لقد جاء في مقال اخينا محمد المحسن احسن الله الينا واليه وجعلنا واياه من الذين يعرفون الباطل باطلا فيحيدون عنه ومن الذين يرون الحق حقا فيتوجهون ويميلون اليه تحت عنوان(هل يسعى اردوغان الى احياء العثمانية الجديدة وبسط نفوذ واسع) قوله (ومازالت خريطة الشمال الافريقي شاهدة على ارتواء ارضها بمجازر اجداد اردوغان ضد كل من رفعوا كلمة لا في وجه المغتصب العثماني لاراضيهم ...بدت جرائم الأتراك في ليبيا وكانهم لم يتركوها ابدا الا انهم وفي عام1911 تنازلوا عنها بكل سهولة للقوات الايطالية بعد ان قصفت الأراضي الليبية حيث لاذ العثمانيون بالفرار لتقف القبائل الليبية وحيدة في وجه المحتل ...)إذن هذا قول وموقف يندرج في اطار علم يسمى علم التاريخ وهو اكثر علم معرض كما هو معلوم ومفهوم للمراجعة والنقد والتصحيح والتمحيص والتصديق والتكذيب وهو اكثر علم ايضا يدخله ويوجهه الولاء وتعتريه وتلتبس به الاهواء وتصيبه وتحيق به افات وعواطف الأيديولوجية العمياء وعصبية السياسة والانتماء... ولما كان الأمر كذلك فانني كتبت هذا المقال لاذكر او لاعلم اخانا محمد المحسن بما كتبه المؤرخ الكبير كارل بروكلمان في كتابه الشهير (تاريخ الشعوب الاسلامية)متعرضا لفترة من تاريخ ليبيا وقعت فيها بين قوتي وصراع العثمانيين والطليان يقول هذا الرجل الذي لا اظن ان اخانا محمد المحسن ولا الذين نقل عنهم ما قاله والذين لم يذكرهم في مقاله المقصود يدعون او انهم معروفون عند المؤرخين انهم قد بلغوا مرتبة ومكانة ومقام بروكلمان في التاريخ والكتابة والتصنيف والتالف( كانت ايطاليا تبحث لسكانها المتكاثرين باطراد عن مستعمرة في حوض المتوسط لكي تضع حدا لهجرة شبانها الى البلدان الأجنبية...فاذا بانظارها تقع على طرابلس الغرب... حتى اذا ابى رجال تركيا الفتاة حفاظا على الشرف ان يتخلوا عنها بعد ان فاجاهم الطليان بهذا الطلب اعلنت ايطاليا الحرب في 29 ايلول سنة 1911 فوطئت قواتها الأرض الأفريقية في الخامس من تشرين الاول ووقع عبء الدفاع على عاتق انور باشا...وعلى الرغم من ان المواطنين العرب والبربر ناصروا الأتراك في حماسة واندفاع فقد هزموا في اخر الأمر...) (انظر الكتاب ص 600/601)طبعة 1979اذن فماذا يمكن للقارئ العادي فضلا عن المؤرخ المختص ان يستنتج من هذا النص التاريخي الموثق الدقيق ؟ الا يستنتج اولا ان رجال تركيا او احفاد العثمانيين الآخرين قد ابوا تسليم ليبيا او طرابلس الغرب للطليان رغم انهم كانوا يعيشون تلك الفترة التاريخية في الوهن والضعف والتعب؟ ثانيا الم يكن للأتراك على الأقل شيء من الشرف وعلو الهمة والكرامة جعلهم يرفضون طلب الطليان بكل ثبات وبكل صرامة؟ ثالثا الم يقم انور باشا التركي وجيشه العثماني في بلاد العرب بمحاولة جادة للدفاع عن طرابلس الغرب؟رابعا وهل يصدق عاقل نبيه فطين ان المواطنين الليبيين وغيرهم من العرب ومن البربر ومنهم المتطوعون من التونسيين كانوا سيساندون الاتراك او العثمانيين وسيقفون معهم صفا واحدا في وجه وغطرسة الطليان لو كان هؤلاء الأتراك العثمانيون يعاملونهم كما ذكر اخونا المحسن بالبطش والظلم والطغيان؟ وعلى كل حال ومهما يكن من حال ومهما يكن من امر فها ان تركيا قد تركت بلاد العرب والبربر منذ قرن من السنين فماذا فعل هؤلاء العرب والبربر بعد انفصالهم عنها ومحاولات بعضهم تشويه وتلطيخ تاريخها؟ فهل بنوا وهل شيدوا حضارة عصرية تضاهي حضارتها اليوم وقد اصبحت بشهادة واعتراف الجميع قوة اقتصادية وعسكرية تهابها وتحترمها شعوب العالم اجمعين بل ان الكثير من البلدان العربية ومنها بلادنا التونسية قد نالت اعانتها وحضيت بمساعدتها ؟ فهل ستصدق فينا تذلك المثل وتلك القولة (ياكلون الغلة ويسبون الملة )؟... ثم وهل ان العرب اليوم حقا اقوياء وقادرون على حماية انفسهم من تدخل الأجانب والغرباء حتى يفكر الأتراك اليوم او كما يقال عنهم احفاد العثمانيين في حمايتهم والتدخل من جديد في شؤونهم ونصرتهم كما انقذوهم سابقا من بطش الروم و الاسبان الذين اكتسحوا بلادنا وربطوا خيولهم في سواري جامع الزيتونة ودنسوا رحابه بمختلف القذورات وعبثوا بشرف الرجال والنساء والولدان ومزقوا كتب العرب العلمية اولقوها في الطرقات والمياه الأسنة فملؤوا بحبرها الأودية والغدران ؟ هذا غيض من فيض حقائق ووقائع تاريخ العثمانيين الطويل العريض في البلاد الليبية والبلاد التونسية الذي قد يقع بعضهم عن جهل او عن سوء نية اوعن رغبة ملحة جامحة في خدمة بعض الاتجاهات السياسية في تشويهه وتلطيخه بسفاسف وخزعبلات وهرطقات واباطيل كاذبة سطحية التي يقيض الله لها دائما من يردها ومن يدحضها بالحق المبين في كل ان وفي كل حين وكيف لا يكون منه ذلك وهو الصادق الصدوق الذي قال في كتابه العظيم في ما قال من عظيم الاقوال(كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الأمثال)