يتسم المشهد العام في بلادنا بغلبة الجانب السياسي وأيضا تكريس ثقافة خلق وصنع الأحداث التي تكون صغيرة وحتى تافهة لكنها تضخم وتهول وتتحول الى شاغل للرأي العام. وفي مقابل هذا فان الكثير من الملفات الأخرى التي تتسم بالخطورة والأهمية القصوى تهمش ويسكت عنها. من بين هذه الملفات مسألة التصرف في النفايات الخطرة بما فيها الصناعية والتي تفرزها المؤسسات الصحية من مستشفيات ومصحات ومخابر وغيرها. وما نعنيه هنا بالملف الخطير و المسكوت عنه هو كارثة تحصل في صمت لو تواصلت أكثر من هذا ولم تعالج فستكون لها عواقب فادحة . هنا علينا أن نذكر أن قانون عام 2000 حدد قائمة النفايات الخطرة والتي تشمل 20 مجموعة تضم كل واحدة عدة أصناف منها النفايات الاشعاعية والتي تنتج عن مؤسسات العلاج الطبي والبيطري وأيضا عن تكرير النفط . تقدر كمية النفايات المصنفة خطرة ببلادنا بحوالي 8 آلاف طن تتعلق بالأنشطة الصحية و6 ملايين و150 ألف طن للنفايات الخطرة الصناعية الكمية الاكبر منها من "الفسفوجيبس". يذكر أيضا أن دائرة المحاسبات أدت مهمة رقابية على الأطراف المتدخلة في التصرف في النفايات والنفايات الخطرة توجته بتقرير مفصل أكدت فيه ضعف المنظومة حيث أنها اتسمت بعدم فاعلية آليات المساندة والاشراف وأيضا محدودية التصرف في النفايات الخطرة. كما أوضحت في تقريرها أن عمليات المعالجة لهذه النفايات وتحديدا المصنفة خطرة لا تتم بالكمية والكيفية المطلوبة اضافة الى نقص الرقابة وهو ما قد ينجر عنه تأثيرات سلبية على صحة الانسان والمحيط. هذا الامر علينا ان نفصل فيه القول لتستوعب حقيقة ما يحصل حيث ان بداية المعضلة وجوهرها أيضا يتمثل في غياب استراتيجية وطنية وأيضا أهداف ومؤشرات خاصة بالتصرف في النفايات الخطرة وتقييمها للوقوف على الاخلالات الموجودة قصد معالجتها وايجاد الحلول لها لكن عمليا كيف نفهم ان التصرف في النفايات الخطرة يتسم بالضعف؟ يشير التقرير بهذا الخصوص الى ضعف التصرف في النفايات الخطيرة في اطار المنظومات والبرامج وهذا يظهر في ضعف نسبة التغطية للكميات القابلة للتجميع على المستوى الوطني وايضا وجود عوائق تنظيمية تواجه مسالك تجميعها. من بين الامثلة التي ذكرت أي التي رصد فيها إخلال كبير النفايات المتأتية من المؤسسات الصحية العمومية حيث أن التصرف في النفايات اقتصر على نصف المؤسسات الصحية بالقطاع العمومي أما نفايات النصف الآخر والتي تقدر سنويا ب2400 طنا فيتم التعامل معها كنفايات منزلية أي تأخذها الفرق البلدية وتلقيها في المصبات مع النفايات العادية بمعنى أوضح فان هذه النفايات التي تصنف كونها خطرة تلقى في البيئة والمحيط. الأمر الخطرالآخرهو أن نفايات نصف مراكز الدم العمومية والخاصة تظل منها كميات تفوق 2000 طن مجهولة المآل. من بين المعضلات التي أشار اليها التقرير والتي تدخل في خانة سوء التصرف أن وحدات المعالجة للنفايات الخطرة لم توفق في مهامها اي لم تؤدي وظيفتها ونقصد هنا التابعة للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. كل هذا ترتب عنه عدم معالجة كميات ضخمة من النفايات الخطرة قدرت ب142 ألف سنويا حيث يتم القاؤها في البحر لتكون تبعات ذلك جسيمة وخطيرة جدا على صحة الانسان والبيئة. أما بخصوص المؤسسات الخاصة التي توكل اليها مهمة التصرف في النفايات فلا توجد حولها اي معطيات محينة بل يؤكد التقرير ان أغلبها أخل بالتزاماته البيئية. والمشكل هنا يتجاوز سوء التصرف الى رصد الاخلال ذاته ومحاسبة من يقومون بذلك ان كان في المراكز العمومية أو الخاصة