يوسف الصدّيق.. مفكّر.. آراؤه ومواقفه واضحة.. دقيق فيها... يدافع عنها اليوم.. يرأس يوسف الصدّيق قائمة مستقلة عن دائرة أريانة لانتخابات المجلس التأسيسي.. وفي هذا الاهتمام أكثر من حكاية نكتشفها في هذا الحوار المثير. أذكر أنني أعرفك منذ بداية ثمانينات القرن الماضي.. صحفيا.. فهل طلّقت الصحافة الآن؟ الصحافة لا تطلّق وسأبقى دائما صحفيا.. الصحافة هي الأصل.. شارل ديغول وجورج بومبيدو كانا من المفكّرين قبل ان يمتهنا السياسة. لكنك غيّرت الاهتمامات؟ بل قل إن الاهتمامات هي التي تغيرك ولست أنت الذي يغيّرها... هموم البلاد ومشاغلها وطبيعة المتغيرات التي نعيش على وقعها في كل لحظة وحين نغيّرك... في كلامك شعور بالاحباط؟ نعم... لا أخفي سرا اذا قلت أنني أعيش نوعا من الاحباط.. مازلت مترددا... هل أواصل الطريق ام أعلن الانسحاب.. قبل حوالي ال3 أسابيع عن موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي مازلت مترددا.. هل أواصل.. فأنا كمن يتسلق جبال الهمالايا بأظافره. هل من توضيح أكثر؟ تقدمت بترشحي على رأس قائمة مستقلة في دائرة أريانة لانتخابات المجلس التأسيسي لكني أعيش الاحباط.. إني في حيرة من أمري. كيف ذلك؟ أنا من جيل عديد الوجوه السياسية التي ترشحت لانتخابات المجلس التأسيسي منها نجيب الشابي.. أحب تونس وأعشق ترابها ونسيمها وبحرها وشمسها أكثر منهم جميعا.. والدي قضى 10 سنوات في السجن الاستعماري في وهران وقفصة وغيرها.. ويأتي اليوم أناس وفّروا أموالا (دبّروها) لشراء الأصوات في حين أنت تجد نفسك عاجزا عن توفير هذا المال. أنت تتهم هذه الأحزاب! طبيعيا.. انهم اعتمدوا على المال لاكتساح الساحة.. بالله عليك كيف تفسّر الاشهار السياسي على قناتي نسمة وحنبعل.. أحزاب اشترت 4 دقائق في القناتين بالمال الذي لم أقدر على توفيره.. وهذا يعني انه من الصعب عليّ كيوسف الصديق المترشح بصفة مستقلة الحصول على الأصوات التي تمكنه من بلوغ المجلس التأسيسي. .. والحلّ بهذه الصفة رغم أنني شبيه بأحد المراهقين الذي يلاكم محمد علي كلاي فأعلنها صراحة أنني لن أستسلم. ستواصل على رأس القائمة المستقلة بدائرة أريانة؟ نعم ألم تحاول أحزاب استقطابك؟ لا أخفي سرا اذا قلت ان الأحزاب الاربعة الكبيرة حاولت استقطابي ومنها من لست على خلاف كبير معها.. ومن هذه الأحزاب أذكر حركة النهضة التي اتصلت بي عن طريق العجمي الوريمي للانضمام اليها.. كمستقل. ... ورفضت؟ نعم.. رفضت ذلك على اعتبار أنني من أشد الرافضين لقضية التحزّب في تونس.. المرحلة في تونس الآن ليست مرحلة تحزّب لا تكتيكيا ولا استراتيجيا. لا تكتيكيا لأن المجلس الذي سننتخبه مجلس لا يتحمل التحزّب والايديولوجية.. انه يتحمّل وجود مواطنين أكفاء صادقين في عزلة تامة أمام ضمائرهم لإنشاء الدستور... فأي متحزّب لابد له عند مناقشة فصل من الفصول المقترحة من الرجوع الى زملائه في الحزب او اللجنة المركزية لهذا الحزب وبهذه الصفة فهو لن يكون وحده في المجلس، أما بالنسبة لي كيوسف الصديق لو يتم انتخابي سأكون بمفردي في المجلس... سأكون مع ضميري.. ومع الشعب أما هو فسيكون معه 3 او 4 للاستشارة. وإن كان هذا أمر مشروع ان يعود الى من شرحه.. فإنه بالنسبة لي سأفكّر وحدي. ولا استراتيجيا على اعتبار أننا لسنا بصدد انشاء برلمان تنبثق منه حكومة وسلطة تشريعية ورئيسا للجمهورية على ولاية معينة.. نحن بصدد انشاء نص سميته «نفسُ الشعب وروح تونس» وعندما تنبثق حكمة من برلمان سيكون لها ايديولوجيا وربما أصير متحزبا في ذلك الوقت وحاليا حتى ولو كان ورائي مليون شخص لا أكون متحزّبا. أنت تدافع عن المستقلين لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي! المستقلون أصبحوا عالما هولاميا.. المستقلون هم مستقبل هذا المجلس، إما ان يكون برنامجا ايديولوجيا او فسيفساء من الايديولوجيا الغالبة او ان يكون ركيزة الحكم المنشود المقبل مهما كان. أقول وأؤكد انه ليس لك الحق في الوعود الآن.. على اعتبار ان مثل هذا الامر يتطلب برلمانا وحكومة وميزانية تتم دراستها. لك مآخذ على الحملات الاشهارية؟ الحملات الاشهارية مغلوطة ولا أساس لها من الصحة وليست قانونية. ما هو المطلوب بهذه الصفة؟ لو يتم انتخابي أنادي بما يلي 6 أشهر فعام على الأكثر أن نتفاهم على نص أساسي ل200 سنة القادمة أو أكثر لبلدنا وأن نتصرف في هذه المدة في أمور استعجالية وأمن البلاد والاستقرار والعلاقات الخارجية... علينا أن نعمل على التوقي وتجنب الكوارث وهذا سهل لأن المجلس التأسيسي سيضفي شرعية على حكومة انتقالية لم تكن شرعية وطالما شكّك في شرعيتها ولكنها أوصلتنا إلى 23 أكتوبر ومن واجب كل تونسي أن يحييها رغم البعض من عثراتها... حكومة أوصلتنا الى الموعد... فما بالك لو كانت لها شرعية المجلس التأسيسي... وأعود وأؤكد أن الوعود التي تقدمها الأحزاب هذه الأيام مبنية على البهتان والادعاء بالباطل. بالنسبة الى يوسف الصديق أقول عندما كانوا فقراء ثم أصبحوا أثرياء على كاهل شعبنا أصبحوا من أغنى وأثرى الناس، ولهذا استبدوا وأنا أخاف من الثراء على اعتبار أن الثرى لا يكفيه ذلك بل نخوة الحكم... وأسأل هنا سليم الرياحي مع كل المحبة للفرد واحترامي الكبير له: لماذا تريد أن تثري البلاد بمشاريعك وأن تستبد بالحكم في نفس الوقت؟و أنتظر منه الجواب. ... ماهي قراءتك لهذه الصفة وهي كثرة الأحزاب السياسية في تونس؟ فهناك من يرى أنها ظاهرة صحية. أتمنى أنها تنتمي الى هذه المؤامرة التي تم التفكير فيها من زمن حكومة محمد الغنوشي الذي خاف من اضمحلال التجمع الدستوري الديمقراطي فأطلق قنبلة القبة التي فشلت فعبقريته التي هدفت الى «إخصاء» الثورة جاءت بفكرة إغراق البلد في الأحزاب... وصار الشعب يتندر بهذه الأحزاب كلما ارتفع عددها. الكاريكاتور هنا مقصود وأنا جالست رئيس حزب لن أسميه قلت له ما قاله القذافي لشعبه: من أنتم فقال نحن أمامك: (4 من أهله في الصالون و1 من الجيران) والمجموع 5 والحصيلة الاعلان عن بعث حزب... وكنت أتمنى على وزارة الداخلية أو الوزير الأول المتصرف في هذه الفترة التي أعتبرها ناجحة كنت أتمنى أن يرفق شروط الترخيص بعدد أدنى من المنخرطين عدد فيه كثافة ومعنى ودلالة. أنا لي 5 آلاف فكرة ولكل حزب فكرة ولكن العبرة في البرنامج والزخم البشري على اعتبار أن لكل هيكل سياسي لا بدّ له من تكوين. وأشير هنا الى جمعية اليقظة والالتزام بالثورة التونسية التي أسستها أهدافها في القانون الأساسي كأنها حزب وهي ليست بحزب... ولن تكون حزبا مهما كان لأن أفق الأحزاب أفق تاريخي أو لا يكون... عيب مثل هذا التلاعب وهذا الاسهال في تأسيس الأحزاب... الحزب لا بدّ أن يكون له برنامج واضح وأن يكون صاحب مشروع. ... من هذا المنطلق لماذا لا تفكر في تأسيس حزب؟ أنا أفكر في بعث محضنة لتهيئة شبان ليكونوا حكام البلاد لا تجربة لهم.. ومثلي الأعلى هنا غازي الغرايري الذي أرى أنه أفضل من يحكم تونس... مثقف وعلى دراية كبيرة بالشأن السياسي... آراؤه واقعية ونظرته مستقبلية. استمعت إليه في إذاعة فرنسية مع عياض بن عاشور في نفس الوقت.. هناك بون شاسع بين الرجلين. غازي الغرايري انتفت في كلامه المدرسية أما عياض بن عاشور فقد حافظ على ما تعلمه من العهد السابق، هذا «بروفيل عياض بن عاشور قرّي ما نطلبه منك واسكت». وبهذه الصفة أقول إنه ليس من حق الحقوقيين إعداد دستور البلاد. ... بهذه الصفة من له الشرعية القانونية والدستورية والتاريخية لاعداد الدستور؟ لو نعود الى التاريخ نتوقف حتما عند حقيقة ثابتة وهي أنه لم يتم انجاز وإعداد أي دستور من قبل الحقوقيين وأعدّد ذلك: أفلاطون وأرسطو ولوك وروسو وكانط وهيغل... وغيرهم كلهم فلاسفة أرسوا دساتير والحقوقي يتصرف فيه بعد ذلك تلاعبا أو تدريسا. حسب رأيي لا وجود لفلاسفة في تونس بالمعنى الكامل للكلمة؟ لا.. لنا مفكرون ومؤرخون ومختصون في ابن خلدون وروسو... أذكر هنا هشام جعيط... وهناك أيضا عبد العزيز لبيب الذي ترجم العقد الاجتماعي لروسو. لماذا أبعدوا حسب اعتقادك؟ أكتفي هنا بذكر واقعة... فقد نظمت في فرنسا العام الفارط ندوة في معهد العلوم السياسية أعلى مراتب التدريس السياسي في أوروبا وترأسها وزير العدل السابق روبار بادينتار وكانت حول امكانية الاطاحة بعقوبة الاعدام في المجتمعات الاسلامية وبشهادة كل الطلبة والأساتذة أعجب المنشط روبار بادينتار بورقتي حول الامكانية التامة للاطاحة بالاعدام انطلاقا من النص القرآني وكانت في نفس الندوة محاضرة عياض بن عاشور الذي أتى من تونس ومحمد أركون وممثل حقوق الانسان بفرنسا وتحدث عنها عياض بن عاشور ولا أذكر أنه ذكرني.