قرّر المفكر يوسف الصديق أن يخرج عن صمته وأن يظهر للإعلام بمفرده بعد أن تمنعت القنوات التلفزية عن استضافته في برامجها وتشريكه في حوارات الجدل الذي يدور هذه الأيام حول عديد القضايا الحارقة وبعد أن خفت صوته في فضاء صاحبة الجلالة ولم يعد حضوره مفيدا بعد أن استهلك في السنوات الماضية .. إذن قرّر يوسف الصديق أن يبرمج خروجا إعلاميا مميزا يعيد له مكانته فكان حوار قناة " الحوار التونسي " الذي أجرته معه الإعلامية مريم بلقاضي ليلة الأربعاء 10 اكتوبر الجاري وكانت مبادرته " نداء المثقفين " في هذا الحوار بدا يوسف الصديق مستاء من كل شيء وغاضبا من الجميع .. فهو غاضب من منظومة الحكم وغير راض على أداء السياسيين والأحزاب السياسية وغير راض كذلك على صمت الطبقة المثقفة مما يدور في البلاد وما يعرفه الوضع العام من اضطراب.. وهو متعجب من تراجع المثقفين وتخلفهم عن قيادة الشعب وتوجيه الناس وهو يحمل المسؤولية في هذا الوضع المتدهور الذي نحن عليه في جميع المستويات وما يعرفه الانتقال الديمقراطي من عثرات إلى أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور وهيئته " الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي" التي هندست كامل المرحلة الأولى والدقيقة للثورة بعد سقوط نظام بن علي وكانت خيارات بن عاشور الدستورية والقانونية - حسب الصديق - هي التي أوصلتنا إلى الحالة التي نحن عليها اليوم . يقول يوسف الصديق " أنا اتهم عياض بن عاشور لأن خياراته أعطتنا زبدة حماية الثورة .. أعطتنا هذه المنظومة السياسية التي تحكمنا من خلال طريقة الاقتراع التي وضعها و انتجت تركيبة سياسية سيئة للغاية ونحن الآن ندفع ثمن ما انتجه وعلينا كمثقفين أن نحاسبه على خياراته التي أوصلتنا إلى هذا الوضع الكارثي ." يعتبر يوسف الصديق أن نكبة البلاد التونسية ونكبة الثورة في تحكم الحقوقيين وتصدر أساتذة القانون المشهد السياسي وقيادتهم للأوضاع وتأثيرهم في المسار التاريخي لمرحلة ما بعد بن علي وإلى اليوم يقول " نحن نحتاج الى مثقفين من غير رجال القانون ومن غير الحقوقيين لأن الحقوقي لا يستطيع أن يستشرف المستقبل ولا يمكن له أن يبني أسسه .. الحقوقي يمكن أن يجيب على أسئلة الحاضر ويمتلك إجابة للآني أما الفيلسوف والمفكر فهو الوحيد القادر على استشراف المستقبل وبناء التصورات للغد انظروا إلى من قاد العالم إنهم الفلاسفة الذين أثروا في مجريات الأحداث في التاريخ من أمثال أرسطو و أفلاطون و مونتسكيو و روسو وغيرهم كثير - في إشارة الى تجاهل أمثاله من قبل السياسيين في صياغة تصورات وحلول للبلاد - .. مأساتنا في الحقوقيين لأنهم أوجدوا لنا دستورا يتباهون به ويصفونه بالأفضل عربيا وربما الأحسن عالميا والحال أنه دستور محكوم بمنطق الآيات المتشابهات وفصوله كلها متشابهة كل إنسان يمكن أن يجد نفسه فيه فهو دستور يمكن أن يحكم به الماركسي والليبرالي والإسلامي .. وهو دستور يمكن أن ينتج لنا حكما عادلا وديمقراطيا كما يمكن أن يعيد لنا الاستبداد من جديد ويؤسس لحكم مطلق فهؤلاء الحقوقيين قد انتجوا لنا دستورا يؤول الى الشيء ونقيضه. يعتبر يوسف الصديق أن المخرجات التي أفرزتها ندوة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في علاقة بما يمكن أن يسمى جهازا أمنيا تابعا لحركة النهضة تفرض على المثقفين أن يتحدوا وراء بيان يوجه للرأي العام وإلى السلطة الحاكمة يقولون فيه نحن غير راضين على هذا الوضع الذي آلت إليه البلاد بعد أن أضحى الصراع اليوم ليس بين الجبهة والنهضة وإنما الصراع الحقيقي هو بين "القضاء وألا قضاء " بعد أن فقدت الدولة وجودها فبورقيبة وبن علي على ما هما عليه من استبداد فقد حافظا على الدولة أما اليوم فإن صرح الدولة قد انهار .. إني أوجه نداء إلى كل المثقفين من أجل أن نستعيد مكاننا الذي يجب أن نحتله وإني أدعوهم إلى الإمضاء على بيان يوجه إلى السلطة الحاكمة نعبر لها فيه عن غضبنا وعدم رضانا عما آلت اليه الأوضاع وحال البلاد ، وقديما قال ابن خلدون " إن من هلاك العمران هو أن يفضل فيه المفضل على الأفضل " في إشارة إلى الخطأ الذي ارتكبه رئيس الجمهورية حينما انحاز لابنه على حساب رئيس الحكومة وهو بذلك يتحمل المسؤولية حسب الصديق على كل ما آلت إليه الأوضاع من إنخرام ..