بقلم :سلوى العباسي كاتب عام مساعد في النقابة الأساسية لمتفقدي التعليم الثانوي بأريانة متفقدة عامة للتعليم الإعدادي والثانوي تلقت "الصباح نيوز" مقال رأي من المتفقدة العامة للتعليم الإعدادي والثانوي والكاتبة العامة المساعدة بالنقابة الأساسية لمتفقدي التعليم الثانوي بأريانة ، وهو رسالة مفتوحة وجهتها الى كبار المسؤولين في الدولة وكلّ مدافع عن المدرسة العمومية بوعي ومسؤولية. وفي ما يلي نص الرسالة: إلى السيد رئيس الجمهورية إلى الأخ الأمين العامّ للاتحاد العامّ التونسي للشغل إلى السّادة نواب مجلس الشعب المحترمين إلى كلّ الضمائر السياسية الحيّة إلى كلّ مدافع عن المدرسة العمومية بوعي ومسؤولية لم تجد رئاسة الحكومة ووزارة التربية من الإجراءات الملبيّة للحاجة الملحّة إلى سدّ الشغورات بالمدارس الابتدائية والإعداديات والمعاهد العمومية التي يتزايد عددها سنة بعد أخرى نتيجة تخلّي الحكومات المتعاقبة منذ الثورة عن الانتدابات في القطاع التربويّ غير إصدار الأمر عدد 1046 مؤرّخ في 18 ديسمبر 2018 يتعلّق " بضبط أحكام خاصّة بعقود تسديد الشّغورات الظّرفية بالمؤسّسات التّربويّة الرّاجعة بالنّظر إلى وزارة التربية"، وهو أمر مخيّب للآمال جاء ملغّما بكلّ مسبّبات التّدمير الشّامل لما تبقّى من مدرسة الشعب ودقّ المسمار الأخير في نعش منظومة تربويّة لم يعد إصلاحها مؤجّلا أو مترنّحا أو صعبا ، بل صار أمرا مستحيلا مع تواصل هذه السياسات الدّالة على الجهل بمتطّلبات التربية وطبيعة العمليّة التعليميّة التعلّمية. قرار غريب عجيب مستغرب مستهجن ،لا يدلّ إلاّ على استهتار المسؤولين عن إصداره بأبسط حقوق الفاعلين التربويين وضربهم عرض الحائط بحقوق جميع أبناء الشّعب في تعليم متكافئ، جيّد المخرجات.. عبث بالمدرسة التونسية العريقة وقيمها ومبادئها التربويّة السامية التي لم تهمل يوما رسالة التدريس ولم تفكّر في تحويل المدرّس معّلما أ كان أم أستاذا إلى كائن بيداغوجي هجين مجرّد من الكرامة ومن أبسط حقوقه المهنيّة التي عليها يقوم الواجب الأسمى، واجب تربية أجيال وتعلميهم وتنشئتهم في كنف المسؤولية و المهنيّة والعطاء النّبيل. لقد تحوّل المعلّم والأستاذ في عهد حكومة الشّاهد ووزارة حاتم بن سالم إلى "عون" "معاون" "معين" أي إلى مجرّد عامل في التدريس مهان مهين لأجلّ مكاسبنا التربويّة، بله الوطنيّة المجتمعيّة الحقوقية المدنية الفكرية الثقافية التي توارثناها منذ دولة الاستقلال وربّما قبل ذلك وتوارثنا جميعنا على اختلاف اتجاهاتنا وخلفياتنا الحرص المستميت على بقاء المدرسة مصعدا اجتماعيا ورافعة تنمية وقاطرة عبور إلى أفق المساواة والإنصاف والعيش الكريم فضلا عن مواكبة المستجدّ في حقول المعارف والعلوم والقيم الإنسانية الكونية. فإذا بالفاعل التربويّ الرئيسي ذاك الأسّ الراسخ في الضمائر والوجدان، ركيزة الركائز وعرصة العرصات، يتحوّل إلى مجرّد عون أو عامل متعاقد بالمناولة يدعى إلى سدّ شغور مؤقّت بلا مؤهّلات ولا تكوين مسبق ولا آفاق في الانتداب والتشغيل والكرامة، فهو العون المعاون المعين المهان المهين الذي جرّده هذا القانون الوحشيّ الجائر من أبسط شروط المواطنة ليتحوّل إلى عامل مستغلّ يتلقى أجرا زهيدا لفترة زمنية وجيزة يطرد بعدها خارج الفصل وخارج أسوار المدرسة ينتظر عقدا جديدا أو مدّة أخرى قد تقصر أو قد تطول من البطالة والعطالة واليأس المدّر القاتل. وهو العامل أيضا ذلك الذي يعمل في مؤسسّة غريبة عنه لا تربطه بها وبمشغّله وبتلاميذه فيها غير ساعات محدودة وعشرات الدنانير التي لا تغطي إنفاقات شابة أو شاب على مدى سنة بأكملها قوتا وتنقلا وعلاجا فما بالك بمن يطمح إلى الاستقرار الأسري والاجتماعي وتلبية الطّموحات. التدريس بالمناولة والتعاقد المهين المشين آخر الحلول التي أوجدتها عبقرية ساستنا في هذا الزّمن الأغبر زمن قتل المدرسة وقبر المعرفة ووأد أحلام الشباب وتغذية آفات الفشل والتسرّب والانقطاع ليكون تلاميذنا الذين يتلقون تعليما بلا قيمة ولا معنى عرضة للاحتراق والانتحار والهجرة السرية والانحراف والإرهاب وكلّ الآفات. والأمرّ من كلّ ذلك أن هذا العون المعاون المهان المهين للتربية والتعليم سيزوره متفقّد بيداغوجي زيارة أشبه بالمسرحية التي نعلم نهايتها قبل أن تبدأ، وسيكون تأطيره وتكوينه عبثا وفعلا بيداغوجيا بهلوانيا وممارسة عجفاء بلهاء ،مجرّد ضحك على الذقون وسنّ لتقاليد جديدة غريبة لا عهد للمدرسة التونسية بها ولا بمنظومة التفقّد التي أصبحت أيضا جرّاء هذا القرار مهانة مهينة، إنها قرارات الارتجال والفوضى والتفويت الممنهج في المرفق العمومي، إنّها المخطّطات المدمّرة للمؤسسة والتعليم الوطني ليصبح الكلّ مهانا أو مهينا وندخل في دورة الإهانات المتبادلة المقنّعة المقنّنة بقرارات من لا همّ له غير الحكم والكراسي. أدعو السادة الكرام ممن توجّهت إليهم بخطابي هذا إلى إيقاف العمل بهذا الأمر الحكومي أو تعديله بالحفاظ على مبدإ الانتداب لهؤلاء المعوضين مع تثبيت صفة أستاذ معوّض، بدل العون وتمتيعهم بأجر لائق يقيهم الخصاصة والجوع وإعطائهم الحقّ في التنقّل المجاني بوسائل النّقل العمومية والحقّ في العلاج في المستشفيات العمومية. كما أطالب بتوحيد أشكال الانتداب مع الشباب المعطّل عن العمل من حاملي الشهادات الذين لولاهم لما كانت ثورتنا المجيدة ،ولما قبع الجالسون على كراسي الحكم على كراسيهم، ثم البحث عن حلول مستقبلية ناجعة تضمن التكوين الأساسي للمدرسين المختصين خرجي كليات التربية دون سواها فالتكوين التمهيني المشرف الذي يوائم تطّلعاتنا نحو الإصلاح الإستراتجي الجذري الشامل للتربية والتعليم، مع توفير أسس التأطير البيداغوجي المتين لهؤلاء، القائم على مفاهيم التعاقد المهنيّ و الجودة والوجاهة والمشاريع وتحليل الممارسات وتراكم الخبرات وتحرير المبادرة والإبداع.