يشهد العالم اليوم الثورة الرابعة وهي الثورة الرقمية ولئن وضعت حكومات ما بعد 14 جانفي عديد البرامج والإستراتيجيات لرقمنة الاقتصاد إلا أن الخبراء أكدوا أن هذه البرامج تسير ببطء وأن تونس تنتظرها أشواطا حتى يمكننا الحديث عن أسس حقيقية للاقتصاد الرقمي في بلادنا. حول هذا الموضوع ومواضيع أخرى على غرار رقمنة الإدارة ودفع الاستثمار في مجال التكنولوجيا الرقمية ومساعدي الحكومة لاقتحام تونس4.0 أهم ما جاء في حوار الصباح مع حبيب الدبابي كاتب الدولة للاقتصاد الرقمي وفي ما يلي تفاصيله. *ما هو موقع تونس في عالم الرقمنة اليوم؟ -كانت تونس سباقة في مختلف المجالات والقطاعات فقد كنا في صدارة الدول التي اقتحمت عالم التكنولوجيا ما خلق لدينا كفاءات تنشط في العديد من دول العالم، إلا أن بلادنا ضيعت البوصلة فجاءت الثورة وحصلت قطيعة مع كل التراكمات وبدأ العمل على إحداث التغيير بطرق جديدة إلا أن هذه العلمية تواجه رفضا، والذي حتى وإن امتد على 5أو 6 أو 7 سنوات إلا أن بلادنا ستكون قادرة على تجاوزه وبلوغ وضع أفضل مما كانت عليه سابقا ومما هي فيه اليوم. ومن أبرز معيقات ركوب قطار الرقمنة اليوم في بلادنا هو ضعف القوانين والتشريعات غير القادرة على استيعاب الخلق والإبداع التكنولوجي ما جعلها مكبلا وحاجزا أمام تطور القطاع وفتح الأبواب أمام شبابنا للإبداع، فبعد أن كانت القوانين قاطرة للتنمية باتت اليوم عبئا عليها لذا المطلوب هو تطوير منظومة القوانين والتشريعات وأيضا التقنيات بما يواكب حاجيات السوق الدولية وبما يمكن من اقتحام تونس 4.0 الذي نسعى بشتى الطرق لبلوغها. لكن الرقمنة لم تكن تتقدم في بلادنا بالشكل المطلوب إذ ليس لدينا لا استراتيجيا ولا أداة تنفيذ ولا أداة قيس وفي 2012 وضعنا استراتيجيا أطلقنا عليها برنامج تونس الرقمية لكن أداة تطبيق هذا البرنامج أيضا ليست موجودة وهذا التحدي الذي يعترضنا. فالمطلوب اليوم هو إن نؤسس لبرنامج لتطبيق تونس الرقمية الذي لم ننجز منه سوى 5 بالمائة على امتداد 4 سنوات وبهذه الطريقة لن نتمكن من تنفيذ هذا المخطط على اعتبار أن التنفيذ يتم عن طريق إدارات مشتتة ومتفرقة وذات مصالح متضاربة وعبر وزارات مختلفة على غرار رئاسة الحكومة ووزارة التنمية ووزارة الصحة ووزارة التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.. ما يعني انه ليس هناك جهة محددة مسؤولة عن تنفيذ برنامج تونس الرقمية كما أنه لا وجود لجهة معينة تأخذ على عاتقها صرف التمويلات المرصودة للمشروع من ميزانية الدولة. *ما هي الخطوات الواجب إتباعها لتنفيذ برنامج تونس الرقمية؟ -الرقمنة ليست تقنية هي عقلية وهي ليست قطاعا بل هي الاقتصاد في حد ذاته، وحتى نحقق هذا الهدف يجب يكون بصفة تدريجية وبأدوات عملية وعبر قطاعات محددة.وأولها أن في تونس هناك مناطق ليست متربطة بالشبكة العنكبوتية وهي مناطق بيضاء تستوجب أن يكون لنا بنية تحتية للألياف البصرية والجيل الرابع، ومنذ شهر أوت المنقضي انطلقنا في تحديد هذه المناطق وهي 94 منطقة بيضاء وقد وضعت الدولة برنامجا لتشبيك هذه المناطق بقيمة 50 مليون دينار على امتداد ال 5 سنوات القادمة. وفي هذا الصدد سنصدر طلب عروض مع بداية شهر مارس القادم على أن تصبح هذه المناطق مرتبطة بالشبكة خلال ال 18 أو العامين القادمين حسب المقاييس المعمول بها دوليا على أن تكون آمنة كونها في الأغلب مناطق حدودية .المحور الثاني الذي يجب العمل عليه هو تشبيك الإدارات غير المرتبطة بالشبكة العنكبوتية حتى تقدم خدماتها كما يجب على غرار المحاكم والبلديات.هذا إلى جانب تطوير منظومة الحوكمة في مختلف الإدارات العمومية بالإضافة إلى أرشفة مختلف الملفات في هذه الإدارات.وتبعا لذلك يصبح بالإمكان استخراج وتسجيل أي ملف عن بعد لدى المحاكم. واستخراج أي وثائق بلدية من مختلف مناطق الجمهورية فنحن نتجه نحو استقلالية العمل المحلي وهذا يتطلب تركيز منظومة مركزية للمعلومات. وفيما يخص التعريف بالإمضاء بالنسبة للشهائد العليا فإنه انطلاقا من السنة الحالية سيتم اعتماد طابع يتضمن شيفرة يمكن بفضلها التثبت من مطابقتها للأصل عبر تطبيقة يتم تحميلها من قبل المعنيين بالأمر وهو ما من شأنه أن يخفف من الاكتظاظ لدى البلديات، وهذه الشيفرة سيتم اعتمادها مع نهاية السنة الدراسية الحالية بالنسبة للشهائد العليا للمؤسسات الجامعية المنضوية تحت وزارة تكنولوجيات الاتصال فيما سينطلق اعتماد هذه الشيفرة بالنسبة لباقي المؤسسات الجامعية خلال السنة القادمة2018. وحتى بطاقات الخلاص الشهري الخاصة بالقطاع العمومي فستتضمن بدورها شيفرة إبداء من السنة الجارية 2017 على أن يتم تعميم هذه التجربة على القطاع الخاص لاحقا، وسنذهب إلى أبعد من هذا فحتى المضامين فستحمل بدورها شيفرة على أن يتم ذلك خلال 2018. *هل يمكن أن نعتبر أن رقمنة الاقتصاد متوقفة على تطبيق هذه الخطوات؟ -الاقتصاد الرقمي هو كما قلت ليس قطاعا وإنما الاقتصاد في حد ذاته الذي من بين أهم أسسه تطوير القوانين المتعلقة بالإبداع والتي تعتبر مسألة أساسية حتى نعيش التحول بطريقة سلسة فالمطلوب اليوم هو فتح كل أبواب الإبداع على مصراعيه من أجل دفع الاستثمار في المجال وإحداث مواطن شغل جديدة وهذا البرنامج انطلقنا في تنفيذه عبر إطلاق طلب عروض خاص بانترنات الأشياء وكان ذلك يوم 14 فيفري الجاري حتى يكون لشركاتنا الصغرى مجالا تبدع من خلاله وقادرة بفضله على تأسيس مواطن شغل جديدة.كما أننا نعمل اليوم على وضع وتطوير النظام القانوني والحوافز الذي تنشط من خلال هذه الشركات حتى تبدع وتتطور وهذا يتم بالتعاون مع المختصين في المجال والمجتمع المدني على أن يكون القانون جاهزا مع نهاية السنة الجارية. *بما أننا نتحدث عن الاستثمار، متى سيتم وضع منظومة تسهل عملية الاستثمار وتختزل كل الإجراءات الخاصة به؟ -نشتغل اليوم على برنامج لتأسيس منظومة معلوماتية تربط القباضات المالية بالمواطنين وخاصة الشركات وتربط ميزانية الدولة ببرنامج صرفها كما تربط المستثمرين بكل الإدارات.فنحن نسعى لتأسيس منظومة مركزية للمعلومات برمج إحداثها في إطار قانون المالية 2017، كما أمضينا اتفاقية مع ميكروسوفت في إطار الندوة الدولية للاستثمار تنص على وضع منظومة تهم المستثمرين يتحصلون من خلالها على كل المعلومات حول إحداث المشاريع في تونس إلى جانب إعداد الملف الخاص بالمشروع الذي يرغب المستثمر في تأسيسه وستكون هذه البوابة التي ستكون جاهزة انطلاقا من 2018 مرتبطة بمؤسسة الاستثمار برئاسة الحكومة.فمن هنا إلى 10 سنوات قادمة سيقتصر دور الدولة على وضع القوانين والبرامج فيما سيكون دور المؤسسات الخاصة دفع الاقتصاد وخلق مواطن الشغل.وهذا يتطلب شجاعة وإرادة كبيرة وهذه الشجاعة موجودة لكننا نحن في حاجة إلى شجاعة أكبر خاصة لإنجاح بناء الاقتصاد الرقمي. *ما هو تقييمك لسوق الاتصالات في تونس اليوم؟ -تعاني اتصالات تونس من مشاكل جمة أولها العدد الكبير للموظفين وهي التي تشتغل في قطاع تنافسي، فالمشغلين الآخرين لهم عدد محدود من الموظفين ولهم طرق عمل سريعة وناجعة، لذا فإن إصلاح اتصالات تونس أحد أهم أعمدة نجاح رقمنة الاقتصاد، إذ يجب أن تسترجع الشركة مكانتها في سوق الاتصالات كي تستعيد دورها المحوري كأداة لدفع الاقتصاد في البلاد.وفيما يخص قطاع الاتصالات فإن جودة الخدمات لا ترقى إلى مستوى تطلعاتنا ولا تطلعات المواطن، فسوق الاتصالات تراجعت بدرجة كبيرة بسبب حرب الأسعار بين المشغلين الثلاثة التي لن تفيد أي طرف ويجب أن تتوقف في الحال وتوجيه كل الطاقات للاستثمار لتطوير الجودة. حنان قيراط