"من النّوى يوم الفراق بكيت دمعا دون عين" وأنت تستعد لحضور عرض "من النّوى" لجهاد الخميري ومحمد علي شبيل تستحضر هذا المقطع. "النّوى" بمعنى "البعد". تستبد بك الكثير من الذكريات المؤلمة والسعيدة. تتذكر من رحل فجأة بلا وداع، وكأن الرحيل الذي يسبقه الوداع أخف ألما، لا يبدو الأمر كذلك فالرحيل الذي يسبقه الوداع والمتبوع بالبعد والفراق موجع أيضا. "من النّوى" أكثر من عرض موسيقي أصاب "عماد العليبي" وفريقه ببرمجته في الدورة السادسة لأيام قرطاج موسيقية ليلة السبت 12 أكتوبر 2019 بمسرح المبدعين الشبان بمدينة الثقافة. هو تجربة تحمل الكثير من الاستثناء والتفرد موسيقى وآداء. جهاد الخميري العازف البارع على البيانو والصوت المخملي الذي كان مقتصدا في استغلاله في "من النوى" ليفسح المجال لواحد من أجمل الأصوات التونسية "محمد علي شبيل". بين نقرات البيانو والآداء الصوتي لجهاد الخميري جوابا ومحمد علي شبيل قرارا انطلق العرض أمام دهشة الجمهور وإنصاته. "من النوى" رحلة موسيقية في كلاسيكيات الموسيقى التونسية والعربية، هكذا قدم "جهاد الخميري" عرضه ولكنه في الحقيقة كان أبعد من ذلك وأعمق بكثير. هو رحلة في أعماق القلب، عنوانها الصدق. ومتى كان المشروع صادقا لا يحتاج إلى فرقة ماسية ولا إلى جوقة. بيانو فقط وإحساس لا حدود له بين العزف والآداء الصوتي والغناء. أنت تسمع "خميس ترنان" ولكنك لا تتعرف عليه. أنت تنصت إلى أم كلثوم ولكن بروح جديدة ومختلفة. يهزك "محمد علي شبيل" بصوته في عنف لذيذ وهو يشدو "في البريمة"، "يلا تنام ريما"، "ألف ليلة وليلة"، "أم الزين الجمالية" بطريقته الخاصة التي تمتزج بآدائه الصوتي لمقطوعات أخرى من تأليف "جهاد الخميري" مثل "موال" و"أجن" "من النّوى" عرض ممتع، مبهج، ينفذ إلى أعماق السامع ويحرك فيه الكثير من الأحاسيس أما في النصف الثاني من السهرة فكانت التجربة مختلفة مع عرض "خماسي" لسيف بالنية. خمس عازفين على آلات البيانو، العود، الكنترباص، القانون والإيقاع. ومقطوعات موسيقية هادئة ومريحة للنفس كانت فرصة لاكتشاف عرض "خماسي" وهو أيضا تجربة تثبت أن المشهد الموسيقي في تونسي متنوع ومتعدد.