ظواهر عديدة تفشت في بلادنا منهاواحدة تفشت وتصاعدت بشكل ملفت للانتباه بل قد لا نبالغ إن قلنا أنها باتت تتطلب تفسيرا وفهما لان الوضع تجاوز كل الحدود .ما نعنيه ونتحدث عنه هو ظاهرة التسول أو "الطلبة" بالمعنى الشعبي المتداول أي من يستعطفون الناس ليمنحوهم مالا أو مساعدات لوجه الله والغاية هي الحصول على الأجر والحسنات من أهل البر والإحسان. وفق المختصين في علم الاجتماع فان ظاهرة التسول ترتبط بعوامل مباشرة وأخرى غير مباشرة وأساسا الفقر فكلما زادت نسبة الفقر في بلد ما أو مدينة إلا وازداد معها عدد المتسولين أي إن التسول هو حل يلجأ إليه المحتاجون ومن ليس لهم مدخول من أصحاب الاعاقات والوضعيات الاجتماعية الخاصة مثل الأرامل والمطلقات ومن فقدوا السند ولم يجدوا في الدولة سندا.لكن حصر انتشار ظاهرة التسول في الفقر فقط أي تحميل الدولة المسؤولية لا يحيط كليا بها لان الأمر في كثير منه يتجاوز مجرد الحاجة لان يصبح التسول مهنة ومورد رزق لأشخاص جربوها فراقهم الأمر أي الحصول على المال بأسهل الطرق والوسائل أي أن المقياس الوحيد هو مدى التأثير على "الضحية" أو الشخص الكريم ليدخل يده في جيبه ويخرج مقدارا من المال ويمنحه طلبا للأجر والحسنات وليحس بشعور روحاني ونفسي ممتع كونه ساعد محتاجا لكن السؤال: هل من ساعده فعلا محتاج وفقير ؟ يمكن أن نحصر ظاهرة التسول في عدة أنواع. الحالة الأولى هم من يضطرون للتسول لمدة معنية كأن يجد شخص نفسه في وضعية صعبة وهو بالعاصمة أو إحدى المدن الكبرى بلا مأوى ولا مالا ويشتد به الجوع فيضطر لمد يده لقضاء حاجة مؤقتة وظرفية لكن الإشكال هنا هل سيعود الي الأمر مجددا أم لا؟الحالة الثانية هي من تعودوا على الأمر بعد أن جربوه وصاروا بالتالي يجربون حظهم قرب المستشفيات والمساجد والمصحات .النوع الثالث هو من يتسولون بأسلوب عائلي إن صح التعبير أي الأم وأبنائها أو احد أبنائها أو بناتها أو حتى الأب .النوع الرابع وهو الأخطر والذي يمكن التركيز عليه أكثر من غيره هم الذين يتسولون في شكل جماعات أي أن هناك من يسيرهم ويحدد أين يتوجهون بمعنى وأضح هي عصابات سيطرت على قطاع التسول وتقاسمت فيما بينها الأماكن وقد ترتكب جرائم للحفاظ عليها وحتى لا تفتك من عصابات أخرى. كما انتشرت في السنوات الأخيرة ضمن ظاهرة التسول ظاهرة أخرى وهو استخدام الأطفال بما فيهم الرضع للتسول بهم فتجد مرأة أو رجلا يحمل طفلا صغيرا على انه ابنه ومعه ورقة تكون عادة قديمة ومهترئة ويحاول إقناع "ضحاياه" كون الطفل مريض أو انه في حاجة إلى شراء دواء أو انه يعاني من مرض مزمن أو خطير وان تكاليف العلاج باهظة ويطلب العون فتجد الشخص يتأثر ويرى انه لو دفع مثلا دينارا او اثنين فانه لن يكفي فتجده تحت تأثير تلك الحالة من تقمص الدور يخرج ورقة نقدية ويسلمها ظانا انه فرج عن "مؤمن كربة من كرب الدنيا" لكن في الحقيقة الامر خلاف هذا تماما. ما صار يحصل اليوم ان عصابات انتشرت في العاصمة والمدن الكبرى بما فيها المدن السياحية وتقاسمت المناطق بل هم باتوا يضعون خرائط من خلالها يحددون مجال تحرك كل عصابة والويل لمن دخل منطقتهم او تجرأ على ذلك.والخطير في الامر ان هؤلاء يستغلون اطفالا ليقوموا بالتسول مقابل معلوم معين بل منهم من يكترون اطفالا من عائلاتهم مقابل مبلغ مالي يومي ليقوموا بالتسول بهم .