حصاد عجيب بدأنا نقطف ثماره الحلوة والمرة ونتأمل بعيون الخبرة والدهشة انقضاء مواسمه المتلاحقة ونحن نودع هذا العام 2019 بمثل ما استقبلناه به من أمل وألم. ونسأل النفس ماذا غير هذا العام فينا ومن حولنا من شؤون العلاقات الدولية التي نشتغل عليها؟ وبخاصة في عالمنا العربي الذي يهمنا أمره ويرتبط به مصير عيالنا مهما ابتعدنا عنه مؤقتا ويرتبط به أيضا مصير العالم بسبب ما اندلعت فيه هذا العام من حرائق السياسة وما تفجرت خلاله من زلازل الأزمات والمحن. بدأ عام 2019 مع تفاقم المظالم المسلطة على الأشقاء الفلسطينيين مع اغتيال ثلاثة مجاهدين و عائلاتهم و انفراد رئيس الولاياتالمتحدة بأملاء قانون دولي بديل عن قانون منظمة الأممالمتحدة في مخططات صهيونية تستهدف لا هذا أو ذاك من الفرقاء كما يبدو في الظاهر بل تستهدف فلسطين كلها حتى تتحول القضية الى ما يشبه البكاء على الأندلس كما يريد غلاة الصهيونية أن تكون منذ 1897 في مؤتمر (بازل) و الذي دونه أبو الصهيونية (تيودور هرتزل) في كتابه (الدولة اليهودية) فتم أخيرا الاعتراف الأمريكي الغريب و ليس الدولي بالقدس عاصمة للدولة العبرية و ضم الجولان و قريبا غور الأردن و شرعنه المستوطنات مما وضع العرب أمام واقع مفروض وهو استحالة حل الدولتين لأنه لم تعد أرض لدولة فلسطين بكل بساطة!. وانزلق بعض العرب حلفاء الأمس الى تعزيز هذا المخطط الجائر بالسكوت عنه في حين تحالف أعداؤهم ضدهم حتى يوصدوا أبواب العون الدولي و التفهم العالمي في وجوههم و يؤلبوا الغرب على قضيتهم في غياب الحكمة وانسحاب العقل! بدأ العام 2019 في أغلب مجتمعات العالم العربي بإعادة الطبعة الثانية للربيع العربي بعد إجهاض أغلب ثورات 2011 و اتحدت المطالبات سنة 2019 في السودان و الجزائر و لبنان و العراق على مبادئ المواطنة بالقضاء على الطائفية و المحاصصات الحزبية و تأبيد الطبقة الحاكمة الفاشلة و مقاومة الفساد ! وهي العلل الأساسية التي ولدت التخلف والظلم الاجتماعي والتطاحن الطبقي وظللنا نتوقع التفاف العرب الكرماء حول راية دساتير جديدة تكرس واقعا أعدل وأرحب لكن تأخرت الحلول الوفاقية ولم يشهد الهزيع الأخير من عام 2019 نهاية المحن الداخلية. ولا يسعنا هنا أيضا سوى انتظار قبس من نور! انتهى العام 2019 في العراق كما بدأت أعوام الصراع الدامي منذ غزو الكويت في 2 أغسطس 1990 مرورا باحتلال العراق 2003 وفرض (بريمر) حاكمها المدني! لدستور العار والتفرقة وتكريس الطائفية و الغاء الدولة ثم بإعدام صدام حسين و الى اليوم تتجدد ممارسات سفك الدماء في مظاهرات بدأت سلمية كما في سوريا و لكن الحالة خرجت عن السيطرة بسبب استبداد الميليشيات و تغول العصابات في غياب القانون و سلطة الدولة دون تحوير مشهد الفاجعة المهولة التي تعود عليها الناس على شاشات فضائياتهم و التي سرت بها الركبان كما يقول قدماء العرب. ولم تلح في أفق بلاد الرافدين بارقة رجاء يعود بها هذا الشعب الأبي الى سالف عهد الأمان والعزة و الاشعاع، و كأني بالعرب نسوا العراق في محنته كأنهم ألفوا المأساة و عاشروا الفاجعة فاستكانوا الى نوع من الهجعة الطويلة تركت الحبل على غارب المغامرين و الدخلاء يتداولون على تدمير العراق و لا يبدو في المستقبل المنظور أي نور يعلن نهاية النفق المظلم الموحش. و زاد عام 2019 الطين بلة في ليبيا الشهيدة بين متمردين تساعدهم قوى أجنبية دخيلة و حكومة شرعية لم تستقم على أسس قوية بعد في انتظار معجزة لكن الرجاء معقود على الاتفاق بين ليبيا و تركيا خول أمن البحر الأبيض المتوسط. بدأ العام 2019 كما انتهى بالنسبة لاقليم المغرب العربي حيث لم ينجح قادته و لا منظمة الأممالمتحدة و لا الاتحاد الأوروبي في حل إشكاليات التنمية و التحرر الاقتصادي و السياسي و فشلت قياداتهم في حل المعضلة الليبية و تحريك قضية الصحراء نحو حل يرضي كل الأطراف. و بقي جرح الصحراء نازفا كما كان منذ 1974 حين انجلى الاستعمار الأسباني عن المنطقة لكنه أورثها تركة ملغومة تتمثل في رغبات متناقضة لا نرى لها الى اليوم حلول وئام و سلام، بين صحراويين مشتتين في خيام جزائرية أو منضوين مثل ابائهم وأجدادهم تحت لواء العرش المغربي و بين مملكة لا تريد التفريط في ترابها و بين جارة شقيقة تؤيد حق تقرير المصير نحو تشكيل جمهورية صحراوية كدولة مستقلة جديدة في الإقليم لا يتصور عاقل أنها قابلة للبقاء.. بدأ العام 2019 في دول مجلس التعاون الخليجي و ينتهى برجاء جميع أبنائه في عودة الحياة من جديد للمجلس هذا الانموذج العربي الوحيد الناجح الجامع بين أبناء العمومة إن أمل كل العرب من محيطهم الى خليجهم أن يستمر جميع العرب الأمناء في جهودهم الخيرة و من منطلق رسالة الاسلام الخالدة لتوفير مناخ الوفاق لحل معضلاتهم الراهنة مع السنة الجديدة و المساهمة كأمة عريقة أصيلة في إقرار السلام في أرجاء العالم حتى البعيدة عنه جغرافيا كما فعل العرب في تاريخهم من قبل. فيا ليت نرى عام 2020 يتميز بيقظة الأمة من رقدة أهل الكهف و الأمل معقود على دعوة كريمة من (مهاتير محمد) لقمة دول مسلمة يعيد فيها القادة معاني التضامن الاسلامي و قيم رفع التحديات في عالم لا يرحم المستضعف بل يقدر ذوي الكبرياء و الأنفة و المنعة.