في حركة ديبلوماسية مفاجئة قام محمد بن محمود العلي سفير المملكة العربية السعودية بزيارة لمجلس نواب الشعب والتقائه برئيس المجلس راشد الغنوشي. واذ تبدو الزيارة بروتوكوليا أمراً عاديا غير ان سياقات العلاقة بين الغنوشي كزعيم "إسلامي محسوب على المعسكر القطري التركي"، قد يحول هذا اللقاء من معطى ديبلوماسي عادي لمعنى سياسي محمل بالرسائل لعدة اعتبارات. من المجاملة إلى ترميم ما سبق... فزيارة السفير محمد بن محمود العلي هي اول زيارة للسيد لراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة منذ توليه منصبه الجديد كرئيس منتخب لمجلس نواب الشعب في دورته الجديدة منذ اسبوعين، وهو ما يعني سعي الطرف السعودي للتقارب المؤسساتي مع ابرز مؤسسة ديمقراطية في البلاد. واذ يرى البعض ان اللقاء لا يعدو ان يكون سوى مجاملة ديبلوماسية، فان آخرين يَرَوْن ان اللقاء قد يكون مدخلا لترميم العلاقات بين النهضة من جهة وبين سفارة السعودية في تونس على اعتبار ان توقيت الزيارة يطرح اكثر من سؤال وهو ياتي في اعقاب الانتخابات التشريعية والرئاسية في البلاد. وللتذكير فانه حين تولى محمد الناصر رئاسة البرلمان في شهر نوفمبر 2014 فقد كان اول لقاء له مع سفير المملكة العربية السعودية في تونس بتاريخ 23 جويلية 2018 أي بعد نحو 4 سنوات من تولي الناصر دفة القيادة في باردو في حين ان السفير السعودي التقى الغنوشي بعد اقل من شهر من انتخابه كرئيس للبرلمان. وقد ارجع متابعون للشان العام هذه السرعة في الزيارة مقابل تأخرها في علاقتها بمحمد الناصر الى الطبيعة القيادية والدولية للغنوشي حيث من الواضح ان هذا العنصر قد اسهم بشكل كبير في التعجيل بهذا اللقاء، على انه قد يكون من المهم التوضيح ان الناصر لم يكن زعيم نداء تونس ثم ان العلاقات بين الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي والعاهل السعودي كانت متينة.. وقد استقبل رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي امس الجمعة بقصر باردو، محمد بن محمود العلي، سفير المملكة العربية السعودية بتونس، "الذي أبلغه تهاني الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بمناسبة انتخابه لرئاسة البرلمان وانطلاق أشغاله"، حسب ما صرح به الضيف. وحسب بلاغ للمركز الإعلامي بالمجلس، أكد رئيس المجلس عمق علاقات الأخوّة والتعاون بين الشعبين التونسي والسعودي والحرص المشترك بين قيادة البلدين على مواصلة دعمها وتعزيزها على جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات. وبيّن السفير السعودي أهمية تعزيز التعاون بين مجلس نواب الشعب ومجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية، ودفع الشراكة بينهما على مستوى تبادل الخبرات والتجارب، حسب البلاغ نفسه. وياتي سياق اللقاء بعد القطيعة المعلنة بين الطرفين حيث لم يشارك رئيس حركة النهضة قبل انتقاله الى البرلمان سوى مرة واحدة في احد الأعياد الوطنية السعودية بمقر السفارة، كما كان موقف حركة النهضة الرافض لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العام الماضي متقاطعا مع الموقف الشعبي في علاقته باغتيال الصحفي جمال خاشقجي والحرب المستمرة في اليمن في اطار ما يعرف "بعاصفة الحزم" العسكرية. وقد زادت حدة التوتر بين الجانبين على خلفية الكلمة التي القاها راشد الغنوشي خلال الندوة السنوية الثانية للحركة السنة الماضية والتي شبه فيها عملية اغتيال خاشقجي بما حصل لمحمد البوعزيزي وهو ما اثار غضب السعودية التي سارعت لإحراج النهضة باستقبال وفد عن نداء تونس يتقدمه حافظ قائد السبسي وسفيان طوبال آنذاك لتعلن بذلك المملكة عن حليفها الجديد بتونس. سلبية الموقف السعودي من النهضة ظهر اكثر من خلال تعليقات الاعلام المحسوب على الطرف السعودي والإشارات المتواترة مؤخرا بتورط الحزب في ما بات يعرف "بالجهاز السري لحركة النهضة" وهو ما نقلته قناة العربية والتي كانت محور قضية رفعتها الحركة ضد هذه المؤسسة الإعلامية. وتبدو زيارة السفير السعودي الى البرلمان فرصة لتدوير الزوايا الحادة وذلك بعد أن بدأت المملكة في انتهاج سياسة براغماتية تقوم على التقليص في عدد البلدان الرافضة لها نتيجة حربها في اليمن وحصارها لدولة قطر واساسا استعداد السعوديين لقيادة الدول العربية في معركتها ضد إيران. ومن الواضح أن محاولات الانفتاح السعودي على تونس ليس بالأمر الطارئ بالنظر إلى علاقة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي بالملك سلمان واساسا حضوره شخصيا في القمة العربية المنعقدة في مارس الماضي بتونس. بيد أن مؤشر العلاقات الاقتصادية السعودية التونسية مازال بعيدا جدا مقارنة بالاسثمارات القطرية في بلادنا، فقد حافظت دولة قطر على موقعها الريادي كأول مستثمر عربي في تونس محتلة المرتبة الأولى من حيث تدفقات الاستثمارات العربية المباشرة نحو تونس سنة 2019. وناهزت الاستثمارات القطرية المباشرة 479 مليون دينار، أي نحو 159 مليون دولار، صعوداً من 83.18 مليون دينار، أي زهاء 27 مليون دولار سنة 2018. وبالتالي فقدتضاعفت الاستثمارات القطرية في تونس أكثر من 8 مرات مقارنة بعام 2017 و2018 بفضل الشراكات الاقتصادية المتقدمة. اما عن نسبة الاستثمارات السعودية في تونس فقد وصفها نائب رئيس منظمة الأعراف حمادي الكعلي قائلا:"إن حجم الاستثمارات السعودية في تونس مخجل وضعيف جدا أو لا يكاد يذكر"، على حد تعبيره. خليل الحناشي