لا شيء يوحي بحي مدني معد للسكنى.. حي أولاد وهيبة من معتمدية المظيلة بولاية قفصة لا يبعد عن مقر البلدية سوى كيلومترين ولكن الطابع الريفي طغى عليه إلى حد أن زائره ربما يصادف حيوانات تمر أكثر من بني البشر. أولاد وهيبة حي غارق في البؤس، يفتقر إلى أبسط مرافق البنية التحتية فالحفر تملأ طرقاته ولا إنارة عمومية في ليله وقنوات صرف المياه المستعملة معدومة تماما. وما يزيد من بؤس الحي الروائح الكريهة المنبعثة من معمل المظيلة 1 التابع للمجمع الكيميائي والمجاور للحي والذي تحول الى لعنة حلت بقاطنيه منذ ثمانينات القرن الماضي الذين وضعتهم اقدار الحياة كرها وغصبا بجانب مصدر ازعاج وخطر دائم يهدد حياتهم وحياة أبنائهم جراء التلوث الصناعي. انعكس الوضع السيء للحي على قسمات المتساكنين، قال أحدهم ويدعى محمد هادي إن المأساة لم تقف عند حدود شظف العيش لكن تعدتها إلى "وراثة" أمراض خطيرة أنهكت الأجساد الهزيلة وكتمت أحلام الناس في غد أجمل. وتابع هادي مفسرا "غالب متساكني الحي مصابون بأمراض سببها التلوث الصناعي وبقية الأهالي يخشون إجراء فحوصات هربا من تأكيد إصابتهم بهذه الأمراض". وأسلم بأنه لا مفر من هذا الواقع المرير رغم أن حل المعضلة البيئية وفق تقديره "بسيط ومتاح ولا يستدعي جهود جبارة". وقال "الحل يكمن في احداث لجنة محايدة تعمل على ضبط نسبة التلوث في الهواء ومعرفة مدى إمكانية تعايش السكان معها وعلى ضوء ذلك يتم صياغة حلول عملية في الغرض تحد من التلوث وتخفف من معاناة الأهالي وهو من بين المطالب التي طالما نادى بها متساكنو الحي لكن لا حياة لمن تنادي". واعتبر ان غياب الحراك المدني بجهة المظيلة قد فاقم من حدة الازمة فمع تواجده كان بالإمكان تغيير الواقع الراهن الا ان سلبية أهالي الجهة ساهمت في قبر هذا الملف كما قبر العديد من متساكني الحي. ولم تبح بعد دراسة اذنت بها رئاسة الحكومة في أواخر سنة 2015 حول التأثيرات الصحية لقطاع الفسفاط والاسمدة بمناطق الحوض المنجمي بنتائجها بعد. يقول المدير الجهوي للصحة بقفصة سالم ناصري "ان مكتب دراسات تونسي فرنسي قد قام بتحاليل في اطار هذه الدراسة منذ شهر نوفمبر من سنة 2017 ونحن في انتظار الكشف عن نتائجها". وتحدث إسماعيل الرزيقي المدرس وأحد متساكني حي أولاد وهيبة تعايش بدوره مع هذه المأساة منذ نشأة المعمل بمنطقة المظيلة تحدث عن آلام بعض الأطفال ممن يدرسهم والمصابين بمرض هشاشة العظام جراء الانبعاثات الغازية واشعاعات الفسفاط وفق اعتقاده. وقال "نحن ندفع ضريبة عيشنا بالمظيلة من اجسادنا وقدرنا هو الموت البطيء امام صمت المسؤولين الذي عمق مصيبتنا رغم توفر الحلول التي لا تتطلب وفرة الإمكانيات بقدر توفر الإرادة الحقيقية لمعالجة الازمة". المعمل الكيميائي كان يراه البعض نعمة لكنه تحول الى نقمة لأهالي حي اولاد وهيبة، هكذا عبر وحيد الواجد العون بشركة فسفاط قفصة، فمنذ انبعاث المعمل ساهم في توفير عديد مواطن الشغل لأهالي الجهة لكنه "في المقابل فتك بصحة المتساكنين". وقال مبديا غضبه "نحن سئمنا الوعود الكاذبة للمسؤولين والسياسيين ممن زاروا الحي واطلعوا عن كثب عن معاناة الأهالي متعهدين بإيجاد حل للازمة". وسبقت جمعيات ناشطة في المجال البيئي في المنطقة الدولة في القيام بدراسات حول التأثيرات البيئية لأنشطة قطاعي الفسفاط والاسمدة من ذلك دراسة قامت بها جمعية البيئة والتنمية وكشفت ان مؤشر تلوث حبيبات الغبار بمنطقة المظيلة يفوق بنسبة 30 بالمائة المعدل الوطني. واكد مدير التأهيل البيئي بالإدارة الجهوية للمجمع الكيميائي التونسي بقفصة طارق الأسود بان المجمع واع منذ سنة 2008 بالإشكاليات البيئية لأنشطة قطاع الأسمدة وانعكاساتها السلبية على البيئة بالمظيلة وبالمناطق المجاورة لها, مضيفا الى ان المجمع قد خطا خطوات عملية نحو إيجاد حلول ستساهم في الحد بنسبة 80 بالمائة من تلوث الهواء والتربة والانبعاثات الملوثة. وابرز انه تمت برمجة سلسلة من المشاريع أهمها مشروع ادماج الامتصاص المضاعف بوحدة الحامض الكبريتي وهو بصدد الإنجاز، بالإضافة الى مشروعين يتعلقان بتهيئة مصب لتكديس الفسفاط وجيبس لمصنعي المظيلة 1 و2, وبتزويد المصنعين بالغاز الطبيعي, الا ان هاذين المشروعين يواجهان عراقيل ذات صبغة عقارية تحول دون تنفيذهما, وان الجهود جارية من اجل تجاوزها، حسب هذا المسؤول. ويعول الأسود على المجتمع المدني من اجل معاضدة جهود المجمع والسلطات الجهوية في إيجاد حلول للإشكاليات العقارية المطروحة بالمنطقة بما يسرع في انجاز المشروعين المذكورين.