توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    التضامن.. الإحتفاظ بشخص من أجل " خيانة مؤتمن "    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراجع إلى 8 درجات    حنان قداس.. قرار منع التداول الإعلامي في قضية التآمر مازال ساريا    النادي الصفاقسي : تربّص تحضيري بالحمامات استعدادا للقاء الترجّي الرياضي    عاجل/ أحداث عنف بالعامرة وجبناينة: هذا ما تقرّر في حق المتورطين    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    أي تداعيات لاستقالة المبعوث الأممي على المشهد الليبي ؟    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    ازدحام و حركية كبيرة بمعبر ذهيبة-وازن الحدودي    عاجل/ إنتشال 7 جثث من شواطئ مختلفة في قابس    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميلته بآلة حادة داخل القسم    المهدية: محامو الجهة يُنفّذون إضرابًا حضوريًّا بيوميْن    ليبيا: ضبط 4 أشخاص حاولوا التسلل إلى تونس    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    المنتدى العالمي للطب البيطري يعقد في تونس ...و هذا موعده    طبرقة: فلاحو المنطقة السقوية طبرقة يوجهون نداء استغاثة    عاجل : الإفراج عن لاعب الاتحاد الرياضي المنستيري لكرة القدم عامر بلغيث    مدير إعدادية أمام القضاء..التفاصيل    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 8 أشخاص في حادثي مرور    عاجل/ أمطار رعدية خلال الساعات القادمة بهذه المناطق    هيئة الانتخابات:" التحديد الرسمي لموعد الانتخابات الرئاسية يكون بصدور امر لدعوة الناخبين"    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب    طلاق بالتراضي بين النادي الصفاقسي واللاعب الايفواري ستيفان قانالي    هذه الشركة العالمية للأغذية مُتّهمة بتدمير صحة الأطفال في افريقيا وآسيا.. احذروا!    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    جربة: إحتراق ''حافلة'' تابعة لجمعية لينا بن مهنّى    عاجل : مبروك كرشيد يخرج بهذا التصريح بعد مغادرته تونس    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    وزير الدفاع الايطالي في تونس    ر م ع الشركة الحديدية السريعة يكشف موعد إنطلاق استغلال الخطّ برشلونة-القبّاعة    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    جرايات في حدود 950 مليون دينار تُصرف شهريا.. مدير الضمان الإجتماعي يوضح    صور : وزير الدفاع الايطالي يصل إلى تونس    الفيفا يكشف عن فرضيات تأهل الترجي الرياضي لكأس العالم للأندية    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    تونس : 94 سائحًا أمريكيًّا وبريطانيًّا يصلون الى ميناء سوسة اليوم    بسبب فضيحة جنسية: استقالة هذا الاعلامي المشهور..!!    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بطولة إفريقيا للأندية للكرة الطائرة: مولودية بوسالم يواجه الأهلي المصري من الحفاظ أجل اللقب    لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    البطولة الأفريقية للأندية الحائزة على الكأس في كرة اليد.. الترجي يفوز على شبيبة الأبيار الجزائري    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 بالمائة    صادم: كلغ لحم "العلوش" يصل الى 58 دينارا..!!    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق استقصائي يكشف: السلطات التونسية ارسلت استعلامات منقوصة وغير متطابقة عن المفقودين في إيطاليا منذ 2011
نشر في الصباح نيوز يوم 01 - 02 - 2019

عندمَا هبّت رياحُ الثورة التونسية في ديسمبر 2010، لم تنحت ملامحها على اليابسة فقط، بل كانَ جنوبُ البحر الأبيض المتوّسط مسرحًا لأكبر عمليّة هجرة غير نظاميّة، نفذّهَا مواطنونَ تونسيّون، قُدّر عددهم وفق السلطات التونسية بأكثرَ من سبعة وعشرينَ ألف مهاجر يعاني معظمهم الفقر والتهميش والبطالة. هؤلاء اتجهوا منذ مارس 2011 صوبَالأراضي الايطالية، إلا أنَّ جزيرة لامبادوزَا، نالت نصيبَ الأسد منهم، البالغ عددهم بأكثر من 19700 مهاجر.
هذه الجزيرة التي لا يتجاوزُ عددُ سكَّانها 6000، أصابها الهلع والرٌّعب من هول التّدفقالبشريّ التونسي القادم من مسقط رأس "الربيع العربي".
يكشفُ هذا التحقيق تعّمدَ إهمال الحكومات التونسيّة المتعاقبة منذ 2011، لملّف المفقودين بالأراضي الإيطالية، وغيابَ التنسيق الجدّي مع الجانب الإيطالي، ممّا تسبب في احتجاز بعضهم دون جرم يذكر لدى السلطات الإيطالية دون موجب قانوني و جعل مصيرهم مجهولاً. .
أمهات ملتاعة لازلنَ ينتظرنَ عودة فلذات أكبادهنّ
وحيدة.. إحدى أمّهات المفقودين، أضرمت النّارَ في نفسهَا سنة 2013، بعد أن أصابهَا اليأسُ وفقدانُ الأمل من عودة أبنهاالمغادر بطريقة غير نظامية منذ01 مارس 2011 ، على مركب صيد نحولامبادوزا الإيطالية.
تقولُ وحيدة أنّهَا ملّت وُعود المسؤولين "بالتدّخل العاجل في الملف"، وأنَّها حينمَا أضرمت النّار في نفسها أرادت الخلاصَ من عذاب الانتظار بالموت.
"لم يعد لي أيّ أمل في الحكومات الكاذبة.. تصمتٌ قليلاً ثم تتابع.. ابنيمهدي أتمَّ اليوم28 سنة، لقد غادرَ وهو لم يُكمل العشرين عامًا،رأيتهُ على شاشة قناة أجنبية وهو حيّ يُرزق. كيف يُقنعونني بأنه مات؟؟
تحتدُ نبرة صوتهَا فجأة: السبسي، قابلتهُ سنة 2013 بجهة البحيرة في مقرّ حزبهبنداء تونسقبيل الانتخابات الرئاسية بفترة، وعدني بمتابعة الملف وكشف مصير ابني، لكنّه للأسف لم يعُد يهتمّ لملّف المفقودين..
لقد نالَ كرسيّالرئاسة ولم يعد يعنيه مصير فلذات أكبادنَا، تذكرّ يا سبسي أنك ستقابل ربّكَ في يوم من الأيّام وستُسألُ عمّا فعلته بهم..
504 مفقود تونسي منذ 2011 في إيطاليا لم تشملهم اتفاقية "السبسي وبرلسكوني" ولازالَ مصيرهم مجهولاً:
مع انزعاج السلطات الايطالية من التدفق البشري التونسي بطريقة غير نظامية منذ 01 مارس 2011، وقعالباجي قائد السبسي الرئيس الحالي للجمهورية التونسية والوزير الأول في الحكومة اتفاقية ثنائية مع رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني، في الخامس من إبريل 2011، على هامش زيارته إلى تونس رفقةَ وزير داخليته وقتها روبرتو ماروني. هذه الاتفاقية نصت على تسهيل تنقل المهاجرين التونسيين غير النظاميين في المجال الأوروبي بمنحهم إقامات مؤقتة لمدة 6 شهور، وقدّرَ عدد هؤلاء ب22000 ألفًا. لكن رغم ذلك فإنه يبدو أنَّ عددًا كبيرا من التونسيين قد فُقدوا في ظروف غامضة وغير مفهومة رغم تأكد وصول عدد منهم إلى الأراضي الايطالية خلال سنوات2011 و2012.، والبالغ عددهم 504مفقود.
ويؤكدٌ في هذا السياق الأستاذ أيوب غدامسي،محامي عائلات المفقودين و رئيس فرع الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمحافظة منوبة، أَّنَّ هناك أكثر من 500 تونسي،فقدوا في إيطاليا منذ مارس 2011، وقدتأكَّد احتجازُ بعضهم لدى السجون الإيطالية وآخرين في مراكز إيواء، ويبقى مصير الكثيرين منهم غامضًا.
ورغمَالمحاولات المتكررّة للجنة الدفاع عن عائلات المفقودين قصد زيارة هذه المراكز إلاأنها لم تنجح في ذلك.يضيفٌ الأستاذ الغدامسي"أنّ احتجاز مواطنين تونسيين لأكثر من 8 سنوات هو إجراء مخالف تمامًا لكلّ القوانين والمعاهدات الدولية الخاصة بالهجرة وحقوق الإنسان، تتخذهُ السلطاتالإيطالية دون ردّ فعل واضحة من الدولة التونسية، في تقاعس جليّ من هذه الأخيرة عن حماية مواطنيها الذين لم يتركبوا أي جرم وفق تعبيره.
أولادنا على قيد الحياةلكنّ الدولة تنكرُ ذلك
تقول فاطمة كسراوي، والدة رمزي الولهازيأحد المفقودين منذ مارس 2011، ورئيسة جمعية أمهات المفقودين :
" بعد سماعنا من بعض العائلات التي سافرت لإيطاليا بحثًا عن مصير أبنائهَا، بأن القنصليات التونسية قد قامت بتعليق قائمات فيها صورٌ لمفقودين وتواريخَ ميلادهم، قُمنَا بالتوجه فورًا لوزارة الشؤون الخارجيّة التي بدورها قامت بتعليق هذه القائمات.
وقد تعرف بعضنَا على أبنائه وتأكّدنَا أنهم على قيد الحياة، لكن بعد أقل من شهر، عند عودتنا للوزارة تفاجأنا بسحب القائمات وإبلاغنا بأنّ بعض أبنائنا قد غرق وفق شهادة شخص يدعى محمد الهادي الغريبي في حين أنّ اسمه الحقيقي هو يسري الحناشي"
تفيدُ الوثيقة التي تحصلنا عليها، أن سفارة الجمهورية التونسية بإيطاليا قد خاطبت رؤساء البعثات القنصلية التونسية في نفس البلد، ومدتهم بقائمات المفقودين منذ أغسطس 2010 وطالبتهم بتعليق هذه القائمات في مقر قنصلياتهم حتى تتمكنَّ العائلات من التعرف على ذويهم.
وهو ما يؤكدُ أنه اعتراف رسميّ من الدولة بأن بعضا من الذين غادرُوا الأراضي التونسية منذ مارس 2011، لازالوا على قيد الحياة.
بعد أقل من شهر ونصف من تاريخ المراسلة المذكورة تخاطبُ قنصلية تونس ببلارمووزارة الشؤون الخارجية ، مبلّغة إياهابأنه تم التأكد من هوية بعض المفقودين من قبل شخص منتحل صفة(كما وصفته في خطابها ) وهو يسري الحناشي، وتعلمها بأنَّ هذا الأخير قد تعرّفَعلى بعض الأشخاص وقد صرّح في شهادته، أثناء ترحيله أن من ذكرهم قد غرقوا جميعهم من بينهم محمد الجبالي.
لكن الوثيقة التي تحصلنا عليها تثبتُ عكسَما جاءَ في شهادة المدعو يسري الحناشي بأن محمد الجبالي لم يغرق وهو لا يزال على قيد الحياة وهي عبارة عن مراسلة من إدارة سجن تراباني تؤكد أن محمد الجبالي قد ثبت احتجازه في نفس السجن في 2012 وأنه على قيد الحياة.
تخبرنا فاطمةبأنّ هناك صحفييّن اثنين تتحفظُ عن ذكر أسمائهم، وهمَا تونسي وإيطالية، قاموا بزيارة مركز الإيقاف في تراباني بإيطاليا، وتعرّفوا على ابنها رمزي الولهازي، وهو ما لا يتركٌ مجالاً للشّك بالنّسبة إليهًا بأن ابنها على قيد الحياة. كما تؤكد أن الصحفي التونسيوعدها بتقديم شهادته لقاضي التحقيق المتعهد بالقضية المرفوعة منذ 2011، إذا أعادَ فتح البحث فيها
فاطمة الكسراوي وعائلة محمد الجبالي وعديد الشهادات التي وثقها التحقيق، يؤكدون بأن أبنائهم لازالوا على قيد الحياة ومحتجزونَ لدى السلطات الإيطالية. وحيدة الفضيلي التي ذُكرت في أولّ التحقيق هي الأخرى تؤكد لنا أنها شاهدت ابنهَا على شاشة القناة الإيطالية " تي جي 5"، محاصرًا بالشرطة الإيطالية مع بقية رفاقه، في نفس اليوم الذي وقع فيه السبسي وبرلسكوني الاتفاقية الثنائية المذكورة أعلاه.
السلطات التونسية متهمة بالإهمال والتقاعس عن أداء مهامها:
* أرسلت استعلامات منقوصة منها بصمات لا تتطابقُ مع المهاجرين في 2011، يعودُبعضها لأشخاص هاجروا منذ العام1998
مع تزايد ضغط عائلات المفقودين على السلطات التونسية قامت هذه الأخيرة، ممثلةً في سفارتهَا بروما،في الخامس من إبريلسنة 2012 بإرسال طلب رسميّ لوزارة الداخلية الايطالية، قصد الاستعلام عن مصير مواطنين تونسيين دخلوا الأراضي الايطالية بطريقة "غير شرعية" والبالغ عددهم 164 .
مرفقةً مع خطابها قاعدة لبياناتهم وبصماتهم. ليتم الاكتشاف وفق الوثائق التي تحصلنا عليها، بأن المعلومات المرسلة من السلطات التونسية إلى الجانب الإيطالي منقوصةً ولا تتطابقُفي جلّها مع المهاجرين الذين غادروا التراب التونسيّ بطريقة غير نظامية سنة 2011.
و إن كان ردَّ الإدارة المركزية للهجرة وشرطة الحدود التابعة لوزارة الداخلية الايطالية بتاريخ 30 إبريل 2012، على سفارة تونس بروما، يفيدٌ بأنّ القائمة التي تم إرسالها لم تكن منقوصةً فحسب لأنها لم تتضمن بطاقات استعلامات 75 شخص من أصل 164، بما لا يتطابق وهذا العدد الأخير المذكورفي الطلب الرسمي.
بل وتؤكد الإدارة المركزية المذكورة أنّ ما وصلها فقط هو 89 بطاقة استعلامات و أنّالمعلومات الواردة في بعضها تعودُ لمهاجرين غادروا التراب التونسي بين 16 مارس 1998 و 05 مارس 2010، وآخرين مدرجين في قائمة الإرهابيين لتنظيم القاعدة منذ 2002.
لكن يبقى السؤال كيف تبررُ السلطات التونسية إرسال معلومات غيرَ متطابقة على مواطنين تعلمُ أسمائهم الكاملة و تواريخَ ميلادهم وبصماتهم و تواريخَ عبروهم الأراضي التونسية لإيطاليا، وصولاً إلى تحاليلهم الجينية وفق شهادات وثَّقها التحقيق؟
وردًّا على المعلومات المذكورة أعلاه، اتصلنَا بوزارة الداخلية التونسية التي أكدت لنا على لسان ناطقها الرّسمي السيد سفيان الزعق، أن المعلومات التي قدمتها الوزارة في السابق كانت بطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية المشرفة على متابعة ملف المفقودين، وأن اللجنة في حال طالبت معلومات إضافية من الوزارة أو توضيحات حول معلومات منقوصة أو غير متطابقة فإن وزارة الداخلية كانت ستستجيبُ لذلك.
*نائب في البرلمان الإيطالي اتهم القنصل التونسي بالتقاعس عن أداء مهامه
تؤكدُ الجريدة الرسمية للبرلمان الإيطالي بتاريخ 17 سبتمبر 2012، أنّ النائب الإيطالي ريناتو فارينا قد أرسل بطلب رسميلوزيري العدل وشؤون الخارجية الإيطاليين،للبحث حول وضعية سجناء يحملون الجنسية التونسية، يمرُّون بحالة نفسية متدهورة، جرَّاء تقاعس القنصل العام لتونس بميلانو الذي لم يبين تعاونهُ مع السلطات الإيطالية المختصة للسماح للسجناء بالاتصال بعائلاتهم وذلك على غرار السجين أسامة اللواتي.
مؤكدا ن هذه الممارسات مخالفة للاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان، سيما اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية المؤرخة في 24 أبريل 1963.
تقول فاطمة الكسراوي أنها تنام وتصحو على صورة ابنها، ولم تتوانى للحظة منذُ تاريخ اختفائه في البحث عنه بكلّ الطرق والسّبل حتى أنّها وصلت بملفه إلى المكسيك...
لم أعد قادرةً على الصمت ، ولن أخشى قولَأنّ الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية هو الذي بيده حل الملف، هو من تفاوضَ على أبنائنَا. هو من وقَّع الاتفاقية مع برلسكوني في 2011، لكنّهُ اليوم يرفضُ لقائنَا بعد أن جلسَ على كرسيّ الرّئاسة..هو يعرفُ حقيقةَ مصيرَ أبنائنا لكنّه لا يحركُّ ساكنًا...
تنهمرُ الدموع منعينيها ويصعبٌ عليهَا التنفس:
رغم مرور كل هذه السنوات تحت أمهات المفقودين سنواصل البحث عن أبنائنا مهما كلفنا ذلك.
لجنة البحث عن المفقودين غيبتالعائلات ومحاميهم وتقاعست عن أداء مهامها
استجابت السلطات التونسية لضغوطات عائلات المفقودين عبرَ تشكيل لجنة مكلفة بمتابعة ملف التونسيين المفقودين لجمع كل المعطيات و المعلومات المتعلقة بهم. حيث صدرَقرار بالرّائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية التونسية) في عدده ال 45 بتاريخ 5 يونو2015 بإحداثهاتحتإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية بعدما تخلت وزارة الشؤون الخارجية عن الملف. .
ولعلّ أهم أدوار هذه اللجنة هو التنسيق مع عائلات المفقودين و مختلف المصالح الإدارية الإيطالية و مكونات المجتمع المدني الإيطالي عن طريق القنوات الدبلوماسية بإيطاليا.
لكنَّ هذه الأخيرة سعت لإبعاد أي طرف ممثل عن العائلات، وفق شهادات وثقها التحقيق. حيث طالبت بتفويض محامي واحد عن لجنة الدفاع المكلفةبملف المفقودين حتى يرافقها في رحلة البحث إلى إيطاليا. وكان للأستاذ أيوب غدامسي ذلك بتفويضه من العائلات، لكن حلمي التليلي ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية قال أنّ بعض العائلات يرفضون سفر أيوب غدامسي وقد أوكلوا المهمة للأساتذةالمحامين فتحي المولدي ومنير بن صالحة، ممَّاجعل اللجنة" تلتجأُ لإجراء قرعة في 2016 حتى يتم اختيار محامي واحد من الثلاثة، طالما لم تتفق العائلات على محامي واحد يمثلها".
ورغم أن نتيجة القرعة أسفرت على اختيار الأستاذ أيوب غدامسي،الموثقة بمحضر جلسة، والتي أجريت بمقر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن اللجنة تجاهلت النتيجة. وسافر أعضائها بطريقة مفاجئة إلى إيطاليا، وقابلوا مسؤولينَ إيطاليين، دون إعلام العائلات ومحاميهم، أو حتى مدّهم بنتائج المحادثات مع الجانب الايطالي.
لا مستجدات عن لجنة المفقودين والملف في انتظار الإحالة على الوزير المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج:
على إثر شهادة الأستاذ أيوب غدامسي التي وردت في التحقيق بخصوص تجاهل نتيجة القرعة القاضية بسفره مع لجنة البحث عن المفقودين، إلى إيطاليا واستبدال اسمه بمحامي آخر ، اتصلنا بممثل بوزارة الشؤون الاجتماعية السابق في اللجنة المذكورة، السيد حمدي التليلي، لسؤاله عن هذا الأمر ومنحه حق الرّد ، لكنه "رفضَ إدلاء بأي تصريحات في خصوص ملف المفقودين في إيطاليا"، كما أكّدَ لنا أنه "ليس مطلّعًا على هذا الملف" رغم مباشرته له في السابق.
كما أكدت لنا مصادر متطابقة داخل وزارة الشؤون الاجتماعية أن اللجنة عملها مجمَّد منذ أوائل2017.
أما في خصوص مستجدات ملف المفقودين في إيطاليا ككل، قمنا بالتواصل مع السيد رضوان عيارة الوزير المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج، والذي أبلغنا أن وزارته تعملُ جاهدةً على استرداد الملف من وزارة الشؤون الاجتماعية، وقد تمَّ عرض هذا الطلب بالفعل على اجتماع مجلس وزراء في وقت سابق، في انتظار الموافقة عليه.
ويؤكدُ عيارة أنه نظرًا لتولّيه منصبَ كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية في السابق، فإنه على إطلاع بعديد الحيثيات في خصوص ملف المفقودين، وأن التحرك لحلحلته سيبدأ فورَ إحالة الملف رسميًّا على وزارته ومدّه بكل المعطيات اللاّزمة من وزارتي الشؤون الاجتماعية والشؤون الخارجية.
إجابات متضاربة للسلطات الايطالية تنبئُ بوجود تعتيم على مصير المفقودين:
مع تقاعس السلطات التونسية في المضيّ قدمًا لحلحة ملف المفقودين وإعادتهم لذويهم، كان نشطاء المجتمع المدني بمعيّة لجنة الدفاع، يُقارعون السلطات الإيطالية ويبحثونَ عن الحقيقة. ففي الثالث عشر من فبراير 2018، تقومُ رئيسة الحزب التونسي والناشطة بالمجتمع المدني في أوروبَا، مريم منوّر،بمراسلة مدير سجن تراباني بإيطاليا للاستعلام مرّة أخرى عن أحد المفقودين وهو محمد جبالي(الوارد في قائمة الحكومة التونسية السّالف ذكرها في هذا التحقيق، ثم ذكر أنه قد غرق وفق المدعو يسري الحناشي).
لكنّ رد مدير سجن تراباني في الثالث والعشرين من فبراير 2018، كان مفاجئًا بعدَ أن رفضَ إعطاء أيّ معلومات جديدة عن هذا "السجين"، رغم تأكيد إدارة سجنهفي مراسلة سابقة، أيفي أغسطس 2014 أن الشخص المستعلم عنهُ محمد الجبالي"قد قضَّى عقوبته وقاموا بترحيله إلى تونس عن طريق مصالح السجن". كما أن رد مدير سجن تراباني كان مناقضا لرد وزارة العدل التي أفادت في مراسلة أخرى بأن محمد الجبالي قد غادر السجن أواخر 2012. وما نخلص له هنا ليس فقط تناقض ردود جهتين رسميتين إبطاليتين، بل تأكيد واضح ومباشر منهما بأن الشخص المستعلم عنه على قيد الحياة.
حقوقيون يؤكدون أن الدولة التونسية لم تتعامل بجدية مع ملف المفقودين وأن الإهمال هو من أخّر ظهور الحقيقة
تؤكد السيدة ربح كريم رئيسة جمعية الخضراء، والناشطة الحقوقية في إيطاليا، بأنها تتابعُ هذا الملف منذ مارس 2011، وأنَّها شاهدة عيان على إهمال الدولة التونسية ، لملف المفقودين، بتمثيليتها الديبلوماسية في إيطاليا و مؤسساتها في الداخل التونسي.
وتضيفُ كرّيم أن مؤسسات الدولة التونسية، "ترفضٌ التعاون معجمعيتها رغمَ حوزتها على وثائق من شأنها أن تيّسر مسار البحث عن المفقودين".
من جهة أخرى يقول مسعود الرمضاني رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن السلطات التونسية لم تتعامل بالجدية الكاملة مع ملف المفقودين في مارس 2011، وحتى مع موجات الهجرية الغير نظامية التي تلتها، مما عمَّق مأساة العائلات. كما يؤكد الرمضاني أن انسحاب المنتدى من اللجنة جاء نتيجة تقاعس الدولة عن أداء دورها تجاه قضية حساسة بهذا الحجم .
مسؤولون تونسيون موّجه لهم تهم بالتحريض على احتجاز مواطنيهم بالسّجون الإيطالية والمساعدة على اختفائهم القسريولا حكمَ صادر حتى الآن:
قامت عائلات المفقودين برفع قضية ضدّ كلّ من الباجي قائد السبسي و رئيس الحكومة السّابق حمادي الجبالي ورئيس الوزراء الايطالي السّابق سلفيو برلسكوني وكلُّ من سيكشفُ عنه البحث .
لكن هذه الملّف مازالَ إلى تاريخ اليوم محطَ أنظار القضاء، لم يُحفظ ولم يصدر فيه أي حكم نهائي باتّ، بالرغم من استدعاء الباجي قائد السبسي، رئيس الوزراء السابق ورئيس الجمهورية الحالي، في السادس من مايو 2013 كشاهد وفق الوثيقة التي تحصلنا عليها.وحتى مع وجود عدة قرائن على إهمال وتقاعس مسؤولين تونسيين في القيام بواجبهم تجاهَ مواطنيهم المشكوك في احتجازهم لدى الجانب الايطالي دون موجب قانوني.
تجدرُ الإشارة إلى أنَّ كل من يحرضُّ ويساعدُ على اعتقال واحتجاز مواطنينَ يحملونَ الجنسيّة التونسيّة وتعريضهم لممارسات غير لائقة وغير قانونية، يضعُ نفسه تحتَ طائلة القانون الجزائي خاصةً الفصل 307 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية والفصل 29من المجلة الجزائية إلى غير ذلك من الجرائم المعاقب عليها صلب اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1984 الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. هذهالاتفاقية المصادق عليها من طرف البلاد التونسية بمقتضى القانون عدد 79 لسنة 1988 المؤرخ في 11/07/1988.
مصير محتمل لمهاجرين غير نظاميين فقدوا في ظروف غامضة عند وصولهم إلى إيطاليا
وفق العديد من التقارير الحقوقية وشهادات وثقتها أعمال صحفية استقصائية دولية، فإن العديد من المهاجرين غير النظاميين إلى إيطاليا، والذين ينحدرونَ من جنسيات إفريقية مختلفة، عادةً ما تحولُّ وجهتهم في ظروف غامضة ولا يتمُّترحيلهم إلى بلادهم ولا العثور عليهم، و يبقى مصيرهم مجهولاً، لتقاعس سلطات بلادهم في البحث عنهم.
(تحقيق للصحفية التونسية خولة بوكريم على موقع درج اللبناني)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.