هل سيزداد إصرار الشعب الفلسطيني على مواصلة صموده في وجه العدوان الإسرايلي،رغم ضخامة الخسائر البشرية والمادية والإقتصادية،والحصار الشامل وعودة إسرائيل لسياسة العقاب الجماعي وكسر العظام؟.. وهل ستدرك السلطة الفلسطينية أنّ إسرائيل ضربت عرض الحائط بعملية السلام برمتها ودحضت كل الإتفاقات واستخدمت العنف الدموي بهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني وضرب قدرته على الصمود،وإرغامه–عبر استخدام آليات الفتك والدمار–على البقاء تحت الإحتلال ؟ وهل سيتأكّد-دعاة السلام-ومهندسو اللقاءات العلنية والسرية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أنّ الإتفاقات لن تحمل-جرار العسل والسمن-إلى شعب يجوع ويتألّم ويستشهد، غير أنّ إرادته تترسّخ وتتعاظم في وجه الإحتلال والإستيطان وهو يرفض بشموخ وقف النضال ويصرّ على دحر العدوّ وتحقيق النّصر المبين..!؟ إنّ الوضع الذي نحن فيه يفرض علينا جميعا،أن نعي،أنّ مقارعة العدوّ ودحره عبر إعتناق شرف الكفاح،هو طوق النجاة الوحيد من هذا المصير المظلم الذي ينتظرنا في منعطفات التاريخ،سواء شعرنا به أو خدّرنا الحواس من الشعور به،فلم يعد هناك شك أنّ القمع الدموي للشعب الفلسطيني قد أصاب العرب في الصميم،مما يؤكّد لكل عربي،أنّ فلسطين هي جزء من لحم ودم الأمة العربية،ويوكّد لكل من يهرول خلف التطبيع ويؤسّس للسلام والإستسلام أنّ إسترداد فلسطين لا إستبدالها هو الإستراتيجية الوحيدة الممكنة لإسترداد الذات والأرض والكرامة لكل فرد يعيش من المحيط إلى الخليج،وأنّ إسرائيل التي تتخفّى دوما خلف الإدارة الدولية:مجلس الأمن..الأممالمتحدة..اللجنة الدولية لحقوق الإنسان..هي الإبن اللقيط لهذا الغرب المتغطرس الذي زرعها خنجرا مسموما في قلب هذه الأمّة،وهي التي تسعى دوما لتطويع القرارات الدولية وفقا لمزاجها المريض،وهي كذلك التي تقيم أوثق العلاقات مع دول إسلامية كتركيا وأندونيسيا،ومع دول أخرى عربية لا تخفى على أحد،وهذه العلاقات الوطيدة من شأنها تطويع الرأي العام الدولي،لا كوجود فقط،بل كإستمرار توسعي أيضا،..وهنا الخطورة،فالرأي العام الغربي لا يكترث بالحقوق التاريخية للفلسطينيين،ولا ينتبه لأصل المشكلة في احتدام الصراع العربي الإسرائيلبي،بل إلى إنعكاساتها على مصالحه الإقتصادية والأمنية،لذلك لم يستسغ معنى احتجاب النفط العربي عام 73 إلا بإعتباره”عدوان التخلّف العربي على التقدّم الحضاري للإنسانية”ولم يفهم مشكلة الفلسطينيين إلا على أساس كونها مسألة إنسانية لبضعة آلاف من اللاجئين!،وهكذا فهو لا يصدّق إلا إعلامه وسياسييه،وفي ظل النزاعات العربية المستمرة التي يفهم منها كذلك أنّ لا رأي عربيا موحدا يناصره،وفي حضور التنازعات العربية المتواترة التي يعي منها أنّ العرب سيوافقون إسرائيل في النهاية،وهو بالتالي يرى أنّنا أصحاب المشكلة إن لم نكن سببها،فلمَ المزايدة إذن..؟ ومن هنا،يبدو واضحا أنّ البعض منا يبالغ في زخرفة الدّور الغربي والأمريكي بالأساس في تليين الموقف الإسرائيلي إزاء الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وتحت ظلال هذا الوهم الزخرفي تسعى إسرائيل للتوسّع على حساب الأرض العربية لأنّها تدرك طبيعة المؤامرات الغربية التي حيكت ثم صيغت في شكل قوانين وحاولوا إسقاطها علينا،ولكننا غالبا لا نستخلص من العوامل الداخلية،والغزوات الخارجية،والمسيرة المعقدة للدولة الصهيونية فوق أرضنا،ما يشبه القوانين الثابتة: -أوّلها أنّ هناك-تكتلا دوليا-يحول دون إقامة وحدة عربية من شأنها أن تصبح بثرواتها الطبيعية وموقعها الإستراتيجي ومخزونها الحضاري قوّة كبرى تنافس القمم الدولية المعاصرة. ثانيا،أنّ الغرب يسعى دوما إلى تفتيت هذه الأمة إلى دويلات مجرّدة من كل أسباب القوة من خلال إضعافنا عسكريا وإقتصاديا،وتكريس كل مظاهر الإنفصال والإنفصام داخل كل قطر حسب خصوصيته،إلى حد قد لا يبقي بلدين متجاورين على وفاق. ثالث هذه القوانين،هو تكريس الغرب للتخلّف العربي إقتصاديا وإجتماعيا بإعتباره أقصر الطرق إلى تفتيت الأمّة الواحدة بأقطارها المتعددة ودعم التفوّق الإسرائيلي استراتيجيا واقتصاديا بما يحول دون قيام دولة الأمّة الواحدة ويعيق تطورها الخلاّق. -رابعا،وليس أخيرا،عزل شعب عربي كامل،ومحاصرته داخل أسوار عالية،وهو الشعب العربي الفلسطيني،الذي ما فتئ يتعرّض لحملة دموية تستهدف إذلاله وتركيعه ثم سلخه من جلده. لذلك أقول دون تردّد،أنّ الدولة الصهيونية ليست أكثر من إمتداد لمشروع-الغرب العنصري-منذ مئات السنين وأنّ التمزّق العربي خلق أوضاعا تشبه الأمر الواقع وأصبح الثغرة التي نفذ وينفذ منها-الأجنبي-بكل مشاريعه الهدّامة وتمظهراته المخاتلة،و بالتالي جعل من إسرائيل منفذا-إغراؤه لا يقاوم-لخلق عدم الإستقرار وإلهاء العرب والمكاسب الإقليمية،كل ذلك دفعة واحدة.. ومن هنا فالمشروع الغربي للإستيلاء على الوطن العربي لم يتغيّر قط منذ الحرب الصليبية الأولى ولا تغيّرت أهدافه ولا خريطته التي اتخذت من فلسطين موقعا إستراتيجيا لخلخلة ركائز الأمة العربية وتفتيتها إلى أقطار ودويلات،إلى حد يسهل إلتهامها..غير أنّ فلسطين ستظلّ باقية ولو حارب عنها أطفالها بحصاة..ستظلّ قاهرة لكل طاغية ومغتصب ومحتل،وستظلّ هذه الأمة العربية باقية ولن تموت..