طالبت الأمينة العامة للحزب التونسي مريم منوّر بفتح بحث تحقيقي ضد كل من رئيس الحكومة الايطالي الأسبق سلفيو برلسكوني والوزير الأول التونسي الأسبق الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة حمادي الجبالي وذلك لاتهامهم من أجل التحريض على احتجاز مواطنين تونسيين بالسجون الايطالية ومعاملتهم بطريقة لا إنسانية وغير قانونية والتستّر على جريمة. الشكاية رفعتها في حق الحزب المحامية عزيزة الكبسي نيابة عن 72 مفقودا. وجاء بنص الشكاية أن عدد «الحارقين» الى ايطاليا خلال شهر مارس 2011 تجاوز 20 ألف مهاجر ونظرا الى الظرف الطارئ والى خطورة الأوضاع التي عرفتها إيطاليا بعد حلول هذه الاعداد الغفيرة من المهاجرين غير الشرعيين من التونسيين هدّدت إيطاليا بترحيل هؤلاء جملة واحدة الى تونس إلا أن السلطات التونسية رفضت ذلك وتمّ السعي الى إبرام اتفاقية بين إيطاليا وتونس والممثلة انذاك في شخصي سلفيو برلسكوني والباجي قائد السبسي تقضي بعدم ترحيل الحارقين التونسيين الى تونس وتسوية وضعياتهم وهو ما تمّ الاتفاق حوله حسب الشكاية في أوائل شهر أفريل 2011 عندما زار تونس كل من رئيس الحكومة الايطالية ووزير الداخلية روبرتو ماروني الذي عرف بتشدّده بخصوص هذا الموضوع.
وقد أفضت الاتفاقية الي ترحيل 800 من المهاجرين التونسيين غير الشرعيين الوافدين الى ايطاليا بعد ثورة 14 جانفي 2011 بصفة متحضرة وتسوية وضعية البقية.
بداية اللغز !
رغم ثبوت وصول عدد من «الحارقين» الى ايطاليا تبيّن أن عددا كبيرا من التونسيين فقدوا في ظروف غامضة وغير مفهومة في ظلّ تغافل السلطات التونسية وعدم قيامها بالتثبّت من هويات الوافدين الى إيطاليا وهو ما سهّل على الأطراف الايطالية عملية تحويل وجهة وإخفاء واحتجاز العديد من «الحارقين» لاقتضاب هوياتهم من جهة ولأن السلطات التونسية لم تهتمّ بالبحث عنهم ولم ترسل بالهويات الكاملة والبصمات الخاصة بالتونسيين الذين سجّل فقدانهم فوق الأراضي الايطالية وهو ما تؤكده حسب الشكاية المراسلة الموجهة من وزير الداخلية الايطالي الى سفير تونس بروما والذي يعلمه فيها بأن الأسماء التي أرسلت الى وزارة الداخلية الايطالية في معظمها أسماء أشخاص لم يثبت دخولهم الى إيطاليا أما بقية الأسماء فهي تهم أشخاصا ثبت دخولهم الى ايطاليا في سنوات سابقة على غرار سنة 1998 و2002 و2010.
وهناك أيضا مراسلة موجهة من عائلات بعض المفقودين الى وزير الشؤون الخارجية رفيق عبد السلام يعلمونه فيها بتقاعس الوزارة عن القيام بواجباتها بخصوص ارسال البصمات الخاصة بأبنائهم الي السلطات الايطالية.
السبسي والجبالي في قفص الاتهام
ذكرت المحامية الشاكية أن الوزير الأول الأسبق الباجي قائد السبسي تعمّد عدم قبوله بترحيل التونسيين من إيطاليا ورفض دخولهم تونس وتقديم الهويات الكاملة للمهاجرين خاصة الوافدين الى ايطاليا خلال شهر مارس 2011 وعدم إرسال البصمات بطريقة علمية وسليمة مثلما صرح به أحد المسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية لعدد من عائلات المفقودين والحقوقية ربح كريم ولمريم منور رئيسة الحزب التونسي على إثر زيارة لمقر الوزارة بإيطاليا خلال شهر سبتمبر 2012 وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بتواطؤ حكومة السبسي بصفة عامة وضلوعه بصفة شخصية في فقدان أثر عدد مهم من المواطنين بإيطاليا حسب ما ورد بنصّ الشكاية ولم يتم ترحيلهم الى تونس ولم تقع تسوية وضعياتهم بإيطاليا مثلما تقتضيه الاتفاقية المبرمة في أفريل 2004.
واعتبرت هذه الأفعال غير قانونية وغير أخلاقية تستوجب المساءلة والمحاسبة باعتبارها أضرّت بحقوق تونسيين تعرّضوا الى الاعتقال والاحتجاز. وأوضحت المحامية الكبسي أن الباجي قائد السبسي أنكر وجود أي مفقود حي بإيطاليا عندما كان يتقلّد رئاسة الوزراء، لكنه لم يستقرّ على ذلك الرأي بل أصبح يطمئن العائلات عن مصير أبنائهم ويعدهم بمساعدتهم على إرجاعهم في أقرب الآجال. وقالت إن هناك نية في التلاعب والتحيل على عائلات المفقودين خاصة لغايات مجهول
ة تجعل السبسي تحت طائلة الفصل 307 مكرّر من المجلة الجزائية والفصل 291 لأنه حرّض وأعان على اعتقال واحتجاز تونسيين وقد تعرّضوا الى ممارسات مهينة.
هذه الاتهامات وجّهت أيضا الي الحكومة الحالية التي لم تعر القضية أي أهمية رغم علمها بوصول العديد من الحارقين خاصة منذ شهر مارس 2011 أحياء الى ايطاليا وذلك حسب صور فوتوغرافية وأشرطة فيديو مسجلة بالقرص المضغوط تحتوي على مقتطفات من برامج تلفزية ايطالية تثبت وصول العديد من المهاجرين غير الشرعيين أحياء وقد تمّ تقديم ذلك القرص الى رئيس الحكومة حمادي الجبالي ووزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو ووزير الشؤون الخارجية رفيق عبد السلام وكاتب الدولة المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج حسين الجزيري وكاتب الدولة المكلف بالهجرة الأوروبية التوهامي العبدولي لكنهم لم يحرّكوا ساكنا حسب نصّ الدعوى ولم يقوموا بأي تحرّك.
لماذا التستّر؟
الحكومة تنتهج سياسة التعتيم والتستر المتواصل وبشكل مثير للشك هذا ما ذكر بالشكاية حيث أكدت الاستاذة الكبسي ان الحكومة توخت سلوكا غير قانوني وغير أخلاقي وذلك بعدم الكشف عن ملابسات وتفاصيل والظروف الحافة باحتجاز أبنائهم بالسجون الايطالية وأسبابها وذلك رغم وعيهم بخطورة الجرائم المرتكبة في حق التونسيين في بلاد أجنبية دون وجه حق. وقالت إن سياسة التستر لم تقف عند هذا الحدّ بل تجاوزتها بإعاقة عمل العائلات المتواجدة بإيطاليا والتي تبحث عن مصير أبنائها وأبناء بقية العائلات في غياب تام لممثلي الدولة التونسية التي تتنكّر لواجبها. وهو ما عطّل مسار الابحاث.
كما ان عائلات المفقودين المتواجدين بإيطاليا لم يتلقوا الارشاد والإحاطة ولا الدعم المادي او المعنوي من قبل بعض القناصل التونسيين. وقد تم اعلام الوزير سمير ديلو بالامر لكنه لم يتدخل لإيجاد حل حسب نصّ الدعوى.
برلسكوني !
أوضحت الأستاذة الكبسي انه لا يمكن ان نتجاوز مسؤولية الجانب الايطالي الذي حوّل وجهة العديد من المواطنين التونسيين «الحارقين» خاصة خلال شهر مارس 2011 الى مراكز استقبال مجهولة الى حد هذه اللحظة وذكرت أن أحد المفقودين وهو «العربي الفرشيشي، قد تمكن من الاتصال بوالدته في أكتوبر 2012 وأعلمها بأنه محتجز في أحد السجون الايطالية. وهو ما يجعل الحكومة الايطالية متواطئة هي الأخرى في اقتراف هذه الجرائم على أراضيها.
تقاعس ولا مبالاة
اتهام الحكومة بالتقاعس ولا مبالاتها بملف المفقودين دعمته الشاكية مريم منوّر بتصريح لأحد نواب البرلمان الايطالي «ريناتو فارينا» والذي التقته بإيطاليا بمقر البرلمان الايطالي بمعية ربح كريم الناشطة الحقوقية وعدد من أهالي المفقودين بأن هناك سجناء يحملون الجنسية التونسية وهم في حالة نفسية متدهورة جراء تقاعس القنصل العام لتونس في ميلانو الذي لم يبين تعاونه مع السلطات الايطالية المختصة للسماح للسجناء بالاتصال بعائلاتهم وقد راسل هذا النائب وزير العدل ووزير الشؤون الخارجية الايطاليين للبحث حول تجاوز قرار القنصل العام التونسي.
وأكدت المحامية الشاكية ان الأمر يتطلب الاسراع لوضع حدّ لهذه المهزلة على حد قولها وتتبع المشتكى بهم من أجل ما نسب اليهم. ونشير الى أن الحزب التونسي برئاسة مريم المنوّر قد عقد صباح أمس ندوة صحفية بمقر الحزب وبحضور عائلات المفقودين بمقر الحزب للتباحث حول ملف المفقودين الذي تعهد به الحزب منذ مدة.
وتطرّقت الأمينة العامة للحزب الى تحرّكات الحزب داخل وخارج تونس لفتح لغز هذا الملف وانتقدت الحكومة التونسية لتعاطيها السلبي معه ولعدم تعاونها مع الحكومة الايطالية.
فيما تطرّقت الاستاذة عزيزة الكبسي الى الملف من الناحية القضائية واتهمت القضاء بكونه مازال متأثرا بالمعطى السياسي اذ ان الملف تداوله 3 قضاة تحقيق منذ سنة. وقالت إن الارادة السياسية غائبة لدرس هذا الموضوع وساهم ذلك بصفة مباشرة في تحريض السلطات الايطالية على اعتقال واحتجاز مواطنين تونسيين دون موجب قانوني. وعبّر من جهة أخرى أهالي وعائلات المفقودين عن تمسّكهم بمعرفة مصير أبنائهم سواء كانوا أحياء أو أمواتا وطالبوا الحكومة بضرورة التعاطي مع ملف القضية بصفة جدية وإيلائه الأهمية اللازمة.
وقد أكد معظم الأولياء الذين التقتهم «الشروق» أنهم ليسوا على علم بعملية «الحرق» لكنهم في المقابل يعرفون منظم رحلة الموت.