الكتاب الذي وضعه الدكتور أحمد سعيد نوفل أستاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك بالاردن تحت عنوان «دور اسرائيل في تفتيت الوطن العربي» والذي صدر مؤخرا عن الدار العربية للعلوم ببيروت في أربعة فصول هو خلاصة دراسة أكاديمية موثّقة أراد من خلالها الكاتب إماطة اللثام عن المشروع الاسرائيلي الذي يتجاوز هدفا معلنا وهو إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين إلى آخر غير معلن وهو تجزئة العالم العربي وإضعافه ذلك أن الاسرائيليين واستنادا إلى ما جاء في الكتاب يدركون أن توحيد اليهود وضمّهم في دولة موحّدة لن يتم إلا على أنقاض عالم عربي مجزأ ومتآكل. بين المصالح الاستعمارية الغربية والمطامع الاسرائيلية الفصل الاول من الكتاب أراده واضعه «فلاش باك» إذ من خلاله عاد كثيرا إلى الوراء.. إلى دعوة بونابارت في 1799 لليهود بالعودة إلى فلسطين.. ثم إلى تطوّر الاهتمام البريطاني بفلسطين بدءا من مواجهة دعوات ومشاريع محمد علي باشا للوحدة (1831 1840) وصولا إلى وثيقة كامبل (1907) التي دعت إلى تشكيل حاجز بشري قوي في المنطقة الرابطة بين إفريقيا وآسيا على أن يكون هذا الحاجز معاديا لسكان المنطقة ومساندا ومستندا على الغرب... ولا ينسى الكاتب وعد بلفور (1917) بإنشاء وطن لليهود في فلسطين. بعد هذا الطرح التاريخي المختصر ينتقل الكاتب للحديث عن الدعم الامريكي لاسرائيل عن تماثل المشاريع والمخططات الاستراتيجية بين أمريكا والدولة العبرية فيستعرض المشروع الخطير للمؤرخ الامريكي برنار لويس المنشور في مجلة «إكسكيوتف انتلجنت ريسرش بروجكت» (وهي مجلة تصدر عن البنتاغون) بتاريخ جوان 2003 وفيه (أي المشروع) يقترح المؤرخ تقسيم الشرق الاوسط إلى أكثر من 30 دويلة إثنية ومذهبية بما يضمن المصالح الامريكية والاسرائيلية في المنطقة. وأهم ما جاء في المخطط بحسب الكتاب هو تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات وإيران إلى أربع وسوريا إلى ثلاث والاردن إلى دولتين ولبنان إلى خمس دويلات وتجزئة المملكة العربية السعودية إلى دويلات عدّة.. وجاء في الكتاب أيضا واستنادا إلى ما ورد في المجلّة المذكورة آنفا أن صاحب المشروع برنار لويس خلص إلى أن هذا التقسيم سيفضي حتما إلى خلافات طائفية ومذهبية وصراعات على النفط والمياه والحدود بين كل الكيانات المجزّأة مما سيضمن التفوّق لاسرائيل في ال50 سنة القادمة.. وضمن هذا الفصل أيضا يلمّح واضع الكتاب إلى السياسة الاسرائيلية المعادية للعرب التي يعكسها الاعلام الاسرائيلي وتتبناها مناهج التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات وفي هذا السياق يستشهد المؤلف بدراسة أعدّها أستاذ في جامعة تل أبيب اسمه دانيال يرتال شملت 124 كتابا مدرسيا ورد فيها وصف وتصنيف العربي على أنه «قاس وظالم ومخادع وكاذب ومتلوّن وطمّاع ومخرّب وقاتل». اسرائيل والاقليات العربية في الفصل الثاني من كتابه يتطرّق المؤلف إلى مناقشة موقف اسرائيل من الاقليات العربية وخلص إلى أن الدولة العبرية عمدت إلى تضخيم مشكلة الاقليات العرقية والدينية وحرّضتها على التمرّد والانفصال ضد أي مشروع وحدوي. وبحسب ما ورد في الكتاب فإن العرب يمثّلون 88% من سكان العالم العربي أما الاقليات الاخرى فهي خليط من الاكراد والبربر والزنوج والتركمان دون اعتبار الاقليات الدينية وتحديدا المسيحية واليهودية. كما جاء في الكتاب أن 91% من سكان العالم العربي من المسلمين منهم 84% من السنّة.. واسرائيل تلعب أوراق الاقليات فهي تجذبها خارج النطاق القومي ومن ثمّة تشجعها على الانفصال ومن الشواهد التي يرتكز عليها هذا الفصل دراسة استراتيجية مهمّة نشرت سنة 1982 من قبل خبير استراتيجي اسرائيلي اسمه عوديد ينون أهم ما جاء فيها «إن اتفاق كامب ديفيد مع مصر كانت أكبر خطيئة ارتكبتها اسرائيل» مضيفا أن إصلاح ما تسبب فيه ذلك الاتفاق من أضرار لاسرائيل مردّه السعي الحثيث لتجزئة مصر إلى أربع دويلات قبطية في الشمال وعاصمتها الاسكندرية ونوبية في الجنوب وعاصمتها أسوان ومسلمة وعاصمتها القاهرة ورابعة تحت النفوذ الاسرائيلي. ودائما حسب ما جاء في الكتاب، تحدّث ينون أيضا عن تقسيم لبنان إلى سبع كانتونات والسودان إلى ثلاث وسوريا إلى أربع كما دعا ينون إلى تفتيت العراق لان قوّته تشكل على المدى القصير خطرا أكبر من أي خطر آخر على اسرائيل. وفي نفس السياق دعا ينون إلى تفتيت الخليج والجزائر وإذابة الاردن كليّا. وفي ختام هذا الفصل تحدّث الكاتب عن المساعي الاسرائيلية في ضرب العراق وتفتيته من خلال دورها في تشجيع ومساندة أمريكا في التخطيط وذلك في الهجوم على بلاد الرافدين وإسقاط نظامها الحاكم في 2003. اسرائيل والوحدة العربية. ينتقل المؤلف في الفصل الثالث من كتابه إلى استعراض موقف اسرائيل من الوحدة العربية مستندا إلى الفكر الصهيوني الذي يرى أن إنشاء دولة يهودية قويّة ونقيّة يحتّم بقاءها الاعتى عسكريا وحضاريا وثقافيا ودينيا في المنطقة ولتحقيق هذا المأرب لا بد من إعادة ترتيب وصياغة المنطقة العربية وبالتالي إعتبار أي مشروع رام لتحقيق الوحدة العربية مشروعا داع لابادة غير العرب على الاراضي التي يسكنها العرب. والفصل الثالث من الكتاب يتضمّن تحذيرا صريحا من مؤلفه من أن معارضة اسرائيل لمشروع الوحدة العربية يتلاقى بل ويتكامل مع الاستعمار الغربي ويتّسم بخلفية دينية تؤمن بالتفوّق اليهودي على الجانب العربي وفي هذا النطاق يستحضر الكاتب الموقف الرافض الذي اتخذته اسرائيل حيال الوحدة بين سوريا ومصر (1958 1961) كما يلاحظ أن موقف اسرائيل في مرحلة التسوية مع العرب لم يتغيّر بل ولن يتغيّر لان الطرح الاسرائيلي للتسوية يستند أساسا إلى ضمان أمنها بدرجة أولى ثم بناء علاقات مشروطة مع الدول العربية وحرمان الفلسطينيين من أرضهم ومن حقوقهم ولا سيما حق العودة بالنسبة للذين اخرجوا قسرا من ديارهم. كما ينبّه الكاتب إلى أن استراتيجية اسرائيل في ضمان التفوّق العسكري لم تتغيّر وأن مخططاتها العسكرية ترتكز على مبدإ هزيمة الدول العربية مجتمعة في أية حرب محتملة مستشهدا بأنه في سنة 2003 كان معدّل الانفاق العسكري الاسرائيلي بالنسبة لعدد السكان هو 1499 دولارا للفرد الواحد مقابل 34 دولارا للشخص الواحد في مصرو150 دولارا في الاردن و89 دولارا في سوريا. أية قدرة عربية على مواجهة المشروع الاسرائيلي؟ يصل المؤلف إلى الفصل الرابع والاخير من كتابه الذي جاء بمثابة شرح دقيق للامكانيات العربية الحقيقة ويستعرض القدرات الاقتصادية والعسكرية والبشرية ومن ثمّة يتساءل عمّا إذا كانت هذه القدرات تخوّل لها مواجهة المشروع الاسرائيلي كما يفرد بابا خاصا حول أهمية فلسطين في الصراع العربي الاسرائيلي وبابا آخر للرفض العربي للتطبيع مع الدولة العبرية مشيرا إلى الفشل الاسرائيلي في اختراق المجتمعات والشعوب العربية على خلفية أن الشعوب العربية لا تزال ترى في اسرائيل العدوّ الاخطر. وفي نهاية كتابه يقول الدكتور أحمد سعيد نوفل أن حالة العداء هذه ستتواصل طالما أن اسرائيل مواصلة لسياسة الظلم والتدمير واغتصاب حقوق الآخرين.