين، حيث أن برنامج الاقتراض في مشروع قانون المالية لسنة 2017 حدد ب6195 مليون دينار ليتواصل بذلك نزيف التداين الخارجي. القرض القطري واختلال برنامج الاقتراض كما أفادت الوزيرة بان خدمة الدين ستصل إلى حدود ال5800 مليون دينار دون اعتبار القرض القطري الذي تناهز قيمته الجملية ال500 مليون دولار أي ما يعادل ال1125 مليون دينار، معتبرة أن الوضع سيكون أصعب على المالية العمومية في حال احتساب هذه القيمة. وبالرغم من المفاوضات التي تمت مع الجانب القطري من قبل الحكومة التونسية بشكل شفاهي ودون اتفاق رسمي مكتوب بين الجانبين، إلا أن الوزيرة أبدت ارتياحها تجاه استخلاص هذا القرض والمتوقع تأجيله. في حين اعتبر محمد الهدار رئيس الجمعية التونسية للاقتصاديين أن البلاد بمجرد التفاوض بشأن هذا القرض فقد تكون قد دخلت مرحلة طلب تأجيل سداد ديونها الخارجية وهي مرحلة مقلقة. كما اعتبر المختص في الشأن الاقتصادي محمد الجراية أن طلب الجانب القطري باسترجاع هذا القرض جاء مفاجئا ولم تضعه الحكومة ضمن التزاماتها المبرمجة هذه السنة ولا حتى السنوات القادمة باعتبار أن صبغة هذه القيمة كانت في شكل هبة ومساعدة مالية كانت قد قدمتها دولة قطر زمن الترويكا لمساعدة تونس على الخروج من ذائقتها المالية التي عرفتها في تلك الفترة. وأفاد الجراية ل"الصباح" بان الإشكال الذي طرحه هذا الطلب يتمثل في إلزام بلادنا بتسديد هذه القيمة في شكل قرض خلاص كامل والحال انه لم يستند إلى بنود العقود التي تبرم في العرف الدولي بين طرفي العقد، كما لم يقع التنصيص عليه آنذاك على انه قرض تحصلت عليه بلادنا ومطالبة بأن تسترجعه وفق شروط محددة تتعلق بنسبة الفائدة وآجال وطريقة الخلاص. واعتبر الجراية أن هذا الطلب جاء في وقت غير مناسب خاصة أن الحكومة وضعت برنامجا كاملا انطلقت فيه منذ شهر افريل من السنة الجارية للوفاء بالتزاماتها الخارجية وتسديد ديونها، ولم تتوقع هذا الطلب الشيء الذي سيصعب الأمر عليها في ما يخص توفير موارد مالية جديدة لتسديده خاصة أن هذا القرض من المفروض أن يتم خلاصه منذ صائفة 2016. من جهته، تساءل وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي حسين الديماسي في تصريحه ل"الصباح" بخصوص هذه الهبة التي تسلمتها بلادنا في فترة تبوبه المنصب الوزاري المذكور عن أسباب تطرّق الحكومة السابقة للقرض القطري بالذات دون غيره في حين أن تونس قد تسلمت العديد من القروض التي ستطالبها بتوفير ما قيمته 8 مليارات دينار لسدادها خلال سنة 2017. وأكّد حسين الديماسي انه كان قد أعرب سابقا عن انزعاجه الشديد من تسلم هذا القرض، مشيرا في المقابل إلى أن تونس لم تكن تملك أي خيار وقتها لتقليص الضغوطات الكبيرة على ميزانيتها سوى أن تقدم على تسلمه. ويبقى هذا القرض محل تجاذب بين التونسيين في انتظار الحسم فيه بشكل رسمي بين الجانب التونسي والجانب القطري لتفادي إمكانية دخول البلاد في مرحلة طلب تأجيل سداد ديونها الخارجية وما قد تحمله هذه المرحلة من مخاطر. وفاء بن محمد جريدة الصباح بتاريخ 02 نوفمبر 2016