مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركات الإسلامية في تونس: بأي خطاب عادت... وماذا تريد؟
نشر في الشروق يوم 12 - 09 - 2011

انهار نظام بن علي وسقطت رموزه في ثورة 14 جانفي التي سبقت فيها الجماهير نُخبها... هذه النخب التي كانت تنام وتصحو على مشهد سياسي مألوف لا حراك فيه ولا مفاجآت لتعود حركة «النهضة» من جديد ويُحمل شيخها الذي داهمه الكبر، على الأعناق، في مطار تونس قرطاج قال أحد المتخصصين في دراسة الحركات الإسلامية أن بيت «الإخوان» في تونس لم يتشقّق وأن العقود الثلاث بما فيها من محاكمات وسجون ونفي لم تزدهم إلا صلابة في الوقت الذي تصدّعت فيه بيوت اليساريين والقوميين وحتى من ينعتون أنفسهم «الليبيراليون».
عاد أبناء الحركة الإسلامية بعد الثورة ليشهدوا اقتسام إرث نظام بن علي... عادوا ليرفعوا شعارا إلى جانب الشعار الذي رفعه التونسيون «الشعب يريد» وشعارهم كان ««النهضة» تريد»... وعادت شبيهات «النهضة» مثل حزب التحرير والحركة السلفية الجهادية وحتى الشيعة لتقول هي الأخرى «نحن أيضا نريد».
عودة الضحية
عادت «النهضة» هذه المرة بنفوذ مالي كبير بعد اغتراب قادتها في العواصم الأوروبية وقمع وملاحقة وتضييق على أبنائها في الداخل والخارج ورصيد لا بأس به من تعاطف الرفاق اليساريين والقوميين وشق من المستقلين والحقوقيين في الداخل والخارج.
ومن عايشوا حركة الإسلاميين التونسيين وخصوصا «النهضة» يعرفون أن قوتهم لم تكن مستمدة من برنامجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي بل من قمع وملاحقات بورقيبة لهم وتعاطيه مع المسألة الدينية بشكل اعتباطي وانتهازي فقد احتاج بورقيبة إلى الإسلاميين لضرب اليسار عندما فشلت تجربة التعاضد لكنه انقلب عليهم حين أحس بخطر الفكر الإسلامي على الدولة المدنية الحديثة ذات التوجه العلماني.
وكما أخطأ بورقيبة في التعاطي مع المسألة الدينية، فقد أخطأت الحركة الإسلامية هي الأخرى في تبنّي العنف والتصعيد وإشعال فتيل الانفجار الاجتماعي ومع مجيء الجنرال بن علي إلى الحكم حاولت «النهضة» فرض بديلها المجتمعي وحاولت مرارا أن تكون حركة إسلامية تونسية صرفة لكنها فشلت كما يقول الدكتور عليّة العلاني بسبب انخراطها في البداية في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وصلاتها الوثيقة بحسن الترابي الرجل القوي في السودان في فترات لاحقة.
السلفيون ولعبة الجلاد والضحية
اليوم، وبعد قيام ثورة فاجأت الجميع وأسقطت نظاما سياسيا كان على مدى ثلاثة وعشرين سنة طاحونة لكل معارضيه من اليساريين والإسلاميين والحقوقيين تعود الحركة الإسلامية لتلتقط أنفاسها من جديد وسط ساحة سياسية تم تعويمها عن قصد أو عن غير قصد بترسانة من الأحزاب السياسية والجمعيات.
عاد الإخوان في «النهضة» كما في حزب التحرير أو الجماعة السلفية للتحرّك بحرية لكن العودة لم تكن على شاكلة واحدة، فالسلفيون اختاروا منذ البداية النزول إلى الشارع بشكل استعراضي كأن يؤدوا صلاة جماعية في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ويخوضوا مع الخائضين في الاعتصامات والاحتجاجات لمواجهة قوات البوليس أو كما يحلو لهم أن يسموهم «جلاّدو الأمس» ويبدو أن ما كان يطمح إليه السلفيون وهو كسب تعاطف التونسيين مع «أحد ضحايا نظام بن علي» قد ذهب أدراج الرياح فعادوا إلى العمل السرّي... مثلما كانوا دوما.
حزب التحرير... وقلق الحكومة
حزب التحرير التونسي أو أحفاد تقيّ الدين النبهاني كما يحلو للبعض أن يسميهم سقط في أول امتحان للعودة فقد رفضت وزارة الداخلية تمكينهم من تأشيرة العمل والنشاط بعد الثورة.
لم يكن هذا الرفض الصدمة الأولى للإخوان في حزب التحرير الذين عانوا هم أيضا من آلة القمع والملاحقات والسجون بل يشهد تاريخ حزب التحرير عموما الذي تأسّس على يدي القاضي الفلسطيني تقي الدين النبهاني في الخمسينات على رفض بعض الأنظمة السياسية العربية الترخيص له مثلما جرى في الأردن وسوريا ونحى التحريريون مناحي كثيرة للاعتراف بهم رغم ميلهم للمناقشات الدينية ونبذهم العنف ونقدهم للإخوان المسلمين بسبب «تقديمهم صورة غير أصلية عن الإسلام».
رغم رفض وزارة الداخلية الاعتراف بحزب التحرير التونسي فإن الجماعة واصلت عملها بنسق عادي مع ملازمة السرية في التحركات والاتصال ببعضهم البعض، ومع عدم ثبوت ممارستهم العنف المادي أو السياسي فإن حكومة الباجي قايد السبسي ظلت تنظر إليهم بقلق وريبة وشملتهم وزارة الداخلية برعايتها الأمنية خشية دخولهم الإرادي إلى مربّع العنف إلا أن ذلك لم يحدث لأسباب غير معروفة لعل جانبا منها يتعلق بانتظار ما سيحدث في الساحة السياسية من تطورات بعد انتخابات المجلس التأسيسي (الذي لم يعترفوا به) بحثا عن موضع قدم فيها.
«النهضة»... وميراث القمع
أمّا عودة حركة «النهضة» بعد الثورة وما صاحبها من ضجيج إعلامي في الداخل والخارج، قد لفتت انتباه الشارع السياسي واللاعبين القدامى في الساحة السياسية عودة التعاطف الشعبي مع هذه الحركة قابله خوف وقلق وحيرة لدى شرائح واسعة من التونسيين بعد أن اشتغلت آلة الدعاية السياسية المضادة في اتجاه تخويف الناس من خطاب «النهضة» ومواقفها من مجلة الأحوال الشخصية وهوية الدولة ومسألة المساواة بين الجنسين.
وتعاظم من حركة «النهضة» خلال الأشهر الأولى التي تلت الثورة بعد عزل أئمة المساجد وتنصيب أئمة جدد بتزكية من القيادات.
بعد مسلسل إسقاط الأئمة وحيال صمت غير مفهوم من وزارة الشؤون الدينية، أفاق التونسيون على أخبار غلق «الجماعات الإسلامية» للمواخير وبيوت الدعارة، وكاد مسلسل غلق هذه المحلات يتواصل لولا الانتقادات الحادة التي وجهت إلى «النهضة» على شبكة ال«فايس بوك» ورفع شعار «Dégage».
البحث عن عدوّ
ويبدو أن بعض هذه الانتقادات أتت أكلها فتراجعت الحملات الإخوانية على بيوت الدعارة وتوقف إسقاط الأئمة وأرسلت حركة «النهضة» عبر وسائل الإعلام رسائل إلى الرأي العام تطمئنه على توخيها الاعتدال والتسامح ضمن خطاب سياسي وتصريحات إعلامية محمّلة برسائل إلى الأحزاب والجمعيات وسائر مكونات المجتمع المدني بأنها لا تريد القفز على السلطة.
ويرى باحثون عرب متخصصون في الإسلاميات أن الحركات الإسلامية سواء في مصر أو تونس «كانت تستند إلى جدار قد انهار وبهذا أصبحت طريحة الأرض وربما ترغب هذه الحركات في النهوض من خلال صناعة عدوّ خارجي أو داخلي يجمع الناس حولها لكن الثورات لم تكشف عورات الأنظمة فقط، بل كشفت عورات المعارضة والحركات الإسلامية أيضا». وأطلق باحثون آخرون أسئلة ضاغطة حول إمكانية نجاح حركة «النهضة» في فرض وجودها وخطها السياسي والاستفادة من درس انتخابات 1989 الذي كاد يودي بها إلى «مقبرة الحركات السياسية».
ويبدو أن جماعة «النهضة» واعون بهذه المسألة ويعملون بنسق حثيث على أن يكون لهم حضور متميز في المجلس التأسيسي القادم ويشاركوا في رسم ملامح المستقبل السياسي التونسي وهو ما يتطلب الاستفادة من أخطاء الماضي من حيث اختيار المرشحين ونوعية الخطاب تحسبا من انفجار تناقض بينها وبين مختلف مكونات الطبقة السياسية.
وشائج بين الغنوشي وأردوغان
وقد فرض الوضع السياسي الجديد على حركة «النهضة» تقييم أخطائها وتغيير لغة الخطاب وتعويض سنوات المهجر والابتعاد عن الواقع الوطني.
وفي سياق المراجعة الذاتية وقطعا للطريق أمام هجمات التشكيك في صدقية الإخوان، تسرّبت بعض التصريحات على لسان الشيخ راشد الغنوشي رئيس حزب «النهضة» يقول فيها إن وشائج حركة «النهضة» هي أقرب إلى المثال التركي منه للإيراني أو السوداني مع عدم إهمال هذين التجربتين.
وبرّر الغنوشي هذا الاختيار بأن تركيا تخلّت تماما عن حلمها بتطبيق الشريعة الإسلامية وحزب العدالة والتنمية التركي (الإسلامي) تخلّى عن «إسلاميته» المتشددة وقصرها على لبس الحجاب في الجامعات أو في الحياة العامة أو منع الزنا، بل يكابد منذ سنوات لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى هذا الهيكل العملاق وقدّم تنازلات كثيرة من أجل ذلك. بهذه المنطلقات تحاول حركة «النهضة» دخول الساحة السياسية التونسية وإعادة خلط الأوراق من جديد ولا يختلف المتابعون للشأن السياسي الوطني في أنّها أعادت صناعة جانب من المشهد السياسي لكن لا أحد يعرف بدقّة ما تخبؤه «النهضة» من مفاجآت لخصومها السياسيين ولا أحد يملك الجواب عن سؤال مركزي سنحاول بدورنا الإجابة عليه «ماذا تريد الحركة الإسلامية التونسية؟».
من الاتجاه الاسلامي الى حركة «النهضة»: أوجاع النشأة وتاريخ طويل
ترجع بدايات حركة «النهضة» في تونس الى أواخر السبعينات تحت إسم «الجماعة الاسلامية» التي أقامت أول لقاءاتها سرّا في أفريل 1972 ومن أبرز مؤسسيها راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وانضم اليهما عدد من النشطاء أبرزهم صالح كركر وحبيب المكني وعلي العريّض.
٭ تونس «الأنوار»:
وقد اقتصر نشاطهم في البداية على الجانب الفكري من خلال اقامة حلقات ودروس في المساجد والانخراط في جمعيات المحافظة على القرآن الكريم.
وقد لقي نشاط الجماعة في البداية ترحيبا غير معلن من الحزب الاشتراكي الدستوري الذي رأى في الحركة الاسلامية سندا له في مواجهة اليسار المهيمن على المعارضة في تلك الفترة.
وفي سنة 1979 عقدت الجماعة الاسلامية بشكل سرّي مؤتمرها التأسيسي الذي تمت فيه المصادقة على قانونها الاساسي، وجاء في البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الاسلامي (وهي التسمية التي أطلقها الجماعة على أنفسهم آنذاك) ان الحركة تعمل على تحقيق جملة من المهام الأساسية وهي: دعم التعريب في مجال التعليم والإدارة مع الاهتمام باللغات الأجنبية ورفض مبدأ الانفراد بالسلطة الأحادية واعتماد التصوّر الشمولي للاسلام والتزام العمل السياسي بعيدا عن اللادينية والانتهازية وبلورة وتجسيم الصورة المعاصرة لنظام الحكم الاسلامي بما يضمن طرح القضايا الوطنية في إطارها التاريخي والعقائدي.
البدايات
وفي عام 1985 أعلنت حركة الاتجاه الاسلامي عن مكتبها التنفيذي الثالث برئاسة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو أمينا عاما وعضوية حمادي الجبالي وحبيب اللوز وحبيب السويسي.
واعتُرف بشرعية الحركة رسميا باستقبالهم رسميا من قبل الوزير الأول محمد مزالي في قصر الحكومة تبعها اعتراف الأطراف السياسية الأخرى بها وكانت جريدة «الرأي» وسيلة هامة ساعدت على نشر أفكار الحركة فكتب على أعمدتها أسماء من أمثال عبد المجيد النجّار ومحسن الميلي.
ومع قدوم بن علي الى السلطة في 7 نوفمبر 1987 تم الافراج عن رموز حركة الاتجاه الاسلامي المعتقلين في السجون واضطرّ قادتها في 8 فيفري 1989 الى تقديم طلب تأشيرة للسماح للحركة بمواصلة نشاطها تحت اسم «حركة النهضة».
لكن قبل مجيء بن علي الى السلطة وتفصيل الحديث عن علاقة الاسلاميين بهذا النظام لابدّ من الوقوف على أبرز المحطات والمنعرجات في تاريخ هذه الحركة.
محاكمات
عقد الثنائي راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في 6 جوان 1981 بمدينة سوسة مؤتمرا صحفيا أعلن فيه عن تغيير تسمية التنظيم ليصبح «حركة الاتجاه الاسلامي» وتقدّموا بطلب الى وزارة الداخلية للحصول على تأشيرة لكنهم لم يتلقوا اي ردّ من السلطات.
في 10 جويلية من نفس السنة ألقت السلطات التونسية القبض على قيادات الحركة وتم تقديمهم في شهر سبتمبر الى المحاكمة بتهم الانتماء الى جمعية غير مرخص فيها ونشر أخبار زائفة وتوزيع منشورات معادية للنظام السياسي.
وأفضت المحاكمة الى الحكم على الغنوي ومورو بالسجن عشر سنوات وأفرج عن عبد الفتاح مورو خلال سنة 1983 على اثر وساطة من الوزير الاول محمد مزالي وأفرج عن راشد الغنوشي في أوت 1984.
شهد منتصف الثمانينات تناميا متسارعا للصدامات بين الحركة ونظام بورقيبة، وبلغت هذه الصدامات اوجها خلال سنة 1987 بالحكم على راشد الغنوشي بالأشغال الشاقة مدى الحياة واتهام السلطة للحركة بضلوعها في التفجيرات التي استهدفت 4 نزل سياحية في جهة الساحل.
لكن الواضح ان النظام البورقيبي ومنهجه السياسي والفكري ساهم باجماع المؤرخين في افراز الحركة الاسلامية ذلك ان تطرّف بورقيبة في تبنّي الاطروحات الأوروبية أدى الى ردّة فعل النخب التي لا تؤمن بالبديل الغربي في تونس.
الخصومة مع بورقيبة
ولمقاومة مشروع بورقيبة الهادف الى تحديث الحياة الثقافية وفق المنظومات الفكرية الأوروبية، سعى أعضاء الحركة الاسلامية الى التركيز على الدروس الوعظية والحلقات في المساجد وتكثيف المحاضرات في المعاهد الثانوية والجامعات وإقامة معارض للكتاب الاسلامي والمشاركة في المؤتمرات الاسلامية التي كانت تعقد في الداخل والخارج وتركيز الدعوة في أوساط النساء لإقناعهنّ بارتداء الحجاب وتبنّى الفكر الاسلامي على أساس ان المرأة نصف المجتمع وأن النظام السياسي التونسي عمل على تغريب المرأة التونسية.
واعتبرت الحركة أن بورقيبة تنكّر بإصلاحاته لإيديولوجيا الحركة الوطنية التي كان مطلبها الرئيسي صيانة الثقافة الوطنية من سياسة الاستعمار الساعي الى تهميش اللغة العربية والثقافة العربية والاسلامية.
ورأى الاسلاميون المجتمع التونسي مدفوعا على حد قولهم الى مخطط تغريب أخلاقي ولأجل ذلك وضعوا مشروعهم الاسلامي القائم على معارضة عملية «التغريب» البورقيبية باسم الثقافة الوطنية وباسم الاسلام.
تأثير الثورة الايرانية
واعتبرت الحركة الاسلامية التونسية ما قام به بورقيبة من إغلاق لبعض المساجد وتطاوله على جامع الزيتونة الذي جرّده من بعض صلاحياته وتعمّده شرب الماء أثناء إلقائه خطاباته السياسية خلال شهر رمضان وترديده لتجربة كمال أتاتورك في تركيا مصدر استفزاز سياسي واجتماعي وأن المعركة هي صراع مع علمانية بورقيبة أكثر منها مجرّد خصومه مع نظام سياسي.
وفي حلقات التشاور بين الغنوشي وأعضاء الحركة، كان الحديث يجري حول جدوى الدعوة الاسلامية وضرورة التركيز على الفضاءات الجامعية والتربوية لتربية جيل جديد على أبجديات الحركة الاسلامية.
لكن كان مطلوبا من الغنوشي توخي المرحلية في مقاومة نظام بورقيبة وتوخي التكتيك السياسي المخادع من خلال بعث رسائل تطمين للنظام السياسي بالاعلان عن ان حركة الاتجاه الاسلامي تنبذ العنف، غير ان النظام البورقيبي لم يقتنع تماما بتلك الرسائل التطمينية بل زادت خشيته أكثر حين أعلن الغنوشي إشادته بالثورة الايرانية وبزعيمها آية الله الخميني وزادت تلك الخشية بعد تسرّب معلومات تفيد أن بعض قادة الحركة التفوا بالإمام الخميني سرّا في منفاه بباريس.
إعادة قراءة الأفكار
ورغم تسارع نسق الملاحقات والاعتقالات لقادة الحركة الاسلامية، فقد لجأ القياديون الى اجراء مراجعات وتعديلات في الفكر والمنهج من خلال التركيز على مفاهيم الحرية والديمقراطية كمدخل لإصلاح المجتمع التونسي مع إحياء مفاهيم التعددية السياسية والثقافية والانتصار للفئات الضعيفة والمحرومة.
وفي هذه المرحلة أعاد الغنوشي وقياديو الحركة قراءة أفكار سيد قطب وحسن البنّا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في مصر وأبو الأعلى المودودي وانفتحوا على كتابات منظّري الثورة الايرانية أمثال مرتضى مطهّري وعلي شريعتي والمفكّر العراقي محمد باقر الصدر. كما أعاد الغنوشي قراءة المشروع الديمقراطي وأحداث العنف التي سادت العالم العربي والاسلامي.
ومن وحي هذه المراجعات والقراءات أسّس راشد الغنوشي حركة النهضة الجديدة التي قامت على انقاض حركة الاتجاه الاسلامي وأعلن في مبادئها عن اعترافه بالتنظيمات السياسية الأخرى وأقرّ بالتعددية السياسية والقبول بقواعد اللعبة الديمقراطية.
وقد لفت أنظار المتابعين للشأن السياسي آنذاك اعتراف الغنوشي بشرعية الحركة الشيوعية لكن اعترافه لم يكن يعني تخليه عن مبدإ اقامة الدولة الاسلامية فهو يعتبر ذلك فرضا على كل مسلم والشرعية في النظام الاسلامي هي الالتزام الكامل بما أنزل الله والقبول بالاحتكام الى شرع الله.
وأثارت هذه الازدواجية ردود فعل بعض القوى العلمانية في تونس التي اتهمت الشيخ راشد الغنوشي بتوخي اسلوب المناورة واستخدام الوسائل الديمقراطية كمطية للاعلان في مرحلة لاحقة عن إقامة نظام أموي على الطراز الايراني.
في المقابل كان اليسار التونسي يعيش أزمة بنيوية وحالة من التشرذم في صفوفه وبداية انهيار تأثيره في الفضاءات الجامعية، ومع حلول منتصف الثمانينات تعاظم وجود حركة الاتجاه الاسلامي داخل الاطر النقابية الطلابية.
بداية الانفراج
وفي منتصف الثمانينات شهدت الحركة بداية انفراج بينها وبين حكومة محمد مزالي، ولعب الدكتور حمودة بن سلامة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان آنذاك دور الوساطة للتقليص من حدة الخصومة بين الحكومة والتنظيم الاسلامي وقد نقل صلاح الدين الجورشي (الذي انشق عن حركة الاتجاه الاسلامي) شروط حكومة مزالي الى الحركة تمحورت حول ضرورة تخليها عن اعتبار نفسها حزبا سياسيا والتوقف عن سياسة تسييس المساجد واحترام القانون وإدانة العنف.
وكان أن استجابت الحركة لشروط الحكومة ضمن بيان أعلنت فيه عن عدم لجوئها مستقبلا الى العنف ونبذه كوسيلة في العمل السياسي.
واستجابت الحكومة بدورها لهذا الاعلان واعتبرته خطوة ايجابية مهّدت بعد ذلك لإطلاق سراح مساجين الحركة وقيادييها ولقي هذا التجاوب ترحيبا من أحزاب المعارضة ورابطة حقوق الانسان.
المعركة مع بن علي
مع قدوم الجنرال العسكري زين العابدين بن علي الى السلطة وانقلابه على الحبيب بورقيبة وترهّل الدولة الوطنية وانخرام موازين القوى الاقتصادية والاجتماعية وتوتّر العلاقة بين النظام ومعارضيه من اليساريين والاسلاميين بالخصوص، حاول راشد الغنوشي ورفاقه الخروج من دائرة التوتّر والصراع مع السلطة فبادر الى مباركة مجيء بن علي في 7 نوفمبر 1987 واعتبر نظامه تجديديا وضروريا لتجديد تونس وإخراجها من عنق الزجاجة وبناء الديمقراطية إلا أنه جرى اعتقاله مجددا في عهد بن علي.
ورغم تخلي الشيخ راشد الغنوشي عن تسمية «حركة الاتجاه الاسلامي» والاعلان عن حلّها وتأسيس حركة النهضة كبديل لها ورفضها ورود كلمة «إسلام» في التسمية، الا ان النظام ظل يعتبر الغنوشي وجماعته مصنّفين في خانة الرجعيين الظلاميين ويشكلون خطرا على الحداثة والتنوير وعلى صورة تونس في عيون أوروبا.
تأسيس حركة «النهضة»
وفي سنة 1988 أعلن الاخوان رفقاء الغنوشي عن تأسيس حركة النهضة الا انهم لم يحصلوا على التأشيرة الرسمية واستقرّ الصدام بينهم وبين السلطة وفي هذه المرحلة أصدرت الحركة جريدة ناطقة باسمها أطلقوا عليها «الفجر» ومرّروا من خلالها رسائل الى السلطة لإقناعها بأن الحركة تنبذ العنف وأن ما يلصق بها من اتهامات هو مجرّد افتراء حتى يكون فتيل الصراع متوقّدا بين الحركة والنظام، إلا ان السلطة أصرّت دائما على ان الحركة غير شرعية وتطمح الى الاستيلاء على نظام الحكم.
ومع حلول عام 1989 أطلقت السلطات التونسية سراح راشد الغنوشي لكن حركة النهضة عاشت أزمة داخلية كادت تعصف بها بسبب الخلافات بين أعضائها الذين قدّم بعضهم استقالته من الحركة وكان أبرز المستقيلين عبد الفتاح مورو على إثر خلافه مع راشد الغنوشي كما استقال كوادر منهم الهاشمي الحامدي.
ومع تفاقم الهزّات داخل الحركة، استطاع النظام استغلال التصدع الداخلي باستمالة بعض كوادر الحركة والمضي بهذا التصدع الى منتهاه وتفكيك التنظيم من الداخل تمهيدا للاجهاز عليه تماما.
ويبدو ان السلطة السياسية التونسية كانت تحاول النسج على منوال السلطة في الجزائر آنذاك التي نجحت الى حدّ ما في ضرب الحركة الاسلامية هناك المعروفة بالجبهة الاسلامية للانقاذ واستطاعت استقطاب بعض كوادرها بتسليمهم حقائب وزارية في الحكومة أمثال سعيد قشّي الذي عيّن وزيرا للتشغيل وأحمد مراني الذي تحمّل حقيبة وزارة الشؤون الدينية وأودعت أخطر رجلين في الحركة السجن وهما عباسي مدني وعلي بلحاج بتهمة التآمر على أمن البلاد ومحاولة قلب نظام الحكم وارتكاب العنف المنظّم.
سنوات الجمر
مع مستهل التسعينات عرفت تونس أحداث عنف دامية جرى على إثرها اعتقال العديد من القياديين في حركة النهضة ومنهم حمادي الجبالي رئيس تحرير جريدة «الفجر» الناطقة باسم الحركة وصدر في شأنه حكم قضائي بالسجن مدة 15 عاما، وبالتوازي مع قضية الجبالي، أصدرت المحكمة حكما بالسجن المؤبد ضد الشيخ راشد الغنوشي في 28 أوت 1992.
ويشير الأستاذ أعلية العلاني الباحث المتخصص في الحركات الاسلامية الى أن حبل الودّ بين السلطة وحركة النهضة انقطع مع نهاية الانتخابات التشريعية التي جرت خلال سنة 1989 وقد قرر الشيخ راشد الغنوشي بعد مضي شهر تقريبا مغادرة البلاد بحجة أداء فريضة الحج ومنذ ذلك التاريخ لم يعد الى أرض الوطن إلا بعد قيام ثورة 14 جانفي 2011.
وإذا استثنينا الأشهر القليلة التي تلت تاريخ وصول بن علي الى الحكم في نوفمبر 1987 والتي وصفت «بأشهر الحوار بين الحركة والنظام» تخللها لقاء ثنائي بين بن علي والشيخ راشد الغنوشي وتوقيع المحامي والقيادي في النهضة نور الدين البحيري نيابة عن الحركة على مبادرة الميثاق الوطني، فإن باقي السنوات كانت توصف بسنوات المحنة في تاريخ النهضة التي دخلت مسلسل محاولات استئصال من الداخل لم تشهد لها مثيلا في أحلك فترات صدامها مع بورقيبة.
ويجمع المؤرخون على أن نظام بن علي وقف على «تغوّل» حركة النهضة والخطر الذي قد تشكله على السلطة فالقائمات المستقلة ذات اللون البنفسجي التي استطاعت النفاذ بقوة الى الأحياء الشعبية واجتياح الذراع الطلابية للحركة (الاتحاد العام التونسي للطلبة الذي تم حلّه لاحقا) للفضاءات الجامعية وسيطرته على أغلب مجالس الكليات جعل السلطة والحزب الحاكم يتحركان بسرعة وبشراسة للتخطيط الهادف الى القضاء نهائيا على الحركة الاسلامية التي بدأت تُحكم سيطرتها على عدد كبير من المساجد والأحياء الشعبية.
وشرعت السلطة في تنفيذ مخططها الرامي الى تفكيك عظام الحركة من الداخل واجتثاثها من الواقع الاجتماعي والسياسي فأعلن بن علي صراحة في خطابه يوم 7 نوفمبر 1989 عن منع قيام اي حزب على أساس ديني في إشارة واضحة لحركة النهضة.
وكان تعيين المرحوم محمد الشرفي على رأس وزارة التربية، المعروف بعدائه للأصوليين، الخطوة اللاحقة في مخطط السلطة للحيلولة دون أسلمة المؤسسات التربوية والجامعية وهو ما أثار غضب القياديين في الحركة وأصدروا بيانا في أكتوبر 1989 طالبوا فيه بإقالة هذا الوزير واتهموه بزرع العلمانية في البرامج التربوية واجتثاث الحركة من الفضاءات التربوية والجامعية وبالعمالة للجهات السياسية الفرنسية.
عودة الخصومة
وأمام هذا المخطط حصل لدى كوادر حركة النهضة شبه يقين بأن أبواب الحوار والتواصل مع نظام بن علي قد بدأت توصد الواحد تلو الآخر حاولت تغيير تكتيك التعامل معه بتنظيم المسيرات وإصدار البيانات المنددة بالسياسات المتبعة خاصة مع اندلاع حرب الخليج خلال سنة 1990 وصرّح الغنوشي من منفاه في لندن بوجوب مناصرة الشعب العراقي. لكن المفاجأة صنعها آنذاك عبد الفتاح مورو الذي أصدر موقفا مناقضا لموقف الغنوشي حيث ندّد بالغزو العراقي للكويت ومناصرة الشق الخليجي وهو ما يعكس التباين والخلاف بين الرجلين رغم ان بعض المتابعين للشأن التونسي آنذاك رأوا في هذا التناقض مناورة تعكس ازدواجية الخطاب الذي تتقنه الحركة.
وكانت الخطوة الموالية في مخطط ضرب الحركة الاسلامية تعطيل صدور جريدة «الفجر» الناطقة باسم الحركة في شهر ديسمبر 1990 بحجة نشرها بيانات للشيخ الغنوشي من منفاه في بريطانيا تحرّض على العنف والفوضى وإثارة الرأي العام والمساس بالأمن العام.
مخطط الاستئصال
وذهبت السلطة أشواطا أخرى في مخطط استئصال الحركة وكانت الضربة الموجعة للغنوشي ورفاقه سنة 1991 حين أعلنت وزارة الداخلية عن اكتشافها لما أسمته «تسرّب عناصر حركة النهضة الى المؤسستين الأمنية والعسكرية ومحاكمة 300 شخص من أجل تهم التأهّب لتنفيذ عمليات ارهابية في الضواحي الجنوبية للعاصمة تستهدف ثكنة الجيش بالزهراء وعدد من مراكز الأمن وإقامات شخصيات سياسية واتهم وزير الداخلية آنذاك حركة النهضة بأنها «وجهت تعليمات الى مجموعات للقيام بهذه العمليات وضلوعها في ما أسماه «محاولة قلب نظام الحكم».
وكان المنعرج الموالي في محنة حركة النهضة حصول ما أطلق عليه ب «حادثة باب سويقة» واتهام قياديي الحركة بحرق مقرّ لجنة تنسيق التجمع الدستوري الديمقراطي بباب سويقة على الساعة الخامسة صباحا من يوم الأحد 17 فيفري 1991 نجم عنها وفاة أحد حارسي المقر فتمّت إحالة 28 شخصا صدرت ضدّهم أحكام بالسجن اثر محاكمة وصفتها الحركة «بالمستعجلة» وصلت الى حدّ الحكم بالإعدام في حق خمسة منهم.
سنوات المنفى
في الخارج كان السؤال يلحّ على الشيخ راشد الغنوشي والمقيمين معه في المنفى «كيف السبيل للمحافظة على التنظيم خارج البلاد؟».
قرر الشيخ ورفاقه مواصلة العمل بمن تبقى من عناصر التنظيم بالداخل ممن لم تشملهم الاعتقالات الأمنية والمحاكمات.
ولإنقاذ الحركة من الاندثار والتشرذم بادر شباب النهضة المقيم في الخارج الى عقد المؤتمر السادس للحركة خلال سنة 1995 وانتخبوا بالاجماع الشيخ راشد الغنوشي رئيسا للحركة عوضا عن الصادق شورو، وبهذا المؤتمر استطاعت الحركة انقاذ هيكلها المؤسساتي من الانهيار ولم يكن من الصعب بعد ذلك عقد المؤتمر السابع سنة 2001 والمؤتمر الثامن في العاصمة البريطانية لندن سنة 2007 وكان المطلب المركزي الذي يتكرر دائما في كل هذه المؤتمرات «إطلاق سراح مساجين النهضة» وهو المطلب الذي تحوّل في ما بعد بمساعدة بعض الجمعيات الحقوقية والأحزاب الى مطلب «العفو التشريعي العام».
ودخلت حركة النهضة بعد ذلك في اتباع منهج تحرّك جديد تمثل في تنظيم التظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية المتكررة أمام السفارات التونسية في العواصم الاوروبية وجمع العرائض المناهضة للضغط على النظام السياسي التونسي الذي بدأ في الرضوخ تدريجيا لهذا الضغط المصحوب بدعم من الشركاء الأوروبيين والأمريكيين وكان أن شرع بن علي في اطلاق سراح بعض مساجين النهضة على دفعات وبطريقة غير معلنة حتى لا يُنعت بالضعف والتنازل المجاني.
مصادر للتمويل
وبالتوازي مع هذه الضغوطات والتحرّكات السياسية الذكية المعلنة وغير المعلنة، سعت حركة النهضة الى خلق مصادر جيّدة لتمويل تحرّكاتها تأهبا لموعد العودة الى النشاط العلني من جديد على أرض تونس رغم ان لا أحد من قادة النهضة كان يعلم تاريخ هذا الموعد، فشرعت في انشاء مدارس وشركات وسلسلة من المطاعم في بعض العواصم الأوروبية سيما في فرنسا وبريطانيا وألمانيا تدرّ أموالا طائلة على خزينة الحركة.
واستطاعت من خلال هذه التمويلات تقديم مساعدات مالية الى أنصارها في تونس ممن تم الافراج عنهم او الى عائلات المساجين راغم ان الجهاز الأمني كان من حين لآخر يكتشف بعض خلايا توزيع الأموال المتأتية من الخارج ويحيل عناصرها الى المحاكمة.
ورغم اعلان بعض أعضاء الحركة من الصفّ الثاني والقاعدي عن انسلاخهم منها لأسباب مختلفة منها ما هو شخصي ومنها ما هو سياسي، فإن حركة النهضة ظلت محافظة على صلابة بنيتها بالتفاف جماعة الخارج حول شخص الشيخ راشد الغنوشي وجماعة الداخل الذين يمثل الصادق شورو ومحمد العكروت وحمادي الجبالي وعلي العريّض وزياد الدولاتلي وفاضل البلدي وقياديين آخرين أبرز رموزهم، وظلّ التواصل قائما بين من في الداخل ومن في الخارج.
وبالمحصلة فإن عقدين من الزمن والمنفى والسجون والمحاكمات لم يمنحا نظام بن علي فرصة النجاح في استئصال حركة النهضة من منابتها وخلخلة جهازها التنظيمي من الداخل.
الناطق باسم حركة «النهضة» ل «الشروق»: هذا ما قلنا للأمريكان ولمن شككوا في توجهات الحركة
تدافعت الأسئلة في رأسي بعد قراءة صفحات طويلة من الوثائق التي أرّخت لحركة «النهضة» والاستماع الى شهادات بعض
من درسوا هذه الحركة وواكبوها وكان لابدّ من ايجاد أجوبة أحد قادة الحركة على الاسئلة الكثيرة فكان هذا اللقاء.
تونس «الشروق»
الاسئلة يتداولها المتابعون للشأن السياسي التونسي وكذلك الشارع حول عودة حركة «النهضة» الى الوجود من البوابات المشروعة ولعلّ أوكد هذه الاسئلة وأكثرها تردّدا على ألسنة الناس «ماذا تريد حركة النهضة وإلى ماذا يطمح قياديوها؟».
قصدت المسالك المؤدية الى مقرّ حركة النهضة المتمترس بلافتته العملاقة وسط عمارات مونبليزير بالعاصمة، هناك التقيت بالأستاذ نور الدين البحيري عضو المكتب السياسي للحركة والناطق الرسمي باسمها وأحد رفقاء الدرب الذين ناضلوا جنبا الى جنب مع الشيخ راشد الغنوشي زعيم الحركة ومؤسسها، وعاش المحامي البحيري كل ردهات تاريخ الحركة واكتوى كما اكتوى آخرون بلسعات نظام بورقيبة ونظام بن علي وشهد كل خصومات الحركة وصداماتها مع السلطة واختار البقاء في تونس حين قرّر زعيم الحركة وبعض قادتها وكوادرها الرحيل الى العواصم الأوروبية هروبا من غياهب السجون والمحاكمات المتلاحقة التي كان يستخدمها النظام لاستئصال الحركة من ينابيعها.
جرى اللقاء على مدى ثلاث ساعات مع الاستاذ نور الدين البحيري حاولت خلاله المضي بالأسئلة الى أقصى حد ممكن.
سألته: عادت حركة النهضة الى الوجود من جديد في الساحة السياسية التونسية بعد الحصول على تأشيرة تأسيس الحزب من وزارة الداخلية وعاد شيخ الحركة الى أرض الوطن وسط ردود فعل متباينة تراوحت بين رافض لهذه العودة ومشكك في نوايا قياديي الحركة ومؤيد لها لكن الواضح ان الحركة أعادت خلط الأوراق والحسابات فكيف واجهت كل هذا؟
أجابني: الثابت ان حركة النهضة لها مكانتها في الساحة السياسية التونسية حتى في مراحل القمع الذي مارسته السلطة التونسية في حق قيادييها ومناضليها وكان حضورها منتظما داخل البلاد رغم المنع والملاحقات لفترة دامت حوالي 20 سنة وحافظت على هذه المكانة رغم ظهور تيّارات ذات مرجعية اسلامية تستمد رؤاها من قنوات تلفزية ومن بعض مشايخ الصحوة لأن الساحة السياسية الوطنية في حاجة لتيار اسلامي يعبّر عن توق نحو تطوير الفكر وقراءة الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بشكل جيّد وتقديم البدائل للقضايا والاشكاليات ويكون متجذّرا في هويته العربية والاسلامية وما تحتاجه تونس هو تيار اعتدالي وسطي يرفض الغلو والانزلاق نحو الأقصى سواء في الفكر او في السلوك. وقد سعينا لتقييم مسار الحركة قبل ثورة 14 جانفي للوقوف على نقاط الضعف وتوصلنا الى وضع تقييم شامل لتجربة الحركة وصياغة ورقة حول العمل السياسي لحركة النهضة وبادرنا بلمّ شمل أبناء الحركة، وتفاديا لنتائج التداعيات السياسية قدمنا مطلب التأشيرة في فيفري 2011 والاعلان عن هيئة تأسيسية جديدة تضمّ عناصر من الداخل والخارج لقيادات النهضة لكن واجهنا اثر ذلك بعض الصعوبة في التواصل مع الناس وعملنا على ربط قنوات للتواصل مع فئات التونسيين والتعريف بالحركة وبمبادئها رغم الأحكام المسبقة التي ساقها البعض وتخوّفهم من نوايا الحركة.
سألته: هل غيرتم أساليب التعامل مع الناس والتعاطي مع الوضع السياسي في تونس؟
أجابني: تسلّحنا بخطاب قادر على التعبير عن حقيقة الحركة ويرفع عنها الكثير من اللبس ولا ننسى رمزية الحركة وتاريخها الطويل وتضحيات قيادييها لكن كانت هناك ردود فعل تتراوح بين الإحساس بالشفقة والتعاطف مع الحركة وتقدير رموزها وهو ما ساعدنا على سرعة الاندماج وكما أسلفت فإن تونس بحاجة الى تيّار فكري سياسي يوفّق بين التجذّر في الواقع الاجتماعي والتمسّك بالهوية العربية الاسلامية ومنفتحا على الحداثة ويرفض الغلوّ وله مواقف واضحة من المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ويحاول ان يعبّر عن جزء من تطلعات الناس وحقوقهم الاجتماعية وقد اكتسبنا قدرة على ردّة الفعل السريعة وما فاجأنا أن الكثير من الشباب والبنات المحجبات وغير المحجبات والمتديّنين وغير المتدينين انتموا الى الحركة بل لاحظنا ان غير المحجبات اللاتي انتمين الى الحركة كنّ أكثر عددا من المحجبات، لذلك فإننا نجحنا في ما فشلت فيه بعض التيارات والأحزاب الأخرى التي حاولت تعديل ايديولوجياتها ومنظوماتها الفكرية وفشلها كان في عدم فهم ما يريده التونسيون لأن التونسي عربي ومسلم في تركيبتهم الذهنية.
سألته: هل تزعجكم كثرة الأحزاب الناشئة بعد الثورة ومحاولات بعضها تأليب الرأي عليكم؟
أجابني: التعددية السياسية ضرورية فلا يمكن رسم مستقبل واضح للبلاد إذا لم يكن الخيار مبنيا على حوار عميق بين كل الأطراف ومنافسة فكرية وسياسية حقيقية ومن واجب النخب التونسية تجنّب الوقوع في كارثة 1956 حين واجه بورقيبة الرأي المخالف له بالقمع وظهور حزب قويّ عمل على توظيف التنظيمات النقابية والمهنية لتكون في صفّه ومؤيدة له وأفرغ الاستقلال من محتواه لذلك يجب ان تستفيد النخب التونسية من هذه التجربة وتتجنّب الوقوع في أخطائها وانحرافاتها وتحمي التعددية كما يجب ان يكون المجلس التأسيسي تعدديا وعلينا ان نحول دون أي تحالف بين المنظمات المهنية والنقابية والأحزاب السياسية حتى لا يقع السطو على القرار وبالتالي على إرادة الشعب وهذا الكلام ينسحب على النهضة وغيرها من الأحزاب.
سألته: هل تخشون تحرّكات بعض الأطراف المحسوبة على المجتمع المدني وتحالفاتها غير المعلنة مع أحزاب سياسية تحضيرا لتكتيك انتخابي؟
أجابني: على المجتمع المدني التونسي ان يرفع أيديه عن الأحزاب لأن مكوّناته كانت جزءا من الازمة التي عاشتها تونس إبان حكم بن علي الذي سيطر على هذه الكيانات وجعلها تعبّر عن سياساته وتونس اليوم في حاجة الى إعادة بناء المجتمع المدني والمحافظة على استقلاليته لأن المجتمع المدني المهيكل هو الضامن لعدم تغوّل الأحزاب السياسية والنقابات المهنية.
سألته: هل ترمي من هذه التلميحات الى مساعي الاتحاد العام التونسي للشغل لتشكيل قائمات انتخابية؟
أجابني: مساعي اتحاد الشغل لإعداد قائمات انتخابية هو استنساخ لتجربة 1956 وأستبعد ان ينجح التحالف المهني والنقابي مع أحزاب سياسية.
سألته: هل ستواصل مساعيكم للدخول في تكتلات مع أحزاب أخرى قبل انطلاق انتخابات المجلس التأسيسي؟
أجابني: علينا النجاح في المرحلة الانتقالية والوصول بسلام الى الانتخابات المقبلة ويجب على كل التشكيلات السياسية التي ستفوز بمقاعد في المجلس التأسيسي أن تتعايش بعيدا عن مطامع الاستحواذ على القرار وإحداث انقسامات داخل المجلس وقد عرضنا على بعض الأحزاب الدخول في تحالف ومنها حركة التجديد وحزب العمال الشيوعي والحزب الديمقراطي التقدمي وننتظر ردودهم لكن ما لاحظته ان الحسابات السياسية اليوم يسيطر عليها هاجس احتساب المقاعد في المجلس التأسيسي والفوز بأكبر عدد ممكن.
سألته: هل لديكم تصوّر للدستور الذي سيعمل المجلس التأسيسي على صياغته؟
أجابني: طبعا، أعددنا مشروع دستور متكامل لا يختلف كثيرا عن المشاريع التي عُرضت في المدة الأخيرة ويرتكز مشروعنا على جملة من المبادئ وهي:
1 بناء دولة مدنية حديثة بكل ما تحمله كلمة مدنية من معان سواء في علاقة الدولة بالمواطنين وبالخارج او في علاقة المواطنين ببعضهم البعض.
2 نظام جمهوري يكرّس سيادة الشعب عبر انتخابات حرّة نزيهة وفصل بين السلطات ومنع كل مداخل الاستبداد والانفراد بالرأي ولذلك طالبنا بنظام برلماني معدّل يكون منتخبا من الشعب والرئيس يكون منتخبا ورئيس الحكومة يتم تعيينه من قبل رئيس الدولة باقتراح من البرلمان وتحديدا من الكتلة البرلمانية الأكثر عددا لضمان تحقيق الاستقرار السياسي والتوازن بين البرلمان ورئيس الجمهورية والحكومة والرئيس يتابع عمل الحكومة وله حق اتخاذ الاجراءات التي تضع حدّا للتجاوزات والاعتراض على ما يصدره البرلمان من قوانين إذا كانت تمسّ بالثوابت المشتركة.
3 قيمة المواطنة مع ما ينتج عنها من ضمان للمساواة بين جميع التونسيين.
سألته: قيل كلام كثير عن موقفكم من مسألة الهوية اي هوية الدولة، أريد توضيحات حول هذه المسألة؟
أجابني: تبقى تونس دولة مستقلة دينها الاسلام ومن مصلحة كل الأطراف عدم تحرير المقدّس وحشره في التجاذبات الحزبية وتحرير أماكن العبادة وعدم احتكار الاسلام او التحدث باسمه ونحن كحزب سياسي مدني من حقّنا ان نستلهم آراءنا وأفكارنا من اي خيار نشاء.
سألته: نقلت وثائق ويكيليكس معطيات عن محادثات جرت بين السفير الأمريكي بتونس وبعض قيادات حركة النهضة خلال السنوات القليلة الماضية، أيعني هذا أنكم في تنسيق وتواصل مع السفارة الأمريكية ومن ورائها الإدارة الأمريكية؟
أجابني: حركة النهضة هي تعبير عن تيار مجتمعي وسطي معتدل وهذا قلناه للأمريكان فتلك حقيقتنا ومن حقنا التعريف بأفكارنا وتوجهاتنا وتبليغ آرائنا ليكون الحكم علينا موضوعيا ومن خلال قناعاتنا لا من خلال ما يروّج عنّا.
المخابرات الأمريكية: الإسلام المتطرّف سينمُو بنسق متزايد في 2020
في تقرير أصدرته المخابرات الأمريكية سنة 2005، أبدت الولايات المتحدة خشيتها من أربعة سيناريوهات من بينها ما أسماه خبراء الوكالة بسيناريو «الخلافة الجديدة» وقالت إنها حركة شاملة قد تغذيها سياسة هوية دينية أصولية تشكل تحديا لثوابت الغرب وقيمه.
تونس «الشروق»
جاء في التقرير أن انتشار الإسلام المتطرف سيكون له كبير الأثر إلى حدود عام 2020 وستلقى الدعوة للرجوع إلى جذور الحضارة الإسلامية بعض الاذان الصاغية ويتنامى الإسلام الراديكالي المتطرف بشكل تصبح الحكومات العربية غير قادرة على مجابهته.
ويعتبر مركز نيكسون للدراسات والبحوث أنه على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في مجموعة الثمانية تخصيص 1٪ من الناتج الإجمالي لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين، ويعتبر المركز أن مثل هذا الجهد سوف يكون مقنعا لدحض مقولة أن النظام الرأسمالي الديمقراطي هو فقط للأغنياء.
ويؤكّد المركز في تقريره الصادر في ماي 2010 أن معركة الأفكار هي في المقام الأول حرب أهلية فقهية داخل العالم الإسلامي، وهي حرب الولايات المتحدة الأمريكية غير مجهزة لخوضها ولكن يمكن مع ذلك أن تساعد المعتدلين للكشف عن الطبيعة الحقيقية لأشد خصومهم.
ونصح مركز نيكسون الإدارة الأمريكية بمساعدة المسلمين المعتدلين من خلال «توفير منافذ إلى وسائل الإعلام وإمكانيات النشر والتوزيع لمواجهة الاثار الناجمة عن أدبيات الحرمات الإسلامية المتشددة ولا بد من استراتيجية دولية جديدة لمكافحة انتشار ثقافة التطرف على شبكة الانترنت والتصدي لكل منشورات الحركات المتطرفة».
كما نصحها بتشجيع الحكومات في الدول الإسلامية للسماح لمنظمات إسلامية وتعزيز التسامح والحوار بين الأديان.
وانتهى تقرير المركز إلى التأكيد على أن حرب الولايات المتحدة الأمريكية ضد الحركات الإسلامية المتطرفة وخصوصا تلك التي تعتبرها «الشيطان الأكبر» تستدعي من المسؤولين في الإدارة الأمريكية التفاعل مع المسلمين وتلقي تدريبات حول ثقافات المسلمين وطريقة تفكيرهم والاطلاع على قيمهم وتقاليدهم مع توخي الحذر الشديد في التعامل مع أي قضية يطرحها الإسلاميون المتشددون وتجنّب اعتماد المقاربات المعقدة والتعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة بكل تواضع لدحض ما يروّج عن الأمريكيين بأنهم متغطرسون وقوة بطش ضاربة في العالم.
وقد أدركت الإدارة الأمريكية وصانعوا القرار فيها أنهم قد انجرّوا في السنوات الأخيرة إلى حرب مع الإسلام بسبب تزايد وتيرة الهجمات العسكرية الأمريكية على المساجد والأضرحة وغيرها من الرموز الهامة للمسلمين في العراق.
وعلى الرغم من أن تكتيك ملاحقة المتمردين المختبئين في الأماكن الدينية الهامة قد يكون منطقيا ومثاليا حسب تقرير نيكسون فإن الولايات المتحدة تخسر الحرب الايديولوجية إذا استمرت في هذه الإجراءات ولذلك كان واضحا خلال السنوات الأخيرة أن أمريكا خسرت معركة التصورات والمفاهيم في العالم الإسلامي والعمليات العسكرية في المواقع ذات الأهمية الدينية للمسلمين سوف تفسّر على أنها استمرار للحرب على الإسلام.
وفي تونس تعاملت الإدارة الأمريكية مع الحركات الإسلامية بشيء من الريبة والحذر، وقد كشفت وثائق ويكيليكس حول حركة النهضة عن قرب استغناء أمريكا عن خدمات الحركة.
وأشارت وثائق وبرقيات السفير الأمريكي بتونس الواردة في ويكيليكس إلى وجود علاقة جيدة جدا في السنوات الأخيرة بين بقايا حزب النهضة الإسلامي التونسي في عهد الرئيس المخلوع وفي الزيارات التي أداها بعض قادة النهضة كان الحديث يجري حول وضع الإسلام في تونس وتزايد التديّن في البلاد وقال السفير في إحدى برقياته «أن العلاقة بين السفارة وحركة النهضة جيدة» وكان زياد الدولاتلي عضو المكتب السياسي للحركة كثير التردد على السفارة ويسعى دائما لإقناع السفير بأن النهضة تمثل الإسلام المعتدل في تونس وخطهم الاعتدالي هو ما تبحث عنه الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن برقيات السفير الأمريكي التي يوجهها إلى الخارجية الأمريكية كانت تورد كلمة معتدلين بين مزدوجين في سياق الحديث عن خط النهضة الإسلامي.
ويقول المسؤول الأمريكي بالارد في إحدى البرقيات أن السفارة سعيدة بالتعامل مع مسؤولي النهضة لكنها لا تأمل تغييرا كبيرا في المستقبل السياسي التونسي.
حركة الإسلاميين التقدميون (15 21): ولدت من رحم الاتجاه الإسلامي وأجهضت بسرعة
في نهاية السبعينات ظهر تيار فكري جديد في مصر انسلخ رواده عن حركة الاخوان المسلمين ومن أبرز منظريه د. حسن حنفي وفي تونس ظهر كتيار على هامش حركة الاتجاه الإسلامي.
تونس (الشروق)
الإسلاميون التقدميون كما يصفهم حسن حنفي هم أعضاء «تيار قادر جمع بين التراث الإسلامي وقضايا العصر ويلتزم بالفكر الإسلامي بمنهج واقعي وتحديثي يحاول كسر جدار الثلج بين عدة اتجاهات فهو يؤكد على الإسلام ومبادئه وينطلق منه ولكنه يقرؤه قراءة عصرية وفقا لمقتضيات الفترة الزمنية الراهنة بخلاف الإسلام السياسي الذي يقرأ الإسلام قراءة سياسية.
ويضيف حسن حنفي أن مشروع الاسلام التقدمي أو ما أطلق عليه «اليسار الإسلامي» هو الدولة المدنية الديمقراطية بخلاف تيار الإسلام السياسي الذي ينادي بدولة الخلافة وإن تغير اسمها في بعض الأحيان.
بداية الانشقاق
مع اشتداد حركة الصراع الاجتماعي والنقابي في تونس وانفجار الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب والحكومة واندلاع أحداث قفصة العسكرية التي أطاحت بالوزير الأول الهادي نويرة الذي أصيب بشلل نصفي أقعده عن الحركة واستبدال بورقيبة له بمحمد مزالي كانت حركة النهضة تعيش صراعا إيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا وحربا مفتوحة مع السلطة ومع الحركة اليسارية.
بدأت مؤشرات التصدع الداخلي تبرز في الحركة الإسلامية التونسية بسبب الاختلاف في الأفكار والمبادئ والتعاطي مع الشأن السياسي التونسي فكانت القطيعة بين حميدة النيفر والجماعة الإسلامية عندما حاول نشر مقال في مجلة «المعرفة» الناطقة باسم الحركة وكان آنذاك رئيس تحريرها انتقد فيه تجربة الإخوان المسلمين لكنه فوجئ بسحب مقاله من المطبعة دون علمه فقرر الاستقالة من التنظيم والمجلة.
وأعلن حميدة النيفر آنذاك قائلا :« اعتبرت بعض كتاباتي بمجلة المعرفة خروجا عن الخط الرسمي للتنظيم ونشرا لغسيل الحركات الإسلامية».
بعد استقالة النيفر قررت الحركة تعيين صلاح الدين الجورشي رئيس تحرير للمجلة وهو أحد كوادر التنظيم آنذاك وصديق حميدة النيفر.
لكن الجورشي لم يعمر طويلا في رئاسة تحرير المجلة حيث تم حذف اسمه من المجلة تمهيدا للتخلص منه نهائيا أو قال الجورشي آنذاك «فوجئنا بنوع من الحركة الانقلابية بطريقة لا أخلاقية ولا قانونية بدون إعلامي» ويؤكد أنه وجد نفسه رفقة صديقه احميدة النيفر «بدون هوية وتأخذنا الحركة إلى طريق تبني نموذج الإخوان الذي نرى أنه فشل تاريخيا فرفضنا كل ذلك وانتهينا إلى تأسيس مجموعة الاسلاميين التقدميين».
انسحابات
ويثير الباحث المتخصص في تاريخ الإخوان توفيق المديني إما أن «وصول الأصداء الأولى للثورة الإيرانية عجزت الأطر التي كانت متحكمة في أجهزة الجماعة التنظيمية عن أن تستوعب التطورات والتحولات أو أن ترسي حوارا جديا في الداخل أو عبر مجلة المعرفة مما أدى إلى انسحاب جماعي من الحركة وتكوين نشاط مستقل عرف بعد ذلك بالاسلاميين التقدميين لكن الجسم الأصلي لم يستطع إعادة الاستقرار النظري والتنظيمي الذي كانت المؤسسة الحركية تجهد نفسها لتحقيقه إثر عملية الإنشقاق.
واستطاع تيار الإسلاميين التقدميين أن يجمع بعض الأنصار وعقد مؤتمره التأسيسي في جوان 1980 معلنا توجهه العقلاني في قراءة الفكر الإسلامي وإجراء عملية مراجعة لأدوات دراسة التاريخ الإسلامي وتاريخ حركة الإخوان المسلمين وخصوصا منهج حسن البنّا وسيد قطب إلاّ أن هذا التيار ظل أقليّا.
وقد علق الشيخ راشد الغنوشي زعيم الحركة الإسلامية على انفصال النيفر والجورشي قائلا أن هذا «الانشقاق حدث في منعطف هام من تاريخ الحركة الاسلامية في تونس بعض أجزاء هذا الجسم ذهبت شظايا ولم تتمزق الحركة وإنها فقدت بعض عناصر مهمة فيها...تقديرنا أن هذه العناصر لم تصبر على ضرورات التطور.
أسئلة الجورشي
واستنادا إلى رواية قدمها صلاح الدين الجورشي في منتدى الجاحظ التابع لحركة الإسلاميين التقدميين فإن السلطة كانت تبذل مساعي حثيثة من أجل توظيف الاسلاميين التقدميين لضرب بقية التيارات لذلك أوقفت الحركة إصدار مجلتها المعنونة (1521) وجمعية الاسلاميين التقدميين ومنتدى الجاحظ الذي أعيد استئناف نشاطه خلال السنوات الأخيرة كفضاء مفتوح للفكر الحرّ.
وقال الجورشي عن حركة النهضة أنها الأكثر قدرة على ترتيب أولوياتها بشكل يجعلها ذات وزن في المرحلة المقبلة ولكنها تجد منافسة مع السلفية وحجم هذه المنافسة يبقى محكوما بما ستؤول إليه هذه الظاهرة هل ستقع انقسامات في المستقبل أم لا؟ وكيف ستتعامل معهم السلطة؟ وهل ستستفرد في سياسة الإقصاء أم ستحدث معجزة سياسية وتشهد اندماجا للإسلاميين في السياسة؟
محطات في تاريخ الحركة الإسلامية في تونس
٭ 1950 تأسيس لجنة صوت الطالب الزيتوني على أيدي مجموعة من الطلبة الزيتونيين، وقد دخلت هذه اللجنة في صراعات مع الحكومة خاصة في فترة شنيق وبن عمار على خلفية المطالبة بإصلاح التعليم الزيتوني ودعمه.
٭ 1971 راشد الغنوشي ينضم الى جمعية المحافظة على القرآن الكريم التي بدأت تمارس نشاطات أهمها الدعوة والتبليغ إلاّ أن الحزب الدستوري تدخل وأوقف بعض هذه النشاطات فخرج الغنوشي وآخرين وأنشؤوا حلقة في جامع صاحب الطابع.
٭ 1972 انعقاد اجتماع الأربعين باحدى ضواحي العاصمة بمرناق ضمّ الغنوشي وآخرين لمناقشة الخطّ الفكري للحركة وإطلاق تسمية «الجماعة الاسلامية» على المشاركين في الاجتماع وتم انتخاب راشد الغنوشي أميرا للجماعة واحميده النيفر نائبا له وصالح كركر نائبا لنائب الأمير، واعتبر الاجتماع تأسيسا لحركة الاتجاه الاسلامي.
٭ 1974 الحركة الاسلامية بتونس تصبح عضوا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
٭ 1979 انعقاد المؤتمر الأول للحركة الاسلامية بتونس في ضاحية منوبة، واعتبر هذا المؤتمر تقنينا للتأسيس الذي تمّ سنة 1971 في ضاحية مرناق وتزامن عقد هذا المؤتمر مع اندلاع الثورة الايرانية بقيادة آية اللّه الخميني واحتفى الاسلاميون في تونس بهذه الثورة وأعلنوا مساندتهم المطلقة لها.
٭ 1980 صدرت أول مجلة حائطية في الجامعة التونسية «الحدث» لطلبة الاتجاه الاسلامي لنقد النظام وأطروحات اليسار العدو التقليدي لحركة الاتجاه الاسلامي.
٭ 1981 انعقاد المؤتمر الثاني للحركة الاسلامية بمدينة سوسة على مدى يومين كاملين (9 و10 أفريل) وتزامن ذلك مع انعقاد مؤتمر الحزب الدستوري الحاكم.
مسيرات تلمذية وطلابية يحرّكها القياديون في الحركة الاسلامية لمهاجمة النظام والتدخل لعزل بعض الأيّمة الذين تعيّنهم السلطة وتعويضهم بآخرين.
٭ 6 جوان الاعلان ضمن ندوة صحفية عن ميلاد حزب «حركة الاتحاد الاسلامي» رسميّا والسلطة تطلق موجة واسعة من الاعتقالات شملت عديد القيادات وكوادر الحركة.
٭ 29 ماي: الاعلان عن أعضاء الهيئة التأسيسية للحركة بزعامة راشد الغنوشي وبروز أول خلاف بين عبد الفتاح مورو والغنوشي حول غياب العنصر النسائي في تركيبة الهيئة التأسيسية التي ضمّت الى جانب الغنوشي ومورو، زاهر المحجوب وبنعيسى الدمني والحبيب المكني.
٭ 30 جويلية: وزير الداخلية ادريس قيقة يعقد ندوة صحفية يشرح فيها الأسباب التي دفعت الوزارة لاعتقال عدد كبير من قيادي حركة الاتجاه الاسلامي.
٭ 4 ديسمبر: المحكمة تصدر أحكاما بالسجن تراوحت بين 11 سنة وعدم سماع الدعوى ضدّ الغنوشي ومورو وصالح كركر وآخرين في حركة الاتجاه الاسلامي.
1983 اندلاع مظاهرات دامية في كل أنحاء البلاد عرفت بانتفاضة الخبز وكان لاتحاد الشغل والاسلاميين دور فاعل فيها.
٭ 1984 6 جانفي: بورقيبة يعلن في خطاب الى الشعب أنه قرر إلغاء الزيادات في أسعار الحبوب ومشتقاته والعودة بالأسعار الى ما كانت عليه قبل الزيادات.
٭ 30 جويلية: الوزير الأول محمد فرالي يستقبل في منزله عبد الفتاح مورو الذي ما يزال آنذاك تحت الاقامة الجبرية كتتويج لمسلسل المصالحة بين الاسلاميين والسلطة وكان صلاح الدين الجورجي الوسيط في هذه المصالحة.
الافراج عن قيادات حركة الاتجاه الاسلامي بعد ضغط من محمد مزالي الذي كان يخطط لغلق ملف الصراع مع الاسلاميين والتفرغ لملف المنظمة النقابية.
٭ 1985 محمد مزالي الوزير الأول يلتقي راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو بمكتبه بقصر الحكومة واعتبر هذا اللقاء إيذانا بالسماح للحركة بالنشاط رغم عدم حصولها على تأشيرة العمل.
٭ 1986 عودة الصراع بين الاسلاميين والسلطة في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية خانقة تمر بها البلاد وتجاذبات بين الأجنحة داخل الحكومة والقصر الرئاسي.
ديسمبر: حركة الاتجاه الاسلامي تعقد مؤتمرها الرابع تحت شعار «مؤتمر المضامين» في كامل السرية.
الاتحاد العام التونسي للطلبة (الذراع الطلابية للحركة الاسلامية في الجامعة)، الذي تأسس سنة 1985 يعقد مؤتمره الثاني في نفس اليوم الذي انعقد فيه مؤتمر الحركة كتكتيك تمويهي لتضليل البوليس السياسي.
٭ 1987 الجنرال بن علي يزيح بورقيبة عن الحكم والحركة الاسلامية تنفي عن نفسها سياسة التصعيد لطمأنة النظام الجديد.
٭ 1988 الافراج عن عدد كبير من قيادات الاتجاه الاسلامي
دعوة الحركة للمشاركة في التوقيع على الميثاق الوطني.
٭ 1989 الاعلان عن تغيير تسمية حركة الاتجاه الاسلامي وتعويضها بتسمية حركة النهضة وتقديم طلب الى السلطات للحصول على تأشيرة العمل.
انضمام عبد الفتاح مورو الى المجلس الاسلامي الأعلى ممثلا لحركة النهضة.
مشاركة الحركة في الانتخابات التشريعية وخروجها منها بلا مقاعد وعودة التأزم بينها وبين السلطة.
ماي: راشد الغنوشي يغادر البلاد هربا من قمع السلطة وعودة الاعتقالات في صفوف قيادة الحركة.
٭ 1990 تعطيل صدور جريدة «الفجر» لسان حال حركة «النهضة» بحجة تحريضها على الفوضى.
2001 حركة النهضة تؤكد رفضها كل أشكال العنف على إثر أحداث 11 سبتمبر الشهيرة.
٭ 2005 انضمام حركة «النهضة» الى هيئة 18 أكتوبر وانطلاق التنسيق مع مكوّنات المجتمع المدني لمواجهة السلطة وقمعها للمعارضة الحقيقية.
٭ 2007 حركة «النهضة» تصدر بيانا تدين فيه العملية التي قامت بها الجهادية السلفية في أحداث سليمان.
٭ 2011 عودة راشد الغنوشي رفقة قياديي حركة «النهضة» الى أرض الوطن بعد ثورة 14 جانفي.
فيفري: تقديم طلب الى وزارة الداخلية للاعتراف رسميّا بحركة النهضة.
الناطق الرسمي باسم «حزب التحرير» : جهات أمنية تعمّدت الخلط بيننا وبين السلفيين
خلافا لما كنت أعتقد، لم يكن من الصعب الوصول إلى الناطق الرسمي لحزب التحرير رضا بلحاج فقد لبّى الدعوة لإجراء لقاء معه بلا تردد وكان تلقائيا في أجوبته عن كل الأسئلة التي طرحتها عليه رغم تحفظه على بعضها بكل لباقة.
تونس «الشروق»
استوجب فهم أدبيات حزب التحرير وأهدافه ونشأته وتطلعاته وارتباطاته بالكيانات السياسية الداخلية والخارجية وعلاقته بالثورة التونسية وبالأحداث المتتالية التي شهدتها البلاد في الأشهر الموالية حوالي الساعتين مع الأستاذ رضا بلحاج أستاذ اللغة العربية وخريج دار المعلمين العليا ولم تثنه متاعب الصيام عن تفصيل الكلام في تاريخ الحزب ونظرة التونسيين إليه واتهام عناصره بالعيش خارج سياق المدنية والحداثة في مطالبتهم بدولة الخلافة الإسلامية والربط بينهم وبين الحركة السلفية في تونس... وتولّدت عن الأسئلة أسئلة أخرى وزخم هائل من الإجابات ضمن الحديث التالي:
الجميع يعلم أن حزب التحرير كان بمثابة التنظيم السري وكانت له خصومات طويلة مع نظام بورقيبة ونظام بن علي وتعرّض الكثير من عناصره للسجن لكن عودته إلى الساحة السياسية التونسية بعد الثورة كانت مصحوبة بخيبة أمل لقيادييه حين رفضت وزارة الداخلية منحه تأشيرة العمل مثلما فعلت مع أحزاب كثيرة فلو حدثتني عن هذه العودة وخيبة الأمل؟
في البداية يجب أن يعلم الجميع أن المنتمين لحزب التحرير شاركوا في أحداث الثورة وخرجوا مع الشعب في الأحياء الشعبية وهو ما يعني أن الحزب موجود وينشط منذ نشأته في أواخر السبعينات ويشهد تاريخ الحركات السياسية في تونس أن عناصر الحزب تعرضوا للمحاكمات والملاحقات وأبرزهم محاكمة حوالي 300 شخص بينهم عسكريين بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي غير مرخص له ومخالفة القانون الأساسي للعسكريين وكذلك محاكمة أفراد من هذا الحزب سنة 1985 لكن مع كل هذه المحاكمات كنا ننشط داخل الفضاءات الشعبية والجامعية وعقدنا مؤتمر الخلافة وهو مؤتمر سنوي خلال سنوات 1988 و1989 و1990 ثم تلت ذلك مرحلة صعبة كان الأمن يلاحق فيها شباب حزب التحرير في الجامعة وخارجها ولم تثننا الملاحقات والمحاكمات عن التحرك والكتابة في الصحف الوطنية وإصدار مجلة ناطقة باسم الحزب «الخلافة» فأصبحنا طرفا فاعلا في الساحة السياسية.
لماذا رفضت الحكومة المؤقتة منح حزبكم تأشيرة العمل بشكل قانوني؟
طلب التأشيرة ليس استئذانا للعمل ولا توسّلا ولا تسوّلا فنحن أبناء هذا البلد وضماناتنا للأمة واضحة وهي: لا للارتباط بالأجنبي لا لممارسة العنف السياسي لا لاحتكار الإسلام وتوخي منهج التكفير، وهذه الضمانات تجعلنا أولى من غيرنا بالعمل السياسي في وقت اعترفت فيه الحكومة المؤقتة بأحزاب تجمعية المرجع والنشأة وأحزاب أخرى موالية لدول عربية أيديها ملطخة بدماء شعوبها وأقصد الأ حزاب التي تدافع اليوم عن نظام العقيد الليبي معمر القذافي.
هل وجدتم مؤازرة من أحزاب أخرى؟
أبدت بعض الأحزاب مؤازرتها لنا لكن حركة «النهضة» للأسف لم تصدر أي موقف وهو ما أثار استغرابنا رغم أن الأستاذ حمة الهمامي (الحزب الشيوعي التونسي) آزرنا وساندنا في محنتنا وسنعمل على إعادة تقديم المطلب من جديد.
هناك بعض الأفكار والمواقف الصادرة عن حزب التحرير تثير الدهشة والغرابة مثل دعوتكم لدولة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية وتطبيق أحكام الفقه الإسلامي ألا ترى أن هذه الأطروحات تخرجكم عن سياق العقلانية والحداثة؟
دولة الخلافة هي كيان تنفيذي لمجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية لتصبح سارية في شكل علاقات تنفع الناس وتحقق لهم الرعاية والكفاية والرفاه وندعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية والدولة الإسلامية هي دولة وحدة وليست دولة اتحاد أو فيدرالية ونظام الحكم الإسلامي الذي ندعو إليه يقوم على مبادئ السيادة للشرع أي وضع القوانين على أساس العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها والمبدأ الثاني يتلخّص في أنّ السلطان بيد الأمة ونقصد به اختيار المواطنين لمن يحكمهم لأن البيعة (الانتخاب) هي عقد مراضاة بين الحاكم والمحكوم والانتخابات هي شكل من أشكال المراضاة.
إذن تؤمنون بالانتخابات كشكل من أشكال ممارسة الديمقراطية وممارسة الحكم؟
طبعا الخليفة يتم انتخابه من الشعب ومجلس الشورى (مجلس النواب) وينتخب ويمكن أن لا يقتصر على الإسلاميين فقط ومجلس الولاية منتخب كذلك وهذا الطرح ليس من قبيل التشبّه بالغرب وإنّما هو تأصيل شرعي وأدلة تفصيلية أضيفت إلى المبادئ التي ذكرتها أن رئيس الدولة (الخليفة) له الحق في تبني القوانين والمصادقة عليها، لكن الأهم أن الدولة التي نطالب بها يجب أن تكون دولة رعاية والأمة (الشعب) لها الحق في المحاسبة ويمكن أن تتجسّم هذه المحاسبة في إيجاد الأحزاب كآلية من آليات المحاسبة ومن حقها السعي للوصول إلى الحكم دون طلب تأشيرة.
ما الذي يميزكم عن حركة النهضة؟
هناك خط فاصل بيننا رغم أن حزب التحرير لا يريد التمايز عن الأحزاب الأخرى لكن الملاحظ أن مشروع حركة النهضة محلي ولدينا نظرة أخرى لإنضاج الخطاب الإسلامي وبناء وعي جديد بالإسلام السياسي المغيّب في تونس من خلال بدائل في الاقتصاد والحكم والنظام الاجتماعي وأردنا أن نجسد الإسلام كبديل على رأسه دولة الخلافة.
كيف تنظرون إلى أحزاب ما بعد الثورة وفسيفساء المشهد السياسي التونسي؟
الأخطر في تونس بعد الثورة أن تشكيلة الأحزاب الجديدة بالخصوص والأداء السياسي يكاد يكون عملا مخابراتيا باستثناء البعض وهذا عمل تخريبي لكيان الشعب التونسي والملاحظ أن هناك أجندات خفية وارتباطات لم تُكشف بعد.
هناك من يربط بينكم وبين السلفيين المتشددين ويحاول الزجّ بكم في دائرة العنف والتطرّف؟
لا علاقة بنا بالحركة السلفية ولم نتورط في ممارسة العنف فحزب التحرير ليس سلفيا فهو لا يرجع في أدبياته، إلى جيل معيّن من السلف مثل ابن تيمية بل إلى القرآن والسنة رأسا وقد فتحنا باب الاجتهاد و الخلط بيننا وبين السلفية مقصود من بعض الجهات الأمنية وغيرها من الجهات الأخرى لضرب حزب التحرير والاستخفاف به واختزاله في مجرد اللباس وإطلاق اللحية، وكما تراني لا أطلق لحيتي ولا أحمل لباسا أفغانيا وأغلب الإخوة في الحزب على شاكلتي.
هل تنوون خوض انتخابات المجلس الوطني التأسيسي كمستقلين؟
نحن ضد فكرة المجلس التأسيسي والقانون الانتخابي الذي أعدته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة فضيحة فقد تم وضعه بطريقة تضمن لبعض الأطراف تقاسم الكعكة والسطو على إرادة الشعب وللأسف فإن حركة النهضة انساقت في هذه اللعبة بعد موقفها الرافض وانسحابها من الهيئة.
ولا بد من التأكيد على أن ما يقع في تونس هو اختزال هائل لوضعية التأييد والتأبيد للظلم فلا بد من نفس جديد صادق وعدم الالتفاف على إرادة الناس حتى تؤول هذه الثورات إلى نتيجتها الطبيعية.
كم يبلغ عدد المنخرطين في حزب التحرير وهل لديكم مقرات وفروع في الجهات؟
(صدرت عنه ابتسامة عريضة وأشار إليّ برأسه بالممانعة واكتفى بالإجابة) نحن متواجدون والحمد لله في كل جهات البلاد وعددنا في تزايد مستمر.
السلفيون في تونس : من هم... أين كانوا... وكيف عادوا؟
حين أطلّ السلفيون بعد 14 جانفي بلحيّهم الطويلة ولباسهم الأفغاني وأعلامهم السوداء والبيضاء تعلوها كلمة «لا إله إلا الله» أصيبت نخب سياسية وثقافية كثيرة بدهشة غير مألوفة ومزيج من الخوف والاستهجان...
تونس «الشروق»:
فالمشهد لم يألفه التونسيون إلا في الفضائيات العربية او في المسلسلات التاريخية حيث يبدو رفع النداء «حيّ على الجهاد» أمرا عاديا.
دفع مشهد الاحتجاج أمام الكنيس اليهودي بشارع الحبيب بورقيبة في مستهل شهر فيفري الماضي والمطالبة بطرد اليهود من تونس وعودة «جيش محمد» الى الإسراع بإصدار بيان انهالت فيه على السلفيين بتوصيفات مقذعة ونعتتهم بالارهابيين والمتطرّفين... وتلك كانت إيذانا ببدء مسلسل أداء الصلوات الجماعية أيام الجمعة في شارع الحبيب بورقيبة وقد أراد السلفيون من وراء هذه الصلوات إبلاغ وزارة الداخلية العدوّ التقليدي والتاريخي لهم، بأنهم عائدون الى الظهور مجددا وممارسة النشاط العلني لكنهم كانوا في الوقت ذاته يتابعون درجة الشراسة في تعاطي رجال الأمن معهم.
والسلفيون في تونس ليسوا حزبا سياسيا ولا تيّارا منظما ينشط في العلن وتحت طائلة القانون، لقد كانوا منذ الثمانينات على شاكلة تنظيم يطلق عليه «الجبهة الاسلامية».
ورغم سريان الحديث عن تصاعد مدّ السلفية في تونس وتنامي عددهم إلا أن الأمر يبدو مجرد قوقعة إعلامية فظهورهم المفاجئ في الشوارع الكبرى وأداؤهم الاستعراضي لصلاة الجماعة في شارع الحبيب بورقيبة كان مجرد رسالة الى الجهات الرسمية إيذانا بالعودة.
يتزعّم الحركة السلفية في تونس، التي تعود في الأصل الى الجبهة الاسلامية المتأثرة بأفكار وقناعات جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنّا، الخطيب الادريسي الذي قضى في السجن سنتين وأطلق سراحه أوائل سنة 2009 بتهمة التحريض على الجهاد، وقد أصدر الادريسي مؤلفات حول بعض المسائل الفقهية.
داخل هذه الحركة، يوجد شباب السلفية الجهادية الذين بدأت أعدادهم في تزايد وانتشار وانخرط في هذا التيار سلفيون كانوا يقاتلون رفقة أعضاء الحركات السلفية في العراق والجزائر وأفغانستان وموريتانيا وليبيا وبعض المناطق الساخنة في العالم.
وتعشش في أذهان المنتمين الى السلفية الجهادية عقيدة «الجهاد في سبيل الله» في أي مكان وهمّهم الوحيد التطوّع للقتال من أجل نصرة الاسلام ومحاربة أعداء الله وهم أساسا الجيوش الأمريكية وحلفاؤهم.
وثمّة مجموعة أخرى دائرة دائرة السلفيين وهم «جند أسد بن الفرات» وهؤلاء تحركهم محاولات الاعتداء على المقدّسات الدينية مهما تعددت أشكال هذه الاعتداءات وتعبيراتها (سينما أو مسرح أو رسم).
غير أنه لم يثبت وجود علاقات أو روابط بين السلفيين وحزب التحرير وحركة النهضة، فالناطقون باسم النهضة يدحضون اي محاولة للربط بينها وبين الجماعة السلفية رغم ان الشيخ صادق شورو عضو المكتب السياسي للحركة حضر ضيف شرف في أشغال مؤتمر السلفيين الذي انعقد خلال شهر أفريل بجهة سكرة بأريانة.
ويصرّ حزب التحرير على أنه لا تجمعه بالسلفية اي روابط فكرية او علائقية فالفوارق بينهما كبيرة لعلّ أهمها ان حزب التحرير لا يدعو الى الجهاد في سبيل الله ولا يحرّض على ممارسة العنف رغم انه يعتقد جازما في فرض دولة الخلافة وتطبيق الشريعة الاسلامية.
حاولنا مرارا وتكرارا الوصول الى بعض القياديين في الحركة السلفية التونسية لكن يبدو ان طابع السرية في تحركاتهم كان مفرطا أكثر من اللزوم.
علاقات تواصل بين الاسلاميين التونسيين وإيران والسودان والسعودية
تعتبر حركة الإخوان المسلمين في مصر المرجع الأول في نشأة الجماعة الاسلامية بتونس وتأكد هذا الارتباط عمليا من خلال البيعة التي أداها راشد الغنوشي ومن بعده حميدة النيفر للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين المنعقد في السعودية في الستينات.
لكن مع بروز الثورة الايرانية، بدأ التأثير الاخواني يتقلص تدريجيا ليفسح المجال أمام الطرق التنظيمية والفكرية للثورة التي قادها آية الله الخميني سنة 1979 لكن العلاقة حسب الباحث التونسي علية العلاني مع الإخوان المسلمين لم تنقطع تماما بحكم رباط العقيدة الاسلامية.
كما كان للحركة الاسلامية التونسية علاقة متينة بالجبهة القومية الاسلامية في السودان التي تزعمها حسن الترابي، واستوحى الاسلاميون من التنظيم الاسلامي السوداني منهجيتهم الفاعلة في تعبئة الأنصار وأساليب التأثير عليهم.
وكانت علاقة الحركة الاسلامية التونسية بالتنظيم الاسلامي في الجزائر متميّزة وكان التشابه بينهما كبير في مستوى الفكر وترابط المصالح.
وقد عملت الحركة الاسلامية في تونس على ربط علاقات تواصل مع الحركات الاسلامية في السعودية ويذكر ان حكومة المملكة تدخّلت للضغط على حكومة محمد مزالي عن قيادات حركة الاتجاه الاسلامي.
سيرة الشيخ راشد الغنوشي : من الحامة الى السجون والمنافي والعودة إلى أرض الوطن
لا أحد يمكن ان يتجاهل اسم راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» ومؤسس حركة الاتجاه الاسلامي فالرجل على كبر سنّه وبياض لحيته وكثرة خصومه ومحبيه، اختزل تاريخا سياسيا دام أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
تونس «الشروق»
فردهات حياته ترزح بخصومات طويلة ودامية مع نظام بورقيبة ثم مع نظام بن علي وعاد الى أرض الوطن بعد ثورة 14جانفي 2011 ليعيد الحياة من جديد في حركة النهضة ويخرج بها من السر الى العلن ويخلط الأوراق في ساحة سياسية وطنية تضخّم حجم الفاعلين فيها وتعاظم الغموض المخيّم عليها.
بين البنّا والغنوشي
ولد راشد الغنوشي سنة 1941 بمدينة الحامة بولاية قابس اي بعد ثلاثين عاما تقريبا من مولد حسن البنّا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
ومن المفيد هنا أن نذكر ان الرجلين انحدرا من وسط اجتماعي متواضع فقد كان والد الغنوشي فلاّحا صغيرا فيما كان والد البنّا ساعاتيا ونشأ الغنوشي وسط تخوم اجتماعية مهملة اقتصاديا والمعروف عن الجنوب التونسي انه كان وكرا من أوكار الحركة اليوسفية في بداية الاستقلال.
وقد ترعرع الغنوشي في منطقة يشعر سكانها بالغبن السياسي والاجتماعي والاقصاء من دولة بورقيبة فاضطرّ الى ترك المدرسة مدة سنتين بسبب فقر أسرته، ولئن عاد مجددا الى الدراسة فلكي يتابع التعليم الزيتوني التقليدي الذي كان غير مؤهل للانتقال الى مرحلة التعليم العالي في تونس وهو ما أصابه بالاحباط وعرقل رغبته في ركوب المصعد الاجتماعي.
في هذه المرحلة، اعتنق الغنوشي العروبة وأحبّ جمال عبد الناصر وكره بورقيبة ثم التحق بمصر لمواصلة دراسته العليا باللغة العربية واستهل طريقه المهني بعد عودته الى تونس بالتدريس في احدى مدارس ولاية قفصة لينتهي به المطاف الى تحقيق مشروعه والالتحاق بكلية الزراعة في القاهرة.
وكان الغنوشي خلال فترة اقامته بالقاهرة كثير الاستماع الى إذاعة ألبانيا التي كانت تذيع برامجها باللغة العربية باتجاه بلدان الشرق الأوسط وراسل هذه الاذاعة في مرحلة لاحقة وكاد يتجه نحو ألبانيا لمواصلة دراسته الجامعية وقد كان ممكنا ان يصبح الزعيم المقبل لحركة الاتجاه الاسلامي مناضلا ماركسيا لولا نصيحة صديق له بالتوجه نحو سوريا ليحصل منها على ديبلوم الفلسفة والعلوم الاجتماعية من جامعة دمشق. وواصل الغنوشي في سوريا موالاته لعبد الناصر غير انه كان يناهض حزب البعث السوري بسبب افشاله مشروع الوحدة بين مصر وسوريا وكان لابدّ من حلول هزّة سياسية عسكرية (هزيمة 1967) ليفيق الغنوشي على اهتزاز الناصرية والعروبة معا رغم سطحية التزامه السياسي فحوّل عقيدته نحو الدين والسياسة وأطلق لحيته على طريقة حسن البنّا.
التحق الغنوشي بعد ذلك بباريس لإعداد رسالة الدكتوراه في الفلسفة الاسلامية ثم انضمّ الى جماعة «التبليغ» الاسلامية التي كانت تتنقل بين الأحياء الشعبية للمهاجرين المسلمين بهدف نشر تعاليم الاسلام ويقول الدكتور عبد القادر الزغل المتخصص في دراسة التنظيمات الاسلامية ان تلك كانت احدى الفوارق بين حسن البنّا وراشد الغنوشي فالاول كان يجهل واقع المجتمعات الاوروبية فيما عاش الثاني في باريس ومارس النضال الديني فيها.
مشوار الخصومات مع السلطة
اضطرّ الغنوشي الى قطع اقامته في باريس وعاد الى تونس خلال السبعينات على اثر وفاة والدته وانضمّ بسرعة الى حلقة نقاش داخل أحد المساجد التي يؤمها شبان اسلاميون ولما كان اليسار وأقصى اليسار مصدر قلق لبورقيبة ونظامه فقد حصلت المجموعة الاسلامية على ترخيص لإصدار مجلة ناطقة باسمهم (المعرفة) واستخدموها لمهاجمة اليسار والشيوعيين في العالم وبعض النقد المحتشم لسياسة بورقيبة وحكومته.
ومع قيام الثورة الايرانية وشروع دولة «الآيات» في تصدير الثورة الاسلامية «الشيعية» تغيّر توجه المجلة جذريا ووجد الغنوشي نفسه بعد ذلك على رأس حركة سياسية لا يستطيع التحكّم فيها.
وتواصلت خصومات راشد الغنوشي طوال حوالي عقدين من الزمن مع نظام بورقيبة ونظام بن علي الى أن غادر البلاد في أواخر الثمانينات متوجها نحو العاصمة البريطانية حيث أقام فيها هناك الى أن عاد مجددا بعد ثورة 14 جانفي 2011 وسقوط نظام بن علي ليخرج بحركة «النهضة» من طور العمل السري الى العلن وصحح وضعيتها القانونية بعد ان تقدّم بطلب تأشيرة الى وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة فرحات الراجحي في فيفري 2011 ونال التأشيرة بسرعة.
الشيعة في تونس : ظهور إعلامي مفاجئ بعد الثورة والتخلّي عن السرية والتقية
يمكن لأي متصفّح للشبكة الاجتماعية ال«فايس بوك» الاطلاع على موقع الشيعة في تونس الذي يتخذ من العلَم التونسي شعارا لواجهته مع كثير من الأدعية بصلاح حال الأمّة والترحّم على آل البيت والتغنّي بمناقب فاطمة زوجة علي ابن أبي طالب.
تونس (الشروق)
ولم ينس مؤثّثو هذا الموقع تنزيل مقاطع فيديو لخطابات حسن نصر اللّه زعيم «حزب اللّه» اللبناني وزعامات أخرى من دولة «الآيات» الايرانية.
لا تتوفّر أرقام رسمية حول حجم المتشيّعين في تونس ومن الصّعب التعرّف على قياداتهم وأماكن تواجدهم فهم يستخدمون مبدأ التقيّة الذي يفرض إخفاء العقيدة.
لكن يبدو أن المتشيّعين في تونس قد غيّروا من أسلوب تعاطيهم مع الناس فتواجدوا بعد ثورة 14 جانفي على صفحات ال«فايس بوك» وتقدّموا بطلب تأشيرة لتأسيس جمعية أطلقوا عليها «المودّة والثقافة» فوجدت وزارة الداخلية نفسها أمام هجمة إعلامية شرسة قادها محامون لإثناء الوزير عن الموافقة على تأسيس الجمعية التي لم تتلقّ أيّ جواب من الوزارة الى اليوم.
كان من الصعب الوصول الى قيادات شيعة تونس لكن المعطيات التي توفّرت من مصادرهم تؤكد أن عددهم يعدّ بالآلاف ويمارسون شعائرهم وطقوسهم.
ويذهب شيعة تونس الى أن وجودهم في تونس يعود الى سنة 921 ميلادي وهي مرحلة الدولة الفاطمية ومع بداية السبعينات دخل المذهب الجعفري الى قلوب الشيعة لتبدأ مرحلة تأثيث البيت من الداخل وعدم الظهور الى العلن.
ويقول الأستاذ محمد التيجاني السماوي أحد رموز الشيعة في تصريح أدلى به لوسائل الاعلام «إن شيعة تونس لا يتآمرون على النظام السياسي ولا ينتقدوه ولا يطمحون الى التواجد في المؤسسات المنتخبة رغم أن بعض المتشيّعين التونسيين يؤكدون أنهم ساهموا بشكل مباشر في إسقاط نظام بورقيبة ولم يؤيدوا انقلاب الجنرال بن علي واستحواذه على السلطة.
والملفت للانتباه أن شيعة تونس لم يواجهوا أي ملاحقات أو تضييقات عليهم أو محاولات عرقلة نشاطهم وربما يعود ذلك الى ارتباط وجودهم ببقية مكونات الشيعة في إيران ولبنان والبحرين وسوريا وتجنّب ردود فعل غير متوقعة.
ولعلّ محدودية عدد المتشيّعين هي السبب الرئيسي وراء رفض السلطات التونسية منع نشاطهم ولقاءاتهم فعددهم لا يرتقي الى مستوى يجعل منهم «طائفة» تماما كفرقة الإباضية في جربة التي يمارس المعتنقون لها طقوسهم وشعائرهم دون التدخل في الشأن الوطني العام وخصوصا السياسي.
لكن بعض المتابعين للحركات الاسلامية في تونس لا يخفون مشاعر القلق إزاء الظهور الاعلامي لشيعة تونس بعد ثورة 14 جانفي وحديثهم المتزايد عن الاستقطاب وعلاقة السنة بالشيعة وإعداد مواقع على شبكة الأنترنت وصفحات على ال«فايس بوك»، وسبب قلقهم أن تمرّ هذه الحركة الى مرحلة التعبئة والاستقطاب والتأسيس للطائفية التي احترقت بنارها دول كثيرة على رأسها لبنان لكن يظلّ قائما حول ما إذا كان التونسيون سيتقبّلون هذه العودة غير البريئة للتشيّع.
«النهضة» وازدواجية الخطاب
اعتمدت حركة «النهضة» منذ تأسيسها وطوال فترة السبعينات والثمانينات على ازدواجية الخطاب، فقد راوح هذا الخطاب بين الديمقراطية والتيوقراطية.
كانت حركة «النهضة» تستلهم مبادئها ومنهجها من مدرسة حسن البنّا وسيّد قطب التي أسّست لمقولة «مجتمع داخل المجتمع» وإقامة دولة الاسلام، لكنها كانت في بعض خطاباتها تندّد بالعنف وتدعو الى الديمقراطية وتعتبر الانتخابات المسلك الوحيد للممارسة الديمقراطية.
كما كانت الحركة تراوح بين السرية والعلنية فما كان يقال في الاجتماعات السرية بين أعضاء الجماعة لا يقال في التصريحات لوسائل الاعلام وهو ما كان يثير منذ السبعينات تحفّظ بعض الأطراف السياسية.
ويقول الأستاذ علية العلاّني أن تحفّظ الأطراف السياسية على «النهضة» كان مردّه أيضا موقفها من الديمقراطية واعتبارها مرحلة انتقالية لا خيارا ايديولوجيا استراتيجيا مثلما ورد في الوثيقة السياسية المقدمة خلال المؤتمر الرابع للحركة، هذا ما جعل العديد من الباحثين يشكّكون في مسألة التزام الحركة بالمنظومة الديمقراطية.
وقد حاول قياديو الحركة ملازمة الحذر في ردودهم على الأسئلة التي كان يوجّهها الصحافيون الشبان بعد الثورة حول موقف الحركة من مجلة الأحوال الشخصية ومسألة تعدّد الزوجات والمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة وكانوا يواجهون هذه الأسئلة الضاغطة بأجوبة عائمة أحيانا أو الاكتفاء بالتأكيد على أن مجلة الأحوال الشخصية مكسب للشعب التونسي لا يجب التراجع عنه لطمأنة الرأي العام وتهدئة خواطر الخائفين من مستقبل مجهول بعد الثورة.
لكن الأسئلة ماتزال تؤرّق بعض النخب والحيرة تلازم الحداثيين بالخصوص في ظلّ انتخابات مقبلة للمجلس التأسيسي لا أحد يستطيع توقّع نتائجها؟
تواريخ وأحداث
1927 تأسيس جمعية الشبان المسلمين في مصر
1928 حسن البنا يؤسس الاخوان المسلمين في مصر
1935 ظهور حركة الاخوان المسلمين في سوريا بعد عودة الطلبة السوريين من مصر
تأسيس الجهاز السري للاخوان المسلمين في مصر
1940 تأسيس فدائيي إسلام في إيران
1941 مصطفى السباعي يؤسس حركة شباب محمد في سوريا
1946 تأسيس حركة الاخوان المسلمين في الأردن.
تأسيس حركة الاخوان المسلمين في فلسطين
تأسيس حركة التحرير الإسلامية في السودان.
1948 الاخوان المسلمون يعقدون المؤتمر الأول للأممية الإسلامية في مكة المكرمة أثناء الحج.
1949 اغتيال حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين
1951 تأسيس الحزب الديمقراطي الإسلامي في تركيا.
1952 خروج جماعة عباد الرحمان في لبنان إلى العلن
تأسيس تقي الدين النبهاني لحزب التحرير
1954 محاولة اغتيال جمال عبد الناصر حين كان يخطب وسط حشد في الاسكندرية وإيقاف آلاف في الإخوان المسلمين.
حل جماعة الإخوان المسلمين في مصر
1956 حلّ جمعية العلماء المسلمين في الجزائر
1958 انتفاضة الاسلاميين في لبنان انتهت بنزول البحرية الأمريكية في بيروت
1960 تأسيس حركة تحرير إيران
1964 ابعاد آية الله الخميني من إيران
حسن الترابي يؤسس جبهة الميثاق الاسلامي في السودان
1965 تأسيس منظمة مجاهدي خلق في إيران
تأسيس حزب الله في اليمن
1966 إعدام سيد قطب (ملهم جماعة الإخوان المسلمين) مع آخرين في مصر.
1968 تأسيس حزب الدعوة الاسلامية في العراق
تأسيس الاتحاد الاسلامي الدولي لمنظمات الطلبة
1969 تأسيس منظمة الشبيبة الاسلامية في المغرب
نشوء جماعة التكفير والهجرة في مصر على يد شكري مصطفى
1970 نجم الدين أربكان يؤسس حزب النظام الوطني في تركيا وينشئ لاحقا حزب السلامة التركي.
1977 حسن الترابي يؤسس الجبهة الاسلامية القومية في السودان
جماعة الاخوان المسلمين تغتال وزير الأوقاف المصري.
1978 اختفاء الإمام موسى الصدر زعيم حركة أمل اللبنانية عندما كان في زيارة إلى ليبيا.
آية الله الخميني يطرد من منفاه في العراق ويتوجه إلى فرنسا
اندلاع المظاهرات والاحتجاجات في إيران أدت إلى إحراق مبانى حكومية
1979 تأسيس الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين.
- تأسيس جماعة الجهاد الإسلامي في مصر
استفتاء في إيران يصوت فيه أغلب الإيرانيين لصالح الجمهورية الاسلامية
عودة آية الله الخميني إلى إيران والشاه يتركها والجيش يستسلم للقوات الثورية بقيادة الخميني
مجموعة من الطلبة المسلحين في المدينة المنورة يعلنون أن أحد أفراد مجموعتهم هو المهدي المنتظر ويحتلون الحرم في مكة المكرّمة لأسبوعين فيتمّ قتل عدد منهم في اشتباكات مع الجيش السعودي والحكم بالاعدام على البقية.
1980 إعدام العالم الاسلامي محمد باقر الصدر في العراق.
ظهور حركة الجهاد الاسلامي في الضفة الغربية وقطاع غزّة برئاسة فتحي الشقاقي.
1981 اغتيال أنور السادات رئيس مصر على يد ضابط في الجيش في جماعة الاخوان المسلمين خالد الاسلامبولي.
1982 الأصوليون الاسلاميون ينتفضون في مدينة حماة السورية والجيش السوري يحاصر المدينة ويقتل حوالي 20 ألف شخص.
مقاتلون من الاخوان المسلمين هاجموا مدرسة تدريب عسكرية في مدينة حلب السورية وذبحوا عشرات الضباط.
1984 الاعلان عن تأسيس حزب اللّه في لبنان
1988 تأسيس الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر على أيدي عباسي مدني وعلي بلحاج.
1990 حلّ جماعة العدل والاحسان في المغرب ووضع رعيمها عبد السلام ياسين تحت الإقامة الجبرية.
1996 نجم الدين أربكان يصبح رئيس وزراء حكومة ائتلافية بقيادة الاسلاميين في تركيا.
1998 تنظيم القاعدة والجهاد الاسلامي يفجرّان مقرّ السفارة الأمريكية في دار السلام.
2001 عمليات انتحارية في نيويورك وفرجينيا وتفجير مبنيي مركز التجارة العالمي وجزء من البنتاغون والرئيس بوش يعلن مسؤولية «القاعدة» عن هذه العمليات.
حملة اعتقالات واسعة ومحاكمات لأعضاء حركات الجهاد الاسلامي وتنظيم القاعدة والرئيس الأمريكي يصدر لائحة بأسماء الارهابيين الذين قاموا بالتفجيرات ويأذن بتجميد أرصدة منظمات وجمعيات اسلامية متهمة بتمويل القاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.