إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    موجة جديدة من الصواريخ الإيرانية على إسرائيل: ضربات على تل أبيب، حيفا وبئر السبع، أكثر من 100 جريح    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    نتائج الباكالوريا 2025: تفعيل خدمة الرسائل القصيرة، والتوجيه الجامعي يسير بخطى ثابتة    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    في واقعة نادرة.. استخراج هاتف محمول من بطن شاب بعد عامين من ابتلاعه    كيف سيكون طقس السبت 21 جوان 2025؟    8 علامات تشير إلى بيع بياناتك الشخصية عبر الإنترنت.. احذرها    باجة: إستقبال شعبي لقافلة الصمود [فيديو]    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    22 سنة سجناً مع النفاذ العاجل في حق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي وقيادات سابقة    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    بلاغ جديد من النجم الرياضي الساحلي    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    قابس: أكثر من 250 مشاركا في الدورة 41 لمعرض قابس الدولي    وزارة الصحة تجدد دعوة الأطباء المقيمين إلى اختيار مراكز العمل    منوبة: اصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق مربي نحل بطبربة تسبب في حريق غابي    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    زيارة وفد نيابي الى المركب الصحي بجبل الوسط: تراجع خدمات المركب بسبب صعوبات عدة منها نقص الموارد البشرية وضعف الميزانية والايرادات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    هجمات اسرائيل على ايران: السعودية تحذّر.. #خبر_عاجل    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد ذياب يكتب لكم : هل نولد أبرياء؟
نشر في الصريح يوم 12 - 12 - 2018

كنا نقطن بأحد الأرياف التونسية.. دشرة (مركز) ليس بها أكثر من دكانين ومخبزة.. وبيتنا العتيق والمطوق بأشجار التين الهندي يابسها وأخضرها،يختصرفي غرفة تقطنها الجدة والأبوان وقافلة من الأطفال يزداد عددهابصورة لا تعرف الإمهال أو التأخير... هذا البيت احتوى أوّل مراجعاتي لدروس التعليم الابتدائي على ضوء مصباح زيتيّ صغير جدالا يكاد نوره يتجاوز صفحة الكراس.
وفي كلّ صباح، كنت أسمع نقرا لطيفا على الباب، ثم حفيفا... كان مصدره عصفور حائطي يدخل من ثقب بأعلى الباب، ويلقي نظرة هنا وهناك بسرعة،وككل يوم، يدخل في مغارة صغيرة حيث يستوي عشّه، يعرفه ولعلّه أسّسه أو ورثه عن بعض أهله.. وباعتقادي أنه كان يأتي ببعض الطعام لصغاره الذين لم أتمكن يوما من الكشف عنهم.. كنت أتابعه وكنت أخشى احتمال وجود عقرب مثلا بالمغارة لو أدخلت يدي.. لكنني قررت أن أقوم بشيء ما..ووضعت خطة كاملة لهذا الأمر.
بعد أن قدم العصفور وأدخل ما أدخل إلى المغارة، تسلقت الباب كالقط دون أدنى صوت قد يتفطن له العصفور.. وأولجت يدي وها إنها تلتقي وتمسكبالعصفور. كنت أحسّ بنبض بصدره يوازي نبض قلبي الصغير... وكنت أضغط على العصفور لكن بقدر لا يخنقه أو يؤذيه.. فقط كنت أمسك به وكأني أريد أن أسأله:
لماذا هو يأتي إلى بيتنا بالذات؟ وهل نحن من احتلّ أرضه وموطنه؟ أم هو من قبيل الصدفة والسكن المشترك؟
بعد دقائق معدودات قلت في نفسي بأن العصفور هذا قد يكون بحاجة لنيل قطرات من الماء، فوضعته على حافة إناء هو مشربنا المعدني.ودفعت برأسه لينال بعض الماء وقد نال ذلك فعلا، وثنى الرقبة وأنزل رأسه لنيل رشفة أولى ثم رشفة ثانية. وحينها أحسست وكأنّني أضايقه في تناوله للماء مما دفعني إلى تخفيض الضغط عليه... فنزل مرة ثالثة للشرب ورابعة...
ثم أوهمني بأنّه ينزل للمرة الخامسة وفي ومضة برقية، فرّ من يدي.
كثيرا ما عدت لهذه الحادثة وكثيرا ما تساءلت عما حصل في هذا اليوم فعلا... خاصة بعد دراستي لدماغ الطيور ودماغ الإنسان ومكوّناتهما ونموّ الدماغ لدى الطفل..
وقد كنت يومها في السابعة من عمري. والدماغ لديّ لم يكتمل نموّه.. فهذا الدماغ لن يكتمل قبل الثامنة من حيث الحجم تقريبا ولن تكتمل مشابكه والعصابين قبل العشرين من العمر... وسوف تستمر المشابك في التكوين لفترة طويلة جدا..
كيف بالطفل يتقمّص عطش العصفور ويتقمّص احتمال أذيته من ضغط يد حين كان يتناول بعض الماء؟
هل يمكن للإنسان بصورة عامة أن يمسك بألم غيره ويأخذ منه نصيبا وهل بإمكانه فعلا أن يأخذ من آلام غيره جزءا؟
وهل نحن ننقص من آلام غيرنا حين نحاول التخفيف عنه ومواساته.. ؟ وكيف تتم عملية سحب نصيب من ألم حين نخاطب غيرنا من الأدميين؟ قد ندرك كيف يمكن ذلك وكيف يتمّ الأمر بين آدميين.. لكن الأمر يصعب إدراكه مع هذا الحيوان البريء..
في الفترة الأخيرة سمحت دراسة دماغ بعض الحيوانات وخاصة العصافير من التأكّد من بعض المعطيات:
أولا: أن بعض الطيور قادرة على النطق بما يقارب المائتين وخمسين مفردة.. وأنها، قادرة على تمييز الألوان.. وبعض الأشكال. أي أنّه بإمكاننا أن نتقاسم معها بعض الأشياء، الحسية والحركية.. وهو أمر في غاية الأهمية... وللتذكير فإن بعض الدلافين وبعض القردة تملك قدرة عجيبة على التواصل مع البشر.. لكن المعضلة التي لم يتفطّن إليها العلماء إلاّ أخيرا هي أن العلماء في السابق قد حاولوا مخاطبة بل وتعليم بعض الحيوانات بواسطة لغة بشرية.. بينما تمكّن العلم الحديث من قلب المعادلة ومحاولة فهم خطاب الحيوان نفسه باستعمال لغة الحيوان ذاته.. وتغيّرت إثر ذلككثير من الأمور. وهو تمشّ في غاية الأهمية.
ثانيا: علينا محاولة فهم هذه اللغة البسيطة التي يملكها الحيوان حين يتخاطب مع حيوان من نفس الجنس وحينها يمكننا استعمال نفس اللغة هذه ونصل إلى إدراك جيّد للمخزون التخاطبي للحيوان.
ونفس الشيءيتمّ عندما نخاطب طفلا من بني آدم... علينا، إذا ما حاولنا فهمه، أن نخاطبه في لغته وليس لنا غير ذلك... نطقا وكتابة.. فنحن إذا ما خاطبناه بلغة الكهول قد نعطّل لديه كلّ إدراك ونعرقل نموّ سويّللدماغ لديه.
ثالثا: إنّ هذا الطائر يملك في كلّ الحالات مخيخا (cervelet) به مخطط وهيكلة تشريحية تتجاوز بكثير مخيخ الإنسان.. والدليل: أنّه قادر على الاستواء في الهواء والقيام بحركات بهلوانية لو قام بها بشر لأصيب بدوار أو جلطة دماغية. أي أن محيطه يتواجد بثلاثة ابعاد كاملة وليس اثنين فقط...
هذا الأمر الأخير، وهذه القدرة مكّنت العصفور من الإفلات من يدي... لكن بعد أن طمأنني لرشفتين متتاليتين دون أن أكون مقبضا عليه..
لا أعلم إلى اليوم هل إنني ندمت على إفلاته أم إنني أحسست بحقّه في حريته.. وأعتقد أنني لم أندم.. لكن الدرس الممكن استخلاصه كذلك وهو يتناقض مع ما فعلت، هو أن لا تترك أمرا تكسبه يفلت من يدك.. فقد تندم فعلا..
والصحيح أننا نسكن هذا البيت الذي كان مهجورا نسبيا.. فقد كان مشتركا مع عمي وذويه. لكن بعد الخصومة المشهودة بيننا تقاسمنا الحوش والأرض المجاورة وكانت الغرفة اليتيمة هذه نصيبنا. كيف لهذا العصفور أن يطمئن على ذريته المحشورة ببيتنا وكأنّه يقول:
من حقي أن أعيش بهذا الوكر... أ اكتسب بعض الطمأنينة بعيدا نسبيا عن إمكانية اصطيادي أو إيذاء بيضاتي وصغيراتي.. وهو لا يرى عيبا في التعايش مع الإنسان... غير أن الإنسان هو الفاقد صوابه بالفتك ببعض الحيوانات حتى الإبادة..
والحقيقة أن الإنسان هو أغبى حيوان على وجه الأرض. هو من يحتلّ عرين الحيوان وأرضيته وملكه يقاتله ويقتله ويبيده.
والحقيقة أن أكبر مفسد في الأرض هو هذا الذي يتصوّر نفسه مالكا لأكبر منسب دماغي، وأكبر كمية من العصابين والمشابك العصبية،وكان من الجدوى بمكان أن يطوّر دماغه للحفاظ على هذه الأرض التي أضحت تئنّ تحت عواقب تصرّفاته: يأخذ من باطن الأرض مخزونها ويصنع منه موادا من البلاستيك قاتلة لعدد من أصناف الحيوانات ومنها الأسماك...
لن يفلت الإنسان من عقاب محتوم إن لم يتجرّأ ويعيد النظر في تصرّفاته مع الطبيعة.
وحينها سوف تعيش الطيور مع باقي الحيوانات وتزقزق العصافير بين الأشجار، ويعود النحل إلى نسبه المعهودة ليلقح العشب والنبات والثمار والأزهار...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.