والتف اهل الميت حول القبر يطفئون النار التي بدأت تقترب السنة لهبها من اغصان شجرة الخروب ، وتعالت الاصوات بخشوع مطلوب :" الله اكبر، الله أكبر هل هو من المترفين ؟ تساءل شاب ومن ادراني ،هو شيخ من الاعيان ..وماله جرار وفعله اسرار ولا يعلم ما خفي الا صاحب القرار، جلي الاسرار الماء الماء، التراب التراب هاتوا الرفش والمعول..اطفئوا النار رشوا الماء ،ذروا التراب والتحمت الايادي بالايدي وتناثر في الاجواء الماء والتراب حتى اصبح طينا على النار سبحان الله ، خلقنا من طين واليه عائدون ولا يطفئ النار الا الماء والنار ابتعدوا عن القبر تجلدوا بالصبر لا خوف على ميت قد قبر..ولا خوف من ميت تحت اللحود وبعد جهد جهيد خبت النار واصبحت رمادا..وعاد اهل البيت الى موقع العزاء، قرب ميتهم ، قرب شجرةالخروب وبعد لأي آنفض الناس، كل ذهب الى غايته وتشجع احدهم وعاد الى موقع الحريق،ليتأكد من ان الرماد عادي، نظر الى الجذع فراى ورقة صفراء ملتصقة به، مربوطة باحكام ، مخطوط عليها بقلم القصب :" إنّ الخلق للخالق فاقبل الحياة بما فيها و لا تنازع من فوقك في أمره إذ لا بدّ ممّا هو كائن و لا جزع ممّا لا بدّ منه، و لا مطمع فيما لا يرجوه عاقل . إنّ الذي حيّر العقول الموت، و لكن أفضل الأشياء عند مصيبة الصبر، فاعتبر بما مضى و تأسّ بمن رأيت من أهل الجزع . فإن رأيت الجزع ردّ أحدا من اللذين سبقوك فما أولاك به و إن فقدت ما يسليك من المسرّات فاذكر أننا في هذه الدّنيا نهب للمصائب مع كلّ جزعة شرقة و مع كلّ أكلة غصص ، و لا يستقبل من يعيش يوما من عمره إلاّ بفراق آخر من أجله و أنفسنا هي التي تسوقنا إلى الفناء فمن أين نرجو البقاء . فاطلب الخير من أهله و اعلم أنّ خيرا من الخير معطيه و شرّا من الشرّ فاعله الجاحظ [ البيان والتبيين ] وفي اعلى الشجرة، قد علق ساكنها، آية الكرسي ، وسورة العلق والفلق وفي جانبها الايمن ، وجد الزائر الجسور،