- مزيد بلورة وتحقيق مبدإ الحق في الثقافة وتكريس اللامركزية الثقافية تم ليل اول امس الأربعاء 19 فيفري 2020 الاعلان عن أعضاء الحكومة التي اقترحها رئيس الحكومة المكلف الياس الفخفاخ وكانت من بين المجموعة السيدة شيراز العتيري التي اختيرت لمنصب وزيرة للشؤون الثقافية وفي انتظار تعيين جلسة المصادقة على هذه الحكومة برلمانيا - ونعتقد انها ستمر نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها تونس على جميع الأصعدة -. ولأن هذه الحكومة ستمر فمن المفيد ان نذكّر بان وزارة الشؤون الثقافية هي أيضا وزارة سيادة وانها من اخطر الوزارات لا لأنها تحارب الإرهاب والعنف فقط منذ تسع سنوات وانما أيضا لأنها تشكل عقل التونسي وتحافظ على الهوية التونسية. هذه الوزارة المهمة تحتاج الى الكفاءة ولصدق النوايا وللعمل الجاد والدؤوب من اجل فتح الملفات العالقة فيها وهي للأسف كثيرة. طبعا من بين هذه الملفات ما تولى الوزير محمد زين العابدين ومن سبقه من وزراء الثقافة حلحلتها وتقدموا بها خطوات إيجابية ومن بينها ما تعذر الوصول بها الى بر الأمان او حتى وضعها على الطريق. تماما مثلما بنيت بعض الإنجازات التي نراها مهمة على أسس آيلة للسقوط وغير صلبة وقد لا تصمد اذا تم التمعن في طريقة عملها ومدى حاجة التونسي اليها ومن المهم اليوم وضعها موضع السؤال لتحقق أهدافها . ميزانية ضعيفة واعتماد العدل بين الفنون ضروري والحقيقة ان كل الفنون يعاني أصحابها والمنتمون اليها من مشاكل عديدة لم يتمكن الدعم وحده من حلها لأنها اعمق واقدم من ان تحل بالميزانية الضعيفة لوزارة الشؤون الثقافية ولا برسم الاستراتيجيات على مائدة متحركة لان العمل اليومي وما يفرزه من مشاكل يومية واحيانا أولويات كثيرا ما يجعلنا نسبق الأهم على المهم وننسى ان نعود لما ابقيناه في الانتظار.. هذه الميزانية الضعيفة سببت لكل الوزراء السابقين الكثير من المشاكل وكثيرا ما خلق توزيعها بين الفنون والتظاهرات والمهرجانات أزمات .. ولم تكن لتساعد على حل المشاكل الجوهرية وهي مشاكل البناء والتأسيس ورسم الخرائط والاستراتيجيات وبناء ثقافة التعويل على الذات والدخول بالثقافة بجميع مجالاتها الى عالم التصنيع وإقناع المستثمرين بضخ أموالهم فيها ومساعدة أهلها ماديا ومعنويا على بلورة أفكارهم ورؤاهم للنهوض بالثقافة التونسية الجادة التي تصنع عقلا متفتحا على الآخر ممنهجا يعتمد على المنطق ويحب تونس ويعلم المتلقى حبها وطريقة النهوض بها.. عقل يحترم قيمة العمل ويحافظ على الملك العمومي وعلى نظافة الشارع لان الشارع وما فيه في النهاية ملك للمواطن مثل منزله وأثاثه ..عقل يبني على أسس صلبة تحترم الرواسخ الثابتة للمجتمع التونسي دون السقوط في وحل الرجعية والبكاء على الأطلال وتأليه الماضي ..عقل يؤمن بان عمله مهما كان صغيرا سينهض بتونس ويمكن ابناءها من مستقبل افضل . والميزانية الضعيفة هي اول مشكل خطير سيكون على الوزيرة الجديدة شيراز العتيري مجابهته والنضال من اجل الترفيع فيها والتخطيط الجيد لتوزيعها بالعدل والقسطاس بين كل الفنون والقطاعات ذات الصلة بالعمل الثقافي. حب السينما نعم ولكن على ألا يحجب عثرات بقية القطاعات المريضة ولان الناظر للسيرة الذاتية للوزيرة الجديدة يجد انها أستاذة جامعية وباحثة في علوم الإعلامية بجامعة منوبة، متحصلة على شهادة الدكتوراه في الإعلاميّة من المدرسة الوطنيّة لعلوم الإعلاميّة، وصاحبة شاهدتين في التّأهيل الجامعي من جامعة لوران بفرنسا ومن جامعة منوبةبتونس. ويجد أيضا انها تولت مهام مديرة للمعهد العالي لفنون الملتيميديا بجامعة منوبة من وشغلت خلال الفترة المتراوحة بين جوان 2017 ونوفمبر 2019 خطّة مديرة عامّة للمركز الوطني للسينما والصورة. فان هذا الناظر سيعرف بالضرورة ان السيدة شيراز العتيري خلال مدة ترأسها للمركز الوطني للسينما والصورة تعرفت جيدا على قطاع السينما وعلى مشاكل اهله . ولعل شغفها بالسينما قد تطور وكبر وهي التي تمكنت من ربط علاقات صلبة باهل القطاع في تونس من مخرجين ومنتجين و موزّعين و جمعيات ونقابات وعاملين صلب المركز الوطني للسينما والصورة وكذلك في الخارج حيث توسعت دائرة علاقاتها ابان اتمامها لبرنامج دورة 2019 لأيام قرطاج السينمائية ونجاحها في انقاذ الأيام بعد وفاة الراحل نجيب عياد قبل مدة وجيزة من انطلاقها . نجاح جعل مركز السينما العربية يمنحها جائز ة ‹›شخصية العام للسينما العربية››، التي تقدّمها مجلة ‹›هوليود ريبورتر›› ‹›اعترافا بمساهمتها في تطوير صناعة السنيما في تونس. إضافة إلى دورها في هيئة المراكز السينمائية العربية وإدارتها بنجاح لموقعها مع حفاظها على المال العام. لذا لا باس من ان تعمل الوزيرة الجديدة شيراز العتيري على إتمام المشروع الاصلي للمركز الوطني للسينما والصورة، لأنه حسب ما يقول المخرجون والمنتجون الذين تعاملوا معها مشروع تشاركي إصلاحي حامل لإشعاع وطني ودولي للسينما التونسية.. ولا باس من ان تهتم بمشاكل القطاع ككل وبالإصلاحات الاستراتيجية لمصلحة السينما التونسية وبمقترح مرسوم 717 لتنظيم تمويل الإنتاج السينمائي. قطاع نشر وتوزيع الكتاب وحقوق المبدع المهدورة شيراز العتيري وخلال مسيرة سنوات قليلة تعرفت على كل عثرات السينما التونسية عن قرب ولكن لا يجب ان يكون ذلك على حساب الاهتمام ببقية القطاعات التي مازالت رغم المجهودات التي بذلها الدكتور محمد زين العابدين وما اقترحه من حلول للنهوض بها ترزح تحت ثقل البيروقراطية والمشاكل وانقسامات اهل القطاع وخلافاتهم التي تعيق عمل الجميع وتعطل النهوض بالثقافة التونسية بصفة عامة. ومن القطاعات المنكوبة نجد قطاع النشر الذي مازال يلاقي الصعوبات في ترويج الكتاب داخليا وخارجيا رغم تأسيس التظاهرات التي توفر السوق الداخلية وتحلحل أزمات دور النشر . ومازال الشعراء وكتاب الرواية والقصة القصيرة والدراسات النقدية يحسّون بالغبن لانهم لا ينالون من تعب الليالي الطويلة في الكتابة والبحث والتدقيق والتحقيق الا نسخا قليلة من كتبهم ودواوينهم لإهدائها للإعلاميين على أمل ان تحظى بخبر عن صدورها.. كتاب يدفعون الأموال من قوت عائلاتهم لنشر كتب لا تعود عليهم بأية فائدة مالية و أحيانا حتى الفائدة المعنوية تغيب بتغييب الادباء وبعض المؤسسات والهياكل الثقافية عن بعض التظاهرات الثقافية الكبرى وبالاستهانة بمكافآتهم المالية . ويزداد الطين بلة عندما لا تشتري مصالح الوزارة نسخا من هذا الكتاب اذا طبع على النفقة الخاصة ويوجه كل الدعم للناشر وحده. ملف الديبلوماسية الثقافية وتدريس المسرح في المدارس هناك ملفات لا بد من مزيد العمل عليها مثل ملف الديبلوماسية الثقافية وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة و حوكمة قطاع الثقافة ومتابعة ملف الإصلاحات التشريعية في المجال الثقافي وتأهيل المؤسسات الثقافية وتوفير ما يلزمها من تجهيزات ضرورية ومزيد تطوير العلاقة مع وزارة التربية من اجل النهوض بالكتاب والمطالعة وتدريس المسرح في المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية وتدريس الفلسفة للأطفال ومع وزارة السياحة من اجل إضافة مسالك سياحية ثقافية جديدة وتطوير العلاقة مع الهيئات الدستورية ووو... لا بد أيضا من إعادة فتح ملف التظاهرات الكبرى و المهرجانات الثقافية الكثيرة العدد والموسومة في اغلبها بالخواء والسطحية من الدولية الى الجهوية وصولا الى المحلية وطريقة استفادة الفنانين منها ومواعيد دفع مستحقاتهم.. وزيرة الثقافة مطالبة اليوم بمزيد بلورة وتحقيق مبدأ الحق في الثقافة وتكريس اللامركزية الثقافية ومواصلة البرامج والمشاريع التي انطلق العمل عليها قبل توليها مقاليد وزارة الشؤون الثقافية وخاصة منها البرامج التي تساعد على التنمية وتوفير مواطن الشغل في الحقل الثقافي ومزيد تشجيع المبادرة الثقافية وخاصة لدى الشباب والصناعات الإبداعية والتجديد التكنولوجي لتكون رافدا أساسيا للاقتصاد. طبعا لا يمكن ان ننكر إنجازات السابقين ومحاولاتهم حلحلة الشأن الثقافي المعقد جدا كما لا يجب ان نغطي على اخفاقاتهم. والإنجازات السابقة لا يجب ان نحيدها جملة وتفصيلا خاصة اذا ثبتت أهميتها ..هذه يجب ان نحتفظ بها ونضيف لها .اما التي لم تثبت نجاعتها فلا باس من إعادة التفكير فيها لتتجسد أهدافها ويظهر بعدها اللامركزي جليا ليكون الحق في الثقافة في كامل تراب الجمهورية واقعا ملموسا .المهمة عسيرة ولكنها ليست مستحيلة بإمكان السيدة الوزيرة ان تقدم ما تقدر عليه وان تبني على الأساس الصلب ويبقى الأهم هو ان لا يبدأ التاريخ يوم تنصيبها ففي التاريخ ما هو ناجع ومهم وما نعتز به ونذكر أصحابه بخير . علياء بن نحيلة