الجامعة العالمية للمدن المتوأمة هي مثلما يدلّ عليه اسمها رباط يوثّق عرى الإخاء والصداقة بين مدن العالم. ولقد وقع تأسيسها يوم 27 أفريل 1957 ب Aix-les bains بفرنسا ببادرة من رجل يعدّ أحد دعاة ديبلوماسية الجماعات المحلية Jean-Marie Bressand (1919-2011) الذي ترأّس الجامعة إلى حدود سنة 1984 عندما حلّ محلّه Pierre Mauroy (1925-2013) في المؤتمر الحادي عشر ب Montréal بكندا. والسيد موروا كان تحمّل أمانة مدينة Lille لمدّة ثلاثة عقود (1973-2001) وارتقى أثناء تلك الفترة لسدّة رئاسة الحكومة الفرنسيّة (1981-1983). ولتونس داخل هذه الجامعة مقام مأثور فلقد ساهم الدكتور الصادق بوصفارة (1906-1998) في تأسيسها بصفته رئيسا لبلدية حمّام الأنف وهو الذي كان وراء انعقاد المؤتمر الرابع للمنظمة في مدينة المنستير في شهر أفريل من عام 1966 بحضور الرئيس الحبيب بورقيبة أحد الرؤساء الشرفيين للجامعة. ثمّ تكثّف حضور المدن التونسية صلب هذه المنظمة بعد أن تعدّدت التوأمات بينها وبين مدن مماثلة في أرجاء العالم. ولقد كانت مشاركتنا جدّ لافتة أثناء انعقاد المؤتمر العاشر بالدار البيضاء سنة 1981 ولقد ناب عن مجلسنا وفد تشرفت برئاسته كلّ من السادة التيجاني بن رمضان ومحرز الرويسي رحمهما الله وتوفيق الزعنوني ورضا العسكري الذين تحمّلوا مصاريف النقل والمشاركة إذ أنّ تلك كانت مسطرتنا في كل بعثاتنا، وقس عليها مشاركتنا في المؤتمر الموالي أي الحادي عشر حيث اقتصرت المشاركة برفقتي على الصديقين الزعنوني والعسكري. لم ينه هذا المؤتمر أشغاله إذ أنه أرجا انتخاب الهيئة التسييرية إلى جلسة عامة انعقدت يومي 30 نوفمبر وغرّة ديسمبر بطورينو في إيطاليا، حيث رشّح الدكتور بوصفّارة رئيس بلديّة أريانة ضمن لائحة للتصويت لنيل مقعد في المكتب التنفيذي. ولأوّل مرّة ينال بلدنا ثقة مجموعة المدن المنتمية لهذه الجامعة. ومع ذلك فقد مرّ هذا الأمر كما هو معتاد مرور الكرام اللهم إلا إذا استثنينا الإشارة التي وردت في تدخّل السيد والي أريانة الصديق كمال الحاج ساسي في الدورة الأخيرة لمجلسنا يوم 30 مارس1985عندما قال متوجّها للحضور " أصبح لبلديتكم صدى شاسعا في نطاق الإشعاع العالمي بفضل رئيسها " - أنظر محضر الجلسة الموثّقة في الأرشيف-. ولقد تجدّدت الثقة في شخصي أثناء المؤتمر الثاني عشر بڨرونوبل عام 1986. إلى ذلك انخرطت مدينتنا في منظمة المدن العربية – مداولة الدورة الثانية لسنة 1981 المنعقدة يوم الخميس 28 ماي-. ولقد نالني شرف ترأس اللجنة العلمية للمؤتمر الثامن المنعقد بمدينة الرياض سنة 1986 وتمّت برعاية الأمير سلمان الملك الحالي وكان وقتئذ أمير المنطقة. بالطبع لم أعد أتحمّل أمانة مدينتي منذ جوان سنة 1985، ولكن بالمقابل كنت أستنجبت من طرف رئيس الجامعة القومية للمدن التونسية كمستشار لدى الجامعة ولم أك بالطبع أتلقى لا رواتب ولا امتيازات إلا الشرف بالمساهمة بتمثيل بلدي في مختلف التنظيمات الإقليمية والدولية. ولقد عملت إلى جانب الدكتور المناضل بوصفارة رحمه الله الذي أزيح غداة السابع من نوفمبر من رئاسة الجامعة والبلدية والتي كان ترأسها منذ سنة 1957 حتى سنة 1987، ثمّ إلى جانب سي أحمد بالخوجة رحمه الله الذي أوكل لي مهمّة تنظيم الملتقى الأوّل –والأخير !- لمدن المغرب العربي (20 -23 جانفي 1989) ثمّ لمّا عاد الصديق محمد علي بوليمان إلى دفّة الجامعة جدّد لي العهدة. كما أنه أوكلت لي عدّة مهمّات وبخاصّة ترأّس وفد الجامعة في المناظرة الوطنية للمدن المغربية بمكناس في 23 جوان 1986 حيث تشرّفت بالاستقبال من طرف الملك الحسن الثاني ثمّ بالمشاركة في إحياء اتحاد المدن الإفريقية حيث كلفني مؤتمرها المنعقد بداكار بإعداد ميثاق الاتحاد. ولكنها لم تعمّر طويلا إذ أنه حدث ما كنت أشعر بحدوثه، فلم يكن يفوتني أنّ رؤساء البلديات المباشرين لم يكونوا يستسيغون أن يحظى رئيس سابق بمثل هذا التشريف وهو أمر عادي بل محبّذ في بلدان أخرى تجاوز أهلها عقدة " الله ينصر من صبح ". وكانت الجرعة التي أفاضت الكأس هي ما حصل في حدائق سفارة فرنسا بالمرسى لمّا تولى "الرئيس" موروا في إحدى زياراته لتونس الإشادة بما قام به " السيد البكوش" صلب المكتب التنفيذي لفائدة المدن التونسية أوّلا ولفكرة الاتحاد بين بني البشر أينما وجدوا". فلاحظت التململ من حولي وأقررت العزم على وضع حدّ - بيدي- لهذه المهمّة وقلت في نفسي لن أجد فرصة أسعد من هذه بعد هذه الشهادة. ولقد كنت من قبل ذلك أعددت مشاركة تونس في المؤتمر الثالث عشر في الأرجنتين ولقد أمكن خلال اجتماع المكتب التنفيذي المنعقد عشية المؤتمر التحصيل على غنيمتين الأولى هي إعفاء كلّ المدن التونسية من الديون المثقّلة بذمّتها والثانية هي الرفع من عدد ممثلينا في المكتب من واحد إلى ثلاثة. . في اليوم الذي كان يستعدّ فيه الصديق بوليمان للسفر لحضور ذلك المؤتمر، توجهت إليه في قصر بلدية تونس بشارع قرطاج وكان مستبشرا كعادته بلقائي فباغته بأني لن أكون إلى جانبه هذه المرّة، فبهت الرجل ولكني طمأنته بأني سأودعه رسالة تفسيرية طلبها منّي ليسلمها إلى المؤتمر وهو ما تمّ، وبالمقابل تلقّيت مكتوبا من المنظمة التي قضّيت فيها ست سنوات من عمري فيها امتعاض وفيها ثناء. " فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".