لم يكتب كثيرا حول الشخصية التونسية ولم تظهر كتابات بالقدر الكافي تناولت ملامح سلوك الفرد التونسي وحددت أهم الخصائص التي تميزه عين غيره من الأفراد وبالتالي الوصول إلى صفات معينة تميز الشعب التونسي عن غيره من الشعوب وفيما أذكر فإن أول من كتب حول الشخصية التونسية هو الأديب ووزير الثقافة السابق السيد البشير بن سلامة في كتابه " الشخصية التونسية " ثم ظهر كتاب آخر عن الشخصية العربية لهشام جعيط وكتاب الشخصية التونسية لمنصف وناس كما كتب محمود الذوادي عن الشخصية التونسية والهادي التيمومي في كتابه كيف صار التونسيون تونسيين وبعض الدراسات الأخرى التي حاولت ضبط سمات مميزة للشعب التونسي غير أن كل ذلك يبقى اجتهادات بحثية ومعرفية تندرج في نطاق أبحاث علم الاجتماع التي تعرف في الآونة الأخيرة خلافا حولها وحول مدى قدرة هذه الدراسات على تحديد وبصفة علمية خصائص معينة تميز شعبا عن آخر وقدرتها كذلك على وضع قواعد لصفات مميزة يمكن من خلالها تحديد ملامح صورة الفرد التونسي واختلاف سلوكه وطريقة عيشه وتصرفاته وتفكيره عن غيره من الأفراد في المجتمعات الاخرى. وبقطع النظر عن التشكيك في قدرة هذه الدراسات التي تسعى إلى الوصول إلى جملة من الخصائص البينيّة التي تحدد ملامح الشخصية التونسية والتي تبقى دوما نسبية لكونها تعتمد طريقة سبر الآراء وطريقة الأسئلة الميدانية لعينة مختارة من الشعب يتم اختبارها بطريقة عشوائية موزعة على جميع الولايات ورغم كل النقد الموجه لمثل هذه الأعمال في تحديد ملامح شعب ما على اعتبار و أن الاشتغال على عينة محددة مهما كثر عددها أو قل لا يمكن انطلاقا منها الحكم على شعب بما بأن له خصائص واضحة كأن يكون شعبا تكثر فيه الجريمة أو تقل فيه المسؤولية أو يعرف عدم احترام الخصوصيات الفردية وغير ذلك من الصفات ، رغم كل هذه المؤاخذات فإن سبر الآراء الأخير الذي أجرته مؤسسة " سيغما كونساي " وتم نشره منذ أيام حول موقف التونسي وسلوكياته تجاه فيروس كورونا قد انتهى إلى معطيات مفيدة وبيانات مهمة في علاقة بملامح الشخصية التونسية في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد بعد انتشار هذا الوباء وقدم إحصائيات يمكن الاستفادة منها في التعرف على صفات الفرد التونسي وطباعه ودرجة وعيه والاشتغال عليها لإصلاح المجتمع و معالجة الاخلالات الموجودة في سلوك الفرد التونسي. من خلال المعطيات المتعلقة بدرجة وعي الشعب التونسي في تعامله مع فيروس كورونا كانت إجابة العينة المستجوبة أن 98 % منها قالوا بأنهم واعون بخطر هذا الوباء وأن 66 % قد عبروا عن علمهم بأن هذا الفيروس هو سريع الانتشار وأن 71 % يرون أن الدولة التونسية بما اتخذته من إجراءات هي قادرة على مجابهته و أن 82 % مقتنعون بأن الدولة تبذل مجهودات كبيرة لمجابهة هذه الأزمة وبأن 85 % من المستجوبين لهم ثقة في السياسة الاتصالية التي تنتهجها الحكومة في إيصال المعلومة وتوضيح المعطيات للناس حول تطور الوباء وأن 45 % يرون أن قرار الحجر الصحي الشامل كان متأخرا في حين كان موقف 55 % من المستجوبين من الحجر الصحي بين كونه إجراء مبكر أو في وقته وأن 53 % يرون أن انتشار هذا الوباء والإجراءات المتخذة للتوقي منه قد غيرت من حياتهم . فيما يتعلق بمشاعر الخوف والتفاؤل فقد بينت العينة المستجوبة أن 59 % من التونسيين ينتابهم شعور الخوف من هذا الوباء مقابل 41 % قد عبروا بأنهم غير خائفين من هذا الوباء ولا من تداعياته في حين نجد أن 19 % من التونسيين وفق هذه النتائج يعتبرون أن الوضع عادي وهم غير مبالين بخطورته مقابل 81 % قد أخذوا الموضوع مأخذ الجد وهم محتاطون من تطوراته وانتشاره . وفي خصوص السؤال حول درجة تفاؤل التونسي من قدرة الدولة ونجاحها على تخطي هذا الوباء صرح 72 % من المستجوبين بأنهم متفاؤلون من قدرة الدولة على النجاح مقابل 28 % يرون أن الدولة غير قادرة على تحقيق نجاح في مواجهة هذا الوباء . وبخصوص السؤال المتعلق بفهم الظاهرة الوبائية وكيف يفهم التونسي ويفسر ظهور فيروس كورونا كانت إجابة العينة المستجوبة أن 46 % مقتنعون بأن وراء ظهور هذا الوباء مؤامرة وأنها ليست بالظاهرة الطبيعية وإنما هي مفتعلة تم صنعها في المخابر الأمريكية لإضعاف دولة الصين بما يجعل من انتشار هذا الفيروس في العالم حسب جزء من التونسيين كان في سياق الحرب الخفية المخطط لها. كانت هذه عينة من الأجوبة التي قدمها الشعب التونسي في عملية سبر الآراء التي انجزته مؤسسة " سيغما كونساي " إطلاقا من عينة مختارة بطريقة عشوائية لقياس درجة وعي الفرد التونسي بخطر هذا الوباء ومعرفة كيف يشعر ويتصرف المواطن التونسي في تعامله مع هذا الفيروس الذي شل حركته وأجبره على الانزواء في مسكنه وهجر الحياة العادية وتغيير طريقة عيشه وربما سلوكه وطريقة تفكيره وهي معطيات خلاصتها العامة التي انتهت إليها هذه الدراسة أن هناك وعي تونسي بالظاهرة الوبائية وأن الفرد التونسي يتوفر على قدر من الوعي والفهم والمسؤولية في علاقة بفهم الظاهرة واستعادة الوعي المفقود والذي عادة ما يتهم التونسي بأنه فرد غير واع. ولكن رغم أهمية الأرقام التي قدمت في هذه الدراسة والخلاصة التي انتهت إليها في علاقة بدرجة وعي الشعب التونسي إلا أن هناك من ينتقدها على أساس وأنها قد قدمت صورة عن وعي التونسي بالظاهرة وبفهمها وتفسيرها فقط غير أن الدراسة لم تتعرض إلى طريقة تصرف المواطن التونسي في التوقي من الظاهرة و مدى وعيه بخطورة عدم إلتزامه بالحجر الصحي الشامل حيث أظهرت المعاينة الميدانية أن الكثير من أفراد الشعب التونسي غير واعين وغير متقيدين بالإجراءات المتخذة وغير مبالين بخطورة على التزامهم بالحجر الصحي وبكل الاجراءات المتخذة ومنها تجنب الأماكن المكتظة واحترام مسافة متر أو مترين عند الخروج من المنزل لقضاء الحاجات وعدم البقاء في الشارع دون موجب أو مبرر وعدم البقاء في تجمع يفوق الشخصين فكل هذا والكثير من المظاهر الأخرى التي ظهرت في الكثير من الأماكن تبرز بأن المواطن التونسي لا يتوفر على قدر من الوعي للالتزام بالإجراءات المتخذة وينقصه الوعي الذي يجعل منه فردا منضبطا ومسؤولا ويحترم الاجراءات التي تجعله يجنب نفسه أولا وغيره ثانيا انتقال العدوى وتواصل تمدد الوباء. وفي خصوص مسألة وجود نسبة كبيرة من التونسيين لهم وعي بأن ما حصل هو مؤامرة مدبرة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية لتدمير الصين ومدى اعتقاد التونسي في فكرة المؤامرة لتفسير الظواهر المختلفة فإن ذلك له تفسيره المرتبط بالمعلومات المنشورة في الإعلام الصادرة من أحد المسؤولين الصينيين والتي قال فيها بأن بعض الجنود الأمريكان قد تعمدوا نشر وباء كورونا بما يعني أن الاعتقاد في نظرية المؤامرة في وعي التونسي هي مسألة متوقفة على نوعية المعطيات التي يتم نشرها. ويبقى السؤال قائما هل يمكن أن نقول أن الشخصية التونسية هي شخصية واعية ؟