هكذا وصف الشاعر الكبير محمد الصغير أولاد أحمد نساء تونس بكونهن " نساء و نصف " و لكن يبدو و أنّ البعض منهنّ أرادت لنفسها أن تكون امرأة للنسف و القتل و الاجرام و الارهاب و نقول منذ الوهلة الأولى وأنّ هذا الرهط من النساء لا يمثّل تونس التسامح و تونس الاعتدال و تونس التفتح و تونس الثقافة و تونس المحبة و تونس التراحم و تونس المرأة الحرّة و المثقفة و المتعلّمة هي التي نراها قائدة للطائرة و محامية و وزيرة و مديرة و مهندسة و أستاذة و امرأة أعمال و إعلامية و منشطة و ربّة بيت ترعى عائلتها لتمدّ المجتمع بأطفال أسوياء ليكونوا رجال الغد و رجال المستقبل. أمّا هذه التّي أقدمت على تفجير نفسها – رغم أنّها جامعية و لها من العمر و المستوى ما يخوّلها من التمييز – فهي لا تمثل المرأة التونسية الأصيلة التي وقفت وقفة الرجال حين شعرت إبّان " الثورة " و أنّ الوطن يهدده الانزلاق نحو المجهول فنزلت إلى الميدان بكلّ ثقلها و غيّرت كل الموازين و افتكت الوطن الذي كاد أن تبتلعه الأفعى و بقيت العين الساهرة حفاظا على حرية امرأة الحداد و الساعد المحافظ على الوطن الحديث و المتفتح و المتعلم الذي بناه الزعيم بورقيبة حتّى تبقى تونس أبد الدّهر عصيّة على كلّ من يحاول النيل من هذا الوطن . و بالرجوع إلى العملية الأخيرة – و نحمد الله أنّه لم يسقط ضحايا – نقول و أنّها أتت في وقت، بدأ الوطن يلملم جراحه سواء الاقتصادية أو الاجتماعية و الأمنية عبر نجاح الموسم السياحي و النجاح الأمني لوحداتنا العسكرية منها و الأمنية التي قسمت ظهر الارهابيين بضربات موجعة في عقر المغاور التي يختبئ بداخلها تماما كالجرذان المذعورة ممّا أشعر المواطن التونسي بالأمن و الأمان لتأتي هذه العملية - و البلاد تتحفز لمحطة انتخابية مفصلية في حياة البلاد - و أين في شارع الحبيب بورقيبة الرمز عند كل التونسيين الأحرار و أمام معلم المسرح البلدي و أيضا على مقربة من مقر وزارة الداخلية فضلا عن كون هذا الشارع الهام في قلب العاصمة لا يعرف هدوء الحركة ليلا أو نهارا، إضافة على أنّ اختيار الضحيّة كان من عناصر الأمن. و هنا استسمحكم للوقوف على هذا الإطار المكاني الذي كان مسرحا لهذه العملية الانتحارية و الاجرامية لأنّه حسب رأيي المتواضع يحمل أكثر من دلالة و لا أعتقد و أنّه تم الاختيار بصفة اعتباطية على هذا المكان بل كان الاختيار مدروسا و عن وعي و ادارك تامّين و يحمل بين طيّاته أكثر من رسالة. الرّسالة الأولى تقول و أنّ هذا الشارع الذي يحمل اسم الحبيب بورقيبة و الذي تعتبرونه رمزا تاريخيا كبيرا ها نحن كإرهابيين نطاله متى شئنا و هو لا يعني لنا شيئا هذا الذي يحمل اسمه و نراه من منظورنا لا قيمة له تاريخيا و كأنّ لسان حالهم يقول و أنّ بورقيبة كان العدّو اللدود لنا نحن حاملي " الفكر الديني" و الدين في حقيقة الأمر منهم براء باعتبار و أنّ الدين الاسلامي الحنيف يدعو للمحبة و العدالة و الاعتدال و ينبذ العنف مهما كان مأتاه. الرسالة الثانية، تحمل في مضمونها معنى ثقافيا بحكم القيام بعملية التفجير أمام مقر المسرح البلدي و كأنّ لسانهم أيضا يقول يا من تدعون لمحاربة الارهاب بالثقافة ها نحن أمام معلكم الثقافي الرمز ندوس عليه و لا نعترف به و لا بثقافتكم التي تدعو لحب الحياة بل نحن من يفرض عليكم ثقافة الموت و هذا في نظري من أخطر الرسائل خاصة و البلاد تتأهب لدورة جديدة لأيّام قرطاج السينمائية. و ما يعنيه ذلك من استقبال ضيوف من كلّ أنحاء العالم. الرسالة الثالثة، موجهة للمواطن العادي الذي شعر أخيرا بالأمن و الأمان و ببعض الارتياح أمام الضربات التي يتكبدها الارهابيين في معاقلهم و يقول فحواها يمكن أن نطالكم في كل مكان، في الشارع في الجبال وفي الديار و في المسارح و في الحقول و في المزارع و في المغازات و الهدف منها بث الرهبة و الخوف لدى المواطن العادي ليفرضوا أجندتهم عليه .و لكن هيهات لقد لاحظنا كيف وأنّ المواطن يتدافع إلى المكان في ثوب من التّحدي و الثبات رغم خطورة الوضع وقتها... و الرسالة الأخيرة موجهة بالأساس إلى أعوان الأمن عامّة و حال لسانها يقول نحن هنا بالرغم ممّا تلقاه جرذاننا من ضربات موجعة في العمق فنحن بجانبكم و نتحداكم بدليل ها نحن نفجر على مقربة منكم بل و أصل هدفنا هو أنتم لأنّكم انتم الدرع الذي يحمي المواطن و حال دوننا ودونه لنجعل منه المواطن الذي نريد لا المواطن الذي تريده السلطة المدنية المتفتحة بدليل و أنّ الضحايا في هذه العملية هم من أعوان الأمن بالأساس. لنختم بالقول و أنّ الارهاب ليس في الجبال و المغاور فقط فهو له أذرع بيننا تتنفس هواءها و تأكل خيارتنا و تتمتع بكل مزايا البلاد و لكنّها حاقدة و غادرة و تتربص بنا في كلّ لحظة تكون لهم سانحة و أيضا نقول و أنّ الارهاب لو لم يجد الحاضنة السياسية بيننا لما تمدّد و تطاول و نسأل في النهاية هل هؤلاء الذي تبنوا العنف و الارهاب و القتل و الاجرام وسيلة لتحقيق مآربهم تحت يافطة الدّين هل هم فعلا يعبدون نفس الإله الذي نعبد و ينهلون من نفس الكتاب العزيز من الذكر الحكيم أم هم يعبدون الشيطان لأنّ أفعالهم لا تبتعد كثيرا عمّا يأتيه هذا الشيطان الرجيم.؟؟