أثناء حضوره في ندوة سؤال المدنية وعلاقته بالحريات الفردية والمساواة التي نظمها نادي أفكار نساء بالاشتراك مع الفضاء الثقافي الكرمان، قال وزير الشؤون الدينية الأسبق الدكتور عبد الجليل بن سالم في تعليقه على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذي أسال الكثير من الحبر وأحدث رجة في الوعي الديني إن القضية أكبر من تقرير حاول أصحابه تقديم مقترحات لتطوير واقع المرأة التونسية والإرتقاء بالمجتمع نحو الأفضل من وجهة نظرهم وهو تقرير يتجاوز ما اعتبر تجاوزا للنص الديني والقفز على ما اتفق عليه التونسيون من ثقافة دينية حكمت السلوك والعلاقات إلى طرح سؤال المدنية في تراثنا وسؤال الدولة المدنية في المدونة الفقهية الإسلامية. ما يمكن قوله بكل وضوح هو أن هناك قطيعة بين الفكر الإنساني والفكر الإسلامي التراثي وقطيعة بين تراثنا الفقهي والفكر الكوني فمفهوم المدنية هو مفهوم من نتاج الفكر الغربي الحديث والمجتمع الديني لا يمكن أن يقبل بها.. إن تراثنا السياسي هو تراث محدود نظّر له الفقهاء لقرون سابقة بداية من القرن الرابع والسابع هجري وهو المدونة الفقهية السياسية التقليدية التي تعاملت مع واقع سياسي مختلف عن واقعنا اليوم والمفاهيم السياسية التي نظمت الحكم والعلاقة بين الحاكم والمحكوم قد تجاوزها الزمن وهي لم تعد تصلح لتأسيس دولة حديثة .. لذلك فإن ما نحتاجه هو عمل كبير على مستوي الفكر السياسي الاسلامي حتى تحصل النقلة النوعية في مجال الفكر الإسلامي الحديث. إن القضية أكبر من مجرد حديث عن تجاوز تقرير لجنة الحريات للكثير من المسائل الفقهية التي يطبقها الناس في مجالات عديدة من حياتهم اليومية في مجال الأسرة وغيرها إلى سؤال الفكر الإسلامي الحديث المتبني للقيم الكونية. اليوم ما قام به هذا التقرير هو أنه فتح أعيننا على ضرورة إعادة النظر في الخلفية الفلسفية للمواثيق الدولية التي وافقت عليها الدولة التونسية وأصبحت ملزمة بتطبيقها وأن نعيد النظر في محتوى ومضمون هذه المعاهدات التي خضعت لها البلاد في مجالات عدة وأن نعيد النظر في مسألة الاخذ بها على علّتها على اعتبار أن الكثير من المواثيق والمعاهدات الدولية التي وافقت عليها الحكومة التونسية تثير بعض بنودها إشكالا مع المنظومة الدينية للبلاد ومع الثقافة الدينية للشعب خاصة إذا علمنا أن فكر ما بعد الحداثة في الفضاء الغربي الذي انتج الحداثة الخلفية الفكرية للتقرير قد أنتج نقدها وهو فضاء يشهد اليوم نقاشا حول مفهوم الفرد والأسرة والعلاقات ومكانة الدين في الفضاء العام .. فأن نقوم باجتهاد جديد أو أن نعدّ مشروعا تحديثي يساير مقتضيات العصر ويواكب الواقع لا يعني أن نتبنى كل ما يقوله الغربيون في مسألة الفرد والفردانية وإنما المشروع الإصلاحي كما أفهمه يتطلب منا أن نظيف على فكر الحداثة ومنظومته الكونية وأن نكون فاعلين ومؤثرين في كل ما ينتج في الغرب أي أن يكون لنا رأي في ما ينتج من أفكار في هذا العالم المختلف عنا لا أن نتبنى كل ما يقولونه ونطبقه على واقعنا دون تمحيص ولا غربلة ولا إضافة من عندنا . ما أطرحه هو إشكال منهجي حضاري كبير يتجاوز التقرير إلى قدرتنا على عدم الرضوخ إلى كل ما يقوله الآخر ويروج له على أنه ثقافة كونية وحقوق إنسانية وعلينا نحن الانصياع لها شئنا أم أبينا من دون أن يكون لنا رأي في هذا الفكر الذي يوصف بالإنساني. إن مهمتنا اليوم أن نشتغل على مراجعة ومناقشة وإعادة النظر في المرجعية الفلسفية التي تقوم عليها المعاهدات الدولية التي أمضت عليها الدولة التونسية.