يرى المهتمون بالشأن العام من سياسيين وممثلي مجتمع مدني أنّ مشروع قانون التصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح هو حلقة من الحلقات الضرورية في مسار مقاومة الفساد وتعزيز الحرب التي انطلق فيها رئيس الحكومة يوسف الشاهد شهر ماي 2017 ضدّ عدد من المهربين ورجال الأعمال الفاسدين. كما يشيرون إلى أنّ شروع البرلمان في مناقشته يؤكّد التزام المؤسسة التشريعية بانخراطها في الحرب على الفساد التي كانت مطلبا مجتمعيّا وتشكيل شبكة تشريعات وأطر قانونية كانت مفقودة في السابق للعمل على الحدّ من الفساد في تونس وتطويقه بما يحافظ على أموال الدولة وتحقيق العدالة بين مختلف فئات المجتمع. ورغم حرص البرلمان على استكمال ترسانة القوانين المحالة إليه من قبل الحكومة في الغرض فإنّه لم يتوصّل طيلة هذا الاسبوع إلى الحسم في فصول هذا المشروع والمصادقة عليه بسبب تأجيل الجلسة العامّة المخصّصة لذلك في أكثر من مناسبة جرّاء التعطل والاضطراب الذي شاب سير أعمالها وعدم التوافق بين رؤساء الكتل البرلمانية في إطار لجنة التوافقات. ويرى رئيس لجنة التشريع العام الطيب المدني أنّ تعطّل الجلسات كان بسبب عدم تمكّن جهة المبادرة من تقديم الصيغة الجيدة للفصول ولمقترحات التعديل الخاصة بها مثلما تم الاتفاق عليه من جهة وبسبب اللجوء إلى التوافقات التي استغرق جلساتها ساعات مطوّلة من جهة أخرى بسبب الإختلاف حول بعض النقاط المتعلّقة أساسا بقائمة المعنيين بالتصريح ومسألة العقوبات وعلاقة تقديم الهدايا بالمساس بالمال العام. وفي هذا الصدد يرى محمّد العيّادي القاضي الإداري وعضو مجلس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تصريح اليوم الجمعة وكالة تونس افريقيا للانباء أنّ مشروع هذا القانون يندرج في إطار التزام الدولة باحترام وتفعيل الالتزامات المحمولة عليها في هذا المجال بموجب دستور سنة 2014 والاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد لسنة 2008. كما يفيد بأنه يندرج في إطار انخراط تونس في مجهود مكافحة الفساد الذي ترعاه مختلف المنظمات الدولية والمؤسسات الماليّة المتابعة للانتقال الديمقراطي بتونس على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التنمية والتعاون الدولي وذلك من خلال استكمال الترسانة التشريعيّة. ومن حيث المضمون يشدّد العيادي على أهمية مشروع هذا القانون والأحكام الواردة به بالنظر إلى انها تستجيب لمقتضيات المبادئ الدوليّة المعتمدة في المجال من جهة ولتأكيدها على درجة التقدّم التي باتت تتميّز بها التشريعات التونسية مقارنة ببعض التجارب من جهة اخرى. وبخصوص الجدل القائم أمام البرلمان والتعطيل الحاصل جراء عدم التوافق حول بعض فصول مشروع هذا القانون اعتبر العيّادي أنّ النقاشات الحاصلة حول فصول هذا المشروع جيّدة إذا ما كانت ستفضي إلى قانون ناجع يمكن تطبيق أحكامه على أرض الواقع محذّرا في هذا الصدد من التسرّع الذي سيؤثّر سلبا على المشروع. وبيّن العيّادي أنّ توسيع قائمة المعنيين بالتصريح بالمكاسب من المسائل التي ستجعل من القانون غير قابل للتطبيق ليؤكّد أنه ضد التوسيع المفرط ويخيّر التدرّج في هذا الشأنّ لأنّ التجربة حسب قوله أثبتت أنّ الكثير من النصوص القانونية التي كانت مبالغة ومغالية في هذا الإطار على غرار النصوص المتعلّقة بإنشاء الهيئات ظلّت معطّلة جراء نقص الإمكانيات التي تشهدها الهيئات من جهة ولعدم تفاعل بعض مؤسسات الدولة بصفة تامة مع المقتضيات القانونيّة المنصوص عليها من جهة أخرى. على صعيد آخر حذّر العيادي من "بعض اللوبيات المتمركزة بالإدارات التونسيّة " والتي تسعى إلى عرقلة الأعمال التي تندرج في إطار مكافحة الفساد قائلا "نتوسّم خيرا من الجدل القانوني بهدف بلورة نص قانوني جيّد .. لكن كلّ الخوف ان يكون وراء التعطيل الحاصل جهات لا تريد تمرير القانون وتحاول الالتفاف عليه". وكان النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب عبد الفتاح مورو، قد رفع ظهر أمس الخميس أشغال الجلسة العامة المخصصة لمواصلة النظر في مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح لعدم توفر المادة اللازمة لمواصلة الأشغال بعد أن اتفقت الكتل النيابية في لجنة التوافقات التي حسمت في أكثر من 30 فصلا على إنهاء النظر في كافة فصول مشروع القانون قبل عرضها على الجلسة العامة الأسبوع القادم. من جهة أخرى أكّد عضو مجلس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمّد العيّادي تبنيّه لكافة الملاحظات التي قدّمتها الهيئة سابقا والتي من بينها التأكيد على ان يكون هذا القانون لا يكون ناجعا إلا بتنقيح المجلّة الجزائيّة عبر تضمينها أحكام تجرّم الفساد في القطاع الخاص وعدم اقتصارها على الموظّف العمومي. وكانت لجنة التشريع العام بالبرلمان التي تعهدت بالنظر في نص مشروع هذا القانون منذ أكتوبر 2017 قد ارتأت بعد سلسلة من الإستماعات والنقاشات إلى أن يجمع مشروع القانون القطاعين العام والخاص خلافا لما ورد بالصيغة التي قدّمتها جهة المبادرة التي اقتصرت على القطاع العام فقط كما تمّ خلاله التنصيص على عقوبات تصل السجن على كلّ من لا يتولى التصريح. بدورها تراهن حكومة الوحدة الوطنية ،التي تلاقي في الوقت الراهن وفي ظلّ مشهد سياسي متحرّك، اتهامات بالتراخي في مواصلة الحرب على الفساد على مشروع هذا القانون الذي تعتبره "ثوريا" لتعزيز المنظومة القانونية التي ظلّت غير ناجعة لإثبات الرشوة والإثراء غير المشروع وفق ما أكّده الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني. كما شدّد الدهماني على دور مشروع هذا القانون في مضي الحكومة في الإيفاء بالتزامها بشأن مواصلة الحرب على الفساد ولو كلّفها ذلك "ثمنا سياسيا باهظا" خاصّة وأنّ رئيس الحكومة قد اكّد سابقا أنّ هذه الحرب لم تنطلق بتاريخ 23 ماي 2017 بإلقاء القبض على عدد من رجال الاعمال الفاسدين وإنّما شهر أوت 2016 بإيداع ترسانة من القوانين التي تعزّز هذه الحرب والتي من بينها مشروع هذا القانون. يشار إلى انّ مكتب مجلس نواب الشعب قد قرر في 6 جوان الحالي تخصيص جلسة عامة يومي 19 و20 جوان الجاري للنظر في مشروع القانون عدد 89/2017 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بالقطاع العام. يذكر أنّ مشروع القانون يتضمّن 52 فصلا موزعة على 4 أبواب، وهي على التوالي باب الأحكام العامة، وباب التوقي من الثراء غير المشروع ومن تضارب المصالح، والباب الخاص بالعقوبات، في حين يهتم الباب الرابع و الأخير بالأحكام الختامية و الانتقالية. كما يهدف وفق ما جاء في الفصل الأول من مشروعه "دعم الشفافية و ترسيخ مبادئ النزاهة و الحياد والمسائلة و مكافحة الإثراء غير المشروع وحماية المال العام "(وات(