كنت جالسا على الرمال الذهبية على ساحل البحر الأبيض المتوسط،أمارس رياضتي اليومية ، رياضة التسبيح عن قرب ،ورياضة التأمل عن بعد ، كان الشروق قد دغدغني بسحره ، وخيوط الشمس قد آسرتني بدفئها اللطيف والقت عليّ بألقها فزادت في سكوني ووجومي ..كنت اعرف ان كوكب الارض خال من اناسه ومن سكانه في هذه اللحظة ، بحر هادئ ،جميل ،تسبيح لرب عظيم وجليل وهدوء رائع ، يرافقه خرير جنيني لامواج بكر من حين الى حين .. لحظتها ينتابني خشوع آمن جميل ، فأتقوقع في صمتي وادخل محراب السكون والهدوء وأغرق في محيط كينونتي ،فتذوب الخرافات في غياهب صمودي وتذوي المسافات في قرار جمودي ، وتنفطر الجبال على ساحل بحري الراكد ، وتتراءى لي صور شبابي ناصعة الصبا والصبا موشاة بالحب والرضاء ومزينة بالصحة والوفاء والشباب.. وعلى حين غفلة مني حطت بقربي حمامة بيضاء ، رائعة الجمال ، ممشوقة القوام وهمست اليّ: ألا ترى انك هربت من الواقع أميالا كثيرة ؟ ولما الهروب ؟ والشمس شمس حبي لا تشرق الا من شروق عينيك..فمنذ عرفتك لم ار الغروب.. ولكن ارضك لم تعد تدور حولي كما عهدي بك ؟ أتغير مجال حبك الى مجال عاطفي جديد..ام انك اعتنقت مفهوما جديدا لحياتك؟ نعم... تغير المفهوم!ولم اغير من موقعي ، فمنذ عرفتك ، عرفت عالما جديدا ، كنت احلم به منذ طفولتي ؟!ولكن الواقع غير موقعه من موقعي !ونأى عني وعنه اميالا واميالا.. حدد موقعك من موقعي ! فحديثي واضح وجليّ! إنني اتحدث عن موقع احلامك من احلامي ! فلا تحاول تغيير وجهة معاني والفاظي وكلامي ، فحتى ان حركت تضاريس احلامك فلن تهرب مني ، الاحلام تعرف موقع الاحلام والكلام لن يهزم هرم الإقدام ، ولكن لماذا تحاول الهروب مني ؟ الم يعد يسرك سحر كلامي ؟ الم تعد تحسن الغور في دهاليز عشقي ؟ اغيرت وجهة سفنك الى بحر غير بحري؟ منذ غيرت وجهتك الى غيري ..وانا قابع هنا ، اردد ذكريات ماضينا الجميل،ولكن طال انتظاري ، طالت علي غيبتك ، حتى كادت صورتك تمحي من ذاكرتي ، كادت واصبحت ضبابية وبالكاد اجمع اجزاءها وارتبها حسب ابجدية عشقنا السرمدي .. واذا نبض قلبي في قلبك الآن وصرخ في بواطن عشق عشقي أنك نبضه الذي وان لم يصلك صداه فلأن نبضه من نبض قلبك ، فهل توقف نبض قلبك لحظة بعد هجري لساحل بحرك هذا..؟ ولكن غاب عني قوامك ، ذابت منذ دهر بسمتك الساحرة ، نسمات عطرك الجذاب تقشعت مع الخريف الفارط،فحتى عروس البحر جفت ولم تعد ترافق جلساتي الصباحية على رمال بحري الهادئ تارة والهادر طورا .. ولكن كنت اراك تتعبد في محراب عشقي من وراء حجب أحلامي، كنت خلفك طيفا آسرا،وكنت حذوك حارسا آمنا ، كنت اركب من اجلك كل موجة لكي اراك واطمئن على وجودك في نفس مكان اول لقائنا .. كنت اطير في السماء مع كل نورس يحلق فوقك.. والآن ؟ معا... نجوب سواحل عشقنا ، نبضي في نبض قلبك ، فالحياة لا تزال ترعى وفاءنا ، والاخلاص لا يزال يرفرف فوق سور احلامنا...