لعل الانفراج يأتي الى ليبيا الشهيدة بعد الانفجار في مؤتمر برلين حيث تنادى كل من الأممالمتحدة والحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها وأغلب جيران ليبيا إلى عقده بدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع أن مندوب الأمين العام للمنظمة السيد غسان سلامة طالب بانعقاد مجلس الأمن لأنه استنتج أن الخطر محدق وقريب بسبب استعداد الميليشيات التابعة للمتمرد خليفة حفتر تستعد لإنجاز حمام دم من بين الأبرياء المدنيين في طرابلس. نعم لعل بصيص النور والأمل يظهر لنا بعد عبور هذا النفق المظلم الموحش منذ ثمانية أعوام عجاف لم يذق خلالها الشعب الليبي الطيب المسالم طعم الأمان والوئام بل لم تهدأ قعقعة السلاح وأزيز الطائرات ولم يتوار شبح الحرب الأهلية وتفاقم الوضع الخطير بتدخلات عسكرية أجنبية لدى كل منها أجندة مناقضة لأختها. اليوم يعلن الرئيس أردوغان أنه مستعد لإعانة الحكومة الشرعية إذا طلبت السند العسكري وتركيا لم تقف هذا الموقف إلا بعد أن تحولت الأرض الليبية الى حلبة تدخلات مشبوهة من دول مجاورة ودول بعيدة كل البعد عن ليبيا مما يعطي شرعية قانونية و أخلاقية لعرض الرئيس أردوغان المساندة العسكرية للشقيقة ليبياكرد فعل طبيعي بل ضروري لحماية أمن ليبيا و أمن المتوسط بعد معاهدة ضبط الحدود البحرية بين الدولتين. عند استقبال حضرة صاحب السمو أمير قطر للسيد فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الأسبوع الماضي عبر سموه عن وقوف قطر دولة و شعبا الى جانب الشعب الليبي الشقيق و دعم الشرعية المتمثلة في المجلس الرئاسي و حكومة الوفاق و طالب بوقف العدوان المسلح على العاصمة طرابلس من قبل المتمردين على الشرعية و الحقيقة الميدانية تؤكد أن خليفة حفتر الذي أعلن الهجوم على طرابلس يوم 4/4/2019 لم يبلغ غاياته الفوضوية بفضل تماسك اللحمة المحيطة بالشرعية الدولية والحاضنة لدولة ليبية مدنية و بفضل مؤازرة قوى الخير و الحرية في العالم لأن الشعب الليبي رزح على مدى 43 سنة تحت حكم منفلت عسكري استبدادي فرضه على الشعب الليبي بالقوة و الثرثرة الثورية و الهوس الفوضوي حاكم دموي لا يفكر بل يهذي و لا يخطط بل يرتجل و لا يجمع بل يفرق و انتهى بأن أطلق على نفسه لقب (ملك ملوك افريقيا) و تمكنت ثورة الشعب الليبي من وضع حد لحالة جنونية من السلطة المزيفة القائمة على الأوهام ليأتي نظام جديد انتهى بالشعب الليبي الى اختيار من يمثله أخيرا بإنشاء نواة دولة مدنية لديها مؤسسات مستقرة بجيش نظامي يحميها و أمن جمهوري محايد يرعاها و مؤسسات تعليمية و صحية و إدارية و مالية و طاقية تحافظ على مصالح الشعب الليبي لولا ممارسات أنظمة بعيدة عن ليبيا نسقت فيما بينها مؤامرة على ثورة الشعب الليبي من أجل إعادة ليبيا و دول الربيع العربي الى بيت الطاعة العسكري و إجهاض كل نفس تحرري يطمح الى السيادة الوطنية و عزة النفس و استعادة الكرامة و الحريات. وكما حلل المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجيات فإن غايات هؤلاء المتأمرين على ليبيا لا تتوقف عند حدود ليبيا بل القصد الأبعد منها جيران ليبيا تونس التي كانت الأنموذج الأسلم والأنجح بتحولها الديمقراطي السلمي وانتخاباتها المدنية النزيهة ثم الجزائر بحراكها الثوري الشعبي الذي يطالب بالحريات والدولة المدنية ومقاومة الفساد والفاسدين. هذا هو المطلوب حفترياحيث لا يرتاح أي نظام عسكري لجيران يحكمون أنفسهم بأدوات مؤسسات دولة منتخبة محايدة تخدم مصالح الجميع ولا تكمم الأفواه ولا تعتدي على حقوق المواطنين ولا حرياتهم. إنهم يخشون عدوى الديمقراطية المدنية وهي بالفعل معدية! أليست تونس هي التي أطلقت منذ تسعة أعوام بالضبط يوم 17 ديسمبر 2010 صرخة الجماهير (الشعب يريد) و (إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر) حين أقدم شاب عاطل هو محمد البوزيدي على إضرام النار في جسمه واستشهد حتى سرت أعمدة اللهب في العالم العربي توقظه من سبات أهل الكهفو تغير المنكر!