بحصوله على 22 مقعدا في الانتخابات التشريعية الأخيرة نجح التيار الديمقراطي في الظفر بمكانة القوة الثالثة تحت قبة البرلمان، نتائج مكنت حزب محمد عبو من أريحية التفاوض حول تشكيل الحكومة القادمة وهامش كبير من المناورة شرع الحزب مباشرة في حسن استثمارها سويعات قليلة بعد اعلان نتائج الانتخابات. هذه المكانة السياسية والبرلمانية المتقدمة التى جعلت التيار تحت الأضواء وفي قلب حسابات التحالفات القادمة لا سيما لدى حركة النهضة الحاصلة على المرتبة الأولى فقط ب52 مقعدا، لا تحجب تحديات كبرى أمام حزب الدراجة الذي يقف في مفترق طرق لتحديد مستقبله السياسي في أفق 2024 وما بعده. يراقب الجميع وبكل انتباه في الآونة الأخيرة تصريحات قيادي التيار الديمقراطي حول موقف الحزب من التحالفات السياسية الممكنة، حيث يسيطر إلى حد الآن التوجه الرافض للدخول في حكومة ترأسها حركة النهضة إلى جانب مواصلة التمسك بشروط الأمين العام للتيار محمد عبو الذي سارع بعد أقل من 24 ساعة من إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية، إلى ضبط حدود مشاركته في الحكومة القادمة بالحصول على حقائب الداخلية والعدل والإصلاح الإداري. ويبدو التيار في خياره التصعيدي مدفوعا بهاجس أو فوبيا الخوف من لعنة التحالف مع حركة النهضة والانتهاء إلى مصير شبيه بمن سبقوه إلى تلك الخطوة كالتكتل والمؤتمر من أجل المجمهورية سابقا والنداء. وإلى جانب محاولة الاتعاض من دروس تجارب الآخرين تتشكل اليوم خلف التيار موجة تحذير من خطوات غير محسوبة العواقب تقودها بعض الأصوات المعارضة للنهضة والتيارات السياسية القريبة من التيارالديمقراطي على اعتباره من العائلة الوسطية الإجتماعية الديمقراطية وترى نفسها فيه أو ربما هو أملها الأخير، بعد نتائجها المخيبة في الانتخابات، في التأسيس لقوة سياسية ثانية أو أولى لما لا في الانتخابات القادمة. مسار المراكمة الإيجابي بالنظر إلى مسار ومسيرة التيار الديمقراطي على امتداد سنوات الانتقال الديمقرطي ومنذ تأسيسه في 03 ماي 2013 عن طريق عضو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية السابق محمّد عبو وحتى قبل ذلك بقليل فإن العنوان الأبرز لهذه المراحل هو «مسار المراكمة الإيجابي». فقد استفاد الحزب رمزيا واعتباريا من استقالة مؤسسه محمد عبو من حكومة الجبالي بعد الثورة وأسبابه التى كشف عنها في الإبان وهي عجزه عن الإصلاح في ظل تيار ممانعة تقوده النهضة وحلفائها حينها. وظفر التيار بثلاثة مقاعد في انتخابات 2014 التى تبدو ظاهريا نتائج متواضعة لكن بالنظر إلى حداثة تكوين الحزب (قبل سنة تقريبا من الموعد الانتخابي) ومحدودية الامكانيات مقارنة بمكاينات وقدرات الأحزاب المشاركة(نداء تونس والنهضة والجبهة) وبالنظر أيضا إلى صعود الحزب في دوائر انتخابية هامة وذات ثقل على غرار تونس وبن عروس وصفاقس، فإن نتائج التيار في انتخابات 2014 تعد مهمة وبداية للصعود الثابت للحزب في المشهد السياسي والحزبي. نجح التيار أيضا في الانصهار مع التحالف الديمقراطي في 15 أكتوبر 2017، كتجربة فريدة في سياق فشلت فيه جميع مشاورات ومسارات الانصهار الأخرى التى اصطدمت بمرض الزعامة الذي فتك بكل التحالفات والجبهات السابقة وقبر نهائيا قامات سياسية وازنة ولها تاريخ نضالي. وكان الانصهار خطوة تحسب لمحمد الحامدي الامين العام السابق للتحالف الديمقراطي كما مثلت لبنة مفصلية في دعم المسار المشترك تحت عنوان التيار الديمقراطي. إختلاف في العرض السياسي في مسيرته نحو إعادة تشكل المشهد السياسي والحزبي في تونس، برز التيار خلال العهدة الانتخابية الماضية بوجه مغاير لبقية مكونات الساحة السياسية والحزبية في البلاد وصنع تفرده أساسا عبر الممارسة الديمقراطية داخله وذلك من خلال تقديم عرض سياسي وخطاب مختلف تحت قبة البرلمان وفي وسائل الإعلام لا يصنفه كحزب ثوري لكنه يضعه في خانة المدافعين على خيارات ثورية. وقادت القيادية والنائبة سامية عبو الخيار المتفرد للتيار في مجلس نواب الشعب بخطابها المعادي للفساد والمفسدين والبحث عن إثارة شبهات ملفات فساد في مناخ تشكلت فيه قناعة راسخة لدى الراي العام عن استفحال وانتشار الفساد في الأحزاب وفي الممارسة السياسية برمتها. وتمكنت سامية عبو من كسب شعبية ترجمتها نتائجها المتقدمة في مختلف سبر الأراء التى سبقت الانتخابات الأخيرة. في المقابل قاد الأمين العام السابق غازي الشواشي خطاب الاتزان والهدوء في التحاليل في حضوره في المنابر الإعلامية. وحرص التيار طيلة الفترة النيابية الفارطة على تحصيل نقاط لصالحه من خلال تقديم جملة من المبادرات التشريعية بمفرده أو مع جبهة المعارضة على غرار المبادرة التشريعية حول التصريح بالمكاسب ومبادرة حول تنظيم قطاع شركات سبر الآراء.. منعرج البلديات كما كانت نتائج التيار في الانتخابات البلدية بمثابة المنعرج بعد حصوله على المرتبة الثالثة بعد حركة النهضة ونداء تونس. وحقق التيار الفوز في كل البلديات التي تقدّم فيها وظفر بواحدة من أكبر وأهم البلديات في تونس وهي صفاقس1. وتجاوز فيها الحزب مرحلة النشأة والتأسيس والتموقع وكانت اختبارا لمكانة الحزب ومحطة استباقية للانتخابات التشريعية وربما لو لم يدفع التيار ضريبة موقفه المساند لمسألة المساواة في الميراث التى خسر فيها أصوات عدد من المحافظين لكان موقعه في البرلمان القادم أفضل بكثير. هذه المحطات التى مر بها التيار الديمقراطي تجعله اليوم يفكر ألف مرة قبل تحديد وجهته على امتداد الخمس سنوات المقبلة بما فيها دخوله للحكومة وتحالفه مع حركة النهضة أو بقاؤه بعيدا عن محركة الحكم والسلطة والإلتحاق بكرسي المعارضة. وإن كان للمشاركة في الحكومة ضريبتها فإن قراءات أخرى تعتبر البقاء خارج دائرتها لا يخلو من تداعيات سلبية ولا يعد ضمانة للمحطات القادمة ولا أدل على ذلك من مثال الجبهة الشعبية التى تمترست وراء خيار الرفض والمعارضة في 2014 رغم حصولها على المرتبة الثالثة حينها، ورغم ذلك كانت نتائج الانتخابات الأخيرة مخيبة لأمال الجبهاويين ولنضالات اليسار عموما. فأي الخيارات والطرق ستسلكها دراجة التيار الديمقراطي؟ وهل ستصل الى المحطات القادمة بأخف الأضرار؟ منى اليحياوي