في 125 صفحة من الحجم الصغير وفي كتاب فريد كتبه عبد العزيز بو باكير عن رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة المستقيل،والذي تخلى عن الحكم تحت ضغط حراك الشارع الذي نزل في مليونيات عدة تنادي بالتغيير وترفض تحوير الدستور لغاية منح الرئيس عهدة خامسة. قرات ذلك الكتاب الذي أعاره لي الصديق صالح الحاجة قبل ان يقرأه أو يتصفحه، عربون تقدير ومودة استمرت عبر السنين ومازالت والحمد لله تسود. وجدت في قراتي لتلك الرسائل المشفرة من الالغاز والنصائح ما ينطبق على رجال الحكم والسياسة في العالم العربي الذين لم يتعودوا على التداول السلمي على الحكم الرشيد والسلطة. ويمكن للقاري المتأمل ان يدخل لتلك الادغال المظلمة، ومنها على الخصوص الحكم الجزائريمنذ ثورة التحرير وما تلاها عبر السنين من الرؤساء السبعة الذين تداولوا بالتدريج على السلطة في هذه القصة الطريفة. وللمزيد أنقل لكم حرفيا ما جاء بالكتاب كمقدمة بهذه القفرة او الرسالة التي تلخص مراحله منذ الاستقلال الى الحراك الشعبي القائم عبر المدن والقرى والساحات بدون عنف او انقطاع منذ 22فيفري 2019 قال الراوي: *المشعوذ والرؤساء السبعة*… تنسب الى الشيخ الطاهر بن الموفق وهو احد المشعوذين، الذين عاصروا الشيخ عبد الحميد بن بأديس في قسنطينة، وتوفي في ماي 1935، نبوءة طريفة يقول فيها *عندما تستقل الجزائر سيحكمها سبعة رؤساء على التوالي: (أولهم بهلول) أحمد بن بلة (وثانيهم رمول ) هواري بومدين ( والثالث حطوه ابقوا)الشاذلي بن جديد (ورابعهم يموت مقتول ) محمد بوضياف ( والخامس بقرة محاطة بالعجول) علي الكافي ( وسادسهم يكثر معاه القتل والهول) لمين. زروال (وسابعهم هو اللي يجيب الحلول) عبد العزيز بوتفليقة !!!. هكذا لخص الكاتب الحكم الذي ابتدأ من تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي الذي استمر لنحو 130 سنة وتداول عليه سبعة رؤساء كان آخرهم المترجم له عبد العزيز بوتفليقة. وهكذا تحرك الشارع الجزائري متظاهرا بسلمية طالبا التخلص من الحاكمين كلهم وخاصة الباءات الثلاثة مستخلصا الدرس والعبرة ممن سبقهم من ثورات الربيع العربي التي تجددت عندهم بالجزائر، والسودان لتنهي المشوار وتعطي درسا للمغامرين بقطع الطريق نهائيا عليهم! لقد اهتم الكاتب ببوتفليقة الذي وجه له هذه الرسائل مذكرا إياه بتحمله لمسؤولية وزارة الشباب في سن 23 في عهد الرئيس بن بلة وبعدها اصغر وزير لوزارة الشؤون الخارجية في سن 25 في زمن هواري بومدين، وبعدها شقه للخلاء لمدة عشرين عاما، اشتغل فيها كمستشار موقتي في بلاد الخليج، قبل ان يعود ثانيا صدفة لرئاسة الجزائرمشترطا ان يحكمها وحده بكل السلطات متخلصا من الدستور ومن كل القوانين التي لم يشاك في وضعها هو! انه لم يستخلص الدرس من الماضي وعاد للطرق البالية القديمة ولكنه ازاء ذلك وجد نفسه أسيرا للمنظومة. لم يكن يدرك تطور المجتمع وعولمة الاعلام واكتشاف وسائل الاتصال الاجتماعي وبات يحكم مثل غيره من الحكام التقليديين،ويعتمد على الصداقات والولاءات والأقارب؟ وللتذكير عايش بوتفليقة الجنرال ديجول الذي أعجب به في لقاء استمر لساعتين عوضا عن الدقائق المحددة بثلاثين، كما التقى بعده بجيسكار ديستان واستقبله في الجزائر وكان يعرف انه لم يكن يقبل باستقلالها عن فرنسا، وجاء بعده ئيسا لفرنسا: ميتران، وشيراك، وساركوزي، وهولاند، واخيرا مكررون، وصاحبنا في ما زال في الحكم لأربع عهدات ويريد الخامسة. انه لم يشذ عن امثاله ممن تقلدوا الحكم بالانقلاب اوبالوراثة، من الحسن الثاني الى محمد السادس بالمغرب والملك حسين وابنه عبد الله بالأردن ، والحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ومنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي في تونس، ثم معمر القذافي في ليبيا! قارن الكاتب بذكاء بين شخصية بوتفليقة وبعض الرؤساء الذين تداولوا على الحكم في الولاياتالمتحدة وكيف احترموا الدستور ولم يجرا احد منهم على المس بالدستور واكتفوا منه بثماني سنين، الا روزفلت الذي استوجبت الحرب العالمية الثانية استثناءه من القاعدة الدستورية. ويلوم بوتفليقة انخراطه في الفرنكوفونية بقوة شديدة، وتودده للكومنولث البريطاني والتاج البريطاني ويرى في ذلك تقربا ليس له ما يبرره اطلاقا. لم يكن بوتفليقة ديمقراطيا بما فيه الكفاية، اذ لم يتحمل رئيس مجلس الشيوخ وتعمد إقصاءه ليحكم وحده الجزائر حكما مطلقا لا يشاركه فيه احد من غير العائلة والدائرة المقربة التي كانت من اختياره. واخيرا شبهه بنابوليون انبرطور فرنسا الذي جاء به القدر مثله وكان في حاجة لجذور عائلية، ولاكتساب ذلك الشرف استقطب الأقارب ونمكنهم من السلطة واختار المريدين عوضا عن الكفاءات المضمونة. انه بذلك أصبح أسيرا لا يبدي ولا يعيد معتمدا على الماضي وبخسر المستقبل، وتلك عادة تكررت في امثاله من الرؤساء الذين لم تكن لهم من الحكم الجمهوري الا العنوان، وكانوا أقرب للملوك. لم تخرج الجزائر عن القاعدة وكانت ضحية التوازنات الخفية، تدار شؤونها من وراء ستار، وتصنع فيها الرؤساء داخل الغرف المخفية مثل غيرها من البلاد العربية، وذلك من مساوي الأنظمة الغير الديمقراطية. تلك هي نبذة اختزلتها بدون تدبير، وتصرفت فيها بالزيادة والتقصي فيما رايته منسجما مع الموضوع، وارجو ان لا يفهم القاري باني تعمدت التحريف، ولكنني في الحقيقة بقيت ملتزما بالمهم مما خرجت به من تلك القراءة. اقر باني لم أكن من المهنيين في النقد والتعليق على ما يكتبه الاخرون، لكنني أفضل اشرك القرّاء فيما يثير انتباهي واعجابي كما هو الحال في هذا الكتيب الذي يشرف كتاب الجزائر الذين كانوا محرومين من إتقان للعربية، فوجدهم اقدر منا بأشواط بعيدة في هذه السنين الاخيرة! وأنهي الحديث تاركا للقراء الحكم عما قدته لهم موجزا لترغيبهم في قراءة الكتاب جملة وتفصيلا.