حرية الصحافة في العالم العربي..بين مطرقة القمع والقتل..وسندان الملاحقة والمطاردة أظهرت تقارير صدرت عن منظمات حقوقية دولية، تعنى بحرية الصحافة، بشاعة وضع حرية التعبير والصحافة في العالم العربي وفي تركيا. وتحتل الدول العربية مراتب متأخرة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2018، الذي أصدرته مراسلون بلا حدود . في خضم الحديث عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وخاصة في ظل التقارير التي تتحدث عن "فريق اغتيال" مكون من 15 شخصا "أرسل خصيصا لقتله بصورة بشعة"، يعود الكلام من جديد حول وضع حرية الصحافة والتعبير عن الرأي في المنطقة العربية وكذلك في تركيا، التي وقعت فيها جريمة اغتيال خاشقجي، والتي أيضا دعت إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك منادية بحرية الصحافة. يقول-شهيد الكلمة-جمال خاشقجي في مقاله الأخير أن الشارع العربي تفاءل خيرا بالربيع العربي وظن أن عهد صحافة البلاط قد ولى، وأن الأمور ستتطور نحو الأحسن، خاصة ما يتعلق بحرية التعبير وحرية الصحافة. مع الأسف الشديد تبخرت الأحلام وعادت الأمور إلى سابق عهدها، بل في بعض الأحيان إلى الأسوأ، حيث برزت في الأفق دول وقوى شُغلها الشاغل هو محاربة الثورة والتغيير والوقوف أمام أي نجاح يكون في صالح الشعوب المغلوبة على أمرها. نعم دول عربية خصصت المليارات من الدولارات لمحاربة الثورات الشعبية ولمحاربة دول والإطاحة بحكامها؛ حتى لا تنجح كلمة وإرادة الشعوب. دول عربية تحالفت مع الكيان الصهيوني من أجل تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد. بطبيعة الحال ما يقوم به بعض الحكام العرب يبقى وصمة عار يسجله التاريخ للأجيال القادمة وللتاريخ. ففي ظل غياب الكلمة الحرة وغياب حرية التعبير تتعايش الشعوب العربية مع الباطل والظلم والإهانة والخذول والانبطاح. الراحل الصحفي السعودي جمال خاشفجي هو أبرز ضحية لحرية الصحافة والتعبير في بلده، غير أنه ليس الأول أو الوحيد. إذ تقبع المملكة في المرتبة 169 في مؤشر حرية الصحافة. وتتعرض السعودية لانتقادات حادة بشأن عدم السماح بالأصوات المعارضة وتوقيف العشرات وبينهم مثقفون ورجال دين. وأكدت "مراسلون بلا حدود" أن أكثر من 15 صحفيا ومدونا سعوديا قد اعتُقلوا "في ظروف شديدة الغموض" منذ سبتمبر 2017، وأضافت المنظمة أن-مصرع- خاشقجي حصل في سياق من القمع الكثيف للصحافيين والمدونين في بلاده". وأوردت في ذات السياق "مراسلون بلا حدود"، عددا من الحالات، منها حالة الصحافي صالح الشيحي، الذي فقد أثره في ديسمبر ولم "يؤكد اعتقاله سوى في فيفري 2018، عندما أبلغ ذووه بالحكم عليه بالسجن خمس سنوات"،وحالة فايز بن دمخ "الصحافي الشهير والشاعر السعودي"، الذي لم تتوافر معلومات عنه منذ سبتمبر 2017 "عندما كان على وشك أن يطلق شبكة إعلامية في الكويت"،والذي "خُطِف بكل بساطة وسُلِّم إلى السعودية" وفق الصحافة المحلية. جدير بالذكر أن الناشط السعودي في مجال حقوق الإنسان رائف بدوي، وهو مدون معروف أيضا والمؤسس المشارك للشبكة الليبرالية السعودية،حكم عليه بالسجن عشر سنوات وألف جلدة لتعبيره عن أراء مثيرة للجدل على الإنترنت،ما استدعى ردود فعل دولية منددة. ولكن.. على الرغم من المساعي التركية لكشف حقيقة مقتل الصحفي خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، إلا أنها تُتهم أيضا باضطهاد حرية التعبير وقمع الصحفيين. وتحل تركيا في المرتبة ال157 بين 180 دولة على المؤشر العالمي لحرية الصحافة لعام 2018. ويقبع 183 صحفيا الآن في سجون تركيا بحسب إحصاء جمعية "بي 24"، المدافعة عن حرية الصحافة. وشددت وزارة الخارجية الألمانية يوم 24 أكتوبر 2018 إرشاداتها للسفر إلى تركيا، محذرة المواطنين على نحو أوضح من ذي قبل من التصريح بالإدلاء بآراء ناقدة للحكومة التركية على وسائل التواصل الاجتماعي.وجاء في إرشادات الوزارة أن مشاركة منشور ناقد للحكومة التركية أو الضغط على زر "أعجبني" عليه كفيل بالملاحقة القانونية هناك. وكانت محكمة في إسطنبول قد قضت بالسجن ثلاث سنوات وتسعة أشهر على ثلاثة مدراء تنفيذيين سابقين في محطة تلفزيون يسارية مغلقة بعد إدانتهم بنشر "دعاية إرهابية"، حسب ما أوردت وسائل إعلام. وكثيرا ما تنتقد منظمات حقوقية تركيا وتتهمها بانتهاك حرية الصحافة،والتي ازدادت منذ محاولة الانقلاب الفاشل في تموز/ يوليو 2016، لكن السلطات التركية تصر أنها لم تحاكم أحدا دون أسباب قانونية. ما أريد أن أقول..؟ أردت القول أن حرية الرأي والتعبير -كما تعرفها الموسوعة الحرة- هي الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو العمل الفني، بدون رقابة أو قيود حكومية، بشرط ألا تمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير، ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية. وتنقل عن الفيلسوف جون ستيوارت ميل قوله "إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأياً مخالفاً، فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توافرت له القوة" وإذن؟ يواجه إذا ملف الحقوق والحريات في العالم العربي، صعوبات وتحديات كبيرة بسبب الضغوط والانتهاكات المتواصلة التي تمارسها بعض الحكومات ضد المعارضين ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام وغيرها من المؤسسات الاخرى،من خلال تشديد الاجراءات والقوانين الرقابية بما يخدم اصحاب السلطة والقرار،وسجلت مؤسسة "فريدوم هاوس" الأميركية، كما نقلت بعض المصادر،في أحدث تقرير لها تراجع واقع الديمقراطية والحريات السياسية والمدنية في العالم العربي وتناول التقرير أوضاع الحريات وسيادة القانون والديمقراطية في مختلف أنحاء العالم خلال عام 2017، والذي سجلت فيه المملكة العربية السعودية انهياراً واضحاً لمؤشر الحريات المدنية والسياسية فيها. والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع: لماذا الحريات الاعلامية في الوطن العربي صماء؟، لماذا يعاني الصحفيون العرب من حملات قمع -قروسطية-تصل حد القتل(جمال خاشقجي نموذجا)؟ لماذا تصادر الصحف وتغلق القنوات الفضائية المعارضة لنظام بعض البلدان العربية؟ هذه التساؤلات تشير الى نتيجة تتمثل بالحراك الشعبي والمدني الذي يشهده العالم العربي، فلاتزال الحريات الاعلامية تشهد تراجعا واضحا على كافة المستويات في اغلب البلدان العربية، بل وتزداد تدهورا من وقت إلى آخر،وهو ما ينذر بخطورة على مستقبلها، خاصة إذا قيست بحالة الحريات في الدول الغربية المتقدمة.. في العالم العربي تبدو مأساة الصحفيين أكبر منها في أي من دول العالم إذ أن المهنة أصبحت في الكثير من الدول العربية جالبة لكل المتاعب والمصاعب من سجن إلى اعتقال وصولا للقتل، وتتنوع مصادر الضغوط التي يتعرض لها الصحفيون في العالم العربي بين ضغوط حكومية من خلال سعي السلطات الحكومية إلى سن قوانين تقيد حريتهم وتربط قسريا بين نشاطهم،وما باتت تسميه بالأمن القومي أو أمن الدولة، وضغوط من جماعات إرهابية تستخدم تكتيكات للترهيب بهدف التحكم في آراء الصحفيين ثم تلك الضغوطات التي باتت سمة لهذا العصر وهو تحكم ملاك وسائل الإعلام في الصحفيين من خلال التحكم في رواتبهم . ويجمع الكثير من الصحافيين والحقوقيين العرب على أن الحريات تدهورت في السنوات الأخيرة رغم أن ما يسمى ب" ثورات الربيع العربي"كان من المفترض أن تنتج مناخاً أفضل من الحرية،وتنهي عصر هيمنة الأنظمة المستبدة على وسائل الإعلام. تنطفئ منارات حرية التعبير واحدة تلو الأخرى، على امتداد الوطن العربي؛ منذرة بالانكفاء صوب حقبة من الجهل وغياب التسامح وقمع الحريات. ويبدو الآن أن غالبية الشعوب العربية- التي كانت ترى في حرية التعبير مكسبا وحيدا من تداعيات التغيير في دول المنطقة- باتت تتجه إلى تقبل التضحية بهذا الحق الكوني، وبانتهاك حقوق الإنسان، مقابل وعود باستعادة الاستقرار والازدهار الاقتصادي. والمحزن أيضا أن القيادات تتجاسر الآن على فرض النظام القديم، مستغلة الفوضى المنتشرة عبر دول المنطقة؛ مع انهيار هياكل دول مثل ليبيا واليمن وسورية والعراق. هكذا يتصدر الأمن، وليس الديمقراطية، رأس أولويات الحكام وغالبية الشعوب، فيما تتلاشى الشعارات التي ظهرت خلال السنوات الأربع الماضية: العدالة المجتمعية، وسيادة القانون وقيم الديمقراطية، واحتواء الفساد المستشري، وإعلاء حق الوصول إلى المعلومات، وبناء إعلام احترافي يسائل السلطة ويحاسبها. وفق هذه المعادلة، قد تمضي أجيال وأجيال قبل أن نرى مجددا أصواتا مستقلة في سماء العالم العربي. أختم مقالي بسؤال:كيف سينتصر الإعلاميون العرب في معركة الاستقلالية في ظل سيف الرقابة ولسعة المنشار؟ ..ويظل السؤال حافيا،عاريا ينخر شفيف الروح..