حبذا لو نتعلم من هذا الفيروس درسا لا ننساه، ذاك أن الإنسان أصبح اليوم يعيش أو يتعايش مع أوبئة معلنة وأخرى غير معلنة لفيروسات تعلم كيف تفتك بالإنسان في غبائه. ذاك أنّه والحق يقال، أحببنا أم كرهنا، آمنا أو لم نؤمن، أن هذه الكائنات المجهرية إلى جانب البكتيريات ومجموعة الطفيليات تواجدت على وجه الأرض لمليارات من السنين قبل الإنسان.. وحلّ الإنسان بذكاء وغباء في السبعة مليون سنة الأخيرة ليحاول الفتك بهذه الفيروسات وهذه البكتيريات وأصبح يصنع لها المضاد الحيوي تلو الآخر، ويصرف مليارات الدولارات في البحث عن مضادات حيوية وعن لقاحات وعن أدوية أخرى وعن وسائل قاتلة للحياة... قاتلة لكائنات حية تحاول بدورها أن تعيش، وهو بدوره يحاول أن يعيش ويتكاثر. ذاك أن حلم الخلية الوحيد هو التكاثر. وإذا انطلقنا من هذه الفرضية التي تصلح بالإنسان، فهي كذلك تصلح بالجرثومة وتصلح بالخلية الحيوانية والنباتية.. طالما أن كل هذه الكائنات تمثل وحدة بيولوجية لتشكّل الحياة على وجه الأرض. وفي الإنسان مجموعة من هذه الجراثيم التي تصلح بالإنسان ولا يمكنه العيش دونها، بل عليه الحفاظ عليها، بالمعي الغليظ مثلا (microbionte intestinal)، لكن وكذلك بباقي الأعضاء.. هل نعلم مثلا أن عدد هذه الجراثيم الخادمة للبشر هي أكثر عددا من عدد خلايا جسمنا؟ وهل نعلم أنه كلما اختلت أو قضينا على جزء كبير منها بالمضادات الحيوية مثلا إلاّ واختلّ الجسم وحاول استعادتها ولن يهدأ للجسم بال إلاّ وقد استعادت عددها ووظيفتها. وبعد، ماذا عن الفيروس صاحب التاج، هذا الكورونا؟ لن أفتي في أمر احتمال عميل غربي، قد يكون وضع علبة بها مليارات الفيروسات في مطعم بمدينة يوهان، قبل الإفلات والعودة إلى تل أبيب أو نيويورك... نظرا إلى أن الاقتصاد الصيني أصبح يهدّد الغرب بصورة قطعية... لكني أرى أن الصين قد أحكمت قبضة هذا الفيروس الفتاك، وعرفت كيف تغيّر مجرى انتشاره بأخذ كلّ ما يجدر ببلد ينصاع فيه المواطن العادي إلى ديمقراطية المصلحة الجماعية ويخضع لقانون الوطنية الحقيقية وما تستحق من تضحية، ملغيا الأنانية والخوف... فلا رأينا مواطنا ولم نسمع عنه البتة حتى وإن حصل، لا رأينا من يهرب من الحجر الصحي بعد أن يكون قد تناول تحليله الإيجابي بوجود الفيروس، خاصة وقد تعلّم درسا في الحضارة في بلد متحضّر!!! ولعلّ أعظم الدروس إذا أردنا في منطقتنا الخروج بأمان مما ألمّ بنا هو هذا: لن نتغلّب على الفيروس فرديا... فنحن مجبرون على العيش جماعيا... والفيروس لا تفتك بنا فرادى.. بل إنّ عددها هو الذي يمثل أساس قوتها.. وتغيّرها كذلك وهو ما يسمى بالطُفرة، هو من عناصر قوتها... فكلما وجدت نفسها في محيط يفتك بها إلاّ وحاولت التغيّر والاستقواء من جديد.. هي تحاول العيش رغم كلّ ما يصنعه الإنسان من مبيدات. وأن نغيّر تصرّفنا ولو لحين باحترام الآخر، وأن يعتبر كلّ منا نفسه بأنّه مصاب بهذا الفيروس، فلا يحاول فرض نفسه وفيروسه على الآخر، ويعفيه من الاقتراب الجسدي الذي لا ضرورة فيه، ويستعمل قدر الإمكان وسائل التواصل الاجتماعي كلما أمكن ذلك عوض التقارب الجسدي.. وأن يغسل يديه بالصابون عدة مرات كل يوم وأن لا يلامس أنفه أو فمه أو عينيه أو أذنيه أو المخارج الأخرى إلاّ وقد اغتسل.... سوف تفيق البشرية ذات يوم بعد هزات اقتصادية ونفسية واجتماعية، ونكون قد تغلبنا على هذا الفيروس... لكن على البشر أنفسهم استغلال ما يملكون من قدرات الذكاء الاصطناعي لأمرين على الأقل: أولا: التشخيص... وسوف يكون الإنسان قادرا على التشخيص الدقيق والسريع بمجرّد ولوج أوّل مجموعة فيروسية إلى الجسد قبل ايّ عرض من نوع الحمى أو السعال أو ضيق التنفس، وهي الثورة الكبرى التي سوف يملكها الإنسان في السنوات المقبلة دون شك.. ثانيا: إمكانية أن يصنع هذا الذكاء الاصطناعي لقاحا أو دواء في الساعات التي تلي ظهور أيّ كائن حيّ جديد من نوع البكتيريا أو الفيروس. وهذا ممكن كذلك في القريب العاجل. طبعا أقول إنّ هذا ممكن بشرط أن يفهم البشر معنى الأثيقا والأخلاق بصورة عامة، ويتنازل عن عرش الجري وراء سراب الحرب وصناعة الأسلحة التي تفتك بالإنسان عوض صناعة ما يفتك بالفيروس. وفي الأثناء، سوف يواصل الفيروس مسيرته ورحلته نحو الحياة والتكاثر والتغيّر والتعقيد والطفرات التي تمكّنه من مقاومة ما يصنعه الإنسان. ترى من سوف يكسب المعركة؟ غباء الإنسان أو ذكاء الفيروس؟