وزير التعليم العالي يقود وفد تونس المشارك ببيكين في فعاليات المنتدى الصيني الافريقي للابتكار في التعاون والتنمية    تونس تشارك في بطولة العالم للكيك بوكسينغ بابوظبي بستة عناصر    وضعية الأراضي الدولية و مسالك تعصير الانتاج الفلاحي...ابرز محاور مداخلات النواب    يهم مستعملي الطرقات السيّارة..#خبر_عاجل    وزير الخارجيّة يشارك في أشغال القمّة السابعة للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي    شراكة جديدة بين الطرُقات السيارة والبريد بش يسهّلوها على التوانسة...كيفاش؟    عاجل/ إسقاط هذا الفصل من الميزانية: ظافر الصغيري يكشف..    جمهور غفير يُتابع مسرحية "الملك لير" وتكريم للفنان الكبير يحيى الفخراني    عاجل/ الساحة الفنية تفقد الممثل نور الدين بن عياد..    إيقاف ''تيكتوكوز'' متهمة بنشر محتويات مخلة بالحياء    غيث نافع: شوف قدّاش كانت كمّيات الأمطار في مختلف الجهات التونسية    تقرير الامم المتحدة: المدن تؤوي 45 بالمائة من سكان العالم اليوم    مسرحية "(ال)حُلم... كوميديا سوداء" لجليلة بكار والفاضل الجعايبي: عمارة تتداعى ووطن يعاد ترميمه    دراسة: 57 بالمائة من المتكونين في ميكانيك السيارات يعرّفون حادث الشغل على انه المتسبب في أضرار بدنية فقط    مونديال 2026 – مباراتا نصف نهائي الملحق العالمي يوم 26 مارس    تونس تشارك في المؤتمر الدولي للسياحة العلاجية بتركيا تحت شعار " الدبلوماسية الصحية والابتكار"    قرمبالية تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فاكهة "التنين" بالحديقة العمومية    جامعة عملة التربية تدعو الى التفعيل المالي للترقية بالملفات وبالاختيار لسنة 2024    كميات الامطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    "حاجات جامدة بتحصللي من أقرب الناس"... شيرين تكشف حقيقة اعتزالها الغناء    عاجل: وفاة الممثل نور الدين بن عياد    مدنين: تظاهرة "نسانا على الركح" تحتفي بالمراة الحرفية في دورة عنوانها "حين تروى الحرف"    جائزة الدكتور صلاح القصب: تتويج فاضل الجعايبي    صادم: الجزائر تُحذّر من ''مخدّر للأعصاب'' يستخدم لاغتصاب الفتيات    النفيضة : يوم ترويجي لزيت الزيتون بحضور سياح من عدة جنسيات    عدد ساعات العمل في تونس: 2080 ساعة سنويّا لهؤلاء و2496 ساعة لهذه الفئة    فاروق بوعسكر:هيئة الانتخابات جاهزة وقادرة على تنظيم الانتخابات البلدية في ظرف 3 اشهر    وقتاش بش يتحسّن الطقس؟    رابطة الأبطال الإفريقية - نهضة بركان يتفوق على "باور ديناموس" الزامبي (3-0)    نابولي يتصدر البطولة الإيطالية مؤقتا بفوزه على أتالانتا    اليوم: تواصل الاضطرابات الجوّية مع انخفاض درجات الحرارة    تواصل انخفاض درجات الحرارة الاحد    "رويترز": الولايات المتحدة تستعد لشن عمليات سرية في فنزويلا للإطاحة بحكومة مادورو    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    الشرطة البرازيلية تعتقل بولسونارو    ترامب يتهم الديمقراطيين بالخيانة    عقب خلافها مع ترامب.. مارغوري غرين تعتزم الترشح للرئاسة الأمريكية    استشهاد 24 فلسطينيا في ضربات إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة    عاجل/ تحذير من مخدر أعصاب يستغل في اغتصاب الفتيات..    القبض على المتّهم وتحقيق لكشف الأسباب .. يحرق سيّارات ويحاول احراق بيت بساكنيه!    أولا وأخيرا .. خيمة لتقبل التهنئة و العزاء معا    ذبحه وقطع عضوه الذكري.. خليجي يرتكب جريمة مروعة في مصر    رغم توفّر بقية المواد الأساسية...لماذا تختفي «الزبدة» من أسواقنا؟    عاجل/ حماس تفتح النار على اسرائيل وتتهم..    عاجل/ الرابطة المحترفة الثانية (الدفعة الاولى) النتائج والترتيب..    نحو ابرام اتفاقية شراكة في القطاع الفلاحي مع الباكستان    خبير يُحذّر من تخفيض أسعار زيت الزيتون في تونس    شكوني خنساء مجاهد اللي قتلوها بالزاوية في ليبيا بالرصاص؟    أبرد بلاصة في تونس اليوم السبت... الرصد الجوي يكشف    في بالك في كوجينتك عندك : سر طبيعي يرفع المزاج ويقوّي الصحة    لأول مرة في تونس: إجراء 3 عمليات دقيقة بالليزر الثوليوم..    الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة تنظم سلسلة من الجلسات التوعوية عبر الانترنات لدعم جهود مكافحة المضادات الحيوية    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    العاصمة: الاحتفاظ بصاحب دراجة"'تاكسي" بعد طعنه عون أمن داخل مركز    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي..أمطار بهذه المناطق..    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجب حاجي يكتب لكم : قراءة في رواية "حرقة الى الطليان" لصالح الحاجّة
نشر في الصريح يوم 18 - 11 - 2019

بدئا من الصعب فصل الغث من السمين، اذ تكاثرت الكتابات في التاريخ للكشف عن جوانبه الغير معروفة، كل حسب ذكرياته وتأملاته وتعاليقه ومساهمته خاصة في اسباب الاحداث وخفاياها، وتعد كلها اضافة في احياء الذاكرة، وتسليط الاضواء عن الزوايا المجهولة والخفية، لنضال امة، وبناء دولة حديثة، حتى ان بعضهم يدفعهم حقدهم الدفين الى محاولة الشك في كيانها، لانهم لم يشاركوا أصلا، ولا اهلهم، في بعثها، و لنترك هذا الباب لأهل الاختصاص للحكم على ما يكتب من هنا وهناك، وذلك بالرجوع الى المراجع الثابتة والتي يقع عليها اجماع الباحثين.
وفي سلسلة الكتب، صدر أخيرا كتاب، لفت انتباهي عنوانه «حرقة الى الطليان» للصحافي المحترف صالح الحاجّة، وهذا الكتاب، من أول وهلة، يختلف تماما من حيث المضمون والشكل واللغة عن كل كتب التاريخ وحتى الروايات التاريخية التي نجدها في الأسواق، لان الصحافي المحترف، صالح الحاجّة، من الصحافيين الممتازين الذين تركوا بصماتهم في الميدان الاعلامي بصفة عامة، وفي الصحافة خاصة، سواء في جريدة الصباح، حيث كان له ركن يميزه، يتناول فيه كل المواضيع الحياتية، ويشهد الجميع له في تحاليله، بالتحرر الفكري والسياسي، وكذلك بالإبداع في الكتابة،
وللتذكير فقط، لأن صاحبنا غني عن التعريف، امتدت مسيرته على حلقات من محرر في صحيفة تشغله، الى بعث جريدة هو المسؤول على إدارتها من تمويل وتحرير وتصرف وما الى ذلك من الواجبات البشرية والقانونية الضرورية، عنونها "الصريح" التي كانت في أول الأمر أسبوعية، ثم حوّلها الى يومية، اخذت رواجا لا مثيل له بين القراء، وأخيرا تفاديا للأزمات الكبرى والمتواصلة محليا وعالميا للصحافة الورقية، اختار اللجوء الى الخط الافتراضي تماشيا مع العصر، لكن الخط التحريري بقي المرجعية التي امتاز بها صاحب الرواية، وهي واجب التحفظ والموضوعية، ونقل الخبر بعد التثبت فيه، وسخر، بيد مفتوحة، في صحفه المتنوعة، الفضاء لكل الآراء دون استثناء، شريطة احترام الخط التحريري، فله الشكر على المبادرة التي شجعت الاقلام، واثارت المواضيع الحساسة، وخاضت فيها، وتلك هي لعمري الصحافة التي تبني وتشيد مستقبل البلاد، مهما كانت الضغوطات المتنوعة، والأراجيف المتداولة، والغوغاء السياسية المبتذلة، وبلادنا أصبحت، بكل أسى وأسف، بلاد العجائب والغرائب، تسبح في المجهول وغير المنتظر، وتصعب فيها الدراسات التقديرية، والتنبؤ بالمسار المؤدي لانفراج الأزمة، والخروج من الوحل الذي هي فيه، منذ الثورة إلى اليوم.
وبالرجوع الى الرواية التي، بعد قراءتها، أعتبرها تصب في محاور السياسة الحالية، كتبت بأسلوب القصة، وان وقع تقديمها من غيري، رأيت لزاما علي أن أعرّف بها من وجهة نظري، لما استنتجت منها من عمق في التفكير، ولمست في كتابتها من مرجعية، ومن دروس وقد طفح على المشهد في شباب بلادنا، حب الهجرة حتى ولو كان للموت نصيب في المغامرة، تمتاز الرواية بفن الكتابة وعبقرية اللغة، وحذق الأمثال الشعبية، تقع في 381 صفحة متسلسلة حسب الأحداث، غلافها جذاب وعنوانها مختصر على كلمتين "حرقة" تداولت بكثرة منذ الثورة لما آل اليه اقتصاد البلاد من مؤشرات حمراء، وكلمة "الطليان" أي البوابة إلى اوروبا وفي طيات الغلاف كلمتين صغيرتين جدا "أخي في العروبة " وأخي في الاسلام".
والرواية اعتبرها لوحات حلقاتها مترابطة بالمغامرات والمخاطرات والمفاجآت التي يمر بها الكاتب، والتي تصاحبها فيها ذكرياته، لما كان يعيشها في محيطه، فالقصة حافلة اذا بالتحاليل الموضوعية، وجب قراءتها بين السطور، والتمعن في ما ترمي اليه، واخترت منها لوحتين فقط لروايتهما، في الاولى لفت انتباهي طفولة الكاتب في "حي شعبي لا يسكنه كما يكتب الا "المزمر" وخوه"..."وفكر في السبعينات "في الحرقان"، وكانت ايطاليا حلم جميع اولاد الحومة"، فقرر اذا السفر الى "باليرمو" ويروي كيف عومل من قبل أولاد البلاد الذين يرددون "احنا التونسا في ايطاليا اصحاب باع وذراع وبونيه »… وكان هو من ضحاياهم،
ومن حسن حظه "انه يشبه، ويكاد ان يكون نسخة، من"روبرتو مارتيني" وهو "بطل دوخ ايطاليا طيلة العشر سنوات الأخيرة ..ولم تستطع الشرطة ان تصل اليه"، ويحكي ما جرى له لما تقمص دوره كبطل "روبارتو مارتيني بشحمه ولحمه وقوته وجبروته وسلطانه"، من أحداث أوصلته إلى التعرّف على أسياد القوم وسيداتهم، يرتدون ملابس غريبة، ويرقصون في مطعم ضخم يشبه النادي الليلي، ويعيشون في بذخ لم يتصوره حتى في احلامه، وانطلت عليه الصفة، وقدمت له الليرات، لأنه روبرتو المزعوم، وكان صاحب المطعم البرتو كارتوزو من عشاقه، صاحبه الى مكتبه، الذي هو جناح ضخم، أثاثه من طراز رفيع، وأركانه مليئة بالورد، وعرض عليه الاشتغال معه…
وكل هاته الاحداث تعود به الى تونس، ليتذكر أمه التي هي رهيفة الحس تبكي بسهولة، والمناخ الذي كان يعيش فيه، والاحداث التي أثرّت فيه، وهو صغير السن، ويتطرق الى ما حصل اليه عندما اراد مغادرة كارتوزو والرجوع اليه من جديد تحت الضغط، وهو الذي اصبح يقرر ماذا عليه ان يفعل، موفرا له غرفة نوم ليسكن بجواره، ثم كانت المغامرة تلوى الاخرى مع سائق التاكسي مثلا ، الذي كاد ان يقضي عليه لولا جوازه التونسي الذي أرجع الحقيقة الى نصابها، من أنه ليس روبارتو، والذي مكنه من شغل في مزرعة لمرأة فلاحة، عمالها اغلبهم من التونسيين، مقابل أجور زهيدة، وكلف بالإشراف عليهم، فتضاعف إنتاجهم، ولما سألهم عن تحملهم اوضاعهم البشعة، كان ردهم لان ليس لهم أوراق قانونية يشتغلون في "النوار"، و"ما يلزك على المر الا اللي أمر منو »….
ثمّ تعود به الذاكرة الى «حومته» الشعبية وما قاساه من فقر كل ذلك يبكيه ويحزنه الى أبعد الحدود، أما اللوحة الثانية التي وقع عليها اختياري فهي كيف تعرّف في المزرعة على رجل، يدعى ابراهيم العياط، شهر "كرطوشة"، كان يدرس في معهد نهج الباشا، و يخوض مع زملائه في الخلاف البورقيبي – اليوسفي، وكان هو منحازا لصالح بن يوسف، فحكى له بإطناب قصة تعذيبه من البوليس، وما لحقه من ضيم، نتيجة خذلان أحد اصدقائه باتفاق مع زوجته، وبين له كيف انتقم منهما، ثم طرح له انه لا مكان لليوسفية "التي كانت -حسب رأيه - كذبة كبيرة اخترعها بورقيبة"، وكان ذلك من الأسباب التي دفعته إلى مغادرة البلاد، وكانت "افكاره ومواقفه العروبية والقومية" ترضي الكاتب الذي يقول فيه "كنت في بعض الاحيان اتخيل انه أبي الضائع الذي كنت أبحث عنه" سرد له ابراهيم حكاية مرزوق ومآسيها، الى ان أتاهم صعاليك صاحب مطعم "البرتو"
لإرجاعه الى المطعم ولو غصبا وطلب من صاحبة المزرعة السيدة
الفلاحة طرده فاستجابت له… وفي خاتمة تقديمي، اعتبر أن الرواية طريفة في منهجيتها، مبدعة في لغتها ممتازة بجميع فصولها، تخللتها جملة من أفكار الكاتب، تتردد طوال اللوحات، من أشخاص من محض خياله، وهي رواية تحذر من الهجرة غير الشرعية، وتوابعها غير المحمودة اطلاقا، كما تفند فيها امثالا متداولة وكانت ولا تزال "كالتونسي للتونسي رحمة"، او هاته الرسالة المضمونة الوصول مخاطبة فيها العرب…
"انتم تفكرون بطريقة...وتتكلمون بطريقة مخالفة...و لا تعلنون عن افكاركم بصراحة...وتقولون ما لا تفعلون...وتفعلون ما لا تقولون"...
ورجائي من الاخ صالح المزيد في هذا المنهج و كان الله في عونه…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.