مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد نجاح يكتب:ارتسامات في الذكرى الثمانين لتأسيس الإذاعة الوطنية التونسية
نشر في الصباح نيوز يوم 15 - 10 - 2018

- بدايات الإذاعة في عهد الإستعمار وتطورها شكلا ومضمونا في دولة الإستقلال ومساهمتها في تأسيس التلفزة
تراني متورّطا في احتفالية الإذاعة بالذكرى الثمانين لانطلاق بثّها، وأنا منها رغم أننّي لم أشتغل بها رسميا بل تعاملت معها في مناسبات نادرة . مرّة شاركت المرحوم صالح جغام في تقديم حصّة تنشيطية ومرّة أنتجت برنامجا لسنة كاملة إهتمّ بمشاغل التونسيين في الخارج. ولكن كانت لي علاقات وصداقات مع أبناء الإذاعة أعوانا وموظفين ومقدمي برامج وصحفيين ومسؤولين بمختلف درجاتهم تجعلني من عائلة الإذاعة. وانا كنت في دارهم لما دخلت التلفزة سنة 1983 قبل أن تنتقل إلى هضبة الهيلتون.
وسبق لي في سنة 2016 أن قدت عملية تنظيم معرض خمسينية التلفزة التونسية . وبحثت كثيرا في أرشيف التلفزة ،وسألت جلّ قدمائها وطلبت منهم وثائق وصور شكّلت جانبا أساسيا من المعرض الذي أقيم في قاعة الأخبار بالعاصمة من 31 ماي إلى 04 جوان 2016. وتبيّن لي ما كنت أعلمه جيّدا وما لا يختلف فيه اثنان ، الإذاعة و التلفزة كيان واحد وصرح واحد.
1) بدايات الإذاعة في تونس...من الخاص إلى العام
لم تكن الإذاعة الوطنية التونسية هي الإذاعة الأولى في البلاد فقد سبق ظهورها ثلاث إذاعات خاصّة. أوّلها راديو بنزرت وراديو صفاقس اللذان حصلا على ترخيص البث لفترة تتراوح بين ثلاث واربع ساعات يوميا في 17جوان 1935، وثالثها هو راديو تونس الذي حصل على الترخيص في 21 جانفي 1937، وقد اصبح لاحقا راديو تونس قرطاج حتى لايقع الخلط بينه وبين الإذاعة التي نشأت لاحقا بمقتضى اتفاقية تونسية فرنسية سنة 1938 والتي ستصبح اليوم الإذاعة الوطنية التونسية .
وكان جميع هذه الإذاعات الخاصة يستعمل أجهزة إرسال ضعيفة ومحدودة جغرافيا. ولم تتوفر معطيات كافية عن هذه الإذاعات والأكيد أنّها كانت للجهة الإستعمارية. وقد اندثر جميعها بين سنتي 1939 و1940.
في 15 سبتمبر 1938 اتفقت تونس وفرنسا على إحداث أوّل محطّة إذاعية مملوكة للدولة وسمّيت "إذاعة "تونس البريد" وانطلق بثّها في 15 أكتوبر 1938 ودشّنها جول جوليان Jules Julien وزير البريد و البرق و الهاتف الفرنسي وآرمون قيونArmand Guillon المقيم العام الفرنسي في تونس. وكانت هذه الإذاعة تحت الإشراف الإداري المطلق للإذاعة والتلفزة الفرنسيّة من خلال إدارة خارجية يتولى شأنها مدير فرنسي الجنسية. وقد تخلت تونس بمقتضى اتفاقية 15 سبتمبر لفائدة المصالح المالية الفرنسية عن مداخيل الضرائب الموظفة على امتلاك جهاز الراديو في البلاد وكانت تتراوح بين 20 و40 فرنكا للجهاز الواحد.
استقرت الإذاعة في مقرات مختلفة توجد جميعها وسط العاصمة فكانت الاستوديوهات في ساحة المدرسة الاسرائيلية التي أصبحت لاحقا ساحة العملة. وكانت الإدارة في 2 نهج الجزائر في البناية التي تأوي اليوم وزارة المرأة والطفولة وشؤون الأسرة وكانت مقرا سابقا لكتابة الدولة ووزارة الاعلام .في حين يعمل الطاقم الصحفي في مبنى ب12 نهج هولاندا .
وكانت الإذاعة تستعمل جهازين للإرسال في منطقة الجديّدة ،واحد للبرامج باللغة الفرنسيّة التي كانت تستحوذ على النسبة الكبرى من البث (7ساعات وربع) وثان للبرامج التي تبث باللغة العربية وكانت تحتلّ مساحة زمنيّة أقصر (5 ساعات وربع). وانتقلت سنة 1955 جميع مقرات الإذاعة وتجمعت في بناية واحدة تقع في 71 شارع الحرية ،وهي المبنى الحالي لمؤسسة الإذاعة .و قد احتضن معها التلفزة التونسية منذ تأسيسها عام 1966 حتى سنة 2007 تاريخ انفصالها عن الإذاعة وإحداث مؤسستين عموميتين للإتّصال السمعي البصري. واحدة للإذاعة وأخرى للتلفزة. ولم يكن مقر شارع الحرية يتّسع للمؤسستين بحكم تطور وظائفهما وتزايد عدد العاملين فيهما. فتوزّعت بعض الإدارات على أنهج العراق وابن الجزار وكولونيا وفلسطين، وكلها في جهة لافايات. وكان المبنى يحتوي على ثمانية استوديوهات مختلفة المساحات مخصّصة للأخبار والحوارات والمنوّعات والمسرح الإذاعي.
2) من سيطرة الإدارة الفرنسية ...إلى التونسة.
كانت إذاعة تونس منذ انبعاثها تحت الإشراف الإداري المطلق للإذاعة والتلفزة الفرنسيّة وتسمّى إداريّا "الإدارة الخارجية للإذاعة والتلفزة الفرنسيّة" ويديرها مسؤول فرنسي . وكان للمقيم العام الحق في إيقاف أي برنامج يتعارض وسياسة فرنسا وخصوصا في المستعمرات أو يرى فيه تحريضا على المقاومة.
وتفاقمت سيطرة المطلقة لفرنسا على الإذاعة بصدور أمر علي في 26 أوت 1948 ينصّ للمرّة الأولى على احتكار الدولة للإرسال الإذاعي وهو الذي تمارسه فعليا الإذاعة والتلفزة الفرنسيّة بحكم إدارتها لإذاعة تونس. وسيشمل هذه الإحتكار في فترة موالية الإرسال التلفزي، وقد صدر أمر علي في هذا الخصوص بتاريخ 25 أفريل 1957 أي ثلاثة أشهر قبل إعلان الجمهورية، وهو يعتبر النص التشريعي المؤسّس للإذاعة و التلفزة التونسية. وسينتهي احتكار الدولة للمشهد الإتّصالي السمعي البصري سنة 2003 ببعث إذاعة موزاييك الخاصة، تلتها تلفزيونيا قناة حنبعل في عام 2005.
وتطوّر الوضع القانوني للإذاعة التونسية ،وبدأت تتخلّص تدريجيا من الرقابة الفرنسية . وكان المنطلق باتفاقيات الإستقلال الداخلي في جوان 1955 ، حيث أصبح لتونس رأي في تعيين المدير الفرنسي للإذاعة التونسية. وأحدثت لجنة مشتركة للبرمجة ،واشترطت تونس أن يكون كاهية المدير المكلّف بالبرامج العربية تونسيا .وقد تولّى هذا المنصب للمرّة الأولى في تاريخ الإذاعة السيد مصطفى الفيلالي لفترة قصيرة من جانفي إلى أفريل 1956 وخلفه السيد البشير المهذبي والذي أصبح في أفريل 1957 أوّل مدير عام للإذاعة والتلفزة التونسية.
وبحصول تونس على استقلالها التام في 20 مارس 1956 وضعت يدها الطليقة على الإذاعة ومبانيها وجميع أملاكها التي كانت بحوزة الإذاعة والتلفزة الفرنسية ومنها اربعة أجهزة للإرسال في الجديدة وسوسة وصفاقس وكلّها على تبث على الموجات المتوسّطة.
3) تطوّر الإذاعة شكلا ومضمونا ومساهمتها في بناء الدولة الوطنية
انطلقت الإذاعة بعد تونستها في القيام بوظيفتها في إسناد نشأة الدولة الوطنية .وكانت مصدرا مهمّا من مصادر الأخبار بالنسبة إلى التونسيين في بدايات الإستقلال نقلت حرب بنزرت والجلاء عنها ونقلت أهمّ الأحداث الوطنية التي شهدتها البلاد ومنها إعلان الجمهورية والجلاء الزراعي وإنشاء الجيش الوطني وتونسة الأمن وبقية مؤسّسات الدولة التي كانت خاضعة للمستعمر ، إضافة إلى نقل الأحداث المستجدّة خارج الحدود وأبرزها استقلال الجزائر .
وكان قسم الأخبار في الإذاعة يضمّ صحفيين مقتدرين أمثال صالح شبيل والهادي الغالي ومحمد المحرزي والهادي بلخامسة وأحمد العموري عبد العزيز الرياحي وحامد الدبابي وبلحسن بن عرفة ومحمد دمق و المنصف المؤذّن وكمال العريف وتلتهم أجيال أخرى مثل مصطفى المحرزيو رفيقة محجوب ومنوبية صدام وخديجة الباهي وليلى المجبري وفاطمة عزوز ووسيلة بلدي وفتحية حمدان ونجيب بن عبد الله المولدي الهمامي ونورالدين الحاج محمود وفي الصحافة الريباضية ابراهيم المحواشي والطاهر مبارك ورؤوف بن علي وعبد المجيد المسلاتي و محمد بوغنيم وعبد الحميد رقاز واسماعيل التريكي وعزوز السوسي والمنجي النصري ورشيد العيادي وغيرهم . وعملت الإذاعة عن طريق نخبة من الإذاعيين المقتدرين في ذلك العهد على إبلاغ الرسائل التربوية و التثقيفية إلى عموم المواطنين، في ظرف صبّت فيه الدولة كلّ جهدها نحو برامج التنمية الريفية والتثقيف الإجتماعي و القضاء على الجهل والأميّة بنشر التعليم ،والقضاء على الأوبئة بتعميم الصحّة تدريجيا وفق الإمكانيات المتاحة .وكانت الإذاعة تلعب دورا محوريا في تقديم النصح والإرشاد لتفادي مصادر الأوبئة والأمراض المعدية.
واعتمدت الاذاعة لتبليغ رسائلها الوطنية على مخاطبة المستمعين باللهجة العامية التي كان يتقنها عبد العزيز العروي وبعد مغادرته أخذ عنه المشعل عبد المجيد بوديدح ومحسن الزين فأحمد العموري.
- تطور أجهزة البث
وسعت الإذاعة بعد الإستقلال إلى تغطية أكبر رقعة من التراب الوطني. وأنشأت محطّة في منطقة الجديّدة سنة 1959 بجهازي إرسال يبثّان على الموجتين الطويلة والقصيرة .وتدعّمت هذه المحطّة بجهازين آخرين بقوة 300 ميقاوات للواحد منهما سنة 1962 ،وكان من المفروض أن يغطيا الإرسال في كامل البلاد غير أنهما كان يتعرّضان إلى التشويش من أجهزة أجنبية .فتواصل العمل وأنشئت محطّة سيدي منصور الموجّهة إلى مناطق الجنوب الغربي وتخصّصت في بث برامج الإذاعة الجهوية في صفاقس إضافة إلى برامج الإذاعة القومية كما كانت تعرف سابقا.
وبإحداث محطة قفصة حقّقت الإذاعة تغطية كامل الجنوب .وبعدها تتالت أجهزة الإرسال الإذاعي لتطوير شبكات البث على جميع الموجات الطويلة والقصيرة والمتوسّطة حتى أصبحت الإذاعة تغطي كامل التراب الوطني بجودة عالية. ولم تغفل الإذاعة منذ بداياتها عن بلوغ المستمعين خارج الحدود وخاصة في أروبا والشرق الأوسط وأحدثت للغرض أربعة أجهزة إرسال بين سنتي 1959 و1975 .أمّا اليوم فالإذاعة تصل جميع العالم عبر الإنترنات وقد دخلت مجال البث الرقمي بشكل متطوّر وشامل لجميع تقنيات الإنتاج والبث والإرسال.
- تطور البرمجة وساعات البث والتركيز على المسرح الإذاعي.
تطوّرت البرمجة الإذاعية بعد الإستقلال وزادت ساعات البث بشكل لافت وارتفعت من 1865 ساعة بث سنة 1956 إلى 5380 سنة 1966 وقفزت إلى 6783 سنة 1976 .واليوم تبث الإذاعة الوطنية على مدار اليوم دون انقطاع.
وركّزت الإذاعة في بداياتها على المسرح الإذاعي الذي كان يجلب عديد المستمعين من مختلف الأجيال والشرائح الإجتماعية . وكان من أهمّ الأسباب التي ساهمت في ربط علاقة متينة بين المستمع والإذاعة الوطنية التونسية. وكانت فرقة الإذاعة للتمثيل تضمّ عناصر بارزة سيكون لها لاحقا دور محوري في انطلاق الدراما التلفزية مثل حمودة معالي عبد السلام البش والزهرة فائزة والحبيب بلحارث وصالح المهدي ومحمد بن علي وحسن الخلصي وعزالدين بريكة ودلندة عبدو وغيرهم. وقد وفّر الإنتاج التمثيلي في الإذاعة سنة 1956 نحو 171 ساعة بث وارتفع تدريجيا ليبلغ 220 ساعة سنة 1966 . وعلى سبيل الذكر شهدت سنة 1975 إنتاج أربعين تمثيلية طويلة بالفصحى وسبع وثلاثين رواية طويلة بالدارجة وأربع وعشرين رواية قصيرة .ولكن هذا الإنتاج يشهد حاليا تراجعا وجب تداركه بإعادة الإعتبار للفرقة التمثيلية خصوصا وأن الإذاعة تملك من التجهيزات التقنية ما يمكّنها من تطوير المسرح الإذاعي و تنويع مضامينه بإشراك طاقات من الدار وخارجها.
- الفرقة الموسيقية للإذاعة ودور رائد في نحت ملامح الأغنية التونسية
وكانت الإذاعة التونسية تعرف في السنوات الأولى للإستقلال بفرقتها الموسيقية التي تأسّست في فيفري 1957 وقد لعبت دورا جوهريا في نحت توجهات الأغنية التونسية .وعمل فيها عدد من الموسيقيين والمطربين الذين أثّروا في الساحة الموسيقية وأثروها بأعمالهم مثل العزفين والملحنين قدور الصرارفي وخميس ترنان وصالح المهدي ومحمد التريكي وعلي السريتي وعبد الحميد بلعلجية ورضا القلعي وحسن الغربي والحاج اللجمي ، والمطربين الهادي الجويني وعلي الرياحي ومحمد الجموسي وأحمد حمزة ومصطفى الشرفي ومحمد أحمد وتوفيق الناصر ويوسف التميمي والهادي القلال وقاسم الكافي ونعمة وعلية وزهيرة سالم وسلاف وشبيلة راشد، ومن كتّاب الأغنية الهادي العبيدي وجلال الدين النقاش ومحمد المرزوقي وأحمد خير الدين ومنور صمادح ومصطفى خريف وعبد المجيد بن جدو ونورالدين صمود وجعفر ماجد. وقد تعمّدت ذكر كثير من الأسماء وقد نسيت عددا منها بالتأكيد لإبراز قيمة الفرقة الموسيقية للإذاعة التونسية والتي ضمّت على مرّ السنين أجيالا متعاقبة من العازفين والمطربين والملحنين. وكان الإنتاج الموسيقي يبث مباشرة من الأستوديو ثم أصبح يسجل ويحفظ في الأرشيف الذّي خضع للرقمنة .ويوجد في رصيد الإذاعة مئات الأغاني والقطع الموسيقية التي تعتبر من درر الأغنية التونسية. فمثلا تم عام 1975 تسجيل 82 قطعة موسيقية و18 أغنية وطنية وأغنيتين فكاهيتين وخمس قصائد وثلاث أنشودات دينية وثلاثة موشّحات. ومع الأسف يشهد الإنتاج الموسيقي في الإذاعة التونسية تراجعا في السنوات الثماني الأخيرة ولم تعد الفرقة تحظى بنفس درجة الإهتمام التي حظيت به سابقا وهو ما يؤثّر على أدائها ويهدّد وجودها. ويتعيّن أن تعمل جميع الأطراف على إنقاذ الفرقة من الإندثار .
4) نشأة الإذاعة الدولية بطاقات تونسية....وإحداث إذاعات جهويّة .
كانت الإذاعة التونسية تبث منذ نشأتها سنة 1938 برامج باللغة الفرنسية واستمرت في ذلك بعد تونستها .غيرأنّ البرامج الفرنسية ظلّت إلى أوائل فيفري 1960 تحت إدارة مسؤول فرنسي وكان يرد جلّها من إذاعة باريس وعدد من المحطاّت الإذاعية الجهوية الفرنسية. وأصبح البرنامج الفرنسي بداية من سنة 1962 يسمّى البرنامج الدولي ،ويبث في إطار إذاعة تونس الدوليّة RTCI والتي تنوّعت برامجها لاحقا بإضافة لغات جديدة وهي والإيطالية و الإنجليزية والإسبانية والألمانية. وركّز البرنامج الدولي على الناحية الثقافية عموما والموسيقى خصوصا وشهد أجيالا من المنتجين و الصحفيين ومقدمي البرامج ومنهم منيرة الغربي وفائزة غشام ونائلة السحيمي وفائزة الماجري وحورية قلاتي والسيدة فائقة والحبيب بلعيد والهادي زهاق وعادل موتوري ودنيا الشاوش ومصطفى الخماري ونبيل بن خليل وصلاح الدين بن مبارك وليلى القليبي ومفيدة بن عزالدين وآسيا الزاوش وسنيا طويل وزكية عازق ونورهان بن منصور...وغيرهم كثير.
- إذاعة صفاقس أولى الإذاعات الجهوية
كان الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة يدرك جيدا أهمّية الإذاعة في تحقيق الأهداف التنموية وتثقيف الشعب . و قال عنها في 18 مارس 1974 بمناسبة زيارته إلى مبنى الإذاعة و التلفزة " من حق الشعب أن يفتخر بالإذاعة القومية فهي لاتسعى إلى الترفيه فقط ،وإنّما تهدف إلى تثقيف الشعب وإنماء معلوماته..وأنا شخصيا برغم أنني درست واطلعت كثيرا فإنّ هناك كثيرا من الأشياء تعلّمتها من مواظبتي على سماع الإذاعة".
وفي هذا الإطار عملت دولة الإستقلال على تقريب الإذاعة من المستمعين بإحداث إذاعات جهوية .و كانت الأولى في صفاقس وتم تدشينها في 8 ديسمبر 1961 .وكان من بين أهدافها تركيز جهاز للبث يقوّي إرسال الإذاعة المركزية إلى جهات الجنوب التي لم يكن يبلغها صوت الإذاعة في السنوات الأولى للإستقلال لبعدها الجغرافي عن محطة الجديّدة في ولاية منوبة .
وانطلقت هذه الإذاعة بوسائل عمل بسيطة للغاية تمثّلت في جهاز صغير للبث لاتتعدّى قوّته الخمسة كيلوواط ،وأستوديو وحيد للإرسال والتسجيل .وتطوّر البث بإحداث محطّة سيدي منصور في 1969 ووصل إلى ولايات الوسط المجاورة حتى بلغ كامل التراب الوطني سنة 1976 . وتطوّرت تجهيزات الإذاعة وارتفع حجم ساعات البث من ثلاث ساعات في التأسيس إلى 15 ساعة سنة 1976 ليصبح متواصلا على مدار اليوم.
وكانت اذاعة صفاقس مرحلة مهمّة في تاريخ الإعلام الجهوي في تونس ومنبعا لكفاءات عديدة في المجالات الصحفية والفنّية أشعّت على المستوى الوطني وكان لها شأن كبير. وقد أدارها باقتدار كبير ساهم في تألّقها المرحوم قاسم المسدّي صاحب الخبرة الكبيرة في العمل الإذاعي والتلفزي ومحمّد عبد الكافي الذي يحمل في رصيده تجربة كبيرة في المجالين السمعي البصري.
وتبوّأت الإذاعة مكانة مرموقة في المشهد الإتّصالي السمعي البصري وأثرته بشكل لافت .وانطلق منها عدد من الإعلاميين والموسيقيين والممثلين الذين نحتوا أسمائهم على الساحة الوطنية أمثال و محمد الفوراتي والحبيب الغريبي وعبد الكريم قطاطة ومختار اللواتي وحافظ الهنتاتي وكمال بوخذير وعادل شبشوب في المجال الصحفي ،وقاسم الكافي وصفوة وعلي شلغم في المجال الغنائي. وهذا ذكر لاحصر .
كانت لإذاعة صفاقس فرقة للتمثيل. وفرقة موسيقية أثرت الساحة الغنائية في الجهة وفي الوطن وكان من أوّل تسجيلاتها اغنية فولكلورية بعنوان "جاني المرسول". في خلاصة كانت إذاعة صفاقس إذاعة تصنع الثقافة وتولد المبدعين ورسمت صورة رائعة للإعلام الجهوي
- تلاحق بعث الإذاعات الجهوية لتبلغ الخمسة
في 3 أوت 1977 أنشأت الإذاعة الجهوية بالمنستير بحرص من الرئيس الحبيب بورقيبة وتزامن انطلاقها مع عيد ميلاده الرابع والسبعين . وكان من هدف الإذاعة تغطية الإحتفالات بميلاد الرئيس وانطلقت بتجهيزات بسيطة في كهف دار الشعب ثمّ تطوّرت وكان لها دور في مسار الإعلام الجهوي الإذاعي. ومرّ منها إعلاميون ومقدمون لامعون من أجيال مختلفة بعضهم تألّق على الصعيد الوطني وتولّى مسوؤليات متقدّمة في مؤسسة الإذاعة و التلفزة ودعّم الإذاعة المركزية مثل المرحومة عواطف حميدة والحبيب جغام .
بعد 7 نوفمبر 1987 ارتفع عدد الإذاعات الجهوية إلى خمس وتأسست في سنة 1991 اذاعتا قفصة والكاف وتلتهما اذاعة تطاوين في عام 1993. والحقيقة لم تكن الرغبة من اذاعات ما بعد 7 نوفمبر تنمية الإبداع الجهوي بقدر ما كانت إيصال صوت النظام والترويج لسياسته في ربوع البلاد. فكانت النشرات الإخبارية الأساسية تبث من المركز الى الجهات في ذات الوقت حيث هي كانت تستوعب الممنوعات والتعليمات وخطب سيادته وتوجيهات مستشاره الإعلامي. ورغم ذلك اجتهد الإذاعيون قدر المتاح والممكن في إبلاغ صوت جهاتهم ونقل النشاط الثقافي بها على وجه الخصوص بما يفرزه من طاقات مبدعة.
5) الإذاعة تحتضن التلفزة وتسندها
في 31 ماي 1966 انطلق رسميا بث التلفزة التونسية من مقرّ الإذاعة في شارع الحريّة، وقد تمّت تهيئته للغرض بإحداث استوديو 9 واستوديو 11 التلفزيين، وقاعة لتوزيع الصورة ومخبر لتحميض الفيلم وقاعات للمونتاج فيلم ،تلتها قاعات لمونتاج الفيديو، وفضاءات تقنية أخرى .
وارتكزت التلفزة في بداية إنتاجها الدرامي بشكل كلّي تقريبا على أعضاء فرقة التمثيل للإذاعة التونسية ،أمثال الزهرة فائزة وعبد السلام البش والحبيب بلحارث ودلندة عبدو ومحمد بن علي وصالح المهدي . وتأسست الأخبار التلفزية على أيدي عدد من الصحفيين والمذيعين في الإذاعة ومنهم محمد المحرزي أوّل رئيس تحرير لشريط الأنباء وأحمد العموري ومحمود صابر و تطورت مع غيرهم من أجيال متعاقبة . .
وأصبح التونسيون يشاهدون على شاشة التلفزة شخصيات ثقافية و فنية واعلامية ،لم يكونوا يعرفونها إلاّ من خلال الصوت، ومن أهمّها المرحوم عبد العزيز العروي الذي كان عدد من المواطنين يأتون إلى مبنى الإذاعة و التلفزة للسلام عليه وتسليمه شكواهم من الوضعيات التي يعيشونها وكان يطرحها باستمرار في الإذاعة. وكان ينقد الظواهر الإجتماعية بأسلوب يتردّد صداه في كامل أرجاء البلاد ويخشاه المسؤولون.
6) ضرورة التقييم والقيام بمراجعات
لقد ربطت الإذاعة مع مستمعيها علاقات وطيدة من خلال المسرح الإذاعي خصوصا والمنوّعات و الأخبار .ورغم ظهور التلفزة في تونس ظلّت الإذاعة متوهّجة بفضل نخبة من المقدمين والمذيعين الذين ذاع صيتهم بين المستمعين ، ومنهم مليكة بن خامسة و عادل يوسف ونجوى إكرام ومفيدة زهاق وصالح جغام والبشير رجب ونجيب الخطاب ومحمد علي بلحولة والمكي كربول وأحمد الجنحاني والأجيال التي تلتهم . وتفاعلت الإذاعة مع التطور التكنولوجي في المجال الإتّصالي وأصبحت لها مواقع وبوابات على الواب تتفاعل مع مستمعيها.
وشهدت الإذاعة في عهد النظام السابق إحداثات جديدة لم تكن لها غايات جدّية وإنّما أقيمت لغاية الترويج لسياسة النظام . والإذاعة مدعوة اليوم إلى تقييم عملها والنظر في جدوى تعدّدها المركزي حيث يكون من الأجدى تجميع الطاقات والجهود بما يمكّنها من موقع متقدّم في المشهد الإتّصالي السمعي البصري.
لقد كانت الإذاعة في زمانها السابق وخصوصا في العقدين الأوّلين من الإستقلال تعكس صورة الفعل الثقافي والفني في البلاد. ولعبت فرقتا التمثيل والموسيقى في الإذاعة دورا مهما في هذا المجال. ولا ينكر أحد أن الفرقتين تشهدان حاليا تقهقرا على جميع المستويات ويتعين عليهما استعادة عنفوانهما وتوهجهما وهذه مسؤولية مشتركة بين أطراف عديدة .
بعد ثورة 14 جانفي 2011 تعيش الإذاعات المركزية والجهوية مرحلة مهمة من تاريخها . مرحلة توفّرت حرّية الإعلام والتعبير، وتتدفق فيها التكنولوجيا بنسق سريع ،وتتلاحق فيها المتغيرات الاجتماعية والسياسيية والاقتصادية وطنيا ودوليا ما يجعلها امام اختبار حقيقي لقدرتها على أداء وظائفها كمرفق عمومي مستقل عن السلطة.
واعتقادي ان المرحلة الحالية مواتية لتقييم التجارب السابقة ومراجعة بعض الإحداثات التي قررتها السلطة السابقة للتضليل والإيهام بأنها تهتم بالثقافة و الشباب. ويقيني أنّه بتجميع الجهود و الطاقات و الإمكانيات ستكون الإذاعة الوطنية التونسية في الصدارة دائما وأبدا.
هذه رؤية بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس الإذاعة التونسية وقد اعتمدت فيها عددا من المراجع والشهادات والمعاينات ومنها دراسات اكاديمية للدكتور محمد رضا النجار ومقالات وفي مجلة الإذاعة والتلفزة التونسية وخصوصا العدد الممتاز الذي يحمل رقم المائة والصادر في أول جانفي 1977.
بقلم خالد نجاح صحفي في التلفزة التونسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.