بثلاث قبعات هي نائب رئيس حركة النهضة التونسية، وثانيها نائب رئيس البرلمان، وثالثهما الداعية، تحدث في هذا الحوار مع "الشروق" عن الوضع الداخلي للحركة الشريكة في الحكم، وعن تحركات رئيسها في الملف الليبي، بالقول إن ما حصل تم بعلم ورضا من الرئيس الباجي قايد السبسي، وفي الداخل التونسي يقول إن بلاده وضعت ميزانية بناء على توقعات خاطئة، ليؤكد أن البرلمان لن يجيز استهلاك المخدرات، وأن لا تسامح مع الإرهابيين العائدين، وفي الحقل الدعوي يتحدث عن "دعاة إسلام لايت"، وعن إيران فيقول بشأنها إنها توظف الصراع المذهبي كورقة سياسية للتوسع. أعلنتم في مؤتمركم الأخير فصل السياسي عن الدعوي، لكن خصومكم يؤكدون على استمراركم في الخلط بينهما، ما الذي تحقق حقا في هذا الخيار؟ القضية قضية ادعاء أو إثبات، إن كانت قضية ادعَاء لخصمك أن يقول عنك ما يشاء، ولكن هذا لا ينطلي أمام الواقع، ما هي المثبتات التي تؤكد أننا لم نلتزم بما قررناه في مؤتمرنا العاشر في الفصل بين السياسي والدعوي؟ نشتغل في الحقل السياسي وبالوسائل السياسية، ولم نتدخل في الشأن الدعوي أو الديني، إلا إذا كانوا يريدون منا أن ننسلخ عن خلفياتنا الحضارية الثقافية الإسلامية، والتي من حقنا أن نستلهم منها برامجنا وتحركنا السياسي، قلنا إننا في مرحلة الإسلام الديمقراطي بعدما كنا في مرحلة الإسلام السياسي، ومعنى الإسلام الديمقراطي ثم الاسلام الاجتماعي الذي نرغب فيه، أن تكون القيم الحضارية والثقافية التي تربى عليها شعبنا موظفة في الديمقراطية، وتوظف في الحل الاجتماعي لمشاكل المجتمع التونسي. الشيخ راشد مستمر في منصبه كنائب لرئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، أليست هذه صورة عن عدم فصل السياسي عن الديني في الحركة؟ لا أبدا، هذه قضية تحتاج إلى دليل، لأن انتماء الأستاذ هو انتماء أدبي، وهو من علماء الأمة، والانتماء إلى مجمع علمي لا يعني أنك توظف العمل الديني للعمل السياسي، ليس هذا محل الفصل، الفصل أن توظف الدين لخدمة السياسة، أن تقول للناس إن برنامجي السياسي قائم على حلال وحرام هذا لا يجوز، أما الانتماء إلى هيئة علمية فلا حرج في ذلك، وهل انتماء الأستاذ هو انتماء الحركة لا. الشيخ راشد مستمر على رأس الحركة، هل عقرت الحركة لتقدم إطارا أخر للتسيير، خاصة من جيل الشباب، وماذا عن التسريبات التي تتحدث عن إمكانية تحضير الأستاذ علي عريض لتولي منصب الرئيس؟ قيادة الحركة تداول عليها سبعة أنفار، كان من أبرزهم الشيخ راشد، اختياره اختيار ديمقراطي تم من قواعد الحركة مباشرة ولم يُفرض عليهم، وإن كانوا يرون في الأستاذ راشد كفاءة للقيام بهذا العمل، فلا أحد يستطيع أن يثنيهم عنه باستثناء إن كان قانون الحركة يمنعهم من ذلك. أما الحديث عن الأستاذ علي العريض، فهو حكم بالأنف وليس بالعقل، هذه قضية لا دليل عليها، كل الذين يعملون في الحركة لهم إمكانيات وكفاءات للتسيير، ما الذي يمنع أن يكونوا حاملين لمشعلها؟ أما تخصيص الأستاذ العريض فلم أر دليلا عليه. في الشأن الداخلي للحركة كذلك، أين وصلت مرحلة التحضيرات للانتخابات البلدية، وهل من الوارد عقد تحالفات مع حركة نداء تونس شريككم في الحكم؟ الاستعدادات قائمة لأن المرحلة هامة جدا، خاصة وأننا تبنينا اللامركزية وتشجيع القرار الجهوي والمحلي، وهذا فرض علنيا أن نتهيأ على ذلك، قضية التحالفات واردة نظريا، لكن حتى الأن لم تطرح في شأنها أطروحات عملية تنتهي بنا لنتحالف جزما مع زيد أو عمر. أسألك بقبعة نائب رئيس البرلمان التونسي، هنالك وفد برلماني تونسي يزور سوريا، لماذا لم تشارك فيه الحركة، وكيف تنظرون للزيارة التي قال بشأنها وزيركم للخارجية إن البرلمان لم يكن على علم بها؟ نعم لم نعلم بهذه الزيارة، ربما لأنها مبادرة من بعض نواب الشعب، هم عليهم أن يعلنوا أنها مبادرة ذاتية وفردية ولم يستشر فيها البرلمان، وهي لا تلزم إلا أصحابها. هل ترى فيها شيئا إيجابيا، خاصة وأن ما ظهر منها محاولة إعادة بعث العلاقات بين البلدين؟ إن كانت مسعى فردي فهي تلزم صاحبها، وإن كان المسعى يراد منه أن يكون رسميا فهذا لم تتحرك فيه الدبلوماسية، بمعنى لا يجب أن يكون هذا المسعى رسميا، من يقرر السياسة الخارجية هي المؤسسات، ونقصد بذلك الخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. ما تفضلت بها، يدفعنا للحديث عما يوصف بالدبلوماسية الموازية التي يقوم بها الشيخ راشد، حيال الملف الليبي، الأمر "أغضب" السلطات التونسية وأحدث نوعا من اللغط هنا في الجزائر؟ تحركات الشيخ راشد تمت بعلم من الرئيس والذي لم يعترض عليها، وكان دائما يعلمه الأستاذ راشد بمقصده من التحركات، والغاية من التحركات ليس وضع التزام على تونس، ولكن تتعلق بإصلاح ذات البين بين فئات متصارعة، إن استطاع الشيخ راشد أن يقوم بهذه العملية الصلحية فهو في مصلحة تونس وليبيا، وإن لم يستطع فإنه لا يلزم تونس في شيء. هل الرئيس السبسي وكّل الغنوشي لمهام ما في الملف الليبي، وأنت تتحدث عن إخطار مسبق له؟ لا لم يوّكله، ولكنه كان على علم وبينة بما يقوم به الشيخ راشد، ويكفي أن يكون الرئيس على بينة من هذا المسعى، لأن القانون التونسي لا يحرم المواطن من القيام بعمل لا يضر به بلده، وربما تكون فيه مصلحة لغيره. ولكن ليس على حساب المؤسسات الرسمية ونقصد بذلك الخارجية، فهي المنوطة بهذه المسائل؟ من منع وزارة الخارجية أن تقوم بهذه المبادرات؟ أن يقوم الأستاذ راشد بمبادرات لا يعطل مسعى وزارة الخارجية، ولو كان المسعى الذي يقوم به الأستاذ راشد يتعارض مع مسعى سياسة الحكومة لكن رئيس الجمهورية نبهه إلى ذلك ومنعه بما يقوم به. هل أبلغكم الشيخ راشد بمسعاه داخل الحركة؟ هو أشعر بهذه الرغبة، وأن أطرافا ليبية طلبت منه القيام بهذه المبادرة، وباركنا هذا المسعى لأنه مسعى صلح، وليس فيه إلزام لا للدولة التونسية ولا للحركة. هنالك تسريبات تشير إلى إمكانية عقد لقاء بين الشيخ راشد أو إطارات من الحركة، واللواء خليفة حفتر أو من ينوبه، في تونس أو في مالطا، هل تؤكد أم تنفي ما يتداول؟ لم أعلم بهذا المسعى، لكن لا حرج في لقاء الجنرال حفتر، لأنه جزء ممن يشتغلون في الساحة الليبية، وإصلاح ذات البين في ليبيا يمر عبر جميع الليبيين بما في ذلك حفتر. في الداخل التونسي، المشاكل الاقتصادية مستمرة ومن ذلك تعطل قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هل مرد ذلك إلى عدم قيام تونس بالإصلاحات المطلوبة منها؟ سبب ذلك هو تعكر الوضع الاقتصادي، والذي من بينه أن بعض التوقعات التي تم على أساسها إعداد ميزانية 2017 لم تكن متطابقة مع ما حصل على الساحة، من بينها ثمن برميل البترول والقدرة على خلاص الديون في ذمة تونس، لم تتمكن تونس من القيام بتلك المداخيل التي حصلت جراء عملية الإصلاح الجبائي، ولم تتمكن من استدراك النقص في الميزانية، وهو ما عطل القيام بتلك الإصلاحات، ليس لأن الحكومة غير ملتزمة بها وإنما لكون بعض الظروف الطارئة حالت دون انجاز ذلك. من المشاريع المحالة على برلمان بلدكم، مسألة استهلاك المخدرات، هل يمكن أن يصل الأمر بسن قانون يجيز الاستهلاك، خاصة وأن الرئيس السبسي قد التمس بعض الأعذار لمن استهلك المخدرات لأول مرة؟ القضية بصدد دراستها وبعمق، ولا ينبغي أن تأخذ بالعاطفة، من تحركوا لمراجعة قانون المخدرات انطلقوا من وقائع شخصية لمدانين، تعطل نشاطهم العلمي والمعرفي والدراسي، وهذا الجانب يأخذ بعين الاعتبار ولكن لا يمثل كل المشهد. القانون المطبق منذ العام 1992، والذي قام على أساس الحد من الظاهرة، أصبح عاجزا، وما نراه انتشار لهذه الظاهرة، لكن هل يعني أن الحل هو إفساح المجال لكل شاب بأن يستهلك المخدرات؟. القضية في كيفية معالجة الظاهرة عبر القانون، ولكن معالجتها من خلال مجموعة مؤسسات، سيكون القانون المعاقب جزءا من المقترحات، لكن لا أتصور أننا سنشرع قانونا يبيح استهلاك المخدرات، ليس هذا رغبة أي أحد، الترخيص باستهلاك المخدرات يعني أن تلتزم الدولة ببيعها، الأمر الثاني يجب أن نفرق بين من وقع ضحية هفوة ومن كرر، وبين البارونات الذين يحب أن تطالهم عقوبات ردعية، أما ما يقوله الرئيس فهو يشير إلى من وقع ضحية استهلاك أول مرة، ولا أتصور أن الرئيس قد غاب عنه حصافة رأيه أن المخدرات أفة خطيرة لا ينبغي التساهل عناه، ومعالجتها تستلزم قانونا زجريا ومعالجات اجتماعية وصحية ونفسية. وماذا عن كيفية التعامل مع العائدين من مناطق القتال خاصة سوريا والعراق، هل العفو عنهم وارد؟ لست أدري لما يُثار هذا الموضوع تُطرح ورقة المصالحة، من طرح المصالحة أصلا؟ لم يطرحها أحد، المصالحة التي طرحت كانت بين السياسيين، بين رجال الأعمال، لكن لا أحد طرح قضية المصالحة مع المجرمين، هؤلاء مصنفون بحسب القانون أنهم مجرمون، وأصدرنا قانونا لمحاربتهم، كيف نصدر قانونا لنحاربهم ثم نصالحهم؟ المصالحة ليست مطروحة مع المجرمين، هؤلاء مجرمون خطيرون يجب أن يعاقبوا، أما الحديث عن المصالحة فأعتقد أنه حديث مغرض وأنا لا أعنيكم، وإنما أعني من يطرحه بهذا الشكل، وكأنما هنالك أطرافا سياسية في تونس تعمل على تغطية جرائمهم وأفعالهم، ما نرغب فيه هو كشف المجريات التي انتهت بهم إلى القيام بهذه الأفعال، وكيف خرجوا من تونس ومن زين لهم وهيأ لهم أسباب الاستقرار في المناطق التي نشطوا بها، حتى نكون على بينة مما حصل. لكن حتى نهب المال مفسدة كبيرة، فكيف تم التصالح معهم؟ لا لا، ليس الأمر هكذا، هنالك رجال أعمال تصرفوا في أموالهم على خلاف ما يقتضيه القانون، وهنالك رجال أعمال هربوا أموالهم خارج البلد، ولم يراعوا القوانين البنكية، وهؤلاء وقعوا في مخالفات، هؤلاء نشجعهم على إرجاع أموالهم، بأن نتصالح معهم على أن يتحملوا مسؤولياتهم فيما ارتكبوه من مخالفات، لكن بشكل مختلف، لا يمكن أن نفرض عليهم غرامات كبيرة في حالة رغبوا في العودة إلى تونس، أنا لا أتحدث عن مصالحة مع من اعتدى على أموال الشعب، وهم ملزمون بإرجاع تلك الأموال. بالعودة إلى المسلحين التونسيين في الخارج، هل تحوزون على أرقام وإحصائيات بشأنهم؟ لا رقم عندي، والدولة هي المؤهلة بما لديها من إمكانيات لتقديم أرقام بشأنهم. أنت في الجزائر لتسجيل حصة دينية، ما يُعرف عنك أنك تقدم خطابا وسطيا معتدلا، الأن فيه بعض الدعاة الشباب، يقال بشأنهم إنهم يقدمون إسلاما فارغا من محتواه إسلام خفيف"لايت" خطابهم مرتكز على الحب، كيف تنظر إليهم؟ أولا من يقرر أن هذا الإسلام محتواه حقيقي أم لا، الإسلام وحده من يقرر هذا، إذا كان هؤلاء الدعاة يقدمون جزءا أو جانبا من جوانب الإسلام ولا يفترون عليه فلهم ذلك، على أن يكمل النقص الذي تغافلوا عنه أو تجافوا فيه من غيرهم لتصبح الصورة مكتملة عند الجميع، لا نستطيع أن نفرض على شخص ركز على جانب من جوانب الاسلام واعتبره مهما نفرض عليه أن لا يقدم هذا الجانب من الإسلام، فإذا كان شخصا صوفيا مولعا بالمحبة الإلهية قائما على تكريس الذكر واعتبر أن الاسلام محصورا في الذكر، فهذا يأخذ منه هذا الجانب على أن تكمل الجوانب الأخرى من أخرين، ففي الاسلام جانب اقتصادي وقيم وعلاقات دولية. هذا الخطاب يسترضي الغرب وفقط؟ هذا ربما لدحض شبهات قائمة، هنالك شبهة تتعلق بالإسلام أنه دين إرهاب وإلزام وقهر، نحتاج أن نزيل هذه الصورة، في الإسلام حب، لكنه لا يجب أن يختزل فيه فقط، أو أن الإسلام لم يعد فيه حلال وحرام، ولم يعد فيه حدود نقف عندها، فالإسلام يميز بين المتدين وغيره ولكل حكمه، لكن عندما نقدم صورة مخففة عن الاسلام فإنما ندحض صورة مشوهة ألصقت به. لا خلاف أننا نعيش صراعا مذهبيا سنيا شيعيا، أنهى مسألة التقارب بين المذهبين، على هذا الأساس كيف يمكن التعايش مع الشيعة، وهل ترى في إيران خطرا على الأمة العربية؟ الذي أفهمه أن الصراع قائم بين الشيعة والسنة على المستوى السياسي لا على المستوى الديني والعقدي، إيران اليوم تمثل قوة سياسية في المنطقة وتتوسع على حساب جيرانها من السنة في هذا المسعى السياسي، توظف القضية العقدية في الجانب السياسي، وهذا خطير جدا، وإيران كذلك طرف سياسي تزيد من تأجيج هذا الجانب العقدي، وتستعمله حصانا تمتطيه ضد من حولها لتتوسع، والخطر أن يقع المشتغلون في حقل الفكر الاسلامي في هذا المطب، وأن نقدم أنفسنا مؤججين لهذا الصراع القائم منذ قرون، لا يجب أن نخرج مسلمين من دائرة الاسلام فهذا خطير جدا.