نحن لا نتحامل على أيّ جهة سياسية كانت، – يمينية أو يسارية أو إسلامية أو وسطية أو دستورية – لأنّ ولاءنا الوحيد هو للوطن و لا غير الوطن، إذا قلنا و أنّ النتائج هي وحدها التي تحكم لكم أو عليكم يا معشر السياسيين، يا من أوكل لكم الشعب التونسي تسيير دفة الحكم. و هذه النتائج هي وحدها تعكس مدى الدمار الشامل الذي أصاب اقتصادنا و أعمّ الفوضى التّي شلّت أهم مقوّمات الحياة الكريمة للمواطن. فكلّ المؤشرات هي "في الروج" حتّى لا نقول أكثر، المديونية عالية و الاضطراب طال كلّ التوازنات الاقتصادية و المالية فضلا عن العجز بالميزانية. و البطالة تنخر شبابنا و نخشى أن تحيله على مسالك غير حميدة من فرط اليأس،. المستوي المعيشي للمواطن في الحضيض بحكم الارتفاع الصاروخي للأسعار. و الذي طال حتّى المواد الأساسية لسد رمق الجوع و يكفي ذكر بعض المقارنات بعد سنة 2011 لنقف على مدى معاناة المواطن الذي حلم بأنّ " الثورة " ستغيّر وضعه إلى الأفضل ككل الثورات التي جدّت عبر التاريخ. و لكن و للأسف وجد هذا المواطن نفسه يعاني الضنك و الخصاصة باعتبار و أن بعض الأسعار أخذت المصعد الكهربائي و تركت المواطن يجهد نفسه لمسيارتها. فهل يعقل أن يمرّ مثلا ثمن الكلغ من البطاطا من 0.650 د إلى 1.800 د و الفلفل إلى 3.000 د و الطماطم إلى 2.300 د و الجلبانة إلى 3.300 د فضلا عن بعض المؤشرات الاقتصادية كنسبة التضخم ونسبة العجز التجاري و المخزون من العملة الصعبة و المديونة و سعر الصرف مقابل الدولار و الأورو و التي عرفت كلّها انتكاسة غير مسبوقة في عمر البلاد؟ و لكن و في المقابل – و هذه مفارقة تونسية عجيبة و غريبة – نجد نفس الوجوه السياسية، التي أوصلت البلاد و العباد إلى هذا الوضع الكارثي اقتصاديا واجتماعيا، هي نفسها مازالت، وبكل قلّة حياء، تبحث عن موطن قدم سواء بمجلس النواب الأشاوس أو في صفوف الحكومة الموقرة أو الزحف نحو قصر قرطاج للحصول على بعض فتات موائده. و للمفارقة أيضا نجد العراك و المناورات على أشدّها مازالت متواصلة بين الفرقاء السياسيين حول الغنائم و الموائد السياسية. و هنا أسأل، هؤلاء اللاهثون وراء المناصب و الكراسي و التموقع و التوزير و الخطط، أ لا تستحون و قد جرّبكم الشعب ففشلتم الفشل الذريع في إدارة الشأن العام؟ و لماذا أنتم تصرّون على العودة ثانية و ثالثة و بلا نهاية؟ هل عودتكم لتوقيع المزيد من الفشل و المزيد من الوحل و المزيد من اغراق البلاد في الديون و تجويع العباد؟ أ لا تستحون و "تحلوا علينا " كما تقول اللهجة اللبنانية؟ أ لا تستحون و كأنكم تعتقدون و أنّكم المهدي المنتظر الذي سيعيد عجلة الاقتصاد و عجلة الانتاج إلى الدوران و تحققوا الرقي الاجتماعي للمواطن و ترفعوه إلى مصاف الشعوب المتقدمة و المترفهة؟ أ لا تستحون و أنتم تطلّون مجددا ، عبر الشاشات و الإذاعات و المنابر و من على سدّة الحكم و من النزل الفاخرة و بعد الرحالات الجميلة و السفر على حساب المجموعة إلى كلّ أصقاع العالم ، و كأنكم تحملون كل الحلول لكلّ المصائب التي حلّت بالشعب و بالوطن؟ أ لا تستحون و أنتم تتمادون في إعادة نفس الاسطوانة المشروخة على مسامعنا لأغنية مللنا سماعها و نقمنا عليها " سوف ..و سوف و سوف " رجاء كفاية تسويف و كفاية تمثيل و كفاية كذب و كفاية استخفاف بعقل التونسي ؟ هل سيصدق هذا المواطن؟ هل سيصدق اخفاقاتكم المتواصلة؟ هل سيصدق نتائجكم الكارثية ؟ هل سيصدق انجازاتكم الدنكيشوطية في معارككم ضد طواحين الريح؟ أ تعتقدون أنّه مازال يصدق أقوالكم و قد كذبتها أفعالكم؟ فيا ساسة آخر زمان هل أنتم حقا واعون لما وصل إليه المواطن التونسي الذي فقد حتى تأمين لقمة عيشه اليومي؟ هل تعلموا و أنّ بعض المواطنين يقتاتون من المزابل و يبحثون بين الفضلات عن شيء ما ليأكله؟ فماذا تنتظرون من مواطن فقد الأمل و فقد الأمان و أصبحت تطوقه الكوارث من كل حدب و صوب، من فقر و زطلة و جريمة .