يبدو أن الحزب الفائز بالانتخابات التشريعة وجد نفسه اليوم أمام مهمّة صعبة لتشكيل تحالف برلماني يُصبح بمقدوره الأخذ بزمام الأمور والحكم منذ الأسابيع الأولى من تنصيبه في ظلّ النتائج الأولية التي أعلنت عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. هذا التحالف البرلماني القوي يستوجب جمع الأغلبية المطلقة من النواب سواء كانوا كتلا برلمانية حزبية وائتلافية أو مستقلين حتى يتحصّل على الأقل على 109 نائب لانتخاب رئيس للبرلمان ونائبيه ومن ثمة تكوين الحكومة الجديدة. أوضح الدستور الجديد وأيضا النظام الداخلي لمجلس النواب الشعب هذه المسائل بكلّ تفاصيلها حيث سيكون أمام المجلس «مارطون» من الجلسات التنظيمية قبل أن يبدأ أشغال جلساته العامة الفعلية وسير أعماله العادية في اللجان القارة واللجان الخاصة واللجان الخاصة غير القارّة. إجراءات تكوين الحكومة !!! هذه الجلسات الأولى رتّبها النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب من الفصل السادس إلى الفصل الخامس عشر، فحسب الفصل 6 يعقد المجلس «دورة عادية تبتدئ خلال شهر أكتوبر من كل سنة وتنتهي خلال شهر جويلية، على أن تكون بداية الدورة الأولى من المدة النيابية لمجلس نواب الشعب في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية» أي في هذه الحالة من الممكن أن تنعقد أولى جلسات البرلمان في موفى شهر نوفمبر القادم. المسائل التنظيمية حول الجلسات واللجان وغيرها لن تكون حجر عثرة في سير الأعمال، ما سيكون عقبة حقيقية هو تكوين التحالف البرلماني الذي سينتخب رئيس المجلس ونائبيه وفي ما بعد تشكيل الحكومة والمصادقة عليها. فعلى الفائز بأكثر عدد من المقاعد في البرلمان أن يُشكّل الحكومة، أي هنا من المفترض على حركة النهضة الحاصدة ل52 مقعدا أن تُشكّل حكومتها لكن تمريرها يستوجب 109 أصوات، أي أنّ ذلك يفترض تحالفات لجمع هذه الأصوات. من سيتحالف مع من ؟؟؟ الفصل 89 من الدستور نصّ على أن يُكلّف رئيس الجمهورية مرشح الحزب المتحصل على أكبر عدد من المقاعد النيابية بتشكيل الحكومة ويتولى القيام بهذه المهمة في أجل شهر قابل للتجديد مرة واحدة. وإن لم تتمّ المصادقة على الحكومة الجديدة في أجل شهرين يقع المرور إلى المرحلة الإجرائية الثانية وهي أن يتولى رئيس الجمهورية تعيين الشخصية الأقدر لرئاسة الحكومة ويمكن أن تكون من خارج الأحزاب والكتل البرلمانية، يقع تكليف هذه الشخصية بتشكيل الحكومة في أجل أقصاه شهر ثم يتجه إلى البرلمان للحصول على الأغلبية. فإن تحصلت الحكومة على تزكية البرلمان ونالت الثقة انتهى الإشكال وإن كان الأمر عكس ذلك في هذه الحالة نصّ الدستور على إمكانية حلّ البرلمان من طرف رئيس الجمهورية والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في حال عدم تشكيلها بعد 4 أشهر من الانتخابات. هذا السيناريو وارد وفق العديد من المحللين والمراقبين، لذلك بدأت المساعي على قدم وساق لتكوين التحالفات اللازمة والضرورية لنثر العقبات وإزالة الحواجز أمام «البلوكاج» المحتمل، فحركة النهضة أمام مأزق حقيقي لتشكيل حكومتها. التحالفات الممكنة إذن إمّا ستكون وفق الانتماء الفكري أو ستكون تحالفات إستراتيجية ستبسطها طبيعة الأحداث وستفرضها كما يُقال استحقاقات المرحلة كما كان الأمر طيلة الخمس سنوات الماضية. كيف سيكون المشهد في البرلمان؟ البديهي في المسائل وفي كلّ ديمقراطيات العالم أن يشمل البرلمان ائتلافا حاكما ومعارضة، فمن من الأحزاب سيكون في الشقّ المعارض ومن سيلتف حول حركة النهضة في حزامها السياسي؟ بعض الأطراف الحاصدة لعدد لا يُستهان به من المقاعد قد أعلنت عن مواقفها وحسمت أمرها مبدئيا باعتبار أنّ في السياسة كلّ شيء وارد وفق تجربة التوافق «الصدمة» بين النهضة والنداء في الانتخابات التشريعية الماضية. فرئيس حزب قلب تونس نبيل القروي المتحصّل على 38 مقعدا أكّد خلال المناظرة التلفزية التي انتظمت مساء الجمعة 11 أكتوبر الجاري أنّه «لن يتحالف مع حركة النهضة»، بدوره صنّف حزب تحيا تونس الحائز على 14 مقعدا نفسه ضمن المعارضة، أيضا الحزب الدستوري الحرّ 17 مقعدا، مشروع تونس 3 مقاعد، حزب البديل 3 مقاعد، بشكل يكون معه مجموع مقاعد المعارضة 79 مقعدا وفي حال انضم إليهم حزب التيار الديمقراطي ب22 مقعدا تصبح المعارضة ّ»جاذبة» لأحزاب وازنة بمجموع101 مقعد. فماذا بقي لحركة النهضة لتكوين التحالفات القادمة؟. بقي لحركة النهضة، 52 مقعدا، كلّ من ائتلاف الكرامة 21 مقعدا وحركة الشعب 16 مقعدا وحزب الرحمة 3 مقاعد أي 92 مقعدا في المجمل وهنا ستكون الحركة أمام مأزق حقيقي لتشكيل حكومتها. وقد ينقذها من هذا المأزق حزب التيار الديمقراطي الحائز على 22 مقعدا في حال تنفيذ شروطه وألا يكون انضمامه صوريا ذلك أنّ أمينه العام محمد عبو طلب الحصول على حقائب وزارات الداخلية والعدل والوظيفة العمومية، من أجل القيام بالإصلاحات الفعلية. وبالتالي سيناريوهان محتملان الأوّل ائتلاف حزبي هشّ في صورة موافقة التيار الديمقراطي لن تتجاوز حصيلته 114 مقعدا، لتكون المعارضة في المقابل ب79 صوتا وستمثّل تهديدا مباشرا لتكوين الحكومة وان تمّ تجاوز تشكيل الحكومة من أجل مصلحة البلاد فإنّ المعارضة قد تمثل حجر عثرة أمام تمرير مشاريع القوانين. أما السيناريو الثاني تشكيلة معارضة ب101 مقعد مقابل ائتلاف برلماني «حاكم» ب92 مقعدا فحسب سيجد نفسه ك «المتسابق» في «مارطون» رياضي للفوز بالمرتبة الأولى وأمام وضع التحالفات انتهازية من أجل الظفر بحقائب وزارية في الحكومة الجديدة. خلاصة القول تشكيل الحكومة لن يكون سهلا، إذ أنه يفترض تجميع تحالف من خمسة أحزاب أو أكثر لتشكيل أغلبية برلمانية مريحة، ما يعني أن الائتلاف الحكومي قد يكون هشا، وقد تكون العودة إلى «التوافق حول حكومة وحدة وطنية هي مسألة وقت ستفرضها الأحداث لاحقا.