مجلس نواب الشعب : جلسة عامة الإثنين للحوار مع وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية    جمعية النساء الديمقراطيات ترفض "المبادرات التشريعية التي "تمسّ من مكتسبات المرأة"    تطوّر صادرات القوارص التونسية ب46 % واستكشاف أسواق جديدة    جمعية "آلارت" تقترح مبادلة القمح الصلب لتفادي ضياع المحصول وتدعو إلى إصلاح شامل لقطاع الحبوب    زغوان: تسجيل فائض في التفريخ الطبيعي لخلايا النحل بحوالي 12 ألف خلية جديدة خلال 3 اشهر (رئيس مجمع التنمية لمربي النحل)    عاجل/ أسعار أضاحي العيد: وزير الفلاحة يحسمها ويكشف..    الأولمبي الباجي ضد الترجي اليوم : التوقيت    عاجل/ تقلبات جوية وأمطار بهذه المناطق بعد الظهر..    وفاة "كروان الإذاعة" عادل يوسف    القيروان: الدورة الثانية لمسابقة المطالعة بالوسط الريفي    المسرح الروماني بالجم يحتضن يومي 10 و 11 ماي الجاري النسخة الثامنة من مهرجان " الأيام الرومانية بالجم تيتدروس    مدينة العلوم بتونس تنظّم يوم الاثنين 26 ماي سهرة فلكية بعنوان السماء الرقمية : علوم البيانات والذكاء الاصطناعي""    مداهمة وكر لصنع مواد مسكرة..وهذه التفاصيل..    الإذاعي القدير عادل يوسف في ذمة الله    النادي الافريقي ينعى المحب ومغني الراب "كافون"..    نابل: وزير البيئة يؤكد استكمال انجاز مشاريع محطات تطهير وتوفير الاعتمادات لمشاريع حماية الشريط الساحلي    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    تونس تتوج بذهبية بطولة إفريقيا للفرق في التنس للفتيات دون 14 سنة وتضمن التأهل إلى مونديال التشيك    الجمعية التونسية للطفولة والشباب بسيدي بوزيد تجهز 7 مؤسسات تربوية قصد بعث نوادي روبوتيك    الدورة الاولى للأيام الوطنية للفلاحة المستدامة يوم 13 ماي بتونس العاصمة    تونس: أبرز الأحداث السياسية من 4 إلى 10 ماي 2025    كلاسيكو ناري اليوم بين برشلونة و ريال مدريد : التوقيت    مواجهات حاسمة في الجولة 29 للرابطة المحترفة الأولى: لقاءات مشوّقة اليوم!    بوتين يقترح محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول    رئيس وزراء باكستان: سيذكر التاريخ كيف أسكتنا الجيش الهندي    اكتشاف أنفاق سرية تحت مبنى الكابيتول الأمريكي (فيديو)    حالة الطقس ليوم الاحد    "بلومبيرغ" : ترامب يهمّش مجلس الأمن القومي    النجم يحتفل اليوم بمرور قرن على تأسيسه: 100 عَام من المجد    الجمهور بصوت واحد: النجم فخر الانتماء    النجم يحتفل بالمائوية: مسيرة حافلة بالتتويجات والانجازات    في تظاهرة هي الأولى من نوعها في ولاية سوسة: «حروفية الخط العربي»من أجل تربية فنية وتعزيز الهوية    القيروان تحتلّ المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج الحبوب المرويّة    وداعا كافون    الرابطة المحترفة الثانية: (الجولة 24-الدفعة الاولى) النتائج والترتيب..    المرض الذي عانى منه ''كافون''    تونس: هذه استعدادات وزارة النقل لضمان نجاح الموسم الصيفي    مغني الراب "كافون" في ذمة الله    وفاة مغني الراب التونسي "كافون" بعد صراع مع المرض    عاجل : أحمد العبيدي '' كافون'' في ذمة الله    مغني الراب احمد العبيدي المعروف ب"كافون" في ذمة الله    القصرين: أكثر من 1400 تلميذ ينتفعون بخدمات قوافل طبية حول صحة الفم والأسنان    المهدية: فتح بحث تحقيقي في شبهة سرقة تجهيزات بمستشفى الطاهر صفر    اختصاصي أمراض القلب: قلة الحركة تمثل خطراً صحياً يعادل التدخين    إصلاحات ثورية لتحسين خدمات تصفية الدم: نصوص قانونية و هذه التفاصيل    جنيف: بكين وواشنطن على طاولة الحوار    المهدية: إيقاف 3 أعوان بمستشفى الطاهر صفر بشبهة السرقة    مصر: جريمة مدفونة منذ 8 سنوات.. طفلة تفضح والدتها وتكشف مقتل والدها    الولايات المتحدة تعرض الوساطة بين الهند وباكستان..#خبر_عاجل    باكستان تغلق مجالها الجوي بعد تصعيد عسكري مع الهند    سيدي بوزيد: قطع مؤقت ليومين للكهرباء بهذه المناطق    "جيروساليم بوست": ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    طقس اليوم: أمطار متفرقة والحرارة في ارتفاع طفيف    معهد البحوث الفلكية في مصر.. لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأضحى والأمر متروك للسعودية    الحكومة الألمانية الجديدة تواجه إرثاً من الصعوبات الاقتصادية    مجلس نواب الشعب ينعى الفقيد النائب نبيه ثابت    ملف الأسبوع: مهلكة عظيمة: لا تتتبعوا عوراتِ المسلمينَ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل سياسي : إسراء غريب..موتك عارنا
نشر في الصريح يوم 03 - 09 - 2019

كتبت لميس اندوني أن يتم الشروع في قتل الشابّة إسراء غريب، وهي على سرير المستشفى، وهي تصرخ من ضربات أهلها الهاوية على جسدها الجريح، ولا يهرع أحدٌ إلى نجدتها، هو على أقل تقدير تواطؤ مع الجريمة. وأن يتم إخراجها من المستشفى، وتُجابه بضربةٍ على رأسها أزهقت روحها، بعد تهديد علنيٍّ من أخٍ لها بقتلها، ولا يتم توفير حماية لها، لهو أقرب إلى مشاركة أمنية مجتمعية في الجريمة.
المأساة أن الجريمة حدثت في بيت ساحور في الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. فإضافة إلى الترهيب والإرهاب الصهيونيين الآخذين بالتصاعد، ويهددان حياة كل فلسطيني يومياً، تقوم عائلة باضطهاد ابنتها وتعذيبها نهايةً بموتها. صحيح أن فلسطين ليست استثناءً، وأن العنف ضد النساء والفتيات من عائلاتهن موجود في بلاد عربية وغير عربية، إلا أن ما يزيد جريمة قتل إسراء إيلاماً هو وجود الاحتلال، ففي وقتٍ تتعرّض الأراضي حول بيت ساحور وكل منطقة بيت لحم لهجمة صهيونية من تدمير بيوت ومصادرة أراضٍ واعتقالات، نرى قمعاً مزدوجاً لفتيات ونساء، على ما تقول ناشطات ومنظمات نسوية. بدأت الحكاية، حين خرجت الشابة إسراء إلى مقهى مع خطيبها، ووضعت صورة لهما معاً على "إنستغرام" مزهوة بإعلان حبها الذي اعتقدت أنه "مشروع"، فما كان من ابنة عم لها أن أخبرت الأب، وبدأت تحرّض عليها باسم حماية "شرف" العائلة. فتاة قد يكون عمرها قريباً من عمر إسراء، ولها الأحلام نفسها، لكنها اختارت القضاء على حلم قريبتها بالدم. ولن يكون مستغرباً لو كانت إسراء تعتبرها صديقتها. ثارت العائلة، على الرغم من علم والدتها بنية ابنتها بمقابلة خطيبها في المقهى، واشترك أفراد من العائلة بضربها إلى حد إحداث كسر في العمود الفقري، وتم نقلها في المستشفى. ثم لحقها هؤلاء إلى هناك، وأغلق أفراد باب غرفتها في المستشفى، وأوسعوها ضرباً وهي تصرخ وتستغيث. ولم يتحرّك أحد؛ لا الأطباء ولا الممرّضون، ولا زوار المستشفى. ويبدو أنه لا أحد اتصل بالشرطة لنعرف ما إذا كانت ستفعل شيئاً. ولكن مما يُروى أن الشرطة لم تصل إلى المكان، غير أن ممرّضة سجلت الصراخ المستغيث، من دون أن تتصل بالشرطة. تصرّف الجميع باعتبار أنه لا مسؤولية تقع على أي منهم، إناثاً وذكوراً، وكأنهم كانوا يستمعون إلى مسلسل إذاعي، لا إلى عذاب إنسانة، يفصلهم عنها بابٌ، أصابته لعنةٌ ما، فحجب الرؤية والرحمة عن القلوب.
لعل قائلاً يقول إن الاحتلال هو القصة الكبيرة، وإننا نخدم روايته بتركيزنا على "تفصيلٍ" حياتي، قد يعتبره بعضهم بسيطاً. هو ليس بسيطاً، بل مؤشّر على تدهور في القيم المجتمعية. وهناك من يقول إن الاحتلال والمعاناة الاجتماعية والاقتصادية هما المسببان لانتشار مثل هذا العنف، وفي هذا القول كثير من الصحة، ولا يمكن إنكار ذلك، لكنه لا يفسر تماماً ما حدث. والأهم ألا نستعمل هذه الحقيقة العلمية عن تأثير الاحتلال على المجتمع، لننكر وجود قناعات متوطنة تجعل من أب أو أم أو أخ أو زوج مجرماً أو مشروع مجرم، ولقتل فتاة أو امرأة بذريعة "جرائم الشرف". ولنتذكر أن الفتاة قد لا تُقتَل، بل تحبس في البيت، أو تعذب باستمرار، أو تحرم من الدراسة، فأنواع "العقاب" كثيرة ومتعدّدة.
عاد أحد إخوة إسراء غريب من كندا لحماية "شرف" العائلة. وبعده نقلت الفتاة إلى المستشفى مجدّداً، وتوفيت بعد ضربة على رأسها، وكانت قد أصيبت بنوبة قلبية، بعد كل الضرب الذي تعرّضت له. تهديد أخيها لها بالقتل شائن. ليس معلوماً بعد ما إذا كانت قد قتلت قصداً أو من جرّاء جروحها أو من الضرب، ولكن المعلوم أن مشهداً شائناً وخطيراً قد حدث. وشارك أعداد من الناس في التغطية عليه، وفي التواطؤ مع مشروع جريمة قتلٍ معلنة. ولم يساند الفتاة أو يحاول حمايتها أحدٌ. نشرت صور بعض كدماتها على وسائل الاتصال الاجتماعي، وكانت عملية الضرب علنية، لكنها ماتت. وعلى كل من كانت له علاقة بالأمر، أو كان شاهداً أن يتحمّل مسؤوليته في الجريمة.
ليس موت إسراء حادثاً منفرداً، فجرائم العار باسم شرف كاذب منتشرة في فلسطين والعالم العربي، فكثيراً ما نطالع وقائع تمزق القلب، عن أب اعتدى على طفلته وقتلها حتى لا يفضح أمره، وحين اعترف اتهم ضحيته بإغرائه، وعن أخ قتل شقيقته المتزوجة، بعدما رآها تتحدث مع شابٍ ترجل من سيارته أمام بيتها وسلمها شيئاً ما، ثم ليتضح أنه سائق توصيل (ديلفري). وماذا عن تلك الفتاة في مصر التي تم إيقافها بعد أن قتلت سائق حافلة، حاول الاعتداء عليها، فلو اعتدى عليها لتخلت عائلتها أو أصدقاؤها أو جيرانها في الحيّ عنها، أو أنهم يلومونها، وحين دافعت عن نفسها أصبحت مجرمة.
نعم هناك حالات ظلم للرجل. ولذلك وحدها عدالة القضاء من دون تمييز أو انحياز جنسوي تحسم المسؤوليات، ولكن هذا لا يعني ألا نواجه الموقف المجتمعي من المرأة، الذي يصل أحياناً إلى رجال القضاء والشرطة والتحقيق. وهذا ليس تعميماً، ولكنه لفت نظر إلى حلقة مهمة لا يمكن تجاهلها، عند الحديث عن حلول. ولا أنسى ما قاله لي محقق جنائي، تعامل فترة مع قضايا اغتصاب، إنه لن يقتنع بأن لباس الفتاة أو نظرات عينيها ليست الملومة عن تصرف الشاب، أو "إنه كان لديها ثلثا الخاطر". ونسمع أحياناً هذا القول من بعض النساء. وقد فاجأني شاب مهندس متوسط الثقافة بقوله إنه لا يصدّق قصة اغتصاب فتاة فلسطينية وقتلها في دولة غربية، فهو مقتنع بأنه كانت لها علاقة بالشاب، أو أنها شجعته على اللحاق بها بعد نزولها من القطار!
هنك مشكلة قيمية، لها علاقة بمعتقدات بالية وتربية مشوهة، إن كان في البيوت أو المدارس أو الجامعات، وتفسيرات ذكورية للدروس الدينية. صحيح أن دولاً شدّدت عقوبة ما تسمى جرائم "الشرف"، لكن التوعية من خلال المناهج التعليمية أساس مهم وضروري لتنشئة أجيال واعية اجتماعياً، وتوفير حماية للمرأة المعنفة وللأطباء من انتقام الأهل بعد تحويل الضحية إلى الجهات المختصة. هذ كله يجب تنفيذه، ولكن ليس في معزلٍ عن مجابهة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ووقف الظلم والقمع الذي يعم العالم العربي. ويجب أن يكون الانتصار للمرأة جزءاً أساسياً من أي رؤيةٍ تحرّريةٍ تقدّميةٍ لعملية التغيير.
تهزّ مأساة الفلسطينية إسراء غريب الإنسان حتى النخاع، في تفاصيلها العلنية المرعبة، فلا يكفي أن الفلسطيني غير محميٍّ من الاحتلال الإسرائيلي، لتصدمنا صرخات هذه الشابة مستغيثة، والكل كان يشاهد بصمت، ولم ترتفع أصواتنا إلا بعد غادرتنا. هذا هو عارنا، فلا يمكن تحرير الأوطان من دون احترام حياة الإنسان وكرامته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.