يوم السبت 30 مارس 1985 انعقدت الدورة العشرون والأخيرة لمجلسنا البلدي الثامن منذ الاستقلال وتمّت بإشراف الصديق كمال الحاج ساسي الوالي الثاني في ترتيب ولاة أريانة (1984-1988) بعد الصديق أحمد بن جميع (1983-1984). ولقد تداول المجلس في ثلاثة عشر موضوعا انطلاقا من توسيع مثال التهيئة إلى السماح لمنظمات شبابية في الانتصاب بأرض بسيس (Bessis) 130 هكتار بروّاد قصد الاصطياف، فالتفويت لفائدة منظمة التربية والأسرة في أرض بالمنزه السادس لبناء دار الأسرة. ومن الصدف العجيبة أنّ يصبح الوالي الحاضر فيما بعد رئيسا لهاته المنظمة، فإعداد دراسة لتنظيم حركة المرور، فإعداد مثال تناسب بالمنزه الخامس إلى جانب مسائل أخرى مختلفة تتعلّق بطرح معاليم وتنقيح قانون إطار العملة والترفيع في الميزانية وتسمية أنهج وانتزاع قطعة أرض لبناء جامع البخاري إلى مسألة الأسواق المستلزمة. غير أنه من بين هاته المسائل هناك اثنتان قد تسترعي الاهتمام لخصوصيتها: الأولى متعلقة باستعمال (الكبّالات) Les sabots وجاء في شرح أسباب هذا الموضوع: " تعتزم الإدارة البلدية إدخال نظام الكبّالات بالنسبة للسيارات التي تخالف قانون الطرقات بإرسائها في الأماكن المحجّرة، وقد رصدت لذلك الاعتمادات اللازمة لشراء ثمانين كبالة." فاتجه النقاش نحو إيجاد خمسة (5) مآوى السيارات قبل استعمال الكبّالات ولكن في الأخير تمّت الموافقة بالإجماع على معلوم -قيمته دنانير- كخطيّة موظفة على السيارة المخالفة. أمّا الثانية فهي تتعلق أيضا بمعلوم موظف لكن هذه المرّة على سيارة تحمل الموتى، وجاء في التوطئة "... سعيا وراء توفير الخدمات إلى المواطنين من جهة وتنمية المداخيل البلدية (هكذا) من جهة أخرى، فقد اقتنينا سيّارة لحمل الموتى تستعمل حسب ضرورة المواطن الذي يحتاج إليها وتكون مساهمة هذا الأخير في تكلفة النقل بثلاثة دنانير". وبعد التداول وإبداء الملاحظات بضرورة التأكد من عدم استعمال هذه السيارة لأغراض أخرى تمّت الموافقة على المعلوم المقترح مع مجانية حمل موتى الفقراء والمعوزين. وكنت قد افتتحت هذه الدورة الأخيرة بتلاوة التقرير العام لحصيلة العمل البلدي للفترة النيابية 1980-1985 وذيّلته بتوصيات للمجلس المقبل حول المشاريع التي هي في طور الإنجاز أو التي شرعنا في إعداد الدراسات لها وهي تعدّ اثنا عشر مشروعا من أهمّها منطقة المترجّلين ومنبت الورود والحديقة الكبرى بقرب مستشفى الأمراض الصدريّة. هذا التقرير الذي تعود تلاوته إلى ثلث قرن هو في تقديري خير ما أختتم به ما دوّنته خلال الفصول المتتابعة من هذه اليوميات منذ يوم 2 جانفي 2017. "حقّق هذا المجلس البلدي الثامن منذ الاستقلال جلّ ما وعد به الجماهير العريضة من متساكني هاته المدينة التي أصبحت تحتلّ بعد عاصمة البلاد وعاصمة الجنوب المرتبة الثالثة في ترتيب مدن الجمهورية التونسية. لقد خطّطنا تطوّر المدينة وعقدنا من أجل ذلك عشرات الاجتماعات التي استقطبت العديد من الإطارات المحلية والوطنية ومهّدنا بذلك للحدث التاريخي الذي أنعم به الرئيس بورقيبة على أريانة بأن صيّرها في مارس 1983 عاصمة لإحدى ولايات البلاد. ولقد ضمنّا هذا التطوّر من خلال جملة المداولات التي انبثقت عن عشرين دورة لمجلسنا وثمانية وثمانين اجتماعا للمكتب البلدي وعدد هائل من جلسات اللجان المتخصّصة في شتى قطاعات العمل البلدي. وقد تجلّى كلّ ذلك في هذا المظهر الجديد للمدينة التي أصبحت مثلما أشاد به الأستاذ محمد المزالي الوزير الأوّل عند زيارته في ذلك اليوم المشهود 8 ماي 1982 " مسرّة للناظرين وقبلة للزوّار". لقد تميّزت الخماسية المنصرمة بأحداث وإحداثات هامّة في تاريخ مدينتنا إذ سعينا إلى القضاء على الأكواخ فأضحى " حي نڨز" حيّا للمستقبل وتبدّد "حي اللّيل" ليصبح حي ابن رشيق . ولقد رمّمنا المدينة العتيقة ترميما شمل البناءات والواجهات والطرق وما تحت الطرق من قنوات ثمّ أردفنا ذلك ببعث جمعية لصيانة هاته المدينة التي فاق عمرها الألف عام. ولقد اجتهدنا لتحسين طرقاتنا المتعدّدة عبر أحيائنا التي تعدّ قرابة الألف شارع ونهج وعمّمنا التنوير العصري في كلّ مكان، وطوّرنا مداخل المدينة وقد صُرف من أجل ذلك قرابة المليونين من الدنانير وهو ما يفوق المصاريف الجملية المخصّصة في هذا الحقل منذ الاستقلال. كما اعتنينا بجهازنا البلدي فطوّرنا أساليب العمل إذ اعتمدنا الإعلامية في مؤسستنا التي أضحت خلال هاته المدّة النيابية تعمل داخل قصر بن عيّاد تجسيما لمطمح قديم نابع عن المجالس السابقة في استرجاع هذا المعلم من طرف المجموعة المحلية. كما أننا أحطنا بالعائلة البلدية فعزّزنا إطارها بانتداب قرابة المئتي عضو جديد وتسوية وضعية القدماء من الأعوان أبناء المتقاعدين، وانتهجنا إزاء الجميع سياسة اجتماعية تجلّت من خلال الترقيات والحوافز وبالخصوص من خلال إسناد العدد الوفير من المقاسم التي فوّت فيها المجلس لفائدة العملة والموظفين ولكن الأهمّ من كلّ ذلك يبقى هذا الرباط الذي عملنا على توثيقه مع المتساكنين من خلال لقاءاتنا اليومية معهم عملا بسنّة الاتصال المباشر، فكلّنا موجودين في كلّ مكان وفي كلّ مبنى وفي كلّ هيكل، كما عملنا على مواكبة أنشطة كلّ المنظمات المتواجدة في المدينة من منظمة الطفل إلى جمعية المتقاعدين مرورا بالجمعيات الثقافية والرياضية والشبابية. وبذلك نكون قد ساهمنا في جعل النسيج الاجتماعي في أريانة أكثر تماسكا والتحاما . ولا يفوتنا بعد هذا كلّه أن نشكر كلّ الإطارات الوطنية والجهوية التي مكنتنا من مواصلة هذه المسيرة الموفّقة التي ابتدأها أسلافنا الصالحون. وأملنا أن تبقى أريانة تحتلّ دوما المكانة المرموقة التي تحصّلت عليها اليوم." قال جلّ جلاله: " وأنْ لَيْسَ للإنسانِ إلاَّ مَا سَعَى، وأنّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأْوْفَى، وأنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى" سورة النجم.