قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتحليق طائرات استطلاع أمريكية فوق سوريا، يعني أن الأمريكيين قرروا معاقبة تنظيم الخلافة الإسلامية، داعش، على قتله المصوّر الصحافي الأمريكي جيمس فولي، فقرار الرئيس جاء بعد أيام قليلة من قتل الرجل وعرض صوره في الإعلام الأمريكي وحول العالم. بدا الرئيس الأمريكي واضحاً وهو يربط بين تصفية جيمس فولي وقراره، فبعدما تحدث عن قتله في خطاب أمام المحاربين القدامى، قال أوباما "إن الولاياتالمتحدة ستتابع اتخاذ إجراءات مباشرة عند الضرورة لحماية مواطنيها وأراضيها"، وهذا ما يفتح الباب أمام احتمالات عسكرية عديدة في سوريا. تحديد مواقع داعش جويا ويعتبر محللون استراتيجيون في واشنطن مثل أنطوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الهدف الأهم وراء بدء استطلاع جوي في سوريا "هو التأكد من صحة ودقة المعلومات الاستخبارية الأولية" التي ينقلها أشخاص أو أقمار اصطناعية. وستوفّر هذه الطلعات الجوية رؤية أفضل لمواقع "داعش" داخل سوريا وترصد تحركاتها في منطقة شاسعة تمتد من حلب إلى الرقة وشرق سوريا وصولاً إلى العراق. تجربة سد الموصل ويتشجع الأمريكيون في هذا الوقت من تجربتهم في العراق، فقد بدأ الطيران الأمريكي استطلاعاته الكثيفة منذ سقوط الموصل إلى أن سيطر التنظيم على سنجار وسدّ الموصل. وخلال هذه الأسابيع تمكّن الأمريكيون من تكوين صورة أفضل للتنظيم وحركته على الأرض، وعندما شعروا أن عليهم أن يأخذوا خطوات حاسمة لردع "داعش" وإبعادها من مرفق حيوي وعن حدود أربيل، بدأ القصف الجوي على عناصر وآليات "داعش"، وتعاون الأمريكيون مع الجيش العراقي وخصوصاً مع البيشمركة، إلى أن تمّ فك الحصار عن الجبل واضطرت "داعش" للانسحاب من سدّ الموصل. لا تعاون مع النظام هذا التعاون في العراق مفقود في سوريا، فالأميركيون لا يعتبرون أن الجيش السوري الحرّ قوة منظمة حليفة مثل البيشمركة الكردية، كما أكد المسؤولون الأمريكيون أكثر من مرة أنهم لن يتعاونوا مع نظام بشار الأسد، فواشنطن تدعو إلى تنحّي الرئيس السوري، وتعتبر أن هذا النظام بالتعاون مع إيران وتنظيم "حزب الله" اللبناني تسببوا بمقتل أكثر من 190 ألف سوري كما تسببوا بنزوح أكثر من 7 ملايين مواطن من أرضهم. وقد أكد مسؤولون في الإدارة الأمريكية لدى الإبلاغ عن بدء عمليات الاستطلاع فوق سوريا، أن واشنطن لن تطلب الإذن بذلك من الحكومة السورية كما أنها لم تطلب الإذن من قبل لدخول المروحيات الأمريكية أراضي سوريا في محاولة لإنقاذ جيمس فولي. كومندوس و"مخيال" عملية بن لادن مع هذه المعطيات تبدو أية عملية عسكرية في سوريا محدودة بالضربات التأديبية، وتتراوح بين شنّ غارات على أشخاص في التنظيم في محاولة لتعقّب وقتل المسؤولين عن مقتل جيمس فولي، بالإضافة الى قتل قادة كبار في التنظيم في محاولة لإضعاف قيادته وسيطرته على عناصره المنتشرين بين سورياوالعراق. ولا يستبعد الأمريكيون أن يوافق الرئيس الأمريكي على عملية كوماندوس مهمتها اغتيال قادة في "داعش" مرتبطين مباشرة بقتل أميركيين. وبذلك تشبه المرحلة المقبلة في سوريا وربما لأشهر، الاستراتيجية الأمريكية في باكستان عندما شنّ الطيران الأمريكي ولأشهر وسنوات غارات على قيادات في القاعدة، كما شنّ فريق من الوحدات الخاصة للبحرية الأمريكية هجوماً على أبوت آباد وقتل أسامة بن لادن. تحدي ثوار سوريا أمام الأسد طبعاً، هناك تشجيع واضح من قبل الأمريكيين للرئيس باراك أوباما للردّ على "داعش" والتأكد من حصارها، لكن الرئيس الأمريكي يكرر دائماً أن القوة العسكرية هي وسيلة واحدة في الجعبة الأمريكية الكبيرة، وقد شدد أوباما على هذا بالقول "إن الجواب ليس في إرسال ونشر أعداد كبيرة من القوات بما يثقل على العسكريين وهذا ما يدفعنا إلى احتلال بلدان لفترة طويلة ونصل إلى تغذية التطرف". هذه السياسة المتأنية تجد دعماً وموافقة من حزب الرئيس الأمريكي، فالزعماء الديموقراطيون يحذّرون أوباما من الانخراط في الحروب والسقوط في ردود الأفعال، أما أوباما فيطمح إلى وضع تحالف إقليمي يمتد من تركيا إلى العراق إلى الأردن والخليج يساهم في منع التمويل والتسليح عن "داعش". في هذه الرحلة الطويلة، سيجد الثوار السوريون أن لديهم دورا ليقوموا به على الأرض وسيجدون أيضاً أنهم على منافسة حامية مع نظام الأسد. (العربية)