لم يعد يفصلنا عن الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة تباعا في اكتوبر المقبل للتشريعية (6 اكتوبر) وفي نوفمبر المقبل للرئاسية (10 نوفمبر)، سوى أشهر قليلة (أقل من 7 أشهر). ورغم أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعدت على لسان رئيسها نبيل بفون خلال لقاء اعلامي انعقد بداية شهر مارس الجاري قدمت خلاله الروزنامة الانتخابية، باستهداف تسجيل أكثر من 3 مليون ناخب غير مسجل لحد الآن، إلا أن مؤشرات عديدة تقنية ومادية، منها ما يرتبط باستعدادات الهيئة لتأمين تسجيل غير المسجلين، وتحفيزهم للقيام بذلك، ومنها ما يرتبط بواقع الصراع السياسي الراهن الذي يساهم بشكل كبير في نفور الناخبين من الاقبال على الانتخابات وممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي حتى ولو كانوا مسجلين، تدفع للتشكيك في ذلك... عمليا، واستنادا على الاحصائيات التقريبية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، يفوق العدد التقريبي للناخبين غير المسجلين في تونس الثلاثة ملايين و500 ألف (3.5 مليون)، على اعتبار أن العدد الجملي للسكان في تونس في آخر نشرية للمعهد صدرت في جويلية 2017 يقدر ب11.435 مليون ساكن. وبما أن عدد السكان الذين تفوق أعمارهم 15 سنة يقدر - حسب احصائيات السكان الصادرة سنة 2014 - بأكثر من 76.3 بالمائة من مجموع السكان، وبما ان سن الانتخاب يبدأ من عمر 18 سنة، واعتبارا إلى أن شريحة السكان العمرية من 15 إلى 59 سنة قدرت سنة 2014 ب64.5 بالمائة، وشريحة السكان العمرية من 60 سنة فما فوق ب11.7 بالمائة، وبتحيين هذه الأرقام يتضح جليا أن عددا كبيرا من الشبان انضموا حديثا إلى ركب الناخبين بعد مرور قرابة خمس سنوات على انتخابات 2014. مهمة صعبة ومهما يكن من امر، فإن عملية تسجيل أكثر من 3.5 مليون ناخب تبدو صعبة للغاية ان لم تكن مستحيلة، فعدد الناخبين المسجلين رسميا في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 والمقدر بحوالي 5 مليون و170 ألف ناخب، تطور لاحقا بنسبة طفيفة للغاية ليرتفع فقط بحوالي 300 ألف ناخب في الانتخابات البلدية التي جرت في 6 ماي 2018، ما يعني أن تسجيل أكثر من 3.5 مليون ناخب غير مسجل للانتخابات التشريعية والرئاسية يعد تحديا كبيرا على اعتبار ان تسجيل الناخبين يتطلب ماديا توفر ميزانية كافية لتحسيس الناخبين بتسجيل اسمائهم. أما تقنيا فالأمر مرتبط بنجاح عملية التدقيق الشاملة والمعمقة للسجل الانتخابي التي أكدت الهيئة أنها شرعت فعلا في تنفيذها، والإعلان عنها في فترة واضحة بعيدة نسبيا عن موعد الانتخابات حتى يتسنى تشخيص العدد الحقيقي للناخبين المسجلين وغير المسجلين وتحيين معطياتهم، ثم ضبط خطة عملية لاستهداف الناخبين غير المسجلين.. لكن، وبما ان عملية التسجيل اختيارية وفقا للقانون الانتخابي، وتتم حاليا فقط بشكل يدوي (وليس آليا) وحصريا وحضوريا بمقرات الهيئات الفرعية للانتخابات، (عدم توفر امكانيات تقنية تسمح بالتسجيل عن بعد مثلا)، فإن نجاح اي عملية تسجيل في الفترة المقبلة ستكون نتائجها حتميا فاشلة خاصة أن روزنامة الانتخابات حددت فترة زمنية قصيرة نسبيا للقيام بعملية التسجيل بستة أسابيع تبدأ يوم 10 أفريل المقبل. سياسيا، تشترك نتائج سبر الآراء في استنتاج تفاقم نسبة عزوف الناخبين للمشاركة في عملية الاقتراع والمشاركة في اختيار ممثليهم من الأحزاب والسياسيين، علما أن انتخابات 2014 حققت معدلات محترمة من عدد الناخبين اذ بلغت 61.8 بالمائة في التشريعية وقرابة 65 بالمائة للرئاسية.. لكن الانتخابات البلدية دقت ناقوس الخطر بما أن نسبة الاقبال نزلت بشكل لافت ومخيف إلى اقل من 37 بالمائة، (شارك فيها مليونا و776 ألفا و154 مقترعا) معظمهم صوتوا لقائمات مستقلة. نتيجة فسرها مراقبون بغضب الناخبين من أداء السياسيين واليأس من وعودهم الانتخابية وصراعهم على السلطة، وهي في النهاية رسالة لمعاقبة الأحزاب والسياسيين لأنهم لم يكونوا في مستوى توقعاتهم او تطلعاتهم بتأسيس واقع أفضل اقتصاديا واجتماعيا.. وترغب الهيئة المستقلة للانتخابات في محو خيبة الانتخابات البلدية بالسعي لتحسين نسبة الاقبال، لكن ومع ضيق الوقت وارتفاع عدد الناخبين غير المسجلين مع وجود نزعة قوية للناخبين على عدم المشاركة في التصويت يبدو الأمل ضعيفا في تحقيق نسبة الاقبال التي سجلت سنة 2014. يذكر أن عدد الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي، يقدر حاليا ب 5 ملايين و369 ألفا و892 مسجلا، استنادا إلى آخر رقم صرحت به الهيئة بمناسبة الانتخابات البلدية. انطلاق التسجيل يوم 10 أفريل بالرجوع إلى الروزنامة الانتخابية التي اعلنت عنها مؤخرا هيئة الانتخابات، تجدر الإشارة إلى أن عملية تسجيل الناخبين بالنسبة للتشريعية تنطلق يوم 10 أفريل 2019 لتغلق يوم 22 ماي 2019 في حين سيغلق باب التسجيل بالنسبة إلى الرئاسيّة يوم 27 جوان 2019. علما أن رئيس الهيئة نبيل بفون أكد خلال اللقاء الإعلامي الذي خصص للكشف عن الروزنامة الانتخابية أن أكبر تحد للهيئة يتمثل في تسجيل أكثر عدد ممكن من ال 3 ملايين من الناخبين غير المسجلين، وفق تقديره. وقال إن الهيئة وضعت لهذا الغرض برنامجا متكاملا عبر تحيين قائمة مكاتب التسجيل وتمكين الناخبين من التسجيل عن بعد للدوائر الانتخابية في الخارج، عبر تطبيقة الواب إلى جانب تواجد أعوان التسجيل في مختلف الأماكن، من البلديات إلى المعاهد والجامعات إلى الفضاءات التجارية... يذكر ان موعد الاقتراع للانتخابات التشريعية حدد داخل الجمهورية التونسية يوم الأحد 6 أكتوبر 2019 وأيام 4 و5 و6 أكتوبر 2019 بالنسبة إلى التونسيين المقيمين بالخارج. أما الانتخابات الرئاسية فستجرى دورتها الأولى يوم الأحد 10 نوفمبر 2019 داخل الجمهورية التونسية وأيام 8 و9 و10 نوفمبر 2019، بالنسبة إلى التونسيين المقيمين بالخارج، وفي صورة عدم حصول أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة خلال الدورة الأولى يتم تنظيم دورة ثانية للانتخابات الرئاسية خلال الأسبوعين التاليين من تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للدورة الأولى، ويضبط موعدها بقرار صادر عن هيئة الانتخابات ولن تتجاوز في كل الحالات 29 ديسمبر2019. رفيق بن عبد الله