يحلل المختصون اليوم الأزمات التي تعيشها بلادنا والتي يحصرونها في الجوانب الاقتصادية والسياسة لكن مع هذا هناك أزمة أخرى هي في الأصل نتاج لكل هذا وهي نفسية بالأساس . فجزء كبير من المجتمع التونسي يعيش اليوم معضلة نفسية تتمثل في حالة احباط ويأس وتأزم بل وتعاسة عامة .هذه الحالة تطورت لتصبح اكتئابا جماعيا خاصة لدى فئة الشباب التي تضررت أكثر من غيرها . فالمجتمع التونسي يتسم بكونه مجتمع فتي حيث تمثل نسبة الشباب فيه أكثر من 50بالمائة وهذه الفئة هي الأكثر معاناة جراء الأزمات الاقتصادية التي وسعت من نسبة البطالة والفقر . لكن المعضلات لا تقف هنا بل تمتد الى احساس بالغبن والتهميش والأمر لا يقتصر على سكان المناطق الداخلية بل صار عاما فهناك تهميش يكاد يكون شاملا لفئة الشباب في مقابل سيطرة الشيوخ على كل مفاصل الدولة والامتيازات أي أن النمط الذي كان مكرسا قبل الثورة يتواصل حاليا بل لعله توسع أكثر. الخطاب المكرس له دوره أيضا أي أنه يساهم بنسبة كبيرة في توسع هذه الوضعية ونقصد هنا الخطاب الاعلامي والسياسي. فالإعلام يغيب فيه الشباب أي أن الشباب لم يعد يجد نفسه فيه مطلقا فالمشاكل المطروحة أساسها خلافات حزبية ومشاكل داخل الأحزاب وحول تقاسم السلطة والمحاصصات الحزبية بمعنى آخر الشاب التونسي لا يجد نفسه في كل هذا . هذا الأمر أدى لبروز ظاهرة خطيرة وهي الاحباط واليأس بين الشباب التونسي فهذه الفئة اليوم لم يعد لها اكتراث بالسياسة وبالشأن الوطني وأيضا مات فيها الأمل وانسدت كل الطرق أمامها والنتيجة يأس وتعاسة تتفشى في مجتمعنا خاصة لدى الشباب. وفق دراسة فان المجتمع التونسي يتصدر المراتب الأولى في مستوى الاحباط واليأس بين شعوب العالم وهو ما أدى الى تراجع كبير في مردودية العمل بل والرغبة في الحياة. كل هذا يفسر تفاقم ظاهرتين خطيرتين الأولى الانتحار والثانية الجريمة حيث صار من العادي انتشار خبر حول حصول عملية قتل لسبب بسيط أو تافه في حين أن ما قدم كونه سبب الجريمة ما هو الا محفز لجملة من التراكمات لدى الفرد الذي ارتكبها اي ان الكثيرين وصلت حالتهم الى درجة الاحباط الكامل والاصابة بالاكتئاب الشديد من دون ان يهتم بهم اي أحد او اي جهة. كل هذا أيضا يفسره تزايد الاقبال على زيارة الأطباء النفسيين بما في ذلك مستشفى الامراض العقلية والعصبية والنفسية بمنوبة . محمد عبد المؤمن