قال لزهر بالي، رئيس حزب "الأمان"، إن "التوافق" بين حزبي "نداء تونس" و"النهضة" الذي أعلن الرئيس التونسي أخيرًا أنه انتهى، لا يعدو كونه "زواج مصلحة" بين تيارين متناقضين، معتبرًا أن حركة "النهضة" تحكم تونس "من وراء حجاب". كما استبعد لجوء الرئيس الباجي قائد السبسي لإقحام نجله في "دوامة التوريث"، واستبعد أيضًا انخراط اتحاد الشغل بشكل مباشر في العملية السياسية، مشيرًا إلى أنه مطالب دومًا بالوقوف في خانة السلطة المضادة كرقيب ومعدل للمشهد السياسي ومدافع على حقوق العمال وضامن لمكتسبات الدولة. واعتبر – من جهة أخرى- أنه لا يمكن الحديث عن قوى وسطية في تونس، «بل هناك زعامات حزبية محاطة بتشكيلات هشة مستعدة لتغيير ولائها بين حين وآخر». استعادت دور مفقود واعتبر لزهر بالي، في حوار خاص مع «القدس العربي»، أن الحوار الأخير للرئيس التونسي كان «محاولة يائسة لاستعادة دور مفقود». واعتبر أيضًا أن «التوافق» المعطّل حاليًا بين «النداء» و»النهضة» هو «كلمة حق أريد بها باطل، ولا تعدو أن تكون زواج مصلحة ومتعة بين تيارين نقيضين؛ نصّب أحدهما نفسه حاملًا للمقدسات وتلحف ثانيهما بلحاف الحقوق والحريات، وقد كنت مثلت هذا التوافق بسفينة نوح التي حملت شيخين اثنين وحزبين كبيرين ومكونين أساسيين من المجتمع المدني (الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف)، وتمنيت أن لا يكون بعدها الطوفان. وشعبنا المسالم يرضى بركوب قشة ما دام فيها أمل لإيصاله إلى شاطئ السلام، ويرضى بتوافق يعلم أنه منافق ومغشوش ما دام فيه تجنب للاصطدام والتناحر، ولكن اليوم هذا الشعب وصل إلى حدود تضحياته وقدرته على التحمل، وإذا أصر سياسيو اليوم على التعنت وإدارة الظهر لمشاكل الشعب اليومية ومعاناته، فكل خوفي حينها من غرق السفينة بمن فيها». وحول دعوة الرئيس التونسي لكل من نجله ورئيس الحكومة للانسحاب من الحياة السياسية، قال بالي: «موازين القوى اليوم لا تخدم رئيس الدولة ودعوته لرئيس الحكومة ولابنه للانسحاب، ولا تعدو أن تكون تكتيكًا لحفظ ماء الوجه أمام الشعب وللاستهلاك الإعلامي، فلو كانت الموازين تسمح لقائد السبسي بإزالة رئيس الحكومة للجأ إلى الفصل 99 وأزاله بطريقة دستورية. ومن جهة أخرى لا أعتقد أن قائد السبسي سيُقحم ابنه في دوامة التوريث، لأنه يعلم جيدًا أن الحكم في تونس لم ولن يُورث أبدًا، وحتى إن أراد ذلك، فالقدر اليسير من الديمقراطية التي اكتسبتها تونس لن يمكّنه من ذلك». وفيما يتعلق بدعوة قائد السبسي لتغيير الدستور التونسي بعد انتهاء فترته الرئاسية، قال: «حركة النهضة التي تمرست على فن حروب البقاء والتمكين والاستنزاف السياسي تعلم أن السلاح الأساس والأول في ذلك هو الدستور، فقد انخرطت بحنكة في اللعبة الديمقراطية وقد كان دورها محوريًا في إرساء منظومة تضمن تشرذم السلطة بين متداخلين عدة، وتمنع تمركزها بيد شخص واحد بذريعة صد الطريق أمام مستبد جديد». وأضاف: «لكن في عمق الأمور فإن حركة النهضة بعدما شهدته من ضربات الرافضين لها في الداخل والخارج في فترة حكمها (فترة الترويكا) وما عاينته من مآلات تجربة الإخوان في مصر، فقد قررت أن تنحني في اتجاه العاصفة، فلا تكون لها شوكة لتكسر، ولا لون ليفسخ، ولا حدود لتعصر. الحركة قررت أن تحكم من وراء حجاب بجماعات تجيء وتمضي وبشخصيات تدبر وتولي، ولن تسمح أن يكون يومًا لكيان ما أو لشخص ما فرصة تجميع الحكم المطلق بيده. وفي تقديري، فإن علم الباجي بذلك جيدًا جعله يرجئ معركة خاسرة إلى ما بعد حقبته». وكانت قيادات بارزة في اتحاد الشغل أكدت وجود نية لديها للمشاركة في الانتخابات التشريعية (البرلمانية) المقبلة، وهو ما اعتبره مراقبون «نقلة نوعية» في مسيرة الاتحاد الذي حافظ «ظاهريًا» على حياديته تجاه السلطة. وعلّق بالي على ذلك بقوله: «الاتحاد العام التونسي للشغل لم يكن يومًا بعيدًا عن الحياة السياسية، فهو بشكل أو بآخر ومنذ فجر الحركة الوطنية كان الرقيب والمعدل ومؤسسه الزعيم فرحات حشاد وكان زعيم حركة وطنية قبل أن يكون نقابيًا. ولا أظن أن الاتحاد سوف ينخرط في عملية مباشرة؛ لأن هدف الاتحاد لم يكن يومًا منصبًا أو جزءًا من الحكم، ولكن تأمينًا لحقوق الطبقات الكادحة وضمانًا لعدم التفريط في مكاسب الوطن، فالكل يعلم أن الاتحاد يكون أقوى كلما ساءت ظروف الطبقات الضعيفة وكلما داهم الخطر تونس». وأضاف: «منظومة الحكم تقوم دومًا على السلطة والسلطة المضادة، والاتحاد في اعتقادي لا بد أن يتموقع والاتحاد العام التونسي للشغل في خانة السلطة المضادة كرقيب ومعدل للمشهد السياسي ومدافع على حقوق المستضعفين والكادحين وضامن لمكتسبات الدولة والتونسيين». كما اعتبر أن الإضرابات التي لوّج بها الاتحاد أخيرًا «حق دستوري مضمون، ولكنه بالنسبة لي هو أبغض الحلال، وهو تعبيرة قاسية على تونس عن انسداد سبل الحوار وتكريس القطيعة بين الاتحاد والسلطة القائمة، وهو الطبق الأدسم لتغذية الاحتقان الاجتماعي ولن يكون الإضراب هو ما يخيفني إذ يؤمن في معناه النبيل تنفيسًا لاحتقان الطبقة الشغيلة وتعبيرًا عن عدم رضاهم وتشبثًا بالدولة ومكاسبها، ولكن ما يخيفني هو الانزلاقات الهدامة والاستعمال الخبيث من طرف بعض المندسين لزرع الفوضى وزلزلة الاستقرار، ولهذا، فإني أدعو الاتحاد لعدم إعطاء فرصة للمتربصين بتونس». زعامات حزبية وحول انسحاب حزب «الأمان» من الحركة الديمقراطية، أوضح بالي: «أحمد نجيب الشابي هو من أطلق الحركة الديمقراطية، وقد انضم حزب الأمان لهذه المبادرة ضمن المؤسسين، وتطرح الحركة نفسها كبديل بشري وسياسي لمكونات المشهد السياسي القائم. وقد تم بعث الحركة على أساس استبعاد الوجوه السياسية المرسكلة والمجموعات المبتذلة والتي نحملها مسؤولية تشرذم العائلة الوسطية وتشظّي المشهد السياسي. ومن بين هذه المجموعات مشروع تونس، وآفاق تونس، والمستقبل، وتونس أولًا، وغيرها. ولكن في أول محطة انتخابية (البلدية) هرعت الحركة الديمقراطية لمعانقة هؤلاء في إطار الاتحاد المدني، ما استدعى انسحابنا في سلاسة وهدوء». وبخصوص فشل هذه التجرية وتجارب مماثلة تتعلق بتجميع القوى الوسطية التونسية، قال: «في تونس اليوم لا يمكن الحديث كثيرًا عن قوى وسطية بقدر ما نتحدث عن شخصيات وزعامات حزبية محاطة بتشكيلات هشة لا يكاد لونها يبين. وهذه التشكيلات هي في حركة دائمة بين التحام وانفصال وتشكّل وتفكك وربما يُعزى هذا لطبيعة المرحلة الانتقالية التي يبحث فيها كل عن مكانه وتوازنه، وربما يعزى أيضًا لتاريخ التصحر السياسي الطويل الذي عاشته تونس في ظل ديكتاتورية دامت أكثر من 40 سنة. ولكن من المؤكد أن للزعامتية والامتيازية والنرجسية دورًا في فشل كل تجارب تجميع القوى الوسطية في تونس، فالكل يريد الزعامة والكل يريد من الوسط مخزونًا استراتيجيًا لانتخابه ووقودًا لمشروع شخصه». لكنه أبدى استعداد حزبه للتحالف مع القوى والتيارات المشابهة لتأسيس «نواة صلبة لمشروع وطني واسع، وحينها يكون حزب الأمان أحد روافده ويشارك في الانتخابات البرلمانية تحت غطائه. ولكن المشكل القديم المتجدد هو من سيقود هذا التكتل ولصالح من سيُسخر في الانتخابات لنسقط بذلك في المربع الأول. في كل الحالات يبقى موضوع الانتخابات سابقًا لأوانه إذ يفصلنا على آجاله حوالي سنة». كما أبدى أيضًا رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، «ولكني على وعي بما يمكن أن يسخّره من يمسك بخيوط اللعبة السياسية من أموال قذرة طائلة وتجنيد لجيوش الثلب والتجريح، سواء على الميدان أو عبر شبكات التواصل الاجتماعية، لاستبعاد كل من يحاول اختراق أبواب السياسة الموصدة». من جانب آخر، استبعد فوز أي حزب تونسي بنسبة كبيرة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ف»إذا نجحت العصبة السياسية القائمة في المحافظة على الشعب بعيدًا عن الصندوق فسوف تضمن بقاءها وستجد حركة النهضة نفسها في طليعة المشهد، لكن بأقل من 10 في المئة من الجسم الانتخابي، وسوف نجد التيار الديمقراطي يبني نفسه على أنقاض حزب المؤتمر واليسار بشكل محتشم والوسط في شكل شظايا مبعثرة هنا وهناك، ولا أرجح حدوث رجة إيجابية تجمع هذا الوسط، وعلى عكس ذلك لا أستبعد رجوع الدساترة والتجمعيين إلى واجهة المشهد السياسي، ولا أرى أي دور مباشر للاتحاد في هذه المرحلة الانتخابية. ولا ننسى شق الشاهد الجديد الذي يمكن أن يقوم على أنقاض نداء تونس ويمكن أن يكون حليف حركة النهضة المستقبلي، حركة النهضة التي ستواصل الاعتناء بمريديها وستعمل على استدراج وافدين جدد تحت شعار الانفتاح على المستقلين وستعزز تمكنها من مفاصل الدولة عبر جحافل من القوى الناعمة».