علمتنا عروبتنا ونحن صغار كل ما في الشهامة من فضل وما في الكرامة من إخلاص ،فظللنا متشبثين بعادات أجدادنا نرفض الإهانة،ولا نقبل المساومة في الكرامة،حتى حلّ زمان غدونا فيه-أشباه رجال-لا دم في وجوهنا..بل مجرد ماء خفيف.. قلت هذا-بعد أن أثارت الفنانة التونسية مريم الدبّاغ في الأيام القليلة الماضية-الاربعاء 3 أكتوبر 2018- ضجّة واسعة خلال برنامج “l'Emission” بعد أن قالت ”ما عناش رجال في تونس ”. وأضافت الدباغ انها غير مضطرّة للزواج خاصّة و ان الظروف قد تغيرت و لم تعد المراة بحاجة لمؤسسة الزواج. أشارت الدباغ انها هي نفسها مستعدة للبقاء عزباء الى عمر 50 سنة. تصريح سخيف تمّ بثه وتمريره بكل بساطة على قناة تعتبر نفسها قد دخلت في المنافسة لإحتلال نسب مشاهدة من بين أفضل 3 قنوات تونسية. لكن على ما يبدو أنّ الأمر لم يمرّ مرور الكرام ،بعد موجة الغضب التي إنتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي خاصة تزامن بث البرنامج مع خبر إستشهاد جنديين من جنودنا البواسل في جبل الشعانبي. وقد طالب عدد هام من النشطاء بضرورة إعتذار قناة التاسعة التونسية عن ما بدر من المدعوة الدبّاغ ،ودعا آخرون إلى طردها ،على غرار رئيس جمعية التونسيين ببريطانيا مهدي الباهي الذي دوّن على صفحته ” سأقاطع كل برامج قناة التاسعة إحتراما لشهداء الوطن وهذه المقاطعة إلى حين طرد مريم الدباغ من القناة. كما أدعو كل رجال الاعمال الوطنيين التوقف عن الإشهار بهذه القناة.” أما أنا فأقول: عاش العرب في بداياتهم في مجتمعاتٍ بدوية وصحاري؛ أي: إنَّهم عاشوا حياةً صعبة نِسبة إلى غيرهم من المجتمعات؛ فقد تربَّت لديهم بعض الصِّفات المميَّزة؛ كالكرم والشَّهامة، والنَّخوة والشَّجاعة، وهذه الصِّفات ظهرَت نظرًا لصعوبة العيش؛ بحيث اكتشف الإنسان العربي أنَّ عليه أن يساعِد غيرَه ليحصل على المساعدة ويستمر في البقاء هو وغيرُه، وفيما بعدُ تمَّ توارث هذه الصِّفات حتى أصبحَت عاداتٍ متعارَفًا عليها ويشتهر بها العرب؛ فمثلًا أي زائر غريب لتونس التحرير يلاحِظ أنَّ هذا المجتمع بالحدِّ الأدنى يمتلِك صفةَ النَّخوة،وهي عِبارة عن صِفة يكون فيها الفرد قابلًا لتقديم المساعدة دون أي مقابل،ويقوم بنصر المظلوم ومؤازرة بعضه البعض في المحن والشدائد وكذا الجوائح الطبيعية على غرار هبة الشعب التونسي لمساعدة آهالي نابل في الإعصار الأخير الذي ضرب هذه الولاية الخلابة، ولو على حِساب نفسه،وهي تشبه صِفةَ الإيثار، بينما هي بالمعنى الأشمل لها تحتوي على الإيثار والشَّهامة في نفس الوقت،وهي صفةٌ جيدة يمتدح كل مَن يحملها ويتم تعزيزها دائمًا لدى الفرد.يحق لكل تونسي أن يفخر بأنه جزء من هذا الشعب العظيم، وسر عظمة هذا الشعب الوفي وفاؤه وأخلاقياته وموروثاته وعاداته وتقاليده ورفضه لكل أشكال الإذلال والإهانة. هذا الشعب التونسي العظيم غير شعوب العالم، فهو له أصول متعارف عليها منذ القدم،وهذا الشعب العظيم له رجال عظماء سجلهم التاريخ في الجانب الوطني والديموقراطي والخيري والأعمال الجليلة يصعب حصرهم في هذه المساحة، لكنهم سجلوا أسماءهم من نور في صفحات تاريخ هذه الديرة الطيبة والكل شعاره:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنّوا علي كرام
شعب يتغنى بثورته المجيدة جيلا بعد جيل في ظاهرة لافتة للنظر للمبصرين وأصحاب الضمائر الحية!.. قلت الضمائر الحية التي تعرف معنى الشهامة والرجولة والكرم..وليس ضمير مريم الدباغ..هذه المرأة التونسية التي عليها أن تعتذر للشعب التونسي على ما تفوهت به من ألفاظ نابية تمس من كرامة كل تونسي يرفض -كما أسلفت-الإهانة ولا يقبل المساومة بالكرامة..كما عليها أن تراجع حساباتها وتقرأ التاريخ جيدا،بدل "الإستعراض السخيف لمفاتنها "عبر بعض القنوات التلفزية التونسية..هذه القنوات (قلت بعضها) غدت مرتعا لكل -من هبّ ودبّ- في إنعطاف مخجل وانحراف مشين عن مسار الرساله الإعلامية في أبهى تجلياتها..وأقدس معانيها..