جمعت 3 وزارات.. جلسة عمل للوقاية من حرائق الغابات والمزارع لصائفة 2024    المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    عاجل/ تعيين مديرتين عامتين على رأس معهد باستور وديوان المياه    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورقات نقدية لرواية "الخضراء والسنوات العجاف" للأديب التونسي عبد الحفيظ خميري

تتحدّث رواية "الخضراء والسنوات العجاف" للأديب والسياسي التونسي المقيم في باريس عن قصة طالبين أحدهما ينتمي إلى الأكاديمية العسكرية وهو يوسف قاسم والآخر هو أسير عبد الجواد طالب بكلية الآداب.
تعرض يوسف إلى الإعتقال والتعذيب والسجن وشردت عائلته وفقدت دفئها وأمنها، واستطاع يوسف بعد قضاء سجنه أن يفر من تونس ليعيش في المنفي والغربة وقادته الأقدار، بعد رحلة طويلة عبر ليبيا ودول إفريقية، إلى لندن حيث التقى بحبيبة الشباب إسلام وجددا حبهما. وأما أسير فلقد استطاع أن يفر إلى الجزائر ومنها إلى باريس ليعيش فيها حياة قاسية: فقر ووحدة ويأس، شهد فيها أهم الصراعات في حياته مع نفسه ومع التنظيم الذي اعتبره سبب المحنة. وتشاء الأقدار أن تجمع بين البطلين بعد وفاة قريب إسلام زوجة يوسف في أحد مستشفيات باريس، هذا الذي أوصى أسير بالإتصال بأهله، وهو ما يسر للقاء بين البطلين واجتماعهما وحوارهما وتنتهي الرواية بخروج نصر الدين، أحد إخوة يوسف، من السجن.
وهكذا جمعت الرواية بين بطلين اشتركا في المحنة واختلفا في طريقة التفاعل معها وراوحت أحداث الرواية بين الألم والملحمية، بين الحب والفراق.
صدرت الرواية عن دار النجم العربي بباريس بداية سنة 2009 إلا أنّ أحداثها تعود إلى توصيف سنوات محنة الحركة الإسلامية في تونس لتلقي الضوء على أزمة السياسية والدين في هذا البلد ولتحيلنا على عذابات الغربة والوحدة في المنفى.

1 تقديم الرواية
أبطال الرواية
يوسف قاسم وهو البطل الرئيسي، شاب ينتمي إلى عائلة محافظة، طالب في الأكاديمية العسكرية، متدين وليس له انتماء سياسي ولكنّه تعرض للإعتقال والتعذيب المفرط ثم السجن. استطاع بعد قضاء سجنه أن يفر من تونس ليصل إلى لندن بعد رحلة طويلة عبر إفريقيا. بالسجن فقد يوسف الدراسة والحبيبة ووجد في سلوى العزاء، ثم سافر إلى المهجر حيث التقى من جديد بإسلام وجدد حبه وتزوجها.
أسير عبد الجواد وهو البطل الأساسي الثاني للقصة، طالب بكلية الآداب بمنوبة، منتم إلى تنظيم الزيتونة الذي يرمز إلى حركة النهضة، استطاع أن يفر عبر الحدود إلى الجزائر ثم المغرب وموريتانيا ومن ثمة إلى باريس ليعيش حياة الشظف والفقر والملحمية، فهو فقد الحبيبة وفقد التنظيم وذاق ويلات الفقر والوحدة في باريس بحيث لم ير من أنوارها شيئا بل وجدها كالحة الوجه فتعمق لديه شعور الإحباط واليأس. وأسير يذكّرنا كثيرا بشخصية راسكولنيكوف لدوستيفسكي في "الجريمة والعقاب“.
سلوى ميلاد ممرضة زميلة يوسف في الدراسة الثانوية وقفت إلى جانبه أثناء المحنة التي تعرض لها ثم تزوجا وأنجبا مولودا وهو ضياء، مرضت أثناء فرارهما من تونس، وتوفيت في لندن
إسلام درست مع يوسف وكانت بينهما قصة حب كبيرة انتهت فجأة بسفر إسلام مع والدها الملحق الثقافي إلى دولة إفريقية، ولكنها التقت صدفة بيوسف في لندن بعد سنوات عديدة وبعد وفاة زوجة هذا الأخير ليجددا حبهما وليتزوجا.
نصر الدين، وهو أخ ليوسف قاسم من أبناء حركة الزيتونة، أي النهضة، عذب وحوكم وسجن عشر سنوات.
صالح الدوري مشرف "الجهاز الخاص" لتنظيم الزيتونة
مهدي مفتاح، صديق يوسف وهو أيضا ضابط طالب، وهو حلقة الوصل بين الخلية العسكرية وتنظيم الزيتونة
سكينة قاسم، أخت يوسف قاسم، ناشطة في حركة الزيتونة، عذبت كثيرا وسجنت، ويسر الله أن تخرج من السجن كريمة وشريفة.
الأشعث أو وحيد، هو قريب إسلام، دكتور في الفيزياء، مثقف ومسيس، عضو سابق في حركة الزيتونة، حوكم غيابيا في تونس منذ بداية الثمانينات على ما يفهم من سياق الرواية. وهو شخص غريب الأطوار، أشعث، أغبر، فقيرا وفيلسوفا حكيما... كانت وفاته السبب المباشر الذي قاد إلى لقاء البطلين يوسف وأسير.
شخصيات اعتبارية
حزب الزيتونة ويرمز به الأديب على الأرجح إلى حركة النهضة
اتحاد الطلبة ويقصد به الكاتب الإتحاد العام التونسي للطلبة.
التنظيم والأرجح أن الكاتب يقصد به تنظيم حركة النهضة في المهجر
سجن العفاريت يمكن أن يكون سجن 9 افريل الذي مرت عليه كل أجيال المعارضة التونسية
2 الملاحظات النقدية
تتعدد المواضيع التي تعرّض لها الكاتب في روايته وتتداخل وتحيلنا إلى قضايا جديدة في الرواية السياسية التونسية كما أنها تضفي على التجربة التونسية أبعادا جديدة لم يتم التعرض لها سابقا لأنها تفتح بوابات جديدة تصف حياة التونسيين في المهجر وتحاول ان تنقلها بشكل دقيق وأمين وتقودنا بالتالي إلى التأريخ لتجربة لم يلتفت إليها الأدب التونسي رغم العدد الهائل للاجئين التونسيين منذ ما قبل الحقبة الإستعمارية، فرغم مذكرات محمد بيرم التونسي وكتابات خير الدين ونضالات عبد العزيز الثعالبي ومعارضة اليوسفيين وعلى رأسهم صالح بن يوسف ثم تمرد الماركسيين واليسار وأخيرا وليس آخرا عذابات الإسلاميين بقيادة حركة النهضة التونسية منذ بداية الثمانينات حيث شهدت موجات كثيرة من الهجرة المتتابعة لرموز إسلاميين منهم الشيخ عبد الفتاح مورو والشيخ راشد الغنوشي دون نسيان مئات بل آلاف الطلبة والعمال والمعذبين الذين غامروا في زوارق الموت فرارا من بلد أصبح لا يتسع لأبنائه فإن الحركة الفكرية لم تنتج أدبا روائيا يذكر، فكانت حياة التونسي المَنْفِي والمهجّر مجهولة حتى بين أبناء بلده الذين سيطرت عليهم فكرة أن أوروبا أمان ومال، موز وعصير، سيارة فاخرة وحسناء جميلة.
خميري استطاع أن يحيلنا إلى بعد جديد، استطاع أن ينقل لنا تجربة هذا المنفي في شكل أدبي جذاب ومثير.
وفي هذه الملاحظات النقدية سوف نركّز اساسا على الأبعاد الجديدة التي أثارها الكاتب في روايته، لنجد أنها تحيلنا إلى الحديث عن المثقف والسياسي الإسلامي التونسي، عن آلامه، عن عذاباته وأحزانه عن أزماته وأيضا عن تمرده ويأسه، عن تردده وشكه، محاولين قراءة ذلك ضمن تجربة المنفى لدى المثقف التونسي منذ بيرم التونسي. كما أننا نجد الكاتب يحيلنا إلى بعد جديد في جغرافية هذا المنفى فبعد أن كانت باريس وبدرجة أقل ألمانيا وسويسرا قبلة المنفيّ والمغترب التونسي نجد الكاتب يضيف مركزا جديدا للمهاجر التونسي وهو لندن والذي ضم مجموعة من الللاجئين السياسيين الإسلاميين وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي لتتحول لندن بذلك إلى قبلة جديدة لم يعرفها السياسي التونسي بهذا الحضور من قبل. كما نجد الكاتب يحدثنا عن إشكاليات الزمان والإنسان وما فيه من ضغط وصحة، من أمل ويأس، من فرح وحزن، من راحة وتعب الخ .. مع ما يصاحب ذلك من نشاط في الفكر والسياسية وفيه نتحدث عن موقف الكاتب من الواقع السياسي التونسي وعن الموقف من التنظيم أي النهضة في المهجر لنقيّم طبيعة هذا الموقف ما له وما عليه.
كما أننا سوف نتعرّض إلى بعض الصور الأدبية بالدراسة المختصرة ثم نختم بملاحظات نقدية رأينا أنها ضرورية
1 المثقف التونسي: من بيرم التونسي إلى عبد الحفيظ الخميري
الهجرة والغربة ليست من المواضيع الجديدة على المواطن والمثقف التونسي وهي ولئن تعددت أسبابها فإنها تقود في النهاية إلى فقدان التونسي لدفئ الوطن ودفئ العائلة والأصحاب والدفع به إلى تجربة جديدة يصطدم بها أول ما تغادر قدماه أرض الوطن وتحل بأرض جديدة تفرض عليه أولويات جديدة وقضايا جديدة،
فمنذ محمد بيرم التونسي (1256 1307 ه/ 1840 1889) العالم والرحالة المؤرخ الذي سافر من تونس إلى أوروبا ثم إلى الأساتنة ومنها إلى القاهرة حيث توفي هناك، إلى الشيخ راشد الغنوشي مرورا بخير الدين باشا، وعبد العزيز الثعالبي، ومحمد علي الحامي ومنصف الباي وصالح بن يوسف ثم موجات المهجرين الإسلاميين منذ بداية الثمانينات وهجرات الشباب التونسي الباحث عن لقمة عيش كريمة في السنوات الأخيرة نجد أن السلطة الحاكمة، إستعمارية كانت أو "وطنية" تضيق بأبنائها المثقفين مما يدفع هؤلاء اختيارا أو اضطرارا إلى مغادرة البلاد والبحث عن موطن تتنفس فيه الكلمة عبيق الحرية. إن الذي دفعني إلى الإشارة إلى هؤلاء الرواد هو الصفة التي تجمع بينهم وبين أبطال "الخضراء" فهم مثقفون هجروا البلاد ليعيشوا تجربة الغربة المرة
والكاتب يصوّر لنا أفراح وأتراح هذا المثقف الجديد، هذا المثقف الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، أنه المثقف النهضوي، الذي يعتبره الأديب سندبادا جديدا ولكن الفرق بين سندباد ألف ليلة وليلة وسندباد الخضراء، أن سندباد ألف ليلة وليلة، وإن تعب وخاف فإنه عاد إلى بغداد، ولكن سندباد الخضراء تاه وتعب وضيع خرائطه كما يقول خميري "أنا سندباد جديد ضيعت خرائطي .. وهدّني الترحال..“ (ص 103) فسندباد الخضراء فقد الحبيبة التي تزوجت "وتزوجت العفراء" (ص 108) وبقي وحيدا شريدا " وأنا وحدي شريد، قد طوحت بي رمال الصحراء. أصارع الكثبان فتصرعني..“ (ص 108) إنها أزمة المثقف التونسي الشاب الذي يبحث له عن موقع لم يجده في بلده ولم يحصل عليه في المهجر ولا حتى بين أصحابه المهجرين فإذا به يعيش مأساته في غربة مزدوجة أشد من غربة التوحيدي، ولعل هذه السمة المميزة للمثقف التونسي منذ بيرم التونسي تحيلنا إلى خيبة المثقف التونسي من بلاده والبحث عن موقع له المهجر. ولعل خير دليل هو ما حققه الشيخ محمد الخضر حسين (1293ه/1876 م 1377 ه/1958 م) الذي هاجر من تونس ووصل مصر بعد رحلة طويلة استطاع بعدها أن يصبح شيخ الأزهر الشريف ولعله يكون أوفر المهجرين حظا لأننا لا يمكن أن نثبت لغيره من إخوانه، عدا صمودهم وثباتهم على مبادئهم، نجاحا يذكر. فهذا خير الدين تتآمر عليه السياسية والعمالة فيقال ويطرد من تونس رغم أنه عمل على نهضتها وعزها وهذا الشيخ الثعالبي يطرد لأنه رام تحريرها ولكن نفسه الأبية تأبى عليه إلا المشاركة في نشاطه التحرري فنجده يساهم في معركة تتحرير القدس ويقف إلى جانب الشيخ الحسيني ويدعوا علماء المسلمين ليقوموا بدور الشهادة في حماية بيضة الإسلام وغيرهم كثير... في رواية "الخضراء" ننتقل مع خميري إلى الحديث عن جيل جديد من الناشطين والمنفيين التونسيين لنجده يصور لنا مثقف الصحوة الإسلامية المعاصرة والذي لفظته تونس رغم انه رام تخليصها من ظلم سلطة متحكمة وغاشمة.
2 بين باريس ولندن
باريس هي الوجهة التقليدية للاجئ السياسي التونسي وأما لندن فهي إضافة نوعية من خميري إلى التجربة السياسية التونسية أضفت بعدا جديدا لم يتم التعرض له سابقا في أدب المهجر التونسي. وهو يقدّم لنا بطلين أحدهما أسير عبد الجواد الذي تبع الطريق التقليدي للهجرة، فسافر إلى باريس والآخر وهو يوسف صديق قادته الأقدار إلى لندن ليدشن لنا تجربة جديدة لها سماتها الخاصة.
ارتبطت إقامة أسير عبد الجواد في باريس في سنواته الأولى بالفقر والجوع "كانت السنوات الأولى من إقامتي بباريس، سنوات جوع وفقر وصعلكة" (ص 104) ومما زاد الطين بلة دور الحكومة اليمينية في تعطيل ملف اللاجئين التونسيين "فالحكومة الفرنسية بزعامة اليمين رفضت تسوية ملفّاتنا..“ (ص 104) ولهذا فإن أسير، الفقير واليائس لم ير في باريس إلا صورة قاتمة "وباريس وجعي.. وباريس قرحتي الدامية..“ (ص 102) لم ير فيها إلا البرد والصقيع والأوراق المتساقطة "باريس باردة.. يلسعها الصقيع.. تتعرى أشجارها.. الأوراق متساقطة.. (ص 107) وباريس عنده أيضا "وحش لا يعترف بالضعفاء" (ص257) وهي صورة جديدة عن باريس ينقلها لنا خميري ولا نجد لها صدى عند المثقف التونسي فيما قبل لأن باريس كانت منذ أيام خير الدين مدينة للأنوار والحداثة. فخير الدين استطاع بعد زياراته لها اكتشاف مفهوم "الإقتباس" لكل ما هو أيجابي، كما كان لباريس تأثير مهم على رواد النهضة العربية الذين سعووا منذ رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده إلى النهل من الجانب العلمي للحضارة الغربية التي كانت باريس حاضرته. ولكن أسير على عكس ذلك لم يرى فيها هذا الجانب فلا نجد في الرواية حديثا عن اللوفر ولا عن برج ايفيل قبلة الزائرين إلى باريس وحتى لحظات إعجابه بباريس تظل باهتة ومحتشمة فهو يصفها بأنها مدينة حية ولا تنام "ولكن حركة الناس لا تنقطع لا ليلا ولا نهارا.. تلك هي قوة باريس.. إنها لا تستسلم..“ (ص 107) هذا الجانب الأيجابي الوحيد هو الذي لفت انتباهه فجعله صفة أيجابية لباريس، ولعلّه فعل ذلك لأنه فقد هذه الحياة في بلده الذي لا يزال يحبه ولا ينساه "ما كانت باريس لتنسني حرير تلك الأرض التي غرست وجودي زيتونا ونخيلا وماءا زلالا يمتد عميقا في جذوري" (ص 113) ولكنها تفتقد الحركة والنشاط بسبب موت الحياة السياسية فيها.
إن هذا التحول في موقف المثقف من باريس قد يعود في جوهره إلى التحول العام الذي شهده المثقف العربي في العشريات الأخيرة تجاه الغرب حيث خفتت سنوات الإعجاب والذوبان المطلق في النموذج الغربي، الذي أصبح هو نفسه ينتقد تجربته في خطاب ما بعد الحداثة، وأسير والكاتب كليهما ليسا ببعيدين عن هذا الخطاب النقدي السائد في باريس ذاتها.
وفي حين كانت باريس بالشكل الذي وصفناه فإن لندن مثلت تحولا جديدا في تاريخ السياسي واللاجئ التونسي فمحنة التسعينات جعلت من لندن مركزا جديدا للتجربة التونسية، وكانت لندن إضافة نوعية في تاريخ السياسي التونسي، تفطن إليها الأديب الخميري برهافة حسه ودقة وصفه فقادنا معه إلى هناك، إلى عاصمة الضباب، إلى لندن التي لم تكن منذ البدء وجهة للاجي التونسي الذي يرمز إليه الكاتب بيوسف قاسم، ولكنّ الأقدار قادته هناك فتحولت لندن إلى مدينة مركزية في العقل السياسي التونسي وتجاوز إشعاعها وحضورها سائر العواصم الأوروبية خاصة بعد استقرار الشيخ راشد الغنوشي بها، وبقيت العواصم الأوربية الأخرى كبرلين وفرانكفورت وجينيف وروما وغيرها في منطقة الظل، غير ذات فعل يذكر في المشهد السياسي للاجئ والمهجر التونسي وكذلك في الفعل السياسي التونسي إجمالا. فألمانيا مثلا التي آوت صالح بن يوسف في الخمسينات وحتى اغتياله، ورغم أنها ظلت دائما الموطن الآمن للسياسي التونسي لكن لم يكن لها دور مباشر في الحية السياسية التونسية وهي لا تزال كذلك إلى اليوم لأن رموز المعارضة الأساسيون موزعون بين باريس ولندن ولأن التعاون التونسي الألماني لم يرتق إلى الدرجة التي تجعل من السياسي الألماني يضع الإشكال التونسي في أولوية اهتماته في أجندته السياسية. كما أن جينيف لا تختلف كثيرا عن ألمانيا من حيث حضورها الفاعل في التجربة السياسية لللاجئ التونسي.
ونظرا لجدة لندن في حضورها السياسي فإن الكاتب وصفها وصفا محايدا بحيث أن يوسف قاسم لم يتجاوز نشاطه في لندن المجال الحقوقي ولم نجد تقييما للندن كما كان الحال في باريس وإنما كان الحديث عنها فقط باعتبارها موطنا "للقرار السياسي" الإسلامي التونسي نظرا لوجود الشيخ الغنوشي. ولكن الكاتب التفت بدقة إلى هذا البعد الجديد في التجربة السياسية التونسية والذي فتح به بابا جديدا يحتاج إلى دراسة ونظر، ويؤكد من ناحية قدرة المغترب التونسي على التأقلم والتفاعل الإيجابي في بيئته الجديدة، كما يؤكّد من ناحية أخرى على عمق الأزمة السياسية وأنسداد الآفاق في تونس حتى أصبحت باريس، المقر التقليدي، لا تتسع للعدد الهائل من المثقفين التونسيين الفارين من جحيم بلادهم وهو ما يؤذن بمستقبل مجهول لهذه البلاد قد يؤدّي أيضا إلى وجود عواصم أخرى تضاف إلى لندن وباريس تستقبل هذا المهاجر الذي لفظته بلاده ولعل روما أو أيطاليا إجمالا مرشحة لتكون قبلة جديدة لآلاف الشباب الفار من تونس في قوارب الموت بحثا عن جنة موعودة ولكنها هلامية.
ولهذا فإنني في هذا المستوى لا أملك إلا أن أبدي إعجابي بقدرة الأديب خميري على لفت نظرنا إلى عمق هذه الأزمة التي انفجرت وتؤذن بتواصلها في المستقبل لا قدّر الله.
3 إشكاليات الإنسان والزمان
لا نطمح في هذه القراءة إلى عرض بحث فلسفي لقضايا الزمان في رواية خميري ولكننا نقصد بالحديث عن إشكالية الزمان والإنسان تلك الإنفعالات التي يعيشها المهاجر التونسي في حاضره وواقعه، في طموحه وحلمه، في أمله ويأسه إلخ.. هذا الواقع الذي يميزه تفاعل هذا المهاجر مع إخوانه ومع التنظيم الذي ينتمي إليه ومع الفضاء السياسي الذي يتحرّك داخله.
وتبدأ أزمة هذا المثقف مع التنظيم، الذي أخذ الحديث عنه حيزا مهما في الرواية، سوف نعود إلى تقييمه في عنصر لاحق من هذه الورقات، ونجد ان موقف أسير عبد الجواد، ابن التنظيم، يتسم بالثورة ضد تنظيمه الذي كان يجله، فهو يقول "أنا ثائر أحمق ومناضل مجنون يركب حمار الأمة المدبور .. الأمة التي باعت خيولها للمتهورين وتجار السياسة.. أنا أحمق حين سلّمت نفسي لقادة التنظيم" (ص 40) ويقول في موقع آخر "كنت في أيّامي الأولى كلّما التقيت بواحد من قادة الحزب، ظننته المسيح جاء ليخفف من جوعي وأوجاعي.. ولكن ليس كلّ ما يتمناه المرء يدركه.. وهنا فقط تكتشف أنّ كثيرا ممن كانوا يحملون راية التغيير، كان أولى بهم أن يغيروا قبل كلّ شيء ما بأنفسهم وأخلاقهم ومعاملاتهم...“ (ص 40) كما يقول أسير: "فقد كنت جنديا بسيطا يدفعونه إلى المعركة.. المعركة التي يشعلونها باسم نصرة الإسلام والإنتصار للمقهورين" (ص257
وهو يتهم التنظيم بالمحاباة وتقديم المساعدة فقط لمن يوالونه ويتملقونه " لكي تجد عملا، وتجني مالا، وتحصد قربا منهم، عليك بأن لا تنقد ولا تتكلّم ولا تفكّر.. بل قل دائما نعم.. وهذا خير.. وهذا عظيم.. وإن ما تصنعونه شرف ومفخرة لنا وللخضراء..“ (ص 45) ليصل إلى القول بأنه لا فرق بين التنظيم أي حركة النهضة في المهجر والحزب الحاكم "قل لي بربك ما الفرق بيننا وبين بطانة الزعيم؟ ما الفرق أن تكون منتميا للتنظيم أو منتميا للحزب الحاكم، إذا كنت تنصحني بكلّ هذا النفاق والتملّق؟ ألهذا تهجرنا وتعذّبنا وتركنا الأهل والأوطان؟ أَأََمام هذا العدد الهائل من الأصنام في بلادنا تريدنا أن نصنع أصناما جديدة؟" (ص45) وهو يعيب على النهضة انها تنظيم لا يتجدد "والحزب صنم لم يتجدد ولم تتغير رموزه" (ص 103) على العكس فإن التصدع والإنشقاقات تنهشه "إنهيار يتبعه انهيار يشق الحزب..“ (ص 102) يضاف إلى هذه الحالة التي تعيشها الحركة حالة أسير نفسه، فهو الفقير المعدم، "قلبه المبتور لا يزال يخفق هناك بين الحقول والبساتين، هناك بيته وأسرته وأصحابه...“ (ص 39) إلى درجة أنه يعتبر نفسه منذ غادر بلده قد غادرها إلى الموت (ص 38) لأنه يعتبر أن هجرته تتواصل في فراغ (ص25). وفي هذا الخضم كره الحزب الذي ينتمي إليه، لأنه لم يعد يرى إلا الفراغ ولم يعد ينتظر إلا الفراغ ولذلك فهو يصل إلى نتيجة مزلزلة عندما يقول "فأغلقوا الدّكان يا جماعة التنظيم..“ (ص 106) ويدعوا بالتالي إلى حل حركة النهضة ويعتبر أن ذلك مقمدة أساسية لإصدار عفو تشريعي عن المساجين "لعل الله يعجل بأطلاق الأحبة" (ص106)
ولا شك ان هذا الكلام لا يعدوا أن يكون صرخة يائس لأن حل الحركة أو عدمه ليس هو المقدمة ولا هو الشرط الأساسي لحل إشكالية الحرية وبناء المجتمع المدني في تونس. فالإشكال في تونس أعمق من مثل هذه الخطوة التبسيطية فقضية الحرية في الخضراء لا يمكن بأي حال اختزالها فقط في صراع بين النظام والنهضة وإن كان هما العلاماتان البارزتان في هذا الصراع وإنما هي اعمق من ذلك بكثير.
ثم يشير إلى فرض معركة الحريات ويتحسر على خسارتها بأسى مخلوط بالجلد الذاتي "آه الويل لمن سرّج الخيل طويلا ولم يركبها.. وبعد ذلك باعها مقيدة للجلاد..“ ليصل في حدة نقده للتنظيم إلى اعتبار "فرسان الحزب.. إنهم فرسان من ورق.. فرسان مزيفون يجلسون معا.. ويتحدّثون معا ويتاجرون معا.. ويشاهدون التلفاز معا..“ (ص 40) ويتحول الخطاب هنا إلى مباشراتية قاتلة قد لا يستطيع كل المهاجرين الإجماع عليها، ولكنها قد تعكس وضعية المهجرين في عقد التسعينات في باريس لأن هذا المشهد لم أره في غير هذه المدينة، إنه إنقسام بين قيادة وقاعدة، سادة وسوقة، فرسان وجنود.. ولكنها تأوهاه ابن التنظيم الذي أحب حزبه ولكنه فوجئ بالهزيمة التي لم يعرف لها سببا ولم يجد لها مبررا وعندما سأل وحاول التقصي اتهم وصد وأغلقت في وجهه الأبواب.
ومن الملفت للإنتباه أن الكاتب قد حصر هذه الحالة النفسية على أسير عبد الجواد فيوسف صديق لم يكن لديه نفس هذا الشعور الهائل بالهزيمة وإنما وجدناه مستقرا مسلّما أمره إلى الله. وهو ما دفعني إلى التساؤل هل ان ابن التنظيم كان أكثر إحساسا بالمحنة أو بالهزيمة؟
الحيرة واليأس والأمل
ويقود الإحساس بالهزيمة إلى حالة من اليأس نجد صداها عند أسير عبد الجواد الذي تصل به حالة اليأس إلى اعتبار أن المستقبل لن يأتي بجديد وإنّما سيعيد تكرار نفس الهزيمة " وقد لا نرى في المستقبل كتاكيت وفراخا!!!“ (ص 102) وهو ما ادى إلى موت إحساسه بالزمن وتعاقبه " وماتت في قلبي الفصول.. ومات الربيع" (ص103) ولكنه ينتبه فيعيد الحالة إلى نفسه " أو ربما هو يأتي وأنا المتلحّف في سوادي لا أراه" (ص 103) إنه سندباد ضيع خرائطه ففقد طريق العودة. (ص 103) وأسير يعتبر نفسه طائر أخضر " توقف منذ زمن عن الشدو" (ص 101) لأنه يرى نفسه مشوّها "أنا واحد من هؤلاء المشوّهين" ص 223 وأنه دونكيشوط جديد (ص 39) أو هو "رجل نكرة يبحث عن أدوات تعريف" ص 259 ولكن هذا النكرة يبحث له عن موقع تحت الشمس لذلك نجده بعد أن سقط في حالة من العدمية، يعود ويصرخ وكأنه استفاق من غيبوبة قائلا "أريد أن أحيا بكل مرارة الواقع.. أريد أن أتصالح مع واقعي بكل مرارته وأوجاعه..“ (ص 267) وفكرة التصالح مسألة إيجابية في فكر أسير قد تخرجه عن ملحمية راسكولنيكوف، خاصة أن هذه الحياة يريدها أن تكون عن طريق الكتابة وبالتالي التأريخ "وحلقت من جديد مع الكتابة وأنا أعانق دفتري وأكتب..“ (ص 267)
وأعتقد أن وصف هذه الحيرة، بين اليأس والأمل، بين الخوف والرجاء مهمة وقد عايشها قطاع كبير من أبناء النهضة أنفسهم ولو لم يخرج أسير وبالتالي مؤلّف الرواية من حالة العدمية واليأس لفقدت هذه الصورة رونقها لأنها تصبح مصطنعة لا جمال فيها ولا أصالة.
الواقع الإجتماعي والسياسي التونسي من خلال الرواية
يقدّم لنا الكاتب عائلة يوسف قاسم كنموذج للعائلة التونسية التي نجحت السلطة في إحداث هزة عنيفة داخلها من خلال سياسة زرع الرعب. فالأعمام، والأخوال هجروا عائلة يوسف قاسم (ص121) كما هجروا عائلة أسير عبد الجواد (ص 116)، خوفا أوجبنا أو إكراها وفي هذا المستوى نجحت السلطة في إحداث إختراق للأسرة التونسية وربطتها بالسلطة، لتكون مصدرا مزوّدا بالمعلومة أو محاصرا لعائلة الإسلامي الذي شابه حاله حال طرفة ابن العبد الذي أبعدته القبيلة إبعاد البعير الأجرب، فيكفي وجود إسلامي واحد داخل أسرة لتسجّل تلك العائلة ضمن دائرة المغضوب عليهم فيحرمون من حقهم في العلاج، والدراسة والوثائق الإدارية. وهذا الوضع دفع بالعديد من الأفراد داخل العائلة للتبرّا من أبنائهم من أجل "استعادة" حق المواطنة، ويكون هذا التبرأ إما بتزويد السلطة والجهاز الأمني بأنباء عن إسلامي العائلة في بعض الحالات، أو بالمشاركة في لجان الأحياء أو غيرها. إلا أن خميري يريد أن ينبهنا إلى شيء وهو وإن نجحت السلطة في إختراق الأسرة الكبيرة، الأعمام والأخوال إلا أنها لم تنجح في اختراق العائلة الصغرى، الأم والأخ والأخت... ولكنها، مع الأسف نجحت في تمزيقها فأرهقتها واستذلتها ودفعت بها إلى الأمراض والإنهيارات العصبية والشيخوخة، فجدة يوسف لازمت غرفتها، ووالدته انهارت، وأخته سجنت والأخرى هاجرت مع زوجها وأخوه نصر الدين سجن، وأما يوسف نفسه فعذب وسجن وتشرد وهاجر وماتت زوجته وأصابه اليأس لولا تمسكه بحبل الله.
ولهذا يغدوا تساؤل سلوى، زوجة يوسف، "هل نحن في جمهورية أم في غابة امتلأت وحوشا؟" (ص 73) تساؤلا مبررا يصف حالة موضوعية لم يصنعها المؤلف من خياله وإنما نجح فقط في نقلها إلى قارئه بأسلوب شيق، وكان من نتائج ذلك، كما قالت سكينة، أن "الشرطة السرية فرخت في كل مكان يا أخي.. ودولتنا دولة البوليس المقدس والظلم المقدّس.. فأحسن بطيخة للزعيم.. والصياد عندما يصطاد سمكة إذا خرجت صغيرة أخذها، وإذا خرجت كبيرة أرجعها إلى البحر، فهذه من نصيب صياد الزعيم.“ (ص 59).
فالمواطن التونسي بعد أن فقد حق المواطنة وضاقت به الدنيا يجرج من بلده ليعود إليها جثمانا في صندوق ، مثلما عادت جثامين العديد من السايسيين التونسيين "وحطت الطائرة ونزل الجثمان..جثمان كمال وجثمان الكثير من أبناء الخضراء، ممن اقتحمهم السرطان وقادهم في غربتهم إلى الردى" (ص 261) وهنا يذكرنا الكاتب بالعديد ومنهم السياسي الإسلامي محمد بومعيزة الذي أصيب بالسرطان ورجع بعد ان توفي إلى بلده جثمانا. قد تكون هذه الصورة التي يريد ان يقدّمها لنا الكاتب عن هذا البلد الجميل الهادئ القابع على ضفاف المتوسط والذي تشع شمسه فتجلب إليه الملايين الذين يغبطونه على جماله. ولكن هل رأى المواطن التونسي شيئا من هذا الجمال؟
ث نماذج من الصور الفنية والتعليق عليها
1 إعتمد الكاتب أسلوب الفلاش باك وذلك باعتماد الحاضر للحديث عن الماضي، فالكاتب بدأ عرض قصة أسير عبد الجواد من النهاية، أي من باريس بعد عشر سنوات، ليعود فيحدثنا عن يوم فراقه لتونس يقول أسير عبد الجواد :“غادرت بلادي تحت وابل من الأمطار .. كأن السماء غاضبة لما حاق بهذه البلاد من ظلم، اكتوى الناس بناره، ولم يقدر الشعب ان يرفع رأسه من التراب.. ولم أدر وقتها أني أغادرهم إلى موتي..“ (ص 37) فيصور اسير عبد الجواد مغادرة البلاد وكأنها هجرة إلى الموت، ولذلك نجد أن السنابل تتفاعل حزنا مع هذا المهاجر في رحلة موت "ومن ذلك اليوم لم تعد السنابل كعادتها، قائمة شامخة منتصبة في كبرياء.. فقد جثم الخوف والجوع والقلق على البؤساء لسنوات طوال" (ص38) في مشهد أشبه بالرثاء تفاعل معه الليل الذي حزن لحزن البطل، "وظل الليل راكدا مثل ماء غدير متعفّن، ضرب الخز قاعه وحواشيه وولى صفاء مائه واستباح عذوبته ملح أجاج" (ص 82)
2 نجد في الرواية لقاءان مهمان أحدهما لقاء يوسف بإسلام، حبيبة الشباب، والثاني لقاء البطلين أسير عبد الجواد ويوسف قاسم. فأما لقاء يوسف مع إسلام في لندن فإنه كان منتظرا وكانت أحداث القصة منذ البداية توحي بأنه سيحصل، فمنذ الصفحات الأولى للرواية شعرت أنهما سوف يلتقيان من جديد وذكرني هذا اللقاء بأفلام الحب الهندية التي تباعد بين الحبيبين ولكنها تأبى في النهاية إلا أن يلتقيا وينتصر حبهما.
وأما اللقاء الذي جمع بين أسير ويوسف فهو لقاء دقيق موضوعيا، ومحبوك روائيا وممكن واقعيا ولقد حدثت لقاءات شبيهة بهذا اللقاء، وكانت وفاة الأشعث، ابن عمة إسلام، والذي سافر إلى باريس منذ الثمانينات كطالب نجيب لأنه الأول على دفعته (ص 303) الذي تعرّف عليه في معهد العالم العربي ثم التقيا مجدّدا في المستشفى حيث قضى الأشعث نحبه وترك وصية لأسير لكي يتصل بإسلام ويسلمها حقيبته بعد نقل جثمانه إلى تونس لنجد ان عدد الجثامين التي نقلت إلى تونس يصبح قضية ملفتة للإنتباه في القصة وكأن الكاتب يريد ان يقول لنا ان التونسي، ومنذ دولة الإستقلال، إذا نفي فإنه لا يرجع إلى بلاده إلا جثمانا فهذا صالح بن يوسف أول وأهم المعارضين التونسين لدولة ما بعد الإستقلال يعود جثمانا إلى بلده والقائمة تطول فهل أن الكاتب يريد ان يبلغنا هذه الصورة أم أنه يريد فقط الإشارة إلى عمق الأزمة التونسية؟
وفي كل الحالات فإن المشكل قائما لأن أولائك الذين عادوا إلى تونس وبحثوا عن خلاص فردي والذين كانت للبعض منهم مبررات موضوعية ككبر السن مثل الدكتور الفاضل أحمد المناعي أو بحثا عن خلاص فردي فإن عودتهم تعتبر موتا سياسيا لأنها لم تحقق طموح المنفى، ولم تستجب لما ينتظره المحاصر في الداخل، فغدى العود إلى البلاد موتا بمعنى من المعاني لأن العودة أصبحت في حد ذاتها مطلبا أساسيا يمكن أن يراهن بل يزايد عليه البعض، وهذا ما يحيلنا مجددا إلى عمق الأزمة في تونس التي غدت تغتال أبنائها.
3 بين البطلين: يوسف قاسم وأسير عبد الجواد
من الواضح أن الكاتب أختار أسماء أبطاله بعد تفكير طويل . فيوسف يرجعنا إلى يوسف الصديق عليه السلام في أحسن القصص1 ولذلك نجد تضمينا كثيرا لمعان ولأحداث من قصة يوسف عليه السلام ومقارنة بين يوسف عليه السلام ويوسف قاسم وأن الأخير يسير على خطى الأول. فيوسف إذا اختيار واع لربط البطل المركزي بيوسف ابن يعقوب الذي عذب من إخوته ثم ألقي في الجبّ ثم هاجر إلى مصر حيث سجن ولكنه فاز في الأخير على المحن، وأما يوسف قاسم فقد سجن في بلده وعذب من أبناء وطنه، فهل هؤلاء هم إخوانه؟ ثم هجّر ودخل السجن وصبر وصابر ثم استقر به المقام في لندن حيث أحس بالأمن والأمان وسار بذلك على خطى يوسف الصديق عليه السلام. فهل أن الكاتب يريد أن يدافع عن نظرية استيطان الدعوة بالمهجر؟ لا أعتقد ذلك لأن الكاتب انتقد في مواقع أخرى من كتاباته تفكير بعض الإسلاميين في الإستقرار في الغرب!
وأما أسير عبد الجواد، فهو اسم محير، شغلني كثيرا! وحاولت أن أفهم لماذا هذا الإسم؟ وما هي الحكمة من اختياره؟ إنه أسير ولكنه لم يدخل السجن؟
ألأنه دخل التنظيم! وهل الإنتماء أسر أو التزام؟ مسؤولية أو خذلان؟
ثم إن سؤال الهوية يتكرر كثيرا عند أسير في حين لا نلاحظ ذلك عند يوسف، فاليأس تملّك من أسير حتى صار يقول" إنني رجل نكرة يبحث عن أدوات تعريف" ص 259
ولكن رغم هذه الأسئلة التي أثارها هذا الإسم فإنّي وجدت متعة في تتبع مأساة أسير الملحمية لأنها ذكرتني براسكولنيكوف في رواية "الجريمة والعقاب" لدوستوفيسكي .
راسكولنيكوف هو بطل رواية "الجريمة والعقاب" التي تدور إحداثها في أزقة بترسبورغ القذرة وبيوتها الضيقة ووسط معاناة سكانها، فالبيوت التي يعيش فيها أبطال الرواية مثل راسكولنيكوف وصوفيا ضيقة، مكتظة، معتمة تقع في أحياء مزدحمة بالسكان عندما تجاورهم تلمس التنافر والتباعد ولا تجد عندهم روح التقارب، تجد الإنسان يحس بالوحدة بين الاخرين، هذه العوامل دفعت بل شجعت راسكولنيكوف على قتل المرابية. راسكولينكوف كان يسكن في غرفة ضيقة ولا يملك النقود لتسديد ايجار غرفته. فقتل المرابية ولكنه بعد قتلها أصبح يحاول العودة إلى المجتمع. هذه صورة مختصرة عن "الجريمة والعقاب" استحضرتها وأنا أقرأ "الخضراء" خاصة عند تتبع مشاهد المأساة والغربة التي كان يحس بها أسير عبد الجواد والتي استطاع الخذيري أن ينقلها بشكل مبدع ورائع فهو يصفها بأنها موجعة ورهيبة "الغربة عن الديار ومرابع الصبا موجعة ورهيبة..“ (ص102) والغربة تمزق العلاقات وتهدد الحب فالخذيري يصف لنا تأهوات امرأة في شوارع باريس "امرأة مترنحة سكرانة تسب وتشتم، تغني، تبكي، تصرخ، ثم تعود للغناء، ويخرج الكلام متقطعا، ساخطا، متعثرا: ابني تركني، زوجي طلقني، ابنتي تزوجت فرنسيا، أنا وحيدة.. أريد ان أعود إلى المغرب.. أعود لأموت هناك فلم أجن من الغربة إلا الجراح والمآسي" (ص44) مآسي قد تكون في قسوتها أعتى مما عرضه دوستيوفسكي في شوارع بيترسبوغ لأن الكاتب جمع لنا باختصار شديد أهم المشاكل التي يعيشها المهاجر في مدينة ضخمة، صاخبة، حية مثل باريس : علاقات زوجية مهددة بل ومدمرة، أبناء متمردون تائهون يعيشون بين هويتين متصارعتين بسبب جهل أو تهميش من الدولة أو من الجمعيات المهاجرة التي لم تستطع أن تحيط بهؤلاء الشباب، خيانات زوجية، بطالة وعطالة... وهكذا يجد المهاجر نفسه وحيدا داخل الكثرة، صامتا بين الأصوات العالية الصاخبة ليفقده المنفى اللذة الإحتفالية حتى يوم العيد فتستوي عنده الأيام وها أننا نجد أسير يقارن يوم العيد بين الأكلات التي يأكلها الآن وبين التي كانت تقدمها له جدته "آه كم هي لذيذة أكلاتك يا جدتي.. العيد مبتور في المنفى" (ص117) وهو وصف دقيق لطبيعة العيد التي يجد المهاجر نفسه فيها بعيدا وحيدا يفتقد إلى دفئ العائلة وحنان الأم وشفقة الأب.
معاناة راسكولنيكوف تعود إلى قتله المرابية ثم انفصاله عن المجتمع وغربته فيه ومحاولته العودة إليه. وأما أسير عبد الجواد فمعاناته ليس لأنه مجرم، إذ هو لم يقتل أحدا وإنما تعود إلى سببين أساسيين وهما:
أولا أنه اجتث من جذوره، من وطنه، وهو الطالب الناجح الذي لا يزال في عمر الأمل والطموح، ليجد نفسه في المنفى، رفيقه الفقر والتهميش في مدينة ضخمة، باريس، وهي حتما أكبر من مدينة سان يترسبوبورغ في القرن التاسع عشر حيث دارت أحداث قصة الجريمة والعقاب، ولكن أسير لم ير في باريس إلا جانبها البئيس الحزين القاسي. فحتى شارع الشان شاليزي لم يكن يعجبه.
ثانيا أحس بالغربة داخل التنظيم الذي قدم له، مخلصا، أحسن طاقاته وخير أيامه ولكنه لما أراد أن يناقش وطالب بالتقييم ركله التنظيم وتخلى عنه وعده من المشاغبين، حتى استوى عنده في صورة ملحمية التنظيم والسلطة. فلم تختلف عنده سلطة التنظيم وسلطة الحزب الواحد في تونس ليحيلنا إلى نظرية أن الأحزاب العربية، إسلامية أو غيرها هي اجترار لتجربة الأحادية السياسية في بلادها وهي نظرية خطيرة إن كان الكاتب يدافع عنها. كما تحيلنا إلى نظرية "سلطة الخطاب " أو نظام الخطاب وسيطرته التي تناولها الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو والذي كان لها حضور بارز لدى الطلبة التونسيين، ليس فقط في قسم الفلسفة وإنما أيضا في الأقسام الأخرى وخاصة لدى الطلبة الإسلاميين.
وهنا نجد أن إمكانية العودة إلى المجتمع لدى راسكولنيكوف أيسر منها لدى أسير عبد الجواد، لأن عودة راسكولنيكوف، هي عودة إلى الطبيعي إلى الأصل في الأشياء أو إلى العقد الإجتماعي، ولكن إلى أين يعود أسير عبد الجواد وهو الذي أجبر على مغادرة بلده، واصبح مطاردا كالمجرم، حيث لا جريمة.
أيعود إلى التنظيم؟
حيث أقصي بلا سبب!
إننا نجده تائها في شوارع باريس يتمنى أن يأكل رغيفا ساخنا أو وجبة دسمة ولكنه لا يملك المالي الكافي لشرائها.
4 أثارت شخصية سليم المعتوه انتباهي. لماذا أورده الكاتب؟ وما الذي يريد أن يقوله من خلال هذه الشخصية؟ أن دورها ثانوي ولكنه مهم! لقد كانت خاتمة سبعة فصول من مجموع ثلاثة عشر فصلا للرواية! هذا التكرار لفت انتباهي لهذه الشخصية.
فلماذا الإستشهاد بهذا المعتوه؟
هل لأن الحياة السياسية التونسية انعدمت لدرجة ان السعيد هو المعتوه وبالتالي فإن الموازين تغيرت في هذا البلد الجميل والرائع بعد تغيير السابع من نوفمبر؟ الذي وعد بأنه لا ظلم بعد اليوم، فإذا بتونس تشهد ظلما لم تره قبل! وبالتالي يصبح النفي هو الأصل والحقيقة هي الوهم والظلم هو العدل ، والنفي هو الحوار وبالتالي الجنون هو العقل؟؟
إنها مأساة بلد!! فهل أن سليما المعتوه هو نيتشه تونس الذي يحمل معوله ليهدم صرح الوهم الذي يعيشه هذا الشعب فيغدوا سليما العاقل الوحيد الذي رأى ما لم ير غيره؟ هل أنه لكي تعيش سعيدا في تونس يجب ان تكون معتوها؟
هل أن التداخل بين الحقيقة والوهم في هذا البلد تعقد حتى صار التمييز بينهما مستحيلا؟
أسئلة أتركها معلقة لأن الإجابة عليها تتطلّب تأويلا قد يخرجني عما قصد إليه المؤلف ولكني أكتفي بالقول بأن هذه الشخصية مثيرة.
ج ملاحظات نقدية
أبطال الكتاب طلبة ومثقفون وافتقدت الحديث عن أولائك الذين لا ينتمون إلى هذا الصنف فقد تعرضوا هم أيضا لنفس المحنة أو أكثر. فلم نجد الكاتب يتحدّث عن الأب الذي سجن أو تشرد وترك أطفالا قد يصل عددهم في بعض الحالات إلى خمس أو ست دون عائل.
نعت التنظيم أو النهضة في المهجر بكل النعوت السلبية ووصف قياداتها بكل ما هو سلبي ولا أخلاقي ولا إسلامي لم نر له ضرورة ومثّل هنة من هنات النص الروائي لأنه لم يكن له حقيقة تسنده، فالنهضة لم تشهد مثلا عمليات انشقات كما يؤكد الكاتب على لسان أسير بقوله "إنهيار يتبعه انهيار يشق الحزب..“ (ص 102) فهذا لم يحدث تاريخيا وإنما هناك حالات من الإستقالة والإنسحاب التي لا يمكن وصفها بالإنشقاقات، فبدا الموقف العام من التنظيم متسرّعا ولم يخضع إلى الدقة النقدية والنزاهة الكافية. كما انه لا وجود لمبرر حقيقي للنقمة على التنظيم، "وفي كل يوم تزداد نقمتي على التنظيم وقادته..“(ص 260) وهكذا كان يمكن للكاتب أن يكون ناقدا وينتج نصا رائعا يقبله القارئ ولكن أن تشخص بعض المشاكل والمواقف مما يوحي للقارء أن الكاتب يحاول تصفية حساب مع التنظيم الذي كان ينتمي إليه، فنحن وجدنا أسير غاضبا، ساخطا ومهزوما، كما وجدنا الأشعث ناقما متمردا يعلن أن ما حدث هو مما جناه عليه التنظيم، فيذكرنا بيأس إبي العلاء المعري الذي رفض الزواج لكي ينجب الأبناء. فهل يدعوا الكاتب إلى أن يَهْجر أبناء الصحوة أحزابهم؟ والدخول في عدمية سياسية! أو فوضوية هيكلية!
وهكذا يجعلنا سياق الرواية نجزم أن الكاتب غاضب وصاخط على النهضة المهجرية ولكنه لا يمتلك موقفا نقديا واضحا وهو ما نتمى أن يتجاوزه في نصوصه الروائية القادمة التي نأمل أن تكون بوابة جديدة لأدب المهجر.
نهاية الرواية فيها شيء من الضغط والإصطناع لأن الكاتب أراد أن يخرجنا من حالة اليأس إلى الأمل فتسارعت الأحداث وتسارع الزمن واختصرت الجمل وبالتالي ضغطت اللغة فحصل القفز والسرعة والإصطناع وكان يمكن للكاتب ان يترك قصته مفتوحة على آفاق أرحب لأن إشكالية الحرية في بلده لم تحل بعد وبالتالي فالسؤال الذي أثاره لا يزال حيا وهو يجب أن يظل حيا ليبقى سؤال الحرية حيا.
الخاتمة
بعد أن قرأت الرواية طرحت السؤال التالي: هل كانت شخصيات الرواية دمى متحركة يعبث بها الكاتب كما شاء؟
من الواضح أن شخصيات الرواية شخصيات حقيقية ولم يصنعها الكاتب وإن كان حبك طريقة تصرفها ونقلها إلى قرائه من وجهة نظر حاول أن يجعلها واقعية وأمينة لأني أعتقد أنه كان يطمح أن يبلّغ من خلالها كثيرا من المواقف والآراء السياسية تجاه التنظيم والسلطة والواقع الثقافي وحياة اللاجئ وآلام المهجر والغربة. كما أنّ الرواية نقلت لنا صورة حية عن عبد الحفيظ خميري، الذي لم أكن أعرفه شخصيا قبل مطالعة الكتاب، ولكني أحترمته وازددت به إعجابا بعد ما قرأت الرواية. فهو يحدّثني عن نفسه وعن نفسي وعن كثير ممن شاركونا الطريق، وعاشوا عذابات الغربة.
كما أنّي تفاعلت كثيرا مع البطلين: يوسف قاسم وأسير عبد الجواد، وأحببتهما، وأشفقت عليهما، خاصة على أسير عبد الجواد، لأني وجدت أنهما بشكل أو بآخر، يتحدثاني عني ومعي، بلغة فهمتها وعقلتها، فوجدتني في لحظاتي صفائي أقرب إلى يوسف، وفي لحظاتي أزمتي ومحنتي وحيرتي أقرب إلى أسير عبد الجواد.
إن رواية "الخضراء والسنوات العجاف" وهي باكورة أعمال المؤلف ولئن تحدّثت عن السنوات العجاف في بلد رائع وجميل فإنها لفتت انتباهنا إلى أنها سنوات، لا يمكن أن تتحوّل إلى أزل لأن شمس الحرية سوف تشرق ذات يوم على هذه القطعة من الأرض كما أشرقت على مصر، أيام يوسف عليه السلام، بعد سنوات عجاف لكي يغاث الناس ويعصروا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.