شاهدت على قناة" ناسيونال جيوقرافيك" برنامجا تاريخيا عن الجنرال فرانكو والحرب الأهلية الاسبانية اثر في ورأيت أن أقارن بين التحول الذي جرى في تلك الدولة التي شقت طريقها والتحقت بأوروبا وما يجري الآن في تونس بعد الثورة. رأيت قساوة ما جرى في اسبانيا وكيف تصرف الجنرال فرانكو الذي أدار البلاد بقسوة وقوة وتسبب في موت وهجرة الملايين ودام حكمة لعدة عقود كانت حمراء وسوداء ولكنه قبل وفاته رتب تحولا هادئا ديمقراطيا واختار لإسبانيا ملكا من الأسرة المالكة القديمة وهو خوان كارلوس ابن آخر ملوك تلك الأسرة الواقع الانقلاب عليها وأهله لحكمها بطريقة مختلفة عما حكم بها هو وبنصيحة خليفة المسلمين علي ابن ابي طالب رضي الله عنه وربما لم يكن يسمع به وهي (" لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم ، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ) تذكرت وقتها الزعيم الحبيب بورقيبة وكيف أجبر على الخروج من الحكم بطريقة مهينة، ومثله من جاء بعده الذي خير الهروب للسعودية. ولكنني أصبحت أشفق على الرئيس الحالي وهو يسير في نفس "الثنية". قلت لعلها لعنة عليسا أصابتنا منذ اختيارنا لتلك الضاحية مقرا للحكم والدبارة. لقد أصبحت في خشية على رئيس جمهوريتنا الذي كنت قريبا منه في أيّام تعهده بإدارة البلاد في أصعب أزمة نشأت بعد فراغ السلطة وباتت تونس وقتها تترنح ونجح في ذلك نجاحا كبيرا وشهد له بذلك العالم كله وخاصة لما أقدم على تنظيم انتخابات حقيقية لم يسبقه أحد فيها من البلاد العربية واجتازت تونس بفضله كل العقبات والمؤامرات التي انصبت عليها شرقا وغربا ومن بعض الدول الشقيقة التي كانت تعول عليها في أزمتها المالية والاقتصادية وخاب ظنها فيها. أعترف بأني لم أكن متفقا معه في عودته للحكم والسياسة وصارحته بذلك منذ اليوم الأول لأني كنت أخاف عليه من سكرة الحكم والسلطة وهو المجرب من خرج عن الخط البورقيبي في مؤتمر المنستير الأول احتجاجا على تردي الأوضاع بعد التجربة التعاضدية ووجوب تغيير المسيرة. لم يكن وحده يؤمن بتطوير الحزب الدستوري وضرورة تقليص المركزية المفرطة التي تعود عليها. كما اتذكر أنه جازف وتحمل الرفت من الحزب الذي تربى فيه مع مجموعة ممن نادوا بالتغير في ذلك المؤتمر الذي فسخ مقرراته كلها مؤتمر المنستير الثاني وعادت حليمة لعادتها القديمة. لقد كانت لهم الأغلبية في المؤتمر الأول ولكن سلطة بورقيبة كانت أقوى منهم جميعا لكنها لم تسفع فيه لما تم الانقلاب عليه، لقد تحمل وأصحابه التشهير والتقزيم من زملاء الأمس وصبروا عليهم، ولكنهم لم يخرجوا عن الخط الوطني وأقصى ما وصلوا اليه تأسيسهم لحركة معارضة وجريدة. اما بالنسبة للسيد الباجي قائد السبسي فلم يقطع صلته بالحبيب الأول وعاد بعدها مكرما مبجلا للحكم والدبارة مع الزعيم الحبيب بورقيبة. الى أن انسحب بعدها من المسؤولية لما خاب ظنه فيمن وعد بالتغيير وأقسم الإيمان المغلظة على احترام بيان السابع من نوفمبر، ولكنه لم يف بوعده ورجع للأساليب المقيتة وزاد عليها قبضة أمنية وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان وإفساد للحياة السياسة ما زالت مؤثرة فينا، ذلك ما قصدته من لعنة عليسة التي نفذت فينا. تمنيت على السيد الباجي قائد السبسي الذي شبع من السلطة والحكم والسياسة أن يتخلص من تلك العقدة وينأى بتونس عن الفتنة التي باتت تهددها وسيسجل له التاريخ اعترافه بحركة النهضة وأقحمها في منظومة الحكم بعدما التزمت بالحد الأدنى وكان ذلك لغيره مستحيلا. فانا أعتبرها شجاعة كبيرة منه أضرت به وبحزبه الجديد وتحملها بقوة وشجاعة وكان ذلك شرطا من شروط الديمقراطية التي تفترض القبول بالآخر وبما يأتي به الصندوق مهما كانت النتيجة بشرط احترام الدستور لكل القوانين الوضعية. وأخيرا أقول بأنني ما زلت متأكدا من قدرات السيد الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية على إنهاء هذه الأزمة المفتعلة ورسم خريطة طريق جديدة تجنب تونس ما لا تقدر عليه.