تأخير النظر في قضية التآمر إلى يوم 2 ماي المقبل    ارتفاع نوايا الاستثمار المصرح بها خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية ب6.9 %    عاجل/ عقوبات امريكية وبريطانية ضد إيران    الداخلية.. قوات الأمن تبذل جهدها للتصدي لكل ما من شأنه تهديد المجتمع في إطار التمسك بالسيادة واحترام حقوق الإنسان    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    يتزعمها عربي ...ولية عهد هولندا تهرب من بلدها خوفا من مافيا    عاجل/ وزير خارجية تركيا: حماس قبلت نزع سلاحها مقابل هذا الشرط    تونس: وضعية السدود مقلقة ولابد من ترشيد استهلاك المياه    جامعيون تونسيون يطلقون مبادرة لتدريس الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة عن بعد    الرابطة الثانية: إستقالة رئيس نادي أمل جربة من منصبه    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    تمكين 21 عائلة ذات وضعية خاصة من منح مالية لبعث موارد رزق في بنزرت    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    إلزام جوفنتوس بدفع 7ر9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو كرواتب متأخرة    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    عاجل/ قرار هام لهيئة الدفاع عن المتهمين في قضية التآمر..    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    توريد 457 ألف طن من القمح اللين.. مضاعفة الكميات في السوق    نادال يودع الدور الثاني من بطولة برشلونة للتنس    الهوارية : انهار عليه الرّدم في بئر و هو بصدد الحفر    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    رماد بركان ثائر يغلق مطارا في إندونيسيا    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تتاهل الى الدور ثمن النهائي    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    أخبار المال والأعمال    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد المحسن يكتب لكم : تونس ..بستان الأمل
نشر في الصريح يوم 02 - 07 - 2018

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ الديمقراطية بتونس انتصرت،وأنّ الأجواء بهذا البلد الإستثنائي غدت تعبق برائحة الوليد القادم: الحرية،لا سيما في ظل الرياح العاتية التي عصفت-بالربيع العربي-ببعض الأقطار العربية الأخرى..وما علينا والحال هذه،إلا أن نحتفي جميعا بإنتصار الديمقراطية ببلدنا،ونواصل مسيرة الثورة بثبات حتى تنتقل بلادنا-تونس-من النظام الجمهوري المزيّف إلى النظام الجمهوري الديمقراطي.
ومن هنا،فإنّ أهم انجاز حققناه كتونسيين بعد الإنتخابات التشريعية/الرئاسية هو أنّ تونس بقيت شامخة،كما قال زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي»الشجرة الوحيدة الشامخة في غابة الربيع العربي التي احترقت أشجارها في ليبيا ومصر واليمن وصولا إلى العراق».
الإحتراق الذي تحدّث عنه الغنوشي حدث بفعل التصدعات الداخلية داخل البيت العربي الذي هبّت عليه-بالأمس-نسائم الثورة،لكنه لم يصمد في وجه قوى الردة،وغدا بالتالي مسرحا للإحتراب حيث السلاح اللغة الوحيدة السائدة بين الفرقاء السياسيين الذين غلّبوا النقل عن العقل فخسروا الاثنين معا: الحرية والديمقراطية..
والنتيجة الحتمية لتلك التداعيات الدراماتيكية هي أنّ تلك الثورات غدت رهينة لدى قوى خارجية،لا هم لها سوى اجهاض جنين الحرية داخل أحشاء الثورة،ومن ثم خنق كل نفس ديمقراطي أو مشروع وطني تحرري من شأنه أن يخلّص الأمة العربية من عقال الترجرج والتخلّف..
إنّ أهمية التجربة الديمقراطية في تونس،تتجلى أساسا في حملها لبذور الإنتشار في المنطقة، كما سبق لإنتفاضتها أن كانت الشرارة الأولى التي أشعلت الربيع العربي.فمنذ نشوبها،أوحت الثورة التونسية بإمكانية التغيير،الذي طال انتظاره،كما أوحت بأن عملية التغيير في أوضاع معقدة ومتراكمة الرواسب،كما هو الحال في المنطقة العربية،يمكن أن تحصل،بصورة تدريجية انتقالية وسلمية،يجري الاحتكام فيها إلى عملية الاقتراع التي تفسح للمواطن فرصة للمشاركة في الحياة السياسية،طالما افتقدها،مع ما ترتب على هذا الفقدان من عواقب تدفع اليوم العديد من الشعوب العربية ثمنها..
أقول هذا لأني على يقين بأنّ قوة التجربة التونسية في الأفق الديمقراطي تكمن في أنها السبّاقة،التي حافظت على الأمل بالتغيير السليم،على الرغم من العقبات المتراكمة.ولا شك في أن وعي الشعب التونسي،وتنوّع ثقافته وممارسته وانفتاحه،كان له الدور الأساسي في هذه النقلة النوعية المفصلية،التي يبدو أنها تمتلك طاقات للتطوير والترسخ،حيث تصبح عصية على مناخات العنف والإرهاب السائدة راهناً في عالمنا العربي..
ولكن.. بغض النظر عن المنطق الحسابي،ورهانات الربح والخسارة،لايزال المشهد السياسي في تونس يفتقر إلى الإستقرار بصورة نهائية، بالنظر إلى حالة التشتت الحزبي وغياب القواعد الثابتة للأحزاب،مما سيفضي مستقبلاً-في تقديري-إلى تجمع القوى المتقاربة، إذا أزمعت تأكيد حضورها السياسي.
كما أن تجربة الحكم في بلد (تونس) يصبو إلى التحرر والإنعتاق لن تكون سهلة بالنظر إلى الإستحقاقات التي ينبغي التعامل معها،خصوصاً في الملف الاقتصادي وكذا الملف الأمني وعلى رأسه موضوع الإرهاب وتداعياته الدراماتيكية على الإستقرار السياسي المنشود،هذه الملفات الشائكة تستدعي وعي عميق بجسامتها ومقاربة شاملة تبحث في الأسباب وتسخلص النتائج عبر رؤية ثاقبة،وهو ما يقتضي نمطاً من التوافق الضروري بين القوى المختلفة،إذا أرادت حكومة-يوسف الشاهد-أن تحقّق استقراراً ونجاحاً ممكناً في إدارة ملفات المرحلة المقبلة..
لكن في جميع الأحوال،فإن الحكومة أمام تحدّي إقناع التونسيين بأدائها،فالخطاب الإعلامي للحكومة ضعيف ويتم بنسق بطيء في مرحلة حرجة،لا تقبل التسويف أو التواصل المتقطع بين صاحب القرار من جهة،وبين المتلقي وهو المواطن الواقف على الجمر،من جهة ثانية. مع ذلك،فإن معضلة الحكومة لا تقف عند إشكالية التواصل مع الرأي العام،وإنما أيضاً في ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر جرأة في عديد القطاعات الحيوية..
على هذا الأساس،علينا أن ندرك جميعا أنّ الديمقراطيات إنما قامت على نمط من الإكراهات،وعلى صراعات سلمية بين القوى المختلفة،لتستقر في النهاية على نمط حكم قائم على توازي السلط وتقابلها ومراقبتها بعضها بعضاً،و كل هذا مشروط بتجنب العنف سبيلاً لحل النزاعات،ذلك أنّ ديمقراطية ما بعد الثورة في تونس قائمة على تعايش مفروض،وتوازن قوى واضح،سيدفع كل الأطراف،وبغض النظر عن أحجامها الانتخابية،إلى الإقرار بحق الجميع في المساهمة في بناء المشهد السياسي المقبل،ضمن الخيارات الكبرى للمجتمع التي تم التنصيص عليها في الدستور التونسي الجديد..
ويكفي أن نتذكّر ما ترتّب عن الحوار بين الفرقاء السياسيين من خيارات سياسية كبرى،تمثلت بالأساس في الإسراع بإكمال إعداد دستور جديد،على الرغم من أن الأمر لم يكن سهلاً،ولا متيسراً.كما ترتب عنه قبول أجندة تقضي بإنجاز الانتخابات التشريعية،ثم الرئاسية،في آجال محددة،وإطلاق الجمهورية الثانية في تونس بصورة لا رجعة فيها الأمر الذي ساعد على تخطي عتبة الانسداد الذي حصل..
ما أريد أن أقول ؟
أردت القول أن تونس في حاجة إلى تكاتف كافة مكونات المجتمع المدني وكل القوى السياسية لتثبيت أركان الجمهورية الثانية،ومن ثم انجاز مشروع مجتمعي طموح ينآى بالبلاد والعباد عن مستنقعات الفتن،الإثارة المسمومة والإنفلات الذي يتناقض مع قيم العدالة والحرية،وهذا يستدعي منا جميعا هبّة وعي تكون سدا منيعا أمام كافة المخاطر التي تهدّدنا وتسعى إلى تحويلنا إلى نماذج مرعبة ومخيفة لما يجري في العراق وسوريا وليبيا..
أقول تونس اليوم دولة وسلطة ومؤسسات،أمام امتحان جديد على درب الديمقراطية،ومع على الفاعلين في المشهد السياسي التونسي إلا القطع مع-النهم المصلحي والإنتفاعي-المسيطر عليهم ومن ثم تخطي الطور الانتقالي الجاري بنجاح،ووضع المساطر المناسبة لبنية مجتمعهم السياسية والحزبية،من دون إغفال تطلعات مجتمعهم والشروط العامة التي تؤطرها،وذلك تطبيقا لشروط والتزامات وقيم الممارسة الديموقراطية السليمة والسلوك الحضاري القويم.
لقد أنجز الجانب النظري من إمتحان الديمقراطية بكتابة دستور توافقي ضامن للحقوق والحريات في بعدها الشمولي،ونحن اليوم-كما أسلفت-على أبواب مرحلة جديدة أشد عسرا وأكثر صعوبة وهي مرحلة تنزيل النظري إلى ارض الواقع وتطبيقه بشكل موضوعي وخلاّق..
وهنا أختم:إن تونس اليوم،وعلى الرغم مما تخلل مسيرتها من شوائب،إلا أنها باتت تشكّل بستان الأمل في وسط دياجير مكبلة لحالات عربية عديدة.وبذلك،هي جديرة بالدراسة المعمقة والمستفيضة،لعلها تساهم في العثور على مكامن التصحيح والتصويب اللازمَيْن والمُلِحَّيْن-
ولينشغل-في الأخير"أهل الربيع العربي"بأمورهم وأحوالهم،ويتركوا تونس تكمل تجربتها، لأنها-ببساطة-خارج المقارنة و المنافسة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.