دفع رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، إلى الانتخابات الرئاسية، معلنا دعم النهضة للشاهد إذا ما ترشح للانتخابات المُقرر تنظيمها في العاشر من نوفمبر القادم. وقال الغنوشي في تصريحات للصحافيين، على هامش مشاركته في منتدى اقتصادي أفريقي انطلقت أعماله، الثلاثاء، بمدينة الحمامات بشرق تونس، إن "ترشيح حركة النهضة لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد للانتخابات الرئاسية يبقى أمرا واردا". وأضاف بلغة تُبقي الباب مفتوحا على كل الاحتمالات في هذه الفترة الدقيقة، أنه "من الممكن أن يكون يوسف الشاهد مرشح النهضة للانتخابات الرئاسية القادمة". وبدت هذه التصريحات في دوافعها شديدة الارتباط بالأزمة السياسية في البلاد، التي دخلت مرحلة من التجاذبات ازدادت وتيرتها مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. ويأتي توقيت تصريحات الغنوشي عشية القمة العربية في دورتها الثلاثين، التي ستستضيفها تونس في نهاية الشهر الجاري، وبعد زيارته المكوكية لتركيا وقطر، التي يبدو أن نتائجها لم تكن في مستوى تطلعاته. ووصف مراقبون تونسيون رهان الغنوشي على الشاهد، بمجرد رسائل سياسية لا يمكن فصلها عن سياق التطورات مُتعددة الأبعاد داخليا وإقليميا ودوليا، تُريد حركة النهضة من خلالها تشتيت التركيز على دورها في إدخال المشهد العام في البلاد في دوامة من الارتباك الشديد على مستوى الأولويات التي يتعين الاهتمام بها. ويُنظر إلى مضمون تلك التصريحات، على أنه يحتمل تفسيرات مُتعددة ومتناقضة ومتضاربة مع رهانات البعض من قادة حركته، وخاصة منهم عبداللطيف المكي، الذي لم يستبعد قبل يومين، إمكانية دعم حركة النهضة لأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد خلال الانتخابات الرئاسية. ولم يتردد المكي في تصريحات إذاعية بُثت، الاثنين، في الدفاع عن قيس سعيد الذي أعلن رسميا ترشحه للاستحقاق الرئاسي القادم، قائلا إن "قيس سعيد لديه من النزاهة والتحصيل الثقافي والأكاديمي ما يخوله لتولي منصب رئيس الجمهورية". وعلى وقع هذا التضارب في الرهان، تبدو تصريحات الغنوشي ليست مُرتبطة فقط بما ذهب إليه المكي، الذي يُعد واحدا من قيادات النهضة الذين يدعون علنا إلى التفكير من الآن في بديل عن الغنوشي لرئاسة الحركة، وإنما أيضا مرتبطة بتصريحات رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، التي قلل فيها من دعم حركته ليوسف الشاهد. واعتبر الهاروني أن دعم حركة النهضة لرئيس الحكومة "كان مشروطا"، وأن حركته "نبهته عند تكوينه لحزب تحيا تونس، أنه من حق كل واحد تكوين حزب.. فنحن في بلاد الحرية والديمقراطية، ولكن لا أحد يستعمل الإدارة وأجهزة الدولة لخدمة حزب أو لخدمة مرشح في الانتخابات". ويعكس هذا التضارب في تقدير الموقف، وفي اختيار الشخصية السياسية التي يمكن الرهان عليها في الاستحقاق الرئاسي القادم، حجم الخلافات الداخلية في صلب حركة النهضة التي سبق لها أن أكدت في بيانات متتالية على أنها "معنية بالانتخابات الرئاسية، وستشارك فيها" دون الإفصاح عن مرشحها. وتدفع هذه القراءة باستنتاجات مُرتبطة أساسا بعمق تلك الخلافات وبخارطة الأولويات السياسية التي تحكم تحركات حركة النهضة، وهو ما دفع القيادي في حركة نداء تونس، البرلماني منجي الحرباوي، إلى القول إنه لم يستغرب ما جاء في تصريحات الغنوشي، لتقاطع دوافعها مع المعادلات السياسية المُتغيرة في البلاد. وقال الحرباوي ل"العرب"، إن "التحالف الاستراتيجي الحالي بين حركة النهضة والشاهد الذي برز على أنقاض القطيعة التي حدثت لها مع حركة نداء تونس، يجعلني لا أستغرب مثل هذه المواقف، ومثل هذا الدعم إن تم التعبير عنه بشكل ملموس على ميدان المنافسات الانتخابية القادمة". وربط البرلماني التونسي موقفه بالوضع الراهن الذي تمر به حركة النهضة داخليا وإقليميا ودوليا، وذلك في علاقة بالمُتغيرات غير المحسومة بمستقبل جماعة الإخوان المسلمين، حيث قال إن "الجميع يُدرك أن حركة النهضة بصدد البحث عن شخصية سياسية لاستخدامها كعكاز يُساعدها على تجاوز العاصفة الحالية التي تضرب جماعة الإخوان والتنظيمات المُتفرعة عنها". واعتبر أن تلك التصريحات تُشير بوضوح إلى أن راشد الغنوشي وجد في الشاهد العكاز الذي يمكن أن يتكئ عليه في هذه المرحلة، بما يُساعد على تقوية حركة النهضة، وحمايتها من ارتدادات العواصف التي تضرب التنظيمات الإخوانية، وذلك في إطار تحالف استراتيجي مع حركة تحيا تونس. ويجد هذا الربط الذي قدمه الحرباوي، ما يُبرره في سياق قراءة تصريحات الغنوشي، لاسيما تلك المُتعلقة بالوضع الداخلي لحركته، وبالتالي فإنه أراد من خلالها كبح الاندفاعات التي تبرز بين الحين والآخر دعما لهذه الشخصية أو تلك، والتخفيف من الحماسة التي يبديها البعض من أعضاء حركته في الاستجابة لدعم مرشح آخر غير الشاهد.(العرب)